الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعجت بقلبي دماء الشباب
…
وضجت بصدري رياح أخر
انظر إلى الجناس في "عجت وضجت". ثم انظر إلى وقعه في نفسك وأثره الجميل في التركيب الموسيقي المتناغم.
ومن ذلك قوله: فقبلها قبلة
…
فهي وإن لم تفد سوى التوكيد في المعنى إلا أن الجرس هنا جيد.
رأيٌ في النص:
خلاصة هذا النص: أن الذي يريد الحرية ويعمل في سبيل تحقيقها متحديًا الظلم والعدوان فإنه سيصل إليها، بل إنها ستجيء إليه مهما كان الوضع قاتمًا ومعتمًا.
وعلَّنا ندرج هذه القصيدة ضمن القصائد الإنسانية التي لا تخص قومًا دون آخرين؛ لأن المعاني التي احتوتها معانٍ عامة كأنها نموذج لتجارب المريدين للحرية، الفارين من الظلم والعبودية. نقول هذا الحكم رغم أن الذي دفع الشاعر لنظم هذه القصيدة معاناة ذاتية من رؤية المعتدي يستغل مقدَّرَات شعبه وإمكاناته، لكن الشاعر لم يورد في قصيدته شيئًا يخص هذا الشعب بالذات؛ مما يدل على أن الفكرة جادة، وعميقة، وواقعية.
من الأشياء التي تميزت بها هذه القصيدة أن الشاعر استشهد لما يقول من فكرة بأشياء عديدة، كالريح الشديدة التي لا تخاف الجبال الوعرة بل تجتاحها.
كما استشهد بحديث الأرض التي تحب الطامحين وتبارك سعيهم بينما تكره الراضين بالهوان والذلة.
وغير هذه الدلائل من الطبيعة الملموسة، كالأفق الذي لا يحلق فيه إلا القوي من الطيور.
كل ما مضى يحسب للشاعر كما يحسب له فنيته المتفوقة، وتصويراته للطبيعة بحاسة فنية جميلة أشاد بها دارسو شعره، كما أجاد في عرض الفكرة التي ملأت نفسه واستطاع أن يقنع بها غيره.
ولكن كما أعطينا الشاعر حقه في الإشادة بالجميل الذي أتى به، فإننا نرى أن الشاعر قد جانب الصواب فيما يتصل بالفكر والعقيدة، أو ما يتصل بالأسلوب الذي عرض به الفكرة.
استفتح الشاعر قصديته بالفكرة العامة التي أراد إيصالها، ولكنه وقع في خطإ فادح عقديًّا، حينما جعل القدر ذا استجابة وإرادة من خلالها ينصاع للشعوب المريدة للحياة والحرية فيحقق لها ما تريد، ونسي الشاعر أو تناسى في خضم مشاعره الخيالية أن القدر بيد الله سبحانه وتعالى وحده، يصرفه كيف يشاء، على ما يريد، هو المقدر وحده وهو الآمر الناهي، لا شريك معه في حكمه. صحيح أن الحق هو المنتصر في النهاية لكن متى هذه النهاية؟ متي تحصل؟ هذا ما يقدره الله سبحانه ويتصرف فيه، فقد يحصل في القريب، وربما بعد أجيال عديدة، وليس وقت ما أراده الناس وثاروا لتحقيقه. نعم العمل واجب، والجد والكد مطلوبان، ولكن النتيجة ليست بأيدي الشعوب، إنها بيد الواحد الأحد الفرد الصمد عز وجل.
وعلى أثر هذا الخطأ ثار الناس وبخاصة المتدينون منهم على أبي القاسم؛ لأن الشاعر ولو لم يعتقد أو لم يدرك أبعاد هذا القول فإن عليه البعد عن المساس
بألفاظ العقيدة والدين لأن لها من الشرف والقداسة ما يبعدها عن أن ترمى بسوء أو ما يوهم بذلك.
كذلك من الأشياء التي تؤخذ على الشاعر -والظاهر أنها نتيجة لقلة خبرته في الحياة وصغر سنه، ولأثر الثورة البالغ في نفسه، فإننا نرى القصيدة مليئة بالصراخ والصوت المرتفع والجو الثوري الصاخب، والأفكار التي يتصور أنها هي الطريق الموصل للحرية، وهذا وهم منه؛ لأن أساليب الغزو تطورت وتمكن المستعمر من بلاد المسلمين عندما اتخذ صورًا وأشكالًا عميقة، والله المستعان. لا أقول هذا من باب التخذيل لا وربّي، وإنما الواقع يتطلب منا أن نواجهه بواقعية، وتفهم للأحداث، بعيدًا عن العواطف الثائرة؛ لأن وسيلة المواجهة لم تعد مقصورة على المواجهة الحربية، هذا شيء، والشيء الآخر أن الخطب الرنانة والقصائد الملتهبة لم تحقق نصرًا ولن تحقق.
وهناك نواحٍ أسلوبية أشار إليها النقاد في هذه القصيدة، مثل اعتماد الشاعر على الألفاظ التقريرية المباشرة قريبة التناول التي لا تحتاج إلى أعمال ذهن في معرفة المقصود منها. لكن هذا المأخذ قد يغتفر؛ لأنه يخاطب عامة الشعب بكل فئاته: الصغير والكبير، المتعلم وغيره، فاضطر إلى المستوى العام لكنه لم يسف ولم ينزل إلى العامية بل إن ألفاظه قد ركبها في تعبيرات جميلة رصينة مثل: "ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر
…
"، "إذا ما طمحت إلى غاية لبست المنى وخلعت الحذر" وأمثالها كثير.
وفي الختام أعلم يقينًا أنني لم أوفِّ الموضوع حقه، وقديمًا قيل:"ما لا يدرك كله لا يترك جلّه"، والحمد لله رب العالمين.
الطالب: مبارك بن سعيد آل زعير.