الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
96- مجلس النضر بن شميل مع المأمون
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ:
دَخَلْتُ عَلَى الْمَأْمُونِ وَعَلَيَّ إزارٌ مَرْقُوعٌ، فَقَالَ لِي: يَا نَضْرُ، مَا هَذَا التَّقَشُّفُ؟ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَرُّ مَرْوَ كَمَا قَدْ عَلِمْتَ، وَأَنَا شيخٌ وَأُحِبُّ التَّرَوُّحَ بِهَذِهِ الْخُلْقَانِ. قَالَ: فَأَخَذَ بِنَا فِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ النِّسَاءِ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: حَدَّثَنِي هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا كَانَ ذَلِكَ سَدَادًا مِنْ عَوَزٍ)) . قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، صَدَقَ هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا كَانَ ذَلِكَ سِدَادًا مِنْ عَوَزٍ)) . قَالَ: فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ: يَا نَضْرُ، كَيْفَ قُلْتَ سِدَادًا بِالْكَسْرِ وَلَمْ تَقُلْ سَدَادًا، مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، السَّدَادُ: الْقَصْدُ فِي الدِّينِ وَالسَّبِيلِ وَالطَّرِيقِ. وَالسِّدَادُ لِلثَّلْمَةِ. وَكُلُّ مَا سَدَّدْتَ فَهُوَ سِدَادٌ بِالْكَسْرِ.
قال: وفي العرب من يقول ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
…
ليوم كريهة وسداد ثغر
فقال: قبح الله اللحن. قلت: يا أمير المؤمنين، إنما لحن هشيم، وكان هشيم لحانا، فاتبع أمير المؤمنين لفظه، وقد تتبع ألفاظ العلماء.
ثم قال لي: يا نضر، هل تروي من الشعر شيئا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فأنشدني أخلب بيتٍ قالته العرب. قلت: قول حمزة بن بيض في الحكم بن أبي العاص:
تقول لي والعيون هاجعةٌ
…
أقم علينا يوما فلم أقم
أي الوجوه انتجعت قلت لها
…
وأي وجه إلا إلى الحكم
متى يقل صاحبا سرادقه
…
هذا ابن بيضٍ بالباب يبتسم
قد كنت أقسمت فيك مقتبلا
…
فهات وادخل وأعطني سلمي
فقال: أحسن والله ما شاء! فأنشدني أقنع بيتٍ قالته العرب. قال: قلت: قول عروة حيث يقول:
أطلب ما يطلب الكريم من الرزق
…
بنفسي وأجمل الطلبا
وأحلب الدرة الصفي ولا
…
أجهد أخلاف غيرها حلبا
إني رأيت الفتى الكريم إذا
…
رغبته في صنيعة رغبا
والنذل لا يطلب العلاء ولا
…
يعطيك شيئا إلا إذا رهبا
مثل الحمار الموقع السوء لا
…
يحسن مشيا إلا إذا ضربا
قد يرزق الخافض المقيم وما
…
شد لعنسٍ رحلا ولا قتبا
ويحرم الرزق ذو المطية والرحل
…
ومن لا يزال مغتربا
فقال: أحسن والله ما شاء! فأنشدني أنصف بيتٍ قالته العرب. قال: قلت: قول الراعي حيث يقول:
إني وإن كان ابن عمي غائبا
…
لمزاحمٌ من خلفه وورائه
ومعده نصري وإن كان امرأ
…
متباعدا في أرضه وسمائه
وأكون والي سره فأصونه
…
حتى يكون علي وقت أدائه
وإذا الحوادث أجحفت بسوامه
…
قربت مجحفها إلى جربائه
وإذا دعا باسمي ليركب مركبا
…
صعبا ركبت له على سيسائه
وإذا رأيت عليه بردا ناضرا
…
لم تلفني متوسما لردائه
فقال: أحسن والله ما شاء! ثم قال: ما مالك يا نضر؟ قلت: ضيعةٌ بمرو الرود أتعيش منها وأتمززها.
قال: أفلا نفيدك مالا إلى مالك؟ قلت: إني إلى ذلك محتاج. فتناول الدواة والقرطاس ثم كتب شيئا لم أدر ما هو، وقال: يا نضر، كيف تقول من التراب إذا أمرت أن تترب كتابا؟ قلت: أتربه. قال: هو ماذا؟ قلت مترب. قال: فمن الطين؟ قلت: طنه. قال: هو ماذا؟ قلت: مطين. قال: فمن السحاة؟ قلت: اسحه. قال: وهو ماذا؟ قلت: مسحى ومسحو. قال: يا غلام، أترب واسح وطن. ثم قام فصلى العشاء الآخرة ثم قال لغلامٍ فوق رأسه: تبلغ معه إلى الفضل بن سهل بهذا الكتاب. فلما دخلنا عليه قال: يا نضر، إن أمير المؤمنين قد أمر لك بخمسين ألف درهم فما قصتك؟ فحدثته الحديث ولم أكتمه شيئا، فقال: لحنت أمير المؤمنين؟ قلت: كلا، كلا، إنما لحن هشيم، فأدى أمير المؤمنين لفظه، وقد تتبع ألفاظ العلماء.
فأمر لي من عنده بثلاثين ألف درهم، فخرجت بثمانين ألف درهم بكلمات استفادها.