الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
144- مجلس أبي العباس أحمد بن يحيى مع أبي الحسن محمد بن كيسان
حدثني بعض أصحابنا قال: أخبرنا أبو الحسن بن كيسان قال: قال لي أبو العباس: كيف تقول مررت برجل قائمٍ أبوه؟ فأجبته بخفض قائم ورفع الأب. فقال لي: بأي شيء ترفعه؟ فقلت: بقائم. فقال: أو ليس هو عندكم اسما، وتعيبوننا بتسميته فعلا دائما؟ فقلت: لفظه لفظ الأسماء، وإذا وقع موقع الفعل المضارع وأدى معناه عمل عمله؛ لأنه قد يعمل عمل الفعل ما ليس بفعل إذا ضارعه.
قال: فكيف تقول: مررت برجل أبوه قائم؟ فأجبته برفعهما جميعا. فقال لي: فهل تجيز أن تقول: مررت برجل قائمٌ أبوه فترفع به مؤخرا كما رفعت به مقدما؟ قلت: ذلك غير جائز عند أحد. قال: ولم؟ قلت: لأنه اسمٌ جرى مجرى الفعل، وإذا تقدم عمل عمل الفعل ولم يكن فيه ضمير، فإذا تأخر كان بمنزلة الفعل المؤخر، فلزمه أن يقع فيه ضميرٌ من الاسم المتقدم يرتفع به كما يكون ذلك في الفعل إذا تأخر؛ فلما كان الفعل لو ظهر هاهنا لم يرفع ما قبله كان الاسم الجاري مجراه أضعف في العمل وأحرى ألا يعمل فيما قبله.
فقال لي: فاجعل الاسم مرفوعا بالابتداء وما بعده خبره على مذهبكم؛ لأن خبر المبتدأ عندكم يكون مخفوضا ومنصوبا، كما تقول زيد في الدار وزيد أمامك، قلت: ذلك غير جائز؛ لأن خبر المبتدأ إذا كان هو
المبتدأ بعينه لم يكن إلا مرفوعا، كقولنا: زيد منطلق، وعبد الله قائم، وما أشبه ذلك. وكذلك إذا قلنا: مررت برجلٍ أبوه قائم، فالقائم هو الأب في المعنى، فلا يجوز أن يختلف إعرابهما.
قال: فقد جاء في الشعر الفصيح الذي هو حجةٌ مثل هذا الذي تنكره. قال امرؤ القيس:
فظل لنا يومٌ لذيذٌ بنعمةٍ
…
فقل في مقيل نحسه متغيب
تقديره: فقل في مقبل متغيب نحسه، ثم قدم وأخر كما ترى. فقلت له: ليس هو على هذا التقدير. فوقع لي في الوقت خاطر، قال: فأي شيء تقديره؟ قلت: تقديره فقل في مقيل نحسه، وتم الكلام، كما تقول: مررت بمضروب أبوه كريم، والتقدير مررت برجل مضروب أبوه، ثم تجعل كريما نعتا للمتروك الذي في النية، فكأنه قال: فقل في مقيل نحسه. يقال: قال نحسه، أي سكن. والنحس: الدخان أيضا. ثم قال متغيب بعد أن تم الكلام، كأنه قال متغيبٍ عن النحس. فقال: هذا لعمري وجهٌ على هذا التقدير.
قال أبو الحسن: فحدثت أبا العباس المبرد بما جرى فقال: هذا شيءٌ خطر لي فخالفت النحويين؛ لأنهم زعموا أنه أتى به امرؤ القيس ضرورة. ثم رأيته بعد ذلك قد أملاه.
واعلم أن الأسماء كلها يعطف عليها إلا المضمر المخفوض، فإن العطف عليه غير جائزٍ إلا بإعادة الخافض، كقولك: مررت بك وبزيد،
ودخلت إليه وإلى عمرو. ولو قلت مررت به وزيد كان غير جائز عند البصريين البتة إلا في ضرورة الشعر. وقد قبحه الكوفيون وأجازوه مع قبحه. قرأ حمزة: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} بالخفض عطفا على المضمر المخفوض.
والقراء غيره قرءوا بالنصب، عطفا على الله عز وجل.