الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
141- مجلس أبي إسحاق إبراهيم بن السري مع رجل غريب
حدثني بعض إخواني قال: حضرت أبا إسحاق يوم الجمعة بعد الصلاة، فدس إليه أبو موسى الحامض رجلا غريبا بمسائل منها: كيف تجمع هبي وهبية جمع التكسير؟ فقال أبو إسحاق: أقول هباي كما ترى، فأدغم، وأصل الياء الأولى عندي السكون قولا ولولا ذلك لأظهرتها. فقال له الرجل: فلم لا تصرفه إذا كان أصله عندك السكون كما تصرف حمارا؟ فقال: لأن حمارا غير مكسر وإنما هو واحدٌ، فلذلك صرفته، ولم أصرف هباي لأنه مكسر. قال: وما أنكرت من أن يكونوا أعلوا العين في هذا الباب وصححوا اللام فشبهوا الياء ها هنا التي هي لام الفعل بعين المعتل، ثم أعلوا العين مثل راية وغاية. فقال له: هذا مذهب، وهو عندي جائز.
ثم قال له أبو إسحاق: أراك تسأل سؤال فهم فكيف تصغير هبي؟ فقال: أنا مستفهمٌ والجواب منك أحسن. فقال أبو إسحاق: يقال في تصغير هبي هبيي فتصحح الياء الثانية في الأصل وتدغم فيها الياء الأولى التي هي لام الفعل وتأتي بياء التصغير ساكنة فلا يلزم حذف شيء. والهبي والهبية: الصبي والصبية.
ثم قال له الرجل: كيف تبني من قضيت مثل جحمرش، وهو العجوز؟ قال أبو إسحاق: أما على مذهب المازني [فيقال فيه] قضيي لأن اللام الأولى بمنزلة غير المعتل لسكون ما قبلها، فأشبهت ياء ظبي، فكأن ليس في الكلام إلا ياءان، فصححت الأولى من الأخريين وأعللت الآخرة. هذا مذهب أبي عثمان. والأخفش يقول فيها قضيا، قال: أحذف الآخرة وأقلب الوسطى ألفا لانفتاح ما قبلها.
فقال له الرجل: فكيف تقول منها من قرأت؟ فقال أبو إسحاق: يقال قرآء، مثل قرقاع، وأصله قرأئىءٌ وزنه قرعيع، فاجتمعت ثلاث همزات فقلبت الوسطى منهن ياء لاجتماع الهمزات، ثم قلبتها ألفا لانفتاح ما قبلها.
فقال له: فما وزن كينونة عندك؟ فقال: فيعلولة، وأصلها كيونونة، ثم قلبت الواو ياء لسبق الياء لها ساكنة، وأدغمت الأولى في الثانية فصار كينونة ثم خففت فقيل كينونة، كما قيل في ميت وهين وطيب: ميت وهين وطيب. قال: ما الدليل على هذه الدعوى والفراء يزعم أنها فعلولة؟ قال: الدليل على ذلك ثبات الياء؛ لأنه لو كان أصلا لزمه الاعتلال، لأنه لا محالة من الكون، فكان يجب أن يقال كونونة إن كان أصلها فعلولة بإسكان العين. وإن كان أصلها فعلولة بتحريك العين فواجب أن يقال كانونة.
فقال له الرجل: فما تقول في امرأة سميت أرؤس ثم خففت الهمزة
كيف تصغرها؟ فقال: أريس ولا أزيد الهاء. فقال له: ولم وقد صار على ثلاثة أحرف، ألست تقول في تصغير هند هنيدة، وعين عيينة؟ فقال الزجاج: هذا مخالف لذلك؛ فإني ولو خففت الهمزة فإنها مقدرة في الأصل، والتخفيف بعد التحقيق.
قال: فلم لا تلحقه بتصغير سماء إذا قلت سمية، أليس الأصل مقدرا؟ فقال: هذا لا يشبه تصغير سماء؛ لأن التخفيف في أرؤس عارض والتحقق فيه جائز، وأنت في تحقير سماء تكره الجمع بين ثلاث ياءات، وأنت لا تكره التحقيق في أرؤس، فلو حققته صار على أربعة أحرف، وسماءٌ الحذف لها لازم، فصار على ثلاثة أحرف، فلحقتها الهاء في التصغير.
قال: ونظير الكينونة في الوزن القيدودة وهي الطول، والهيعوعة، وهي مصدر هاع الرجل، إذا جبن، هيعوعة؛ والطيرورة من الطيران. كل هذا أصله عند البصريين فيعلولة ثم لحقته ما ذكرت لك.
وكان في المجلس المشوق فأخذ بياضا وكتب من وقته:
صبرا أبا إسحاق عن قدرة
…
فذو النهى يمتثل الصبرا
واعجب من الدهر وأوغاده
…
فإنهم قد فضحوا الدهرا
لا ذنب للدهر ولكنهم
…
يستحسنون الغدر والمكرا
نبئت بالجامع كلبا لهم
…
ينبح منك الشمس والبدرا
والعلم والحلم ومحض الحجى
…
وشامخ الأطواد والبحرا
والديمة الوطفاء من سحها
…
إذا الربى أضحت بها خضرا
فتلك أوصافك بين الورى
…
يأبين والتيه لك الكبرا
فظن جهلا والذي دسه
…
أن يلمسوا العيوق والغفرا
فأرسلوا النزر إلى غامرٍ
…
وغمرنا يستوعب النزرا
فاله أبا إسحاق عن خامل
…
ولا تضق منك به الصدرا
وعن خشار عررٍ في الورى
…
خطيبهم من فمه يخرا
قال أبو إسحاق بعقب هذا المجلس: سألني محمد بن يزيد يوما فقال: كيف تقول في تصغير أموي: فقلت له: أقول أميي. فقال: لم صرحت ياء التصغير من أموي وأثبتها في هذا؟ فقلت: تلك لغيره، تلك للجنس وهذا له في نفسه، فلا يطرح ما كان في نفسه حملا على ما كان للجنس. فقال: أجدت أبا إسحاق.