الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
142- مجلس أبي عثمان المازني مع أبي الحسن سعيد بن مسعدة
أخبر أبو جعفر الطبري قال: حدثني أبو عثمان المازني قال: قال لي الأخفش سعيد يوما: على أي وجه أجاز سيبويه في تثنية كساء كساوان بالواو؟ فقلت: بالتشبيه بقولهم حمراوان وبيضاوان؛ لأنها في اللفظ همزة كما أنها همزة. فقال لي: فيلزمه على هذا أن تجيز في تثنية حمراء حمراءان على التشبيه بقولهم كساءان، لأنك إذا شبهت الشيء فقد وجب أن يكون المشبه به مثله في بعض المواضع. فقلت: هذا لازم لسيبويه. ثم فكرت فقلت: لا يلزمه هذا. فقال لي: أليس لما شبهنا ما بليس فأعملناها عمل ليس فقلنا ما زيد قائما كما نقول ليس زيد قائما، شبهنا أيضا ليس بما في بعض المواضع فقلنا: ليس الطيب إلا المسك، ومثل هذا كثير. ومنهم من يقول ليس الطيب إلا المسك، فنصب فإنه لزم الأصل؛ وذلك أن خبر ليس منصوب منفيا كان أو موجبا، لأنها أخت كان، والمنفي قولك ليس زيد قائما، والموجب قولك ليس زيد إلا قائما وما كان زيد إلا قائما. وأما من رفع فقال: ليس الطيب إلا المسك، ففيه وجهان: أحدهما هو الأجود أن يضمر في ليس اسمها ويجعل الجملة خبرها، كما قال هشامٌ أخو ذي الرمة:
هي الشفاء لدائي إن ظفرت بها
…
وليس منها شفاء الداء مبذول
التقدير: ليس الأمر شفاء الداء مبذول منها. ولكنه إضمارٌ لا يظهر؛ لأنه أضمر على شريطة التفسير، وتكون إلا في المسألة مؤخرة، وتقديرها التقديم حتى يصح الكلام؛ لأنها لا تقع بين المبتدأ والخبر، فيكون التقدير: ليس إلا الطيب المسك. ومثله: (إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا) تقديره: إن نحن إلا نظن ظنا.
والوجه الآخر: أن تجعل ليس بمنزلة ما، فيلغي عملها لدخول إلا في خبرها، كما يلغي عمل ما إذا دخلت إلا في خبرها، كما حملوا ما على ليس فنصبوا خبرها؛ لأنه ليس في العربية شيئان تضارعا فحمل أحدهما على الآخر إلا جاز حمل الآخر عليه في بعض الأحوال.
فقلت: أليس هذا مثل ذاك؟ وذاك أنه لو أجاز سيبويه في تثنية حمراء حمراءان لجعل علامة التثنية غير متطرفةٍ على صورتها وهي متطرفةٌ، فهل وجدت أنت علامة التأنيث متوسطة على صورتها متطرفة؟ فسكت ثم قال لي: لم أجد ذلك، ولا يلزم سيبويه ما قلنا، وما أحسن ما احتججت له.