الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استفدت منه راحة الضمير، واستفدت منه ثقة الناس بما أقول وما أعمل، واستفدت منه حسن ظنهم بما يصدر عني ولو لم يفهموا سببه"1.
1 أحمد أمين: إلى ولدي، ط3، دار الكتاب العربي، بيروت 1969م، ص 16.
2-
المقالة الدينية
المقالة الدينية هي تلك المقالة "التي يهتم صاحبها بإبراز عاطفته الدينية نحو أمر يمس العقيدة أو يتصل بالمجتمع، فيكتب مقالة تبين عن رأيه فيما هو بصدده، متسمًا أسلوبه بالتدفق الشاعري نحو القيم الدينية، والذب عنها، والإخلاص لما تدفع إليه، فهو لا ينطلق في توجهه من عبث أو تلهٍّ أو استدرار، قدر ما يستند إلى ذلك المنبع العظيم النير المشرق، يستمد منه توجهه، ويمتح من نميره أفكاره"2.
وهي "تُعنى بدراسة قضايا العقيدة وشعائر الدين ودورهما في حياة الفرد والمجتمع، وبدهي أن موضوعاتها مما يمس حياة الإنسان وصلته بنفسه ومجتمعه وخالقه، ومن ثم فهي ذات جذور بعيدة في تراثنا العربي، غير أن تطور الحياة وما ظهر فيها من حياة الناس تتطلب تحديد الموقف الديني منها، وظهور العديد من المجلات الدينية مثل "الأزهر" و"الإخوان المسلمون" و"منبر الإسلام" و"نور الإسلام" و"هدي الإسلام" ساعد على ذيوع المقالة الدينية"3.
2 د. محمد العوين: المقالة في الأدب السعودي الحديث، ط1، مطابع الشرق الأوسط، الرياض1412هـ-1992م، 1/ 206.
3 د. أحمد محمد علي حنطور: فن المقال في الأدب المصري الحديث، ط1، التركي للكمبيوتر وطباعة الأوفست، طنطا 1996م، ص99.
وتسيطر عليها الروح الدينية، حيث تخاطب الوجدان المسلم، وتتلمس أسباب ضعف الكيان الإسلامي، ثم تبحث عن وسائل تقويته، والأسلوب في هذا النوع يستمد قوته من الاقتباس من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، وخطب الخلفاء الراشدين وكبار الأئمة.
ووسائل الإقناع هنا تكون نقلية غالبًا، حيث يدلل الكاتب على آرائه بآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وبالمأثور من خطب ومواعظ الأولياء، وقد تكون قياسية وذلك بضرب أمثلة من التاريخ الإسلامي، والاتكاء على سلوك الشخصيات الرائدة التي تمثل نماذج عامة في الوجود الإسلامي.
والمقالة الدينية كثيرًا ما تجنح إلى التاريخ تستلهمه العبر، وتستنطقه العظات، وتدلل به على مواجهة الحاضر وقضاياه المتشعبة.
ومن رواد كتابة المقالة الدينية في العصر الحديث: محمد عبده، ومحمد رشيد رضا. ومن كتابها الدكاترة والأساتذة: عباس محمود العقاد، وأحمد حسن الباقوري، ومحمد متولي الشعراوي، ومحمد الغزالي، ويوسف القرضاوي، ومحمد السعدي فرهود، وخالد محمد خالد، ومصطفى محمود، وعبد الحكيم الخطيب، ومحمد عبد الواحد حجازي، ومحمد فهمي عبد اللطيف، وأحمد زين، وأحمد بهجت، وأحمد عمر هاشم.. وغيرهم.
ومن نماذجها: هذه المقالة للدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الشثري، وعنوانها "كيف نحصن أولادنا"، وهذا نصها:
كيف نحصن أولادنا؟
للدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الشثري1:
يكون التحصين للأولاد بقيام الأسرة بدورها التربوي في المنزل، ومتابعة سير الحياة خارج المنزل، واستشعار هذا الدور التربوي، وأنه الحصن الواقي والسياج المانع من الوقوع في شرَك الغواية، وتضييع الأوقات في لغو وعبث، ولهو وخبث، أو تسلية غير بريئة وإثارة متعمدة.
فدور الوالدين يكمن في توجيه الأولاد إلى الشيء النافع والمفيد لهم، وتربيتهم على توحيد الله، وإخلاص العمل له، والمحبة والتذلل والخضوع له.
- تنمية حواسهم ومداركهم، للنظر في نعم الله التي بين أيديهم والتي لا يستغنون عنها من مأكل ومشرب، وملبس ومركب، وقيام وقعود، ونوم ويقظة، والتأمل في هذا الكون البديع الواسع، وتدبر آياته، وإدراك بديع صنع الله فيه، بما يقوي روح العقيدة في نفوسهم، ويمكن تطبيق هذا في الخروج بهم إلى نزهة أو فسحة، أو سفر ورحلة.
- تبصيرهم بالسلوكيات الخاطئة ليجتنبوها ويحذروها، وحفظ هممهم لبناء حياة فاضلة في مستقبل أيامهم، وكلٌّ يخاطب بحسب فهمه وإدراكه.
- بعث اليقظة الإسلامية في حياتهم، وتعميق جذور الإيمان في نفوسهم، حتى يقفوا في وجه التيارات الفكرية الضالة، فيردوا زيفها، ويدفعوا باطلها بالبرهان والحجة.
- لا يتوانى الوالد في تعليم أولاده القرآن الكريم، ثم العلوم النافعة؛ لأن
1 مجلة الدعوة، العدد 1705، 8 جمادى الأولى 1420هـ -19 أغسطس 1999م، ص29.
في ذلك سعادتهم في الدنيا والآخرة، قال عبد الملك بن مروان:"يا بَنِيَّ، تعلموا العلم، فإن كنتم سادة فقْتُم، وإن كنتم وسطًا سدتم، وإن كنت رعية عشتم". وعلى قدر ما يبذل في التربية من جهد، وما يبذر فيها من بذر، يكون النتاج والحصاد.
- تعهد الناشئة، وتوفير البيئة الصالحة، التي تكفل لهم حسن النشأة، ونماء القوة، وبناء الشخصية، والقدوة الحسنة.
- عرف أسلافنا عظم الأمانة، وثقل المسئولية، وأدركوا أن عليهم واجبًا عظيمًا، وهو ربط الجيل الناشئ بالأسس الثابتة التي إن تغيرت اهتزت الحياة، واضطرب نظامها، وأن يُنشئوا على الدين الحق، ولا يتركوا لنزغات الشياطين، ووساوس المضللين، ومن هنا كان على الآباء أن يحافظوا على صفاء فطرة أبنائهم، وأن يعمقوا في قلوبهم حقائق الإيمان، شيئًا فشيئًا، حسب الطاقة والاستعداد، بما يناسب أحوالهم، ثم عليهم أن يعلموهم معنى العبادة لله، وضرورتها للحفاظ على كيان الإنسان، فهو لا يجد طمأنينته وثقته وقوته وراحته إلا إذا غرس هذا في أعماقه، واستقر في فطرته، فإذا حرم حظه من العبادة تسرب الشقاء إلى نفسه، وضل في الحياة سعيه، مهما أوتي من العلم والذكاء، والقوة والثروة.
وبعد الإيمان والعبادة، يأتي الخلق والسلوك، فلا بد أن يكون الآباء قدوة للأبناء في الالتزام بمكارم الأخلاق، والترفع عن الدنايا والرذائل، وإلا فأي جدوى من النصح والوعظ والزجر!!
- يربى الولد على الشجاعة والإقدام، والجود والصبر، والإنصاف والإيثار، والسماحة واليسر، والعفة والأمانة، والمروءة والوفاء، والعزة والكرامة، وهذه أخلاق دعا إليها القرآن، ثم تغرس هذه الصفات في نفوس الناشئة، وتسقى بماء النصح والإرشاد، حتى تصبح ملكة من ملكات النفس، ثم تكون ثمرتها الفضيلة والخير وحب العلم لنفع الدين والأمة والوطن.
- من أحسن تربية أولاده، قاموا بواجبه، ورفعوا من مقامه، وكانوا له خدمًا في كبره، يوم لا يجد من يخدمه سوى أولاده البررة، الذين قام بواجبهم في زمن نشأتهم، وكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل.
- من النافع المفيد للأولاد وللأسرة جميعًا إيصالهم بالكتاب ذي الفكر النزيه والتوجيه السليم، وإسماعهم الكلمة الطيبة، وهذا يقتضي أن يكون في البيت مكتبة خاصة بالأسرة في المنزل، ووجودها أهم بكثير من التوسع في الأمتعة والزخارف والتحف، التي تشترى بأغلى الأثمان، والطفل عندما يفتح عينيه على مكتبة في المنزل، ويرى أفراد الأسرة يترددون عليها، ويتعاملون معها، قراءة ومراجعة، وإطلاعًا ومساءلة، حينئذ تتكون لديه رغبة في المطالعة وحب القراءة.
والله الموفق للصواب، وهو الهادي إلى سواء الصراط.