الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1-
جابر عثرات الكرام
1 للأستاذ أنور صالح جعفر
"المشهد الأول"
"مجلس أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك، يدخل الحاجب"
الحاجب: خزيمة بن بشر بالباب يا أمير المؤمنين.
سليمان: ويحك يا رجل.. منذ متى وهو على الباب ينتظرالإذن بالدخول؟
الحاجب: ما وفد إلا الساعة يا أمير المؤمنين ومازالت عليه غبرة السفر.
سليمان: أهلًا به ومرحبًا.. فليدخل.
"يخرج الحاجب، يدخل خزيمة".
خزيمة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين.
سليمان: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا ابن بشر.. بالله عليك ما الذي أبطأك عنا كل هذا الوقت؟
خزيمة: ما أبطأني يا أمير المؤمنين إلا سوء الحال.
سليمان: ولماذا لم تعجل بالنهوض إلينا.
خزيمة: الضعف وقلة الحيلة.
سليمان: لا حول ولا قوة إلا بالله.. وبم نهضت الآن إذن؟
خزيمة: لذلك قصة غريبة لو أذنت لي يا أمير المؤمنين قصصتها.
سليمان: قد فرغنا من مشاغلنا وقضينا حوائج الناس والحمد الله، فهات ما عندك.
خزيمة: تعلم أعزك الله يا أمير المؤمنين أني بفضل الله وكرمه كنت في نعمة سابغة وخير عميم.
1 مجلة "الوعي الإسلامي"، العدد "351" ذو القعدة 1415 هـ أبريل 1995م، ص91، 92.
سليمان: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.. والآن ماذا جرى؟
خزيمة: إرادة الله أن تبدل الحال.
سليمان: الحمد لله على السراء والضراء، ودوام الحال من المحال يا ابن بشر ولكن.. أين الإخوان ممن كانوا دومًا موضع فضلك وبرك ومروءتك؟
خزيمة: واسوني حينًا ثم مالوا.. لكن لا لوم عليهم.
سليمان: وأي سبيل طرقت؟
خزيمة: أغلقت عليّ بابي أتقوت مما عندي، وقد عزمت ألا أبرح داري إلى أن يأتيني الموت.
سليمان: وبم نهضت إذن؟ وكيف أقلت من عثرتك؟
خزيمة: هنا وجه العجب يا أمير المؤمنين. لا أدري. هبطت على ثروة من السماء.. أربعة آلاف دينار لا أعرف إلى الآن ممن؟
سليمان: كيف؟
خزيمة: ذات مساء في هدأة الليل سمعت طرقًا على الباب، فخرجت أستطلع الأمر مشفقًا أن يكون الطارق عابر سبيل أو طالب إحسان، وأنا على ما أنا عليه من فقر وإملاق، فوجدت رجلًا على دابة ناولني كيسًا ثقيلًا وهو يقول: أصلح بهذا شأنك. فوضعت الكيس على الأرض، وأمسكت بلجام الدابة أسأله من هو.. فقال: يا هذا ما جئتك من هذه الساعة من الليل وأنا أريد أن تعرف من أنا، فقلت له: لن أقبل الكيس قبل أن أعرف من أنت، فما زاد عن قوله: أنا جابر عثرات الكرام.
سليمان: جابر عثرات الكرام؟ أو ما عرفته؟ أو ما تبينت من هو؟
خزيمة: كانت الليلة غير مقمرة يا أمير المؤمنين وكان الرجل ملثمًا وما أسرع ما انطلق لا يلوي على شيء.
سليمان: كم أنا متلهف الآن لمعرفة من هو جابر عثرات الكرام هذا، لو عرفناه لأعناه على مروءته وكرمه ولجزيناه أحسن الجزاء.
خزيمة: وأنى لنا أن نعرف يا أمير المؤمنين من هو؟
سليمان: الحمد لله أن في رعيتي من يتصدق بالصدقة لا تدري شماله ما أعطت يمينه، على أية حال يا ابن بشر لقد جئت في وقتك إذ رأيت أن أوليك إمارة الجزيرة. فقد عزلت واليها عكرمة، فتعالَ معي الآن نحسن وفادتك.. ثم نتحدث فيما بعد عن المهام التي أريدها منك.
خزيمة: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين.
"إظلام"
"المشهد الثاني"
"مجلس خزيمة بدار الإمارة بالجزيرة، أمامه عكرمة مكبلًا بالأصفاد"
خزيمة: لقد حوسبت يا عكرمة بواسطة كفيلنا، ووجدنا عليكم فضول أموال كثيرة فهل تشك في صحة المحاسبة؟
عكرمة: كلا البتة أيها الأمير.
خزيمة: الحمد لله استراح ضميري الآن.. لقد استدعيتك من الحبس لأسألك مرة أخرى.. أين فضول تلك الأموال يا عكرمة؟
عكرمة: أصلح الله الأمير.. ما لي إلى شيء منها من سبيل.
خزيمة: يا عكرمة.. منذ شهور وأنت مكبل هكذا بالحديد، مضيق عليك حتى مسك الضر. فهل أنت راضٍ بما أنت فيه الآن؟
عكرمة: لله الأمر والتدبير أيها الكريم، وكل شيء بقضاء الله وقدره.
خزيمة: يا عكرمة.. أنت ملزم بأداء هذا المال إن عاجلًا أو آجلًا، فهو أمانة، ونحن جميعًا عمال ولي الأمر، ولا نملك التصرف في شيء من مال المسلمين إلا بإذن ولي الأمر وعلمه.
عكرمة: والله يا أمير المؤمنين ما أخذت لنفسي أو لأهلي من مال المسلمين دانِقًا، وما بددته في معصية، والله ما خنت الأمانة قط منذ أن توليت.
خزيمة: أين إذن ذهب هذا المال وفي أي الوجوه أنفقته؟
عكرمة: أيها الأمير، لست ممن يصون ماله بعرضه، هناك أمور تقتضيها سياسة الرعية وتدبير أمورها صغرت أم كبرت، وهي أمور فيها ما لا يقل حفظًا لماء الوجه، إذ هي أمور لا يعلمها إلا الله، ومن كان طرفًا فيها، ولست في حل من ذكرها إن شاء الله إلا أمام أمير المؤمنين وحده.
خزيمة: ما دام الأمر كذلك فأنا لا أملك إلا الكتابة إلى أمير المؤمنين وانتظار رده. وإلى أن يصل لا أملك إلا أن أعيدك إلى الحبس.
عكرمة: أصلح الله الأمير. اصنع ما شئت، أنا راضٍ بقضاء الله وقدره.
"إظلام"
"المشهد الثالث"
"نفس المنظر السابق وأمام خزيمة كاتبه"
خزيمة: واكتب.. وهذا هو كل ما جرى بيني وبين عكرمة، والله الذي لا إله إلا هو يا أمير المؤمنين، لئن سألتني الرأي لأقولن: ما أظن بعكرمة ظن السوء أبدًا، فهو رجل طاهر الإزار محمود السيرة، نقي السريرة.
بالغ الجود والكرم حتى عرف بيننا بعكرمة الفياض. وما أرى فضول الأموال التي أظهرتها المحاسبة إلا من بذل في ضرورات اقتضتها السياسة وتدبير أمور الرعية بالجزيرة، وذلك أمر لا أملك البت فيه إلا برأيك وأمرك، وإن رأيت أن نشخصه إليك وتسمع منه أشخصناه.. والسلام.
"الكاتب يجمع أوراقه، ويهم بالخروج".
الكاتب: جزاك الله كل الخير يا سيدي الأمير، فنعم ما أمليت ونعم ما شهدت به في حق عكرمة.
خزيمة: ما شهدت إلا بما عرفت وخبرت من أمره يا بني.. والآن انظر إن كان بالباب أحد قبل أن ننصرف.
الكاتب: نعم أيها الأمير..هناك غلام يريد مقابلتك، وما أنسانيه إلا الشيطان.
خزيمة: دعه يدخل.
"يخرج الكاتب، ويعود بعد برهة ومعه غلام".
الغلام: السلام عليكم ورحمة الله سيدي الأمير.
خزيمة: وعليك السلام ورحمه الله.. ما الأمر؟
الغلام: "مترددا" أمرتني سيدتي -زوج سيدي عكرمة- أن أحدثك على انفراد سيدي الأمير.
"يومئ خزيمة للكاتب بالانصراف فينصرف".
خزيمة: هات ما عندك.
الغلام: تقول لك سيدتي.. ما كان يجب أن يكون الحبس والتضييق والحديد هو جزاء جابر عثرات الكرام ومكافأته عندك.
"صمت لبرهة"
خزيمة: يا إلهي.. يا إلهي.. أعكرمة الفياض هو جابر عثرات الكرام؟
الغلام: نعم يا سيدي.. وأنا كنت برفقته ليلة أن توجه إليك، ولكنه أبعدني قبل أن يصل إلى دارك، فلم أعرف أي باب طرق ولمن أعطى المال.
خزيمة: واسوأتاه.. واسوأتاه!!
"الغلام يهم بالانصراف"
خزيمة:..انتظر يا فتى.. لن تبرح هذا المكان إلا معي.. سنجمع وجوه البلدة، ونذهب إلى عكرمة في الحبس وسترى بنفسك ما سيكون لتبلغ سيدتك زوج عكرمة.
"إظلام"
"المشهد الرابع"
"إضاءة زنزانة سجن عكرمة"
عكرمة: الله يا علام الغيوب. أنت وحدك أعلم بحالي ففرج كربتي وهمي يا أرحم الراحمين.
"يفتح باب الزنزانة، ويدخل خزيمة والغلام والكاتب وبعض وجوه البلدة، عكرمة يراهم فينكس رأسه محتشمًا".
خزيمة: ارفع رأسك يا عكرمة، فوالله ما من أحد هنا أحق بتنكيس رأسه خزيًا وعارًا وأسفًا مني، فقد قابلت صنيعك بسوء المكافأة وقبيح الفعال.
عكرمة: يغفر الله لنا ولك أيها لأمير.
خزيمة: "للكاتب" فك قيوده. "يسارع الكاتب بفك قيود عكرمة".
خزيمة: هاتها هنا وضعها في رجلي.
عكرمة: ولم أيها الأمير؟
خزيمة: "وهو يجر القيود ليضعها في رجله" أريد أن أنال من الضر مثل ما نالك.
عكرمة: أقسمت عليك بالله ألا تفعل أيها الأمير.
خزيمة: كان يجب أن.. أن.
عكرمة: بالله عليك أيها الأمير.. ما دمت قد عرفت.. فدعني الآن أذهب إلى أهلي.
خزيمة: لا.. ليس قبل أن أغير من حالك ما رث، وأتولى خدمتك بنفسي ثم نذهب إلى أهلك لأعتذر إليهم وبعدها نسير إلى أمير المؤمنين.
"إظلام"
"المشهد الخامس"
"مجلس أمير المؤمنين"
الحاجب: خزيمة بن بشر بالباب يا أمير المؤمنين.
سليمان: ويحه. ماذا جرى. والى الجزيرة يقدم بغير أمرنا.. ما هذا إلا لحادث جلل وأمر عظيم.
"يومئ له بالإذن، ينصرف الحاجب ويدخل خزيمة".
سليمان: ما وراءك يا خزيمة؟
خزيمة: خير يا أمير المؤمنين.
سليمان: فما الذي أقدمك؟
خزيمة: ظفرت بجابر عثرات الكرام، فأحببت أن أسرك لما رأيته من تلهفك عليه وتشوقك إلى رؤيته.
سليمان: ومن هو؟
خزيمة: عكرمة الفياض يا أمير المؤمنين.
سليمان: وأين هو الآن؟
خزيمة: ينتظر الإذن بالمثول يا أمير المؤمنين.
سليمان: أهلًا وسهلًا ومرحبًا.
"يتجه خزيمة إلى الباب، ويعود بعكرمة".
عكرمة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين.
سليمان: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا فاعل الخير.. ادن مني. تعال اجلس هنا.
عكرمة: زادك الله عزة ومنعة وتشريفًا يا أمير المؤمنين.
سليمان: ياعكرمة..ما كان خيرك لخزيمة إلا وبالًا عليك.
عكرمة: لله الأمر والتدبير يا أمير المؤمنين.
سليمان: العفو من شيم الكرام، وأنت جواد فياض فهل عفوت عن ابن بشر؟
عكرمة: ما صنع ابن بشر إلا كل خير.. فهكذا يجب أن يكون عمال أمير المؤمنين قوة وحزمًا وتصريفًا للأمور.
سليمان: خذ من الكاتب يا عكرمة قرطاسًا ودواة واكتب حوائجك كلها.
عكرمة: أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟
سليمان: لا بد يا عكرمة.. وكل ما ستطلب سأقضيه لك.. وفوقها عشرة آلاف دينار.
عكرمة: أطال الله لك البقاء كطول يدك في العطاء يا أمير المؤمنين.
سليمان: وستعود يا عكرمة إلى ولايتك، وستضم إليها أذريبجان وأرمينا، أما أمر خزيمة فهو لك إن شئت أبقيته وإن شئت عزلته.
عكرمة: بل يرد إلى عمله يا أمير المؤمنين.
سليمان: الحمد لله الذي هدانا للإسلام.. ولولا هداية الله لنا ما وجدنا بين ظهرانينا أمثالكم من الرجال البررة الكرام الأوفياء.
"ستار النهاية"