الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
117- مجلس الخليل بن أحمد مع الليث بن المظفر
قال الليث بن المظفر: سألت الخليل عن العشرة فقلت: إذا قلنا خمسة قلنا خمسين، وإذا قلنا سبعة قلنا سبعين، وإذا قلنا عشرة قلنا عشرين، لم كسرت العين من عشرين ولم تكسر السين من سبعين والخاء من خمسين؟ فقال: لأن العشرين مأخوذ من العشر لا من العشرة. قال: فقلت له: أليس العشر ظمء تسعةٍ وفي العاشر ترد الماء. فإن كان الأمر كما قلت فالعشر تسعة أيام والعشر الثاني تسعة أيام فذلك ثمانية عشر يوما وليس هذا بعشرتين. فقال: أخذت هذا من قول الله عز وجل: {الحج أشهرٌ معلوماتٌ} .
ثم قال: كم أشهر الحج؟ فقلت: شوال، وذو القعدة، وعشرة من ذي الحجة. فقال: قد سمى الله جل وعز شهرين وعشرة أيام أشهرا. وقال أبو حنيفة: إذا قال الرجل لامرأته: قد طلقتك تطليقتين وثلاثا طلقت ثلاثاً، من ها هنا قلت إن العشرين هي من عشر وعشر.
واختلف النحويون في ذلك، ونحن نبين الأقاويل فيه إن شاء الله.
قال لي أبو بكر محمد بن منصور: العشرون تثنية عشرة، وكسروا أولها كما كسروا أول اثنين، وجعلوه مجموعا بالواو والنون ليكون على منهاج ما بعده. وإنما صلحت عشرون ونحوها للمذكر والمؤنث لأنهم جعلوها اسما لعدد بعينه، ثم جئت بالمعدود بعد.
فإن قيل: فما بالهم قالوا ثلاثمائة وما أشبه ذلك، فميزوه بالواحد، وقالوا ثلاثة آلاف ونحوها فميزوه بالجمع؟ قيل: ثلاثمائة وما أشبه ذلك من جنسها مضارعةٌ لعشرين وثلاثين، لأنك تجيء بتعشيرها على غير لفظ ما تقدم، فتقول ألفٌ كما تقول في تعشير عشرين وثلاثين، فلما اشتبها جعل تمييزها بالواحد، ولم يكن هذا في ثلاثة آلاف، لأنك تقول في تعشيرها عشرة آلاف، كما تقول: عشرة أثواب. فهذا الفصل بينهما.
وقال غيره من النحويين: أهل الحجاز يقولون: إحدى عشرة، وتميم تسكن الشين فتقول إحدى عشرة، وقد قرئ بهما. فلما قالوا عشرين كسروا العين من عشرين لأنهم يقولون في المؤنث عشرة وعشرة، فجعلوا عشرين فيها علامة للشيئين: الكسرة للتأنيث، والواو والنون للتذكير، وهذا قياس وفطنة.
ومثل ذلك قيل للفراء لحسن نظره: ما تقول في رجلٍ سها في الصلاة ثم سجد سجدتي السهو فسها؟ فقال: لا يجب عليه شيء. قيل له: وكيف ذلك ومن أين قلت؟ قال: أخذته من كتاب التصغير؛ لأن الاسم إذا صغر لا يصغر مرة أخرى.
وكان صالح بن إسحاق الجرمي يدل بمعرفته في العربية، فقال أبو جعفر:[سمعت الجرمي يقول] : أنا مذ ثلاثون سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه. فحدث بهذا محمد بن يزيد، وكان المحدث له ابن شقير على سبيل التعجب والإنكار، فقال المبرد: أنا سمعت الجرمي يقول هذا. وذاك أن أبا عمر كان صاحب حديث، فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الدين والحديث، إذ كان ذلك يتعلم منه النظر والتفتيش.
وكان أبو عمر يوما في مجلسه وبحضرته جماعةٌ من الفقهاء، فقال لهم: سلوني عما شئتم من الفقه؛ فإني أجيبكم على قياس النحو. فقالوا له: ما تقول في رجل سها في الصلاة فسجد سجدتي السهو فسها؟ فقال: لا شيء عليه. قالوا له: من أين قلت ذلك؟ قال: أخذته من باب الترخيم، لأن المرخم لا يرخم.