الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العناصر المميزة للمسرحية
مدخل
…
العناصر المميزة للمسرحية:
1-
البناء.
2-
الحوار.
3-
الصراع.
1-
البناء
يختلف بناء المسرحية عن بناء القصة في جانبين:
أ- شكل البناء: "ففصول المسرحية محدودة، وفصول القصة لا حد لها ولا سيما في الرواية، وإن كان هناك تشابه في الحجم بين القصة القصيرة والمسرحية المكونة من فصل واحد".
ب- أسلوب البناء: "وهو في المسرحية يقوم على التصاعد بالصراع إلى غايته، في خط متنامٍ نحو قمة مشحونة بالتوتر، ثم يتجه الخط نحو القرار الحاسم في النهاية، أما القصة فتقوم على التشابك والتعقيد في هدوء حتى ينتهي إلى الحل.
2-
الحوار:
تقوم المسرحية على الحوار، وتقوم القصة على الحكاية وإن جاء فيها الحوار فهو غير أساسي، وهناك وسائل إضافية تساعد النص المسرحي عندما يعرض
على خشبة المسرح كالموسيقا التصويرية، والإضاءة وغيرهما. لكن النص نفسه لا يجري فيه من فنون القول سوى الحوار، ولذلك يقال:"لا مسرح بلا حوار"؛ وقد يكون بين شخصين، أو مناجاة بين الشخص ونفسه، يكشف به الكاتب أغوار الشخصية وهمومها الكامنة ودوافعها الخفية. وأحيانا يكون الحديث من طرف واحد ظاهر، ندرك من خلاله الطرف الآخر، وهدفه إبراز أفكار المتحدث ونواياه للمشاهدين. ويرى النقاد أن الحوار يدل على قدرة الكاتب، ويشترطون لنجاحه أن تتحقق فيه المقومات الآتية:
أ- أن يكون حيًّا نابضًا مركزًا حتى لا يمله المشاهدون والقراء.
ب- أن يعبر دائمًا عن انفعالات الأشخاص في حالاتها المختلفة من الرضا والغضب، والذكاء والغباء، وغير ذلك. فليس الحوار مجرد سؤال وجواب، أو مجرد مناقشة عقلية يشترك فيها أكثر من شخص. وإذا كان كذلك رأيناه سقيمًا ومملًّا.
جـ- أن يكون ملائمًا لمستوى الشخصيات عقليًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا؛ ولذلك يتنوع أسلوب المسرحية تبعًا لتنوع شخصياتها، على الرغم من أن الكاتب هو المؤلف للحوار، بخلاف أسلوب القصة الذي يكون في مستوى واحد.
3-
الصراع:
هو عقدة المسرحية، وإذا كان الحوار هو الجانب المحسوس في المسرحية فإن الصراع هو الجانب المعنوي لها، وإذا صح قول النقاد:"لا مسرحية بغير حوار" فيصح أن نضيف: "ولا مسرحية بغير صراع"؛ فالصراع عنصر قائم في الحياة بين الخير والشر، سواء أكان بين أشخاص حول مبدأ أم فكرة، ونزعة، أم هدف، أم بين الشخص نفسه.
والمسرحية هي أكثر الفنون الأدبية ارتباطًا بحياة الناس، وفي كل شخص جوانب ضعف وجوانب قوة وأعماله موزعة بين الخير والشر. ويظهر الصراع في المسرحية في أكثر من مستوى، ويوشك كل شخص فيها أن تكون له مشكلة خاصة، ولكن إلى جانب ذلك هناك صراع عام رئيس، ومحوري، يؤدي إلى تأزم الموقف، حتى يكون الحل نهاية لتلك العقدة، أما القصة فأساسها مشكلة تحتاج إلى حل.
أنواع المسرحية
مدخل
…
أنواع المسرحية
1-
المأساة.
2-
الملهاة.
1-
المأساة:
وهي "التراجيديا" وتنتهي بفاجعة، ولكنها تؤكد قيمة إنسانية كبرى، وكانت في بدايتها مقصورة على تصوير حياة العظماء، فأصبحت اليوم تتناول عامة الناس، وتتميز بالجدية، وحدة العواطف، وصعوبة الاختيار في المواقف، وسلامة اللغة في الصياغة.
2-
الملهاة:
وهي"الكوميديا"،وموضوعاتها واقعية من المشكلات اليومية، ويغلب عليها الطابع المحلي، وعنصر الفكاهة رئيس فيها. ونهايتها غالبًا سعيدة. وتنقسم الملهاة قسمين هما:
أ- الملهاة الجادة:
ويغلب عليها الطابع النقدي، والإضحاك فيها وسيلة لإبراز عيوب المجتمع، فهي هادفة، وبناؤها محكم، وأشخاصها لهم أدوار محددة.
ب- الملهاة الهزلية:
وهي غير هادفة ولا محكمة البناء، وموضوعها غالبًا هزيل، والإضحاك هدفها الرئيس. وهذا التقسيم بين الملهاة والمأساة لم يعد قائمًا في المسرح المعاصر، فالحياة مزيج منها، ولذلك فإننا نرى مسرحيات تختلط فيها المأساة بالملهاة مثل مسرحية صلاح عبد الصبور الشعرية "مسافر ليل".
نماذج
…
1-
نموذج من المسرح النثري من مسرحية "الدودة والثعبان" لعلي أحمد باكثير
ملخص أحداث المسرحية
وتبدأ أحداثها في منزل الشيخ "سليمان الجوسقي"، شيخ المكفوفين في القاهرة، حيث يخبره أحد أتباعه بتقدم الحملة الفرنسية على مصر من قرية "شبراخيت" إلى قرية "أم دينار" -بمحافظة البحيرة- دون أن يعترض سبيلها أحد من المماليك، فيقترح "الجوسقي" على الحاضرين في مجلسه من أعيان البلاد فكرة تكوين جيش شعبي من أبناء الوطن للدفاع عنه بدلًا من الاعتماد على المماليك أو الأتراك، الذين لا تهمهم غير مصالحهم الشخصية. ثم يطلب من الأعيان أن يعودوا إلى بلادهم لجمع الشباب وتسليحهم وتدريبهم، حتى إذا قامت الثورة في القاهرة ضد الغزاة اشتعلت نيرانها في جميع القرى والمدن في وقت واحد، فلا يقدرون على إخمادها، ثم يحضر إلى المجلس شخص من أتباع
الجوسقي حاملًا رسالة من السيد "محمد كريم" يعتذر فيها عن عدم حضوره من الإسكندرية؛ لأن الظروف تقتضي بقاءه فيها، ويعلن تأييده لآراء "الجوسقي" وفي هذا الوقت يدخل "المسيو روستي" قنصل النمسا، والشيخ "إبراهيم أدهم" القاضي التركي، ويتطرق الحديث في المجلس إلى جيش "نابليون" الذي اقترب من العاصمة، دون أن يخرج أمراء المماليك للقائه في حين سبقهم جنود "مراد بك" في "إمبابة" وجنود "إبراهيم بك" في "بولاق".
وكان السيد عمر مكرم يطوف الشوارع، ويجمع الناس لمقاومة الجيش الفرنسي حين دخل إلى القاهرة، وبينما تتوقع البلاد هجوم الحملة الفرنسية يحضر زعيما المماليك:"إبرهيم" و"مراد" ليودعا ثروتهما عند الشيخ "الجوسقي"، لتكون في مأمن لو نجح الفرنسيون في دخول القاهرة، فيرفض "الجوسقي" ودائعهما، ويتهمهما بإهمال الدفاع عن البلاد، وبالتفكير في المصلحة الخاصة. ويحتل الفرنسيون القاهرة، ويعلن "نابليون" نفسه حاكمًا لمصر. فيذهب إليه "الجوسقي" لإقناعه بتكوين جيش من شباب مصر حسن التدريب لمطاردة المماليك الذين فروا إلى الصعيد والقضاء عليهم، وكان الهدف الحقيقي "للجوسقي" من هذا الاقتراح أن يصبح هذا الجيش الشعبي وسيلة لمقاومة الفرنسيين وطردهم في المستقبل، ولم تجز هذه الحيلة على "نابليون"، فلجأ "الجوسقي" إلى التعبئة السرية، والإعداد للثورة ضد المحتلين.
ثم قامت ثورة القاهرة ضد الحملة الفرنسية، وقبض على زعمائها، ومنهم "الجوسقي"، الذي رفض أن يدلي إلى "نابيليون" بأية معلومات، ولم يخضع أمام التهديد أو الإغراء بأن يجعله سلطانًا للبلاد. وهو في الحقيقة يريد بهذا الإغراء أن يأمن جانبه وجانب أتباعه، ولكن "الجوسقي" يرفض العرض في لباقة،
زاعمًا أنه لو قبل هذه السلطنة لجلبت "لنابليون" المتاعب، لأن الناس عند ذلك سيثورون عليه، ويقولون: إنه ولى رجلًا أعمى سلطانًا عليهم.
والحقيقة أن "الجوسقي" كان يريد أن يبقى حرًّا في نضال الفرنسيين، وفي التدبير السري للثورة عليهم، ولذلك غضب منه "نابليون"، وأراد "الجوسقي" أن يسخر من "نابليون" فأصر على أن يريه ابنه "داود" لعلمه أن ابنه هذا -وكان معتوهًا وفي عقله خبل- سيسيء إلى "نابليون" عندما يراه، وقد كان، فقد وصف "نابليون" بأنه صبي صغير، وعند ذلك قال "الجوسقي" لنابليون: معذرة يا سيدي، إن كان هذا يصلح ولي عهد لي، فأنا أصلح سلطانًا لمصر، ولم ترضَ زوجته "ناصحة" منه هذا الموقف، فهي تريد زوجها أن يفكر في مصلحته الخاصة، وفي مصير أسرته ويقبل أن يكون سلطانًا، وهي بهذا تدل على مدى سذاجة تفكيرها، ونظرتها الضيقة، وهذا يلائم طبيعتها وشخصيتها ورؤيتها القاصرة، ولكن زوجها "الجوسقي" مختلف عنها تمامًا، فهو رجل وطني له مكانته، واعتزازه بشخصه ورأيه، لا ينظر إلى تحقيق مصلحة خاصة تكون عاقبتها وخيمة، بل يؤثر عليها المصلحة العامة مهما جلبت له من متاعب.
وقد نجح الحوار في تصوير الشخصيات، وكان ملائمًا كل الملائمة لطبيعة كل شخصية، معبرًا عن رؤيتها للأشياء، ناقلًا في أمانة المواقف الخاصة بكل شخصية.
لنقرأ معًا هذ الحوار الذي دار بين الشيخ "الجوسقي" وزوجته ناصحة بعد أن رفض ما عرض عليه "نابليون" من أن يكون سلطانًا لمصر، وتركه يخرج من عنده غاضبًا
…
ناصحة: تعال هنا يا سيدنا الشيخ. كيف ترفض ما عرضه عليك؟
الجوسقي: إنه أراد أن يستدرجني يا ناصحة!!
ناصحة: يستدرجك؟
الجوسقي: حتي أسقط في عيون الناس، فينفضوا عني، إذا علموا أنني طامع في منصب السلطنة.
ناصحة: لكنك كنت طامعًا في هذا المنصب، وتعمل له منذ خمس وعشرين سنة. فماذا كنت ستصنع؟
الجوسقي: كنت سأنشئ جيش الشعب، وأطرد المماليك من البلاد، وأحرر الأمة من ظلمهم، ثم أعلن نفسي سلطانًا، فلا يختلف في اثنان.
ناصحة: لكن ذلك أصبح مستحيلًا اليوم بعد مجيء الفرنسيين، فلماذا لا تقبل لما يعرضه كبيرهم عليك؟
الجوسقي: لا يا ناصحة. لا أقبل أن أكون خادمًا للفرنسيين. خائنًا للأمة.
ناصحة: انقلب عليهم بعد ذلك، بعد أن تكون سلطانًا نافذ الكلمة.
الجوسقي: هيهات يا ناصحة؛ من باع نفسه للشيطان لا يستردها أبدًا.
ناصحة: وما عاقبة هذا الذي أنت فيه؟ ما سمعته يهددك ويتوعدك؟
الجوسقي: فكيف آمنه على نفسي بعد ذلك يا ناصحة؟
ناصحة: إذا أرضيته وسايرته.
الجوسقي: إنه عرف حقيقتي يا ناصحة!
ناصحة: ولذلك أراد أن يصطنعك.
الجوسقي: ليقضي علي بعد أن أقضي له وطره.
ناصحة: ومصيرنا يا سيدنا الشيخ، ألا تفكر فيه؟
الجوسقي: المصير بيد الله يا ناصحة1.
وإليك هذا الحوار الذي دار في ختامها بينه وبين "نابليون" الذي عرض عليه أن يكون سلطانًا على البلاد فرفض متعللًا بأن الفرنسيين قتلوا زوجته وابنه، وأن زوجته هي التي كانت تزين له فكرة السلطنة وقد ماتت فلا يجد داعيًا لقبول الفكرة.
نابليون: وكنت تقبل اليوم لو كانت على قيد الحياة؟
الجوسقي: نعم.
نابليون: فاعلم إذن أنها لم تقتل وأنها معززة مكرمة في بيتك.
الجوسقي: ماذا تقول؟
"يومئ نابليون بيده، فإذا ناصحة تدخل منتقبة، ومعها ابنها داود، وزوجته، وبعض "الوصائف".
ناصحة: كيف أنت يا سيدنا الشيخ؟ الحمد لله على عافيتك، هذا داود وامرأته جاءا معي لرؤيتك.
نابليون: الأسرة المالكة!
الجوسقي: "على حدة" الشجرة المعلونة!
داود: أنت بخير يا أبه؟
1 انظر مسرحية "الدودة والثعبان" لعلي أحمد باكثير، مطبعة مصر، القاهرة، د. ت، ص105، 106.
الجوسقي: بخير يا بني. اسبقوني يا أم داود إلى البيت. أنا آتٍ إليكم على الأثر.
ناصحة: ألم أقل لكم أن زوجي رجل غيور؟ هيا بنا يا أولاد. لا تتأخر كثيرًا يا سيدنا الشيخ. نحن في انتظارك..
"تخرج هي ومن معها".
نابليون: هل اطمأنت الآن يا شيخ سليمان؟
الجوسقي: وصديقي الشيخ مصيلحي؟
نابليون: سنطلق سراحه أيضًا ونكرمه من أجلك.
المصيلحي: "هامسا" يا شيخ سليمان إياك أن تبيع نفسك:
الجوسقي: معاذ الله يا شيخ مصيلحي. اطمئن.
نابليون: تريد شيئًا آخر.
الجوسقي: نعم أريد أن تعاهدني "يا جنرال بونابرت" بشرفك "يمد يده".
نابليون: "بكل سرور" يمد يده ويصافح الجوسقي، يلطمه الجوسقي بيده اليسرى لطمة قوية رنت في القاعة. مفاجأة أذهلت الجميع".
نابليون: "صائحا بالفرنسية": وغد.
الجوسقي: معذرة يا بونابرت هذه ليست يدي. هذه يد الشعب.
نابليون: خذوه، عذبوه، ثم اقتلوه1.
فأنت تلاحظ في هذا الملخص ما يأتي:
1 المسرحية السابقة، ص130، 131.
1-
الحادثة: وهي القصة التي تعرضها المسرحية كسلسلة متصلة الحلقات.
2-
الشخوص: وهم الشيخ "الجوسقي" بطل المسرحية، وزوجته "ناصحة" وابنه "داود"، و"إبراهيم بك"، و"مراد بك"، و"نابليون"، والأعيان، والقاضي التركي، وقنصل النسما، و"عمر مكرم"، وبعض أتباع "الجوسقي". وبعض هؤلاء شخوص رئيسة "كالجوسقي"، وهو الشخصية المحورية النامية، والمشاهد يراها على المسرح، ويتعرف أبعادها الظاهرية والباطنية من خلال حركتها وكلامها، والباقي شخصيات ثانوية تساعد على إبراز الموقف والأحداث كما حدث في ظهور شخصية "داود" على المسرح فلم يكن ظهورها لمجرد أن نتعرف عليها أو يتعرف عليها "نابليون" كما زعم والده "الجوسقي"، ولو كان كذلك لكانت شخصية مسطحة، ولكنها في الحقيقة لها دورها الذي أراد به "الجوسقي" أن يسخر من "نابليون"، فأصر على أن يريه ابنه لعلمه أنه سيسيء إليه عندما يراه. وبهذا نجح الكاتب في أمرين معًا: في رسم شخصية "داود"، وفي إعطائها دورًا كان الموقف يقتضيه وإن كان دورًا ثانويًّا.
3-
الفكرة: مسرحية "الدودة والثعبان" تمثل المسرحية التاريخية، التي تحمل أكثر من فكرة تخدم الواقع. فقد كانت هذه المسرحية في أعقاب حرب الخامس من يونيو 1967 ولهذا نجد الكاتب يلح على فكرة إنشاء جيش من الشعب1 مدرب على القتال أحسن تدريب حتى يدافع عن البلاد بنفسه بدلًا من المماليك والأتراك، ولهذه الفكرة الآن مغزاها وارتباطها بحياتنا، فما حدث في
1 انظر فصل "جيش الشعب" في كتاب د. أحمد السعدني: "أدب باكثير المسرحي، الجزء الأول: المسرح السياسي"، ط1، مكتبة الطليعة، أسيوط1980م، ص109، 144.
هزيمة يونيو 1967 يرجع إلى أن الجيش لم يكن مدربًا تدريبًا عصريًّا كافيًا، وقد أشاع الأعداء بعد تلك الهزيمة أن الشعب المصري غير مدرب، ولا يمكن الاعتماد عليه في الدفاع عن البلاد، ولكن الكاتب رد على ذلك بأن الهزيمة سببها سوء التدريب، وقلة النظام، وغياب القيادة الواعية، وهكذا تبدو أفكار الكاتب شديدة الارتباط بالأحداث المعاصرة مع أنه يعرض في المسرحية حقبة تاريخية سابقة.
4-
الزمان والمكان: الكاتب يحدد البيئة الزمانية وهي هنا فترة الحملة الفرنسية، كما يحدد البيئة المكانية وهي القاهرة، وذلك يساعد على تمثيل الأحداث والأشخاص تمثيلًا سليمًا، ويؤثر في تشكيل طبيعة المسرحية وما فيها من أزياء وعادات ومناظر، كما أن الكاتب يراعي الزمان المحدد لعرض المسرحية على جمهور لايستطيع مشاهدتها في أكثر من ثلاث ساعات، كما أن منصة المسرح لا تتسع لحشد جيشين متحاربين، ولذلك اجتنب الكاتب كثيرًا من التفصيلات واكتفى بأبرز المواقف.
5-
البناء:
أ- من حيث الشكل: تكونت مسرحية "الدودة والثعبان" من أربعة فصول. في الفصل الأول منها قدم الأشخاص وبداية المشكلة الأساس، وهي الدفاع ضد الغزاة الفرنسيين الذين أصبحوا على مشارف القاهرة، وليس هناك من يتصدر لهم. وفي الفصل الثاني أضاف بعض الشخصيات وأشعل الصراع في عدة اتجاهات. وفي الفصل الثالث تمت حركة التنظيم السري لمقاومة الحملة الفرنسية وإعلان الثورة ضدها، وفي الفصل الرابع والأخير محاكمة زعماء الثورة ونهاية "الجوسقي".
ب- أما من حيث أسلوب البناء: فقد اتخذت المسرحية خطًّا ناميًا صاعدًا نحو قمة مشحونة بالصراع والتوتر واتجهت إلى القرار الحاسم في النهاية.
6-
الحوار: قدمنا لك نموذجًا منه كان ملائمًا لطبيعة المشتركين فيه، ناقلا لأفكارهم وعواطفهم، فالجوسقي يرفض السلطة حتى لا يكون ألعوبة في يد الاحتلال، ولكنه يبرر ذلك الرفض بطريقة لا تغضب "نابليون"، حتى تتاح له الفرصة لاستدراجه وصفعه تعبيرًا عن إرادة الشعب. والمصيلحي يحذر "الجوسقي" من الخضوع للإغراء، وفي ذلك دلالة على صمود الشعب المصري، أما "نابليون" فحريص على تحقيق عدة أهداف من وراء قبول"الجوسقي" للسلطنة، فهو يجعل منه وسيلة لإخماد الثورة، وستارًا للاحتلال، وأداة للقضاء على المماليك، ثم يبعده عن الشعب، ويفقده ثقته فيه بتعاونه مع المحتلين.
7-
الصراع: عرفت أن الحوار هو الجانب المحسوس في المسرحية وأن الصراع هو الجانب المعنوي لها، وأنه "لا مسرحية بلا حوار ولا صراع " لأنهما الجانبان الجوهريان في كل عمل مسرحي، وإذا رجعنا إلى الصراع في مسرحية "الدودة والثعبان" فسوف نجده عنيفًا في عدة اتجاهات.
أ- صراع في نفس "نابليون" بين نجاحه العسكري وفشله العاطفي مع حبيبته "جوزفين" مما دفعه إلى القسوة.
ب- صراع بين "الجوسقي" وزوجته حول قبول السلطنة ورفضها.
جـ- صراع بين "الجوسقي و"نابليون" حول فكرة الجيش الشعبي وإخفاء الهدف الحقيقي عنه.
د- صراع بين الجوسقي" وبعض زعماء الثورة حول الطريقة الناجحة للمقاومة. وهكذا استمر التأزم حتى جاء القرار الحاسم بالصفعة على وجه المحتل لتصنع النهاية لحياة هذا البطل المقاوم.
2-
نموذج من المسرح الشعري من مسرحية " مجنون ليلى" لأحمد شوقي
ملخص أحداث المسرحية:
ألف أحمد شوقي مسرحية "مجنون ليلى"1 وهي مأساة عربية لها أصول تاريخية مذكورة في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني عقدتها الصراع بين الحب والتقاليد القبلية التي ترفض زواج العاشق بالفتاة التي يتغزل بها ويذكرها في شعره؛ لأن ذلك يسيء إلى سمعة القبيلة.
والمسرحية خمسة فصول: في الفصل الأول: يجتمع الفتيان والفتيات للسمر، ويأتي ذكر قيس ورغبته في الزواج من "ليلى" فتغضب، وتعلن مشكلتها وهي أنه فضحها في شعره، ويدخل قيس مدعيًا أنه يطلب نارًا، ويحضر أبوها لطرده.
وفي الفصل الثاني: نجد قيسًا شبه مجنون، ويذهبون به إلى الكعبة ليدعو الله أن يشفيه من حب ليلى، ولكنه يدعو الله ألا يشفيه من حبها، وهناك يراه الأمير عمر بن عبد الرحمن بن عوف فيعرض عليه أن يشفع له عند الخليفة حتى لا يهدر دمه، فيطلب قيس منه أن يشفع له عند "ليلى".
وفي الفصل الثالث: نرى "ابن عوف" يحاول إقناع "المهدي" والد "ليلي" بقبول "قيس" زوجًا لها، فيفوض "ليلى" في الحكم، فتحكم برفض شفاعة ابن
1 المجنون: هو قيس بن الملوح الذي أحب ليلى بنت المهدي حبًّا عفيفًا، وفتن بها إلى درجة كبيرة، وحالت التقاليد بينه وبين زواجها لأنه ذكرها في شعره، فانطلق هائمًا على وجهه في الصحراء، ولقب بالمجنون أو مجنون ليلى. انظر في ترجمته: الأعلام 5: 208، 209.
عوف ورفض الزواج من "قيس" الذي تحبه احترامًا للتقاليد، ثم تتزوج "ورْدا" الثقفي.
وفي الفصل الرابع نرى "قيسا" هائمًا يريد أن يصل إلى بيت "ليلى" في ديار ثقيف فيضل الطريق، ويقع في قرية من قرى الجن. وبعد حوار طويل يرشده شيطان إلى ديار "ليلى" فيلتقي بها. ويتركه زوجها "ورد" معها فيشكو لها حبه. ويطلب منها أن تهرب معه ولكنها ترفض احترامًا لحق الزوجية فينصرف كالمجنون، وتمرض "ليلى".
وفي الفصل الخامس تموت "ليلي" وتدفن، وأبوها وزوجها "ورد" يتقبلان العزاء، ولكن الناس ينفرون من "ورد" ويتشاءمون منه، ثم يظهر "قيس" فجأة ويعلم بالفاجعة، فيرتمي على قبر "ليلى" وهو يبكي، ويرثيها ويرثي نفسه، ويسمع صوتًا من القبر يناديه، كأنه صوت "ليلى"، فيرد عليه قائلًا: لبيك بالروح والجسم، ثم يموت.
ونختار جزءًا من الفصل الثالث من المسرحية، حيث يجلس "المهدي" أمام خيمته في ديار "بني عامر" بالحجاز، ويقبل الأمير "عمر بن عبد الرحمن بن عوف"، والي الصدقات، وقد قبل أن يكون شفيعًا لقيس بن الملوح في طلب زواجه من "ليلى" بنت "المهدي" آملًا أن تكون مكانته سبيلًا إلى إقناع ليلى وأبيها بقبول قيس زوجًا "لليلى".
الزمان: العصر الأموي.
المكان: خيمة "المهدي" في ديار بني عامر بالحجاز.
الأشخاص: "المهدي" أبو"ليلى"، " ليلي" بنت "المهدي"، الأمير عمر بن عبد الرحمن بن عوف والي الصدقات بالحجاز.
المهدي:
هو الضيف ياليلَ هاتي الرطب
…
وهاتي الشواء وهاتي الحلب
وهاتي من الشهد ما يشتهى
…
ومن سمنه الحي ما يُطَّلب
فما هو ضيف ككل الضيوف
…
ولكن أميرٌ كريم الحسبْ
"ليلى" من وراء الحجاب:
أبي ألف لبيك
ابن عوف:
لا بل قفي
…
فما بي ظِماء، ولابي سَغَب
وأعلم أن القِرى دينكم
…
وأن أباكِ جوادُ العرب
ولكن طعاميَ
المهدي:
ماذا؟ اقترح
ابن عوف:
طعام الرسول بلوغ الأرب
المهدي:
إذا قفي، ليلى اقربي
…
تقدمي وسلمي
حل ابن عوف عندنا
…
أكرم به وأحبب
ليلى:
قد زارنا الغيث فأهـ
…
ـلا بالغمام الصيب
ابن عوف:
أهلا بليلى.. بالجمال
…
بالحجا..بالأدب
عشت وقيسا فلقد
…
نوهتما بالعرب
ليلى: "بين الخجل والغضب":
أتقرن قيسًا بنا يا أمير؟
ابن عوف:
ولم لا؟
…
وقد جئت من أجله
ومن أنا حتى أضم القلوب
…
وأعطف شكلا على شكله
لقد جمع الحب روحيكما
…
وما زال يجمع في حبله
ليلى "في استحياء":
أجل يا أمير عرفت الهوى
ابن عوف:
فهلا؟
…
عطفت على أهله؟
"ثم يلتفت إلى المهدي ويقول":
أبا العامرية قلب الفتاة
…
يقول وينطق عن نبله
فأصغ له وترفق به
…
ولا يسع ظلمك في قتله
ليلى:
أقيسًا تريد؟
ابن عوف:
نعم
ليلى:
إنه منى القلب أو منتهى شغله
ولكن أترضى حجابي يُزال
…
وتمشي الظنون على سدله
ويمشي أبي فيغض الجبين
…
وينظر في الأرض من ذله
يداري لأجلي فضول الشيوخ
…
ويقتلني الغم من أجله
يمينًا لقيت الأمرين من
…
حماقة قيس ومن جهله
فضحت به في شعاب الحجاز
…
وفي حزن نجد وفي سهله
فخذ قيس يا سيدي في حماك
…
وألق الأمان على رحله
ولا يفتكر ساعة بالزواج
…
ولو كان مروان من رسله
ابن عوف:
إذن لن تقبلي قيسًا
…
ولن ترضي به بعلًا!!
إذن أخفق مسعاي
…
وخاب القصد يا ليلى
ليلى:
على أنك مشكور
…
ولا أنسى لك الفضلا
وأوصيك بقيس الخيـ
…
ـر، لا زلت له أهلا
لقد يعوزه حامٍ
…
فكنه أيها المولى
وتنفرد ليلى بنفسها، وتراجع موقفها، وترى أنها قد تعجلت في رفض شفاعة ابن عوف، فتندم على ما كان منها وتقول":
رباه ماذا قلت ماذا كان من
…
شأن الأمير الأريحي وشأني
في موقف كان ابن عوف محسنًا
…
فيه وكنت قليلة الإحسان
فزعمت قيسًا نالنا بمساءة
…
ورمى حجابي أو أزال صياني
والنفس تعلم أن قيسًا قد بنى
…
مجدي وقيس للمكارم باني
لولا قصائده التي نوّهن بي
…
في البيد ما علم الزمان مكاني
نجد غدا يطوي ويفنى أهله
…
وقصيد قيس فيّ ليس بفاني
مالي غضبت فضاع أمري من يدي
…
والأمر يخرج من يد الغضبان
قالوا انظري ما تحكمين فليتني
…
أبصرت رشدي أو ملكت عناني
ما زلت أهذي بالوساوس ساعة
…
حتى قتلت اثنين بالهذيان
وكأنني مأمورة وكأنما
…
قد كان شيطان يقود لساني
قدرت أشياء وقدر غيرها
…
حظ يخط مصاير الإنسان1.
1 أحمد شوقي، مجنون ليلى، مطبعة الكيلاني، القاهرة، 1967م، ص72 وما بعدها.
تطبيق عناصر المسرحية على النص
مدخل
…
تطبيق عناصر المسرحية على النص:
لا نستطيع الحكم على المسرحية ولا استنتاج عناصرها من هذا المشهد القصير، ولكن يمكن في ضوء هذا المشهد عرض العناصر الآتية:
1-
الحادثة:
هي تسلسل الأحداث وتشابكها، لنصل إلى هذا الموقف الذي يصوره هذا المشهد الذي نرى فيه "ابن عوف" يحاول إقناع "المهدي" بقبول "قيس" زوجًا لابنته "ليلى"، فيترك والدُها لها حرية الرأي الحكم، فترفض شفاعة "ابن عوف"، وترفض الزواج من "قيس" الذي تحبه احترامًا للتقاليد.
والشاعر لم يعرض الأحداث عرضًا تاريخيًّا كما حدثت في الواقع، وإنما يعرضها من وجهة نظره، ويضيف إليها من خياله ما يحقق الغاية التي تهدف إليها، مع الاحتفاظ بما رسمه التاريخ من خطوط رئيسة.
2-
الشخوص
نوعان: شخوص رئيسة محورية، وهي هنا شخصية "ليلى" التي تدور حولها معظم الأحداث.
وشخوص ثانوية: غير أساسية له أدوار محددة تدفع المسرحية إلى النمو باستمرار، ومنها في هذا المشهد "ابن عوف" و"المهدي"، والملامح البارزة للشخصيات كما تبدو من الحوار:
أ- ليلى: فتاة عاقلة، وذكية، وجميلة، تضبط مشاعرها، وتسيطر على عواطفها، وتحرص على سمعتها ومكانة أبيها، وتضحي بسعادتها في سبيل التقاليد العربية للقبيلة، ومع ذلك لا تنسى "قيسًا" وتوصي به خيرًا.
ب- المهدي: عربي كريم، يترك الحكم لابنته على الرغم من حرصه على التقاليد.
جـ- ابن عوف: أمير رقيق القلب، اجتماعي، لم تمنعه مكانته من التوسط بين العاشقين.
3-
الفكرة:
وهي مغزى المسرحية: وما يهدف الشاعر إلى إبرازه من خلال المسرحية، وهي عرض صور من الأخلاق العربية الأصيلة، والتقاليد العريقة، مما يساعد على ترسيخ قيمنا الأخلاقية، ومثلنا الفاضلة.
4-
الزمان والمكان:
وتحديدهما يساعد على فهم الأحداث، وتصور الجو النفسي والاجتماعي المسيطر على سلوك الشخوص.
5
البناء:
يشمل حجم المسرحية وأسلوبها، والمسرحية من خمسة فصول -سبق استعراضها- والبناء الأسلوبي لها يتدرج بالأحداث في خط صاعد، يصل بها إلى هذا الموقف المتأزم، ثم يتجه إلى الحل والاستقرار، الذي يتمثل في موت البطلين: قيس وليلى، ورسم مأساة تصير مثلًا أعلى للحب والتضحية.
6-
الحوار:
يقولون: "لامسرحية بلا حوار"، وهذا دليل على أهميته في العمل المسرحي، و"أحمد شوقي" هنا استطاع ببراعته أن يلائم بين أسلوب الحوار والشخصيات، بحيث جعله حيًّا معبرًا عن طبيعة الشخصيات، كما أنه يحدد مجالها، ويصور ملامحها النفسية.
7-
الصراع:
ويقولون كذلك: "إنه لا مسرحية بلا صراع" ومعنى ذلك أهمية عنصر الصراع في المسرحية، وهو يظهر في نفس "ليلى" متمثلًا في حبها الجارف لقيس، وفي خضوعها لسلطان التقاليد، وقد ظهر ذلك في ثنايا المسرحية.
نموذجان لمسرحية الفصل الواحد
مدخل
…
نموذجان لمسرحية الفصل الواحد:
ونقدم في نهاية هذا الفصل نموذجًا لمسرحية الفصل الواحد:
1-
جابر عثرات الكرام
1 للأستاذ أنور صالح جعفر
"المشهد الأول"
"مجلس أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك، يدخل الحاجب"
الحاجب: خزيمة بن بشر بالباب يا أمير المؤمنين.
سليمان: ويحك يا رجل.. منذ متى وهو على الباب ينتظرالإذن بالدخول؟
الحاجب: ما وفد إلا الساعة يا أمير المؤمنين ومازالت عليه غبرة السفر.
سليمان: أهلًا به ومرحبًا.. فليدخل.
"يخرج الحاجب، يدخل خزيمة".
خزيمة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين.
سليمان: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا ابن بشر.. بالله عليك ما الذي أبطأك عنا كل هذا الوقت؟
خزيمة: ما أبطأني يا أمير المؤمنين إلا سوء الحال.
سليمان: ولماذا لم تعجل بالنهوض إلينا.
خزيمة: الضعف وقلة الحيلة.
سليمان: لا حول ولا قوة إلا بالله.. وبم نهضت الآن إذن؟
خزيمة: لذلك قصة غريبة لو أذنت لي يا أمير المؤمنين قصصتها.
سليمان: قد فرغنا من مشاغلنا وقضينا حوائج الناس والحمد الله، فهات ما عندك.
خزيمة: تعلم أعزك الله يا أمير المؤمنين أني بفضل الله وكرمه كنت في نعمة سابغة وخير عميم.
1 مجلة "الوعي الإسلامي"، العدد "351" ذو القعدة 1415 هـ أبريل 1995م، ص91، 92.
سليمان: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.. والآن ماذا جرى؟
خزيمة: إرادة الله أن تبدل الحال.
سليمان: الحمد لله على السراء والضراء، ودوام الحال من المحال يا ابن بشر ولكن.. أين الإخوان ممن كانوا دومًا موضع فضلك وبرك ومروءتك؟
خزيمة: واسوني حينًا ثم مالوا.. لكن لا لوم عليهم.
سليمان: وأي سبيل طرقت؟
خزيمة: أغلقت عليّ بابي أتقوت مما عندي، وقد عزمت ألا أبرح داري إلى أن يأتيني الموت.
سليمان: وبم نهضت إذن؟ وكيف أقلت من عثرتك؟
خزيمة: هنا وجه العجب يا أمير المؤمنين. لا أدري. هبطت على ثروة من السماء.. أربعة آلاف دينار لا أعرف إلى الآن ممن؟
سليمان: كيف؟
خزيمة: ذات مساء في هدأة الليل سمعت طرقًا على الباب، فخرجت أستطلع الأمر مشفقًا أن يكون الطارق عابر سبيل أو طالب إحسان، وأنا على ما أنا عليه من فقر وإملاق، فوجدت رجلًا على دابة ناولني كيسًا ثقيلًا وهو يقول: أصلح بهذا شأنك. فوضعت الكيس على الأرض، وأمسكت بلجام الدابة أسأله من هو.. فقال: يا هذا ما جئتك من هذه الساعة من الليل وأنا أريد أن تعرف من أنا، فقلت له: لن أقبل الكيس قبل أن أعرف من أنت، فما زاد عن قوله: أنا جابر عثرات الكرام.
سليمان: جابر عثرات الكرام؟ أو ما عرفته؟ أو ما تبينت من هو؟
خزيمة: كانت الليلة غير مقمرة يا أمير المؤمنين وكان الرجل ملثمًا وما أسرع ما انطلق لا يلوي على شيء.
سليمان: كم أنا متلهف الآن لمعرفة من هو جابر عثرات الكرام هذا، لو عرفناه لأعناه على مروءته وكرمه ولجزيناه أحسن الجزاء.
خزيمة: وأنى لنا أن نعرف يا أمير المؤمنين من هو؟
سليمان: الحمد لله أن في رعيتي من يتصدق بالصدقة لا تدري شماله ما أعطت يمينه، على أية حال يا ابن بشر لقد جئت في وقتك إذ رأيت أن أوليك إمارة الجزيرة. فقد عزلت واليها عكرمة، فتعالَ معي الآن نحسن وفادتك.. ثم نتحدث فيما بعد عن المهام التي أريدها منك.
خزيمة: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين.
"إظلام"
"المشهد الثاني"
"مجلس خزيمة بدار الإمارة بالجزيرة، أمامه عكرمة مكبلًا بالأصفاد"
خزيمة: لقد حوسبت يا عكرمة بواسطة كفيلنا، ووجدنا عليكم فضول أموال كثيرة فهل تشك في صحة المحاسبة؟
عكرمة: كلا البتة أيها الأمير.
خزيمة: الحمد لله استراح ضميري الآن.. لقد استدعيتك من الحبس لأسألك مرة أخرى.. أين فضول تلك الأموال يا عكرمة؟
عكرمة: أصلح الله الأمير.. ما لي إلى شيء منها من سبيل.
خزيمة: يا عكرمة.. منذ شهور وأنت مكبل هكذا بالحديد، مضيق عليك حتى مسك الضر. فهل أنت راضٍ بما أنت فيه الآن؟
عكرمة: لله الأمر والتدبير أيها الكريم، وكل شيء بقضاء الله وقدره.
خزيمة: يا عكرمة.. أنت ملزم بأداء هذا المال إن عاجلًا أو آجلًا، فهو أمانة، ونحن جميعًا عمال ولي الأمر، ولا نملك التصرف في شيء من مال المسلمين إلا بإذن ولي الأمر وعلمه.
عكرمة: والله يا أمير المؤمنين ما أخذت لنفسي أو لأهلي من مال المسلمين دانِقًا، وما بددته في معصية، والله ما خنت الأمانة قط منذ أن توليت.
خزيمة: أين إذن ذهب هذا المال وفي أي الوجوه أنفقته؟
عكرمة: أيها الأمير، لست ممن يصون ماله بعرضه، هناك أمور تقتضيها سياسة الرعية وتدبير أمورها صغرت أم كبرت، وهي أمور فيها ما لا يقل حفظًا لماء الوجه، إذ هي أمور لا يعلمها إلا الله، ومن كان طرفًا فيها، ولست في حل من ذكرها إن شاء الله إلا أمام أمير المؤمنين وحده.
خزيمة: ما دام الأمر كذلك فأنا لا أملك إلا الكتابة إلى أمير المؤمنين وانتظار رده. وإلى أن يصل لا أملك إلا أن أعيدك إلى الحبس.
عكرمة: أصلح الله الأمير. اصنع ما شئت، أنا راضٍ بقضاء الله وقدره.
"إظلام"
"المشهد الثالث"
"نفس المنظر السابق وأمام خزيمة كاتبه"
خزيمة: واكتب.. وهذا هو كل ما جرى بيني وبين عكرمة، والله الذي لا إله إلا هو يا أمير المؤمنين، لئن سألتني الرأي لأقولن: ما أظن بعكرمة ظن السوء أبدًا، فهو رجل طاهر الإزار محمود السيرة، نقي السريرة.
بالغ الجود والكرم حتى عرف بيننا بعكرمة الفياض. وما أرى فضول الأموال التي أظهرتها المحاسبة إلا من بذل في ضرورات اقتضتها السياسة وتدبير أمور الرعية بالجزيرة، وذلك أمر لا أملك البت فيه إلا برأيك وأمرك، وإن رأيت أن نشخصه إليك وتسمع منه أشخصناه.. والسلام.
"الكاتب يجمع أوراقه، ويهم بالخروج".
الكاتب: جزاك الله كل الخير يا سيدي الأمير، فنعم ما أمليت ونعم ما شهدت به في حق عكرمة.
خزيمة: ما شهدت إلا بما عرفت وخبرت من أمره يا بني.. والآن انظر إن كان بالباب أحد قبل أن ننصرف.
الكاتب: نعم أيها الأمير..هناك غلام يريد مقابلتك، وما أنسانيه إلا الشيطان.
خزيمة: دعه يدخل.
"يخرج الكاتب، ويعود بعد برهة ومعه غلام".
الغلام: السلام عليكم ورحمة الله سيدي الأمير.
خزيمة: وعليك السلام ورحمه الله.. ما الأمر؟
الغلام: "مترددا" أمرتني سيدتي -زوج سيدي عكرمة- أن أحدثك على انفراد سيدي الأمير.
"يومئ خزيمة للكاتب بالانصراف فينصرف".
خزيمة: هات ما عندك.
الغلام: تقول لك سيدتي.. ما كان يجب أن يكون الحبس والتضييق والحديد هو جزاء جابر عثرات الكرام ومكافأته عندك.
"صمت لبرهة"
خزيمة: يا إلهي.. يا إلهي.. أعكرمة الفياض هو جابر عثرات الكرام؟
الغلام: نعم يا سيدي.. وأنا كنت برفقته ليلة أن توجه إليك، ولكنه أبعدني قبل أن يصل إلى دارك، فلم أعرف أي باب طرق ولمن أعطى المال.
خزيمة: واسوأتاه.. واسوأتاه!!
"الغلام يهم بالانصراف"
خزيمة:..انتظر يا فتى.. لن تبرح هذا المكان إلا معي.. سنجمع وجوه البلدة، ونذهب إلى عكرمة في الحبس وسترى بنفسك ما سيكون لتبلغ سيدتك زوج عكرمة.
"إظلام"
"المشهد الرابع"
"إضاءة زنزانة سجن عكرمة"
عكرمة: الله يا علام الغيوب. أنت وحدك أعلم بحالي ففرج كربتي وهمي يا أرحم الراحمين.
"يفتح باب الزنزانة، ويدخل خزيمة والغلام والكاتب وبعض وجوه البلدة، عكرمة يراهم فينكس رأسه محتشمًا".
خزيمة: ارفع رأسك يا عكرمة، فوالله ما من أحد هنا أحق بتنكيس رأسه خزيًا وعارًا وأسفًا مني، فقد قابلت صنيعك بسوء المكافأة وقبيح الفعال.
عكرمة: يغفر الله لنا ولك أيها لأمير.
خزيمة: "للكاتب" فك قيوده. "يسارع الكاتب بفك قيود عكرمة".
خزيمة: هاتها هنا وضعها في رجلي.
عكرمة: ولم أيها الأمير؟
خزيمة: "وهو يجر القيود ليضعها في رجله" أريد أن أنال من الضر مثل ما نالك.
عكرمة: أقسمت عليك بالله ألا تفعل أيها الأمير.
خزيمة: كان يجب أن.. أن.
عكرمة: بالله عليك أيها الأمير.. ما دمت قد عرفت.. فدعني الآن أذهب إلى أهلي.
خزيمة: لا.. ليس قبل أن أغير من حالك ما رث، وأتولى خدمتك بنفسي ثم نذهب إلى أهلك لأعتذر إليهم وبعدها نسير إلى أمير المؤمنين.
"إظلام"
"المشهد الخامس"
"مجلس أمير المؤمنين"
الحاجب: خزيمة بن بشر بالباب يا أمير المؤمنين.
سليمان: ويحه. ماذا جرى. والى الجزيرة يقدم بغير أمرنا.. ما هذا إلا لحادث جلل وأمر عظيم.
"يومئ له بالإذن، ينصرف الحاجب ويدخل خزيمة".
سليمان: ما وراءك يا خزيمة؟
خزيمة: خير يا أمير المؤمنين.
سليمان: فما الذي أقدمك؟
خزيمة: ظفرت بجابر عثرات الكرام، فأحببت أن أسرك لما رأيته من تلهفك عليه وتشوقك إلى رؤيته.
سليمان: ومن هو؟
خزيمة: عكرمة الفياض يا أمير المؤمنين.
سليمان: وأين هو الآن؟
خزيمة: ينتظر الإذن بالمثول يا أمير المؤمنين.
سليمان: أهلًا وسهلًا ومرحبًا.
"يتجه خزيمة إلى الباب، ويعود بعكرمة".
عكرمة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين.
سليمان: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا فاعل الخير.. ادن مني. تعال اجلس هنا.
عكرمة: زادك الله عزة ومنعة وتشريفًا يا أمير المؤمنين.
سليمان: ياعكرمة..ما كان خيرك لخزيمة إلا وبالًا عليك.
عكرمة: لله الأمر والتدبير يا أمير المؤمنين.
سليمان: العفو من شيم الكرام، وأنت جواد فياض فهل عفوت عن ابن بشر؟
عكرمة: ما صنع ابن بشر إلا كل خير.. فهكذا يجب أن يكون عمال أمير المؤمنين قوة وحزمًا وتصريفًا للأمور.
سليمان: خذ من الكاتب يا عكرمة قرطاسًا ودواة واكتب حوائجك كلها.
عكرمة: أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟
سليمان: لا بد يا عكرمة.. وكل ما ستطلب سأقضيه لك.. وفوقها عشرة آلاف دينار.
عكرمة: أطال الله لك البقاء كطول يدك في العطاء يا أمير المؤمنين.
سليمان: وستعود يا عكرمة إلى ولايتك، وستضم إليها أذريبجان وأرمينا، أما أمر خزيمة فهو لك إن شئت أبقيته وإن شئت عزلته.
عكرمة: بل يرد إلى عمله يا أمير المؤمنين.
سليمان: الحمد لله الذي هدانا للإسلام.. ولولا هداية الله لنا ما وجدنا بين ظهرانينا أمثالكم من الرجال البررة الكرام الأوفياء.
"ستار النهاية"
2-
بائع الوهم
للأستاذ علي محمد الغريب
المنظر: "سوبر ماركت" كل الإنسان "لبيع قطع غيار الإنسان.. المكان يعج بالزبائن الذين يقلبون في البضائع.. نرى أناسًا يدخلون ويخرجون طوال العرض دون كلام.. في ركن من المسرح نجد محصلًا جلس خلف مكتبه وأمامه ماكينة النقود، ليحاسب المشترين.. يبدو أحد البائعين وقد أمسك مكبرًا للصوت وأخذ في عرض البضائع".
البائع: قررررب قررررب.. تعال هنا عندي.. لا تفكر ولا تحتار.. عندي أروع تشكيلة وصل إليها العلم الحديث في تكنولوجيا صناعة الإنسان؛ بأرخص الأسعار.. قررررب قررررب.. كل ما تريد ستجده عندي.. عقلة في إصبع.. كف في ذراع.. ركبة.. مناخير.. وصلتنا أجمل تشكيلة من العيون العسلية، والعيون الخضراء، والعيون السوداء، والعيون بألوان الطيف.. ونقدم لأحبابنا الصغار ألف تحية وألف لسان.. وصلتنا مجموعة ألسن حديثة ومطورة تجعل طفلك يقلد الزرافة، أو القطة، أو الفأر، أو السحلية؛ كل ذلك في عبوة "الولد أبو لسان ونصف" يدخل رجل بسيط في ثياب رقيقة الحال"
الرجل: أعطني قطعتيْ غيار سعادة أصلي يا بائع الوهم "يضحك ملء رئتيه".
البائع: "ينهره" اخرج من هنا أيها القذر، المكان معقم وليس لأمثالك ارتياده "يخرج الرجل".
البائع: قرب قرب.. خصم خاص على جميع المعروضات، مع وجود هدايا فورية وقيمة.. شعارنا الأمانة.. هدفنا خدمة الإنسان.. لو أنفك مزكومة غيرها.. لو عينك "مدغششة" افقأها. سوبر ماركت "كل الإنسان" يقدم لك كل ما تحتاجه الأمس واليوم والغد بأرخص الأسعار وأحسن "الموديلات".. اشتر يدًا واحصل على الأخرى مجانًا "يدخل أحد الزبائن متوجهًا نحو البائع".
الزبون: أنت يا أخ.. أنت أيها النصاب.
البائع: قرب قرب.. نعم يا محترم، أي خدمة؟
الزبون: اشريت من عندكم يدًا لكنها.. لكنها
…
البائع: لكنها ماذا يا محترم تفضل!
الزبون: لكنها مجرمة.. تسرق يعني.. كل ما أروح مكان أو غيره تمتد رغمًا عني وتسرق وتسبب لي إحراجًا مع الناس!
البائع: يلا سلام عليها!!.. الحمد لله بضاعتنا رافعة رأسنا في كل مكان.. إن شاء الله تكون مرتاحًا معها؟
الزبون: من أين ستأتي الراحة مع مثلها.. أنا رجل محترم، ولم يسبق لي أن مددت يدي لحرام قط.. أتصدق أنها سرقت مصاغ زوجتي؟! أرجوك ساعدني في تعديلها.
البائع: للأسف لا نستطيع؛ إلا إذا كنت تريد أن تعيش بدون يد.
الزبون: كيف؟!!
البائع: "مؤكدا" تعيش بدون يد.. هذه واضحة.
الزبون: وهل يمكن ذلك؟
البائع: إذا كانت يدك لا تعجبك فأنت حر.
الزبون: "يشير لليد الاصطناعية" يدي؟!!.. تقصد أن هذه يدي؟! لا ليست يدي. أرجوك خلصني منها ومن شرها.
البائع: يا محترم، البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل.
الزبون: وما العمل إذًا؟
البائع: اشتر واحدة جديدة، واحصل على الأخرى مجانًا.
الزبون: ترى أن ذلك أفضل؟
البائع: هذا هو الحل الوحيد.
الزبون: "يشير لليد الاصطناعية" وهذه المصيبة ماذا سنفعل بها؟
البائع: اتركها لنبيعها لك على أنها مستعملة.
الزبون: لكني أخاف أن تؤذي أحدًا بأفعالها!
البائع: لا تهتم.. فهي مرغوبة جدًّا.
الزبون: أشكرك.. أعطني واحدة جديدة.
البائع: "يسحب كيسًا به يدين" خذ هذه واحدة والأخرى مجانًا.. انتبه يوجد بالكيس "كتلوج" يوضح كيفية استعمالها وتركيبها.. اتبع التعليمات بدقة، وترفق بها بادئ الأمر، فهذه اليد كانت لأديب عالمي.
الزبون: أديب عالمي!! إذًا فالسارقة لمن؟
البائع: كانت لمجرم عالمي أيضًا. نحن لا نتعامل ولا نتاجر إلا في العالمي.
الزبون: "غاضبا" وكيف بعتموني إياها مع أنكم تعلمون أنها سارقة؟
البائع: حضرتك طلبت أكفأ يد.
الزبون: من اليوم لا حاجة لي بها.. سأرسلها لكم بعد فكها وتركيب الجديدة.
البائع: نحن في خدمتك دائمًا.
الزبون: شكرًا "يخرج.. لحظة ثم يدخل الرجل البسيط"
الرجل: أعطني قطعتيْ غيار سعادة أصلي يا بائع الوهم "يضحك".
البائع: أخرج أيها المجنون نحن لا نتاجر في الأشياء التافهة.. قرب قرب.. أسرع قبل نفاد الكمية، لدينا أرقى وأحدث الأنوف الحساسة، والأذن المرهفة التي تسمع دبيب النمل.. قرب قرب.. كن معنا الرجل المثالي
…
معرضنا يوفر لك قطع الغيار من أظافر قدميك حتى شعر رأسك.. وداعًا للصلع بعد اليوم!
"يدخل زبون آخر وتبدو عليه علامات الهم والحزن".
البائع: "يستقبله في حفاوة" أي خدمة يا محترم.. عين، يد، رجل، أنف، أذن، كل شيء تحت أمرك.
الزبون: أنا عميل لكم منذ مدة، وقد اشتريت كل المعروض عندكم تقريبًا.
البائع: المحل محلك.
الزبون: أشكرك.. أنا أثق فيكم وفي محلكم، ولقد طال بحثي عن قطعة غيار مهمة، ولم أعثر عليها فهلا ساعدتني في الحصول عليها مشكورًا.
البائع: لا تبتئس نحن لدينا كل ما تحتاج ابتداء من أظافر القدمين، حتى شعر الرأس.
الزبون: كل هذا اشتريته من عندكم من قبل، لكني أبحث عن قطعة مهمة.
البائع: نحن في خدمتك.. ما هي القطعة المطلوبة؟
الزبون: السعادة.
البائع: نحن لا نتاجر في هذه الأشياء.
الزبون: أين أجدها.
البائع: "يشير إلى معروضات المحل القطعة تلو الأخرى" إن افتقدتها في هذه ربما وجدتها في تلك "يمد له كيسًا" خذ هذه الأنف هدية لك من المحل، أنا شخصيًّا جربتها ووجدتها مناسبة جدًّا.
الزبون: "يرد يده" أريد سعادة سعادة.. هل تفهم؟! "يدخل رجل رقيق الحال".
الرجل: أعطني قطعتيْ غيار سعادة أصلي يا بائع الوهم "يضحك ملء رئتيه".
البائع: اخرج أيها الحقير.. لا توسخ المكان.
الرجل: انظر لنفسك أيها الممسوخ. تعال ننزع قشرتك البراقة، وقشرتي البسيطة، ثم انظر لنفسك وانظر لي، ستجد نفسك مزبلة تنعق عليها الغربان، أما أنا فستجدني أحيا وأنعم في بستان سعادتي.. ما رأيك لو أني بعتك قطعة غيار سعادة؛ لكنك لا تستحق، ابق كما أنت لتبيع الوهم للناس "يضحك في طريقه للخروج".
الزبون: "في لهفة" انتظر يا هذا.
البائع: دعك منه يا سيدي إنه رجل مجنون.
الزبون: نحن والله المجانين.. انتظر يا رجل.
الرجل: ماذا تريد مني؟
الزبون: أريد أن أسمع منك ما قلته منذ قليل.
الرجل: تريدني أحدثك عن هذا الممسوخ "يشير للبائع"؟
الزبون: بل حدثني عن السعادة؛ التي أنفقت من أجلها الكثير ولم أجدها.. دلني عليها.. كيف أدركها؟!
الرجل: السعادة في حب الله، والرضى عنه وعن نفسك.. أحب الناس تكن سعيدا" الزبائن يجتمعون من كل مكان في المحل ويتحلقون حول الرجل".
أحد الزبائن: أخبرنا عن سبب سعادتك.
الرجل: سبب سعادتي بسيط.. بسيط جدًّا، فأنا لا أحمل هم رزق كفله لي ربي، ولا هم أجل آتٍ في ميعاده.. أنام ملء جفوني، وقد عفوت عمن ظلمني، أحب الخير لجميع الناس، أدعو لهم، وأرجو من الله أن يغفر لي ببركة الصالحين منهم.
الزبائن: وإذا لاحقتك الهموم؟
الرجل: بسيطة جدًّا.. عليّ بالصبر والصلاة ومناجاة ربي في السر والعلن" يخرج".
الزبائن: انتظر يا رجل.. خذنا معك.. خذنا معك "يخرجون من خلفه".
البائع: "وقد بقي وحده" لا عليكم منهم.. إنهم يخرِّفون.. قرب قرب.. وصلتنا أروع تشكيلة من الأرجل اليابانية، والعيون الفارسية، و
…
"تنزل الستارة والبائع مازال يعرض ما لديه".
ستار
ب- شخوص ثانويون: أدوارهم مكملة للدور الرئيس الذي يقوم به الأبطال، ويلاحظ أن الكاتب في القصة ينبغي أن يرسم لنا صورة للشخصية من جانبيها الظاهري والباطني، حتى نتعرف أبعادها، أما في المسرحية فإن الشخصية تظهر أمامنا ونحن نتعرف عليها من خلال حركتها وكلامها، وتقاس مهارة الكاتب المسرحي بمدى نجاحه في تحريك شخوصه أمامنا، وخلق مجالات لها يبرز فيها سلوكها.أما إذا قدم لنا الشخصيات في صورة ثابتة، غير نامية، فهذا عيب يجعل من الشخصية "شخصية مسطحة " لا عمق فيها.
3-
الفكرة:
وهي الحقيقة أو الحقائق التي يريد الكاتب أن يؤكدها عن طريق تجسيمها على المسرح من خلال الأحداث والشخوص. فهو يطرح وجهة نظره في قضية تشغل الناس وهو بذلك يشارك في إنارة الطريق نحو الحل السليم.
وتسمى المسرحية "واقعية" حين يعتمد الكاتب على الواقع، وتسمى تاريخية إذا اعتمد على التاريخ، وأسطورية إذا اعتمد على الأساطير، وتسمى "فكرية" إذا تناولت قضية من قضايا الصراع الإنساني.
4-
الزمان والمكان:
من حيث الزمان: للمسرحة وقت لا تتجاوزه، ولذلك يجب تركيزها واستبعاد تفصيلاتها، فعدد فصولها يتراوح بين فصل إلى خمسة فصول لأن الجمهور لا يستطيع أن يتجاوز ثلاث ساعات في مشاهدة مسرحية.
ومن حيث المكان: يتقيد الكاتب بإمكانات منصة المسرح التي لا تتسع لجيشين من المتحاربين، ولا تصلح لإشعال حريق فتستخدم مؤثرات صوتية وضوئية خلف الستار توحي بذلك.