الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
131- مجلس أبي العباس أحمد بن يحيى مع محمد بن أحمد بن كيسان
حدثني غير واحدٍ أن محمد بن كيسان سأل أبا العباس عن قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده} وقوله: {أو لم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قال أبو العباس: بدءوا الجمع باثنين ثم أشركوا بينه وبين واحد من بعده؛ فإنهم يدعون الجميع الأول ولا يلتفتون إليه، وذلك أن الواحد يلي الفعل فيجعلون لفظ فعل شريكه لفظ فعل الواحد، فيجعلون تقدير لفظ عدد الفعل على تقدير لفظ عدد الفردين المشترك بينهما احتياجا وغير احتياج، كقوله في القرآن:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أحدٍ من بعده} ، وقوله:{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ والأرض كانتا رقتاً ففتقناهما} . وقال رؤبة:
فيها خطوطٌ من سواد وبلق
…
كأنه في الجلد توليع البهق
فقلت له: ألا تقول: ((كأنها)) فتحمله على الخطوط، أو ((كأنهما)) فتحمله على السواد والبلق. فغضب وقال: كأن ذاك بها توليع البهق، فذهب إلى المعنى والموضع. فكذلك ذهبوا بذلك إلى السماء. فأما قوله:((كأنه)) فإن السواد والبلق هو التوليع، فكأنه قال: كأن هذا التوليع توليع البهق، وأما السماء والأرض فالعرب تكتفي بالواحد من الجميع. فإن شئت رددته على المعنى، وإن شئت على اللفظ. وأما قوله:((كأن ذاك)) فإن ذاك لا يكنى به إلا عن جملة. وكان هشام وأصحاب الكسائي إذا اتفق الفعل والاسم كنيا بذاك، وإذا لم يتفق الاسم والفعل لم يفعلوا، فيقولون: ظننت ذاك، ولا يقولون: كأن ذاك ولا إن ذاك، والفراء يجيزه كله، لأنه كناية عن الاسم والفعل، فيقولون: إن ذاك وكأن ذاك. وقال: مثل ذلك قوله:
لو أن عصم عمايتين ويذبل
…
سمعا حديثك أنزلا الأوعالا
فشرك بين عصم وعمايتين ويذبل.
ومما مثل ذلك مما أشركوا الاثنين بواحد وجعلوا لفظ عدد تقدير الفعل على تقدير لفظ فعل الفردين المشرك بينهما قوله في قول من يجعل اللفظ للمضاف إليه: لو أن عصم عمايتين ويذبل، وعمايتان اثنان ويذبل الثالث، فجعل تقدير لفظ فعلهم المشرك بينهما، أما هذا فإن عمايتين
موضع، ويذبل موضع، فخبر عنهما كأنه قال: فإنك عصم هذين الموضعين لو سمعا حديثك أنزلا الأوعال منها. وقوله:
تذكرت بشرا والسماكين أيهما
…
علي من الغيث استهلت مواطره
فجعل السماكين واحدا.
وفيه تفسيران آخران: إن شئت قلت: بل حمله على الموضع والمعنى، فردوه إلى واحده وإلى موضعه ومعناه، فردوا السموات إلى السماء، وعمايتين إلى عماية.
قال أبو العباس: ولو قال السماكين نجم فرده على معنى نجم كان أصلح. وقوله ((أيهما)) خفيف، يريد أيهما فخفف، يريد تذكرت السماكين وهذا الرجل أيهما أصابني الغيث من قبله. وأما قوله: رد عمايتين على عماية فهو على الموضع أجود، والسموات إلى السماء فهذا جائز؛ لأنه يقول السماء بمعنى السموات والأرض بمعنى الأرضين. وقال: هو كما رد قوله:
تبسم عن مختلفاتٍ ثعل
…
أكس لا عذبٍ ولا برتل
عنى الأسنان ثم رده على الفم إلى موضعها، ولو قال الأسنان من الفم فرده على الفم لأنه بعضه، وقال مثل قوله:
[فماحت به غر الثنايا مفلجا
…
وسما جلا عنه الطلال موشما
ذهب إلى الفم. وغر الثنايا، هو الفم غير ثناياه. فهو خلف، ليس أنه ترك الثنايا ورجع إلى الفم. وقوله] :
هم منعوني إذ زيادٌ كأنما
…
يرى بي أخلاء بقاعٍ موضعا
ذهب به إلى الخلا وهو واحدها، والخلا يكفي من الأخلاء، ولا حاجة به أن يرجع إلى غيره.
وإن شئت في التفسير الثاني، كما يجعلون لفظ الواحد في موضع الجميع وفي معناه، كقوله في القرآن:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لكم} فالذين في موضع واحد، والذين قالوا ذلك هم الناس، وإنما يجوز هذا في الجميع الذي واحده يكفي منه، ولفظه لفظ الواحد، فأخرجوا الفعل على لفظه، كقوله:
ألا إن جيراني العشية رائح
…
فرد رائح على الجيران وهم جمع، لأن مثل لفظه يكون واحدا. وقال، في القرآن:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لعبرةً نسقيكم مما في بطونه} فرد إلى النعم؛ لأنه يكفى من الأنعام. وقال:
أمن آل وسنى آخر الليل زائر
…
ووادي العوير دونها والسواجر
فجاءت بكافورٍ وعود ألوةٍ
…
شآميةٍ شبت عليها المجامر
فقلت لها فيئي فإن صحابتي
…
سلاحي وحدباء الذراعين ضامر
ترك زائرا ورجع إليها، وهذا لم يترك زائراً ويرجع إليها، وإنما ذكر الخيال ثم خاطب المرأة لأنه خيالها، فالخيال هو هي.