الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
147- مجلس أبي العباس ثعلب مع جماعة في مجلسه
حدثنا أبو الحسن علي بن سليمان قال:
كنا عند أبي العباس ثعلب، فأنشدنا للحصين بن الحمام المري:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد
…
لنفسي حياة مثل أن أتقدما
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
ولكن على أقدامنا يقطر الدما
فسألنا: ما تقولون فيه؟ فقلنا: الدم فاعل جاء به على الأصل. فقال: هكذا رواية أبي عبيدة، وكان الأصمعي يقول: هذا غلطٌ، وإنما الرواية:((ولكن على أقدامنا تقطر الدما)) منقوطة من فوقها، والمعنى ولكن على أقدامنا تقطر الجراحات الدما، فيصير مفعولا به، يقال قطر الماء وقطرته أنا. وأنشدنا:
كأطومٍ فقدت برغزها
…
أعقبتها الغبس منه عدما
شغلت ثم أتت ترشفه
…
فإذا هي بعظامٍ ودما
فأفاقت فوقه ترشفه
…
وأعيض القلب منها ندما
فالدم في موضع خفض عطفٌ على العظام، ولكنه جاء به على الأصل مقصورا كما ترى.
وكان الأصمعي يقول: إنما الرواية: فإذا هي بعظام ودماء، ثم قصر الممدود.
والأطوم: البقرة الوحشية. وبرغزها: ولدها. والغبس: جمع أغبس، وهي الكلاب.
واعلم أنه قد جاء عن العرب أسماءٌ نواقص بغير علة، وقد ذكر بعض النحويين لها عللا غير مرضية، فمنها: يدٌ ودمٌ وفمٌ وأخٌ وما أشبه ذلك.
فأصل (يد) يديٌ على فعل بإسكان العين. والدليل على ذلك قول العرب: يديت إليه يدا. فإن ثنيته قلت على النقصان يدان. وإن أردت تثنيته على الأصل فذلك جائز أن تقول فيه يديان. أنشدنا:
يديان بيضاوان عند محجز
…
قد يمنعانك أن تذل وتقهرا
وأصل (فم) فوه، حذفت الهاء، وأبدلت من الواو ميمٌ عند الإفراد فقيل فمٌ. فإن ثنيته قلت فمان على النقصان. وقد قالت العرب على التمام فموان، فجعلوا الميم مكان الواو، والواو مكان الهاء، وهذا غلط منهم. قال الفرزدق:
هما نفثا في في من فمويهما
…
على النابح العاوي أشد رجام
وتقول في الجمع أفواه فترده إلى الأصل. فهذا يبين لك أصله.
وأصل (دم) دميٌ على فعل بتحريك العين. الدليل على ذلك قوله: دميت يد فلان، وقوله في التثنية دميان، وفي الجميع دماء. وأنشدنا علي بن سليمان عن ثعلب:
لعمرك إنني وأبا ذراع
…
على حال التكاشر منذ حين
ليبغضني وأبغضه وأيضا
…
يراني دونه وأراه دوني
فلو أنا على حجرٍ ذبحنا
…
جرى الدميان بالخبر اليقين
يريد أنه لشدة ما بينهما من العداوة لا تختلط دماؤهما، فلو ذبحا على حجرٍ، لافترق الدميان، كما قال الآخر:
أحارث إنا لو تساط دماؤنا
…
تزيلن حتى ما يمس دمٌ دما
وأصل أخ وأب أخو وأبو، على فعل بتحريك العين، فلو جاء على الأصل لقيل هذا أخا ورأيت أخا ومررت بأخا، وكذلك رأيت أبا ومررت
بأبا وهذا أبا، لأن الواو والياء إذا تحركتا وما قبلهما مفتوح انقلبتا ألفين، فكان سبيل هذين الاسمين أن يكونا مقصورين مثل عصا ورحى وفتى وما أشبه ذلك، ولكن أكثر العرب نطقتهما على النقصان في حال الإفراد فقالت: هذا أخٌ وأبٌ. فأسقطوا لام الفعل.
وقالوا: مررت بأخٍ وأبٍ، فإذا أضافوا قالوا: هذا أخوك وأبوك، ومررت بأخيك وأبيك. وبين العلماء اختلاف في هذه الواو والياء والألف، فيقول الكوفيون: هي الإعراب نفسه، ويقول البصريون: الحركات اللواتي قبل هذه الحروف هي الإعراب، وهذه الحروف اتساع.
ومن العرب من يضيفه على النقصان فيقول: هذا أخك وأبك، ورأيت أخك وأبك، ومررت بأخك وأبك. فإذا جمعوا قالوا في جمع السلامة: أبون وأخون في الرفع، وأبين وأخين في النصب والخفض، وفي جمع التكسير إخوة وآخاءٌ، وآباءٌ، وأبوة. وتقول على هذا: ضرب أبك أخيك على أنه جمع السلامة، وأصله أخينك فسقطت النون للإضافة.
وكذلك تقول: أكرم أبيك أخوك. وأنشدنا محمد بن يزيد:
فقلنا يا اسلموا إنا أخوكم
…
فقد برئت من الإحن الصدور
وأنشدنا أيضا:
أيفخر بالأبين معا علينا
…
فما آباؤكم بذوي ضغينا
فجمع هذا الشاعر بين اللغتين في بيت واحد.
ومن العرب من يجري الأخ والأب على الأصل فيجعلهما اسمين مقصورين، فيقول: هذا أخاك وأباك، ورأيت أخاك وأباك، ومررت بأخاك وأباك، كما تقول: هذه عصاك ورحاك، ومررت بعصاك ورحاك، ورأيت عصاك ورحاك. فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.