الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
133- مجلس الكسائي مع أبي محمد اليزيدي
حدثنا أبو عبد الله اليزيدي قال: أخبرني عمي الفضل بن محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، قال:
كنا ببلدٍ مع المهدي في شهر رمضان قبل أن يستخلف بأربعة أشهر، فتذاكروا ليلة عنده النحو والعربية، وكنت متصلا بخاله يزيد بن منصور، والكسائي مع ولد الحسن الحاجب، فبعث إلي وإلى الكسائي فصرت إلى الدار، وإذا الكسائي بالباب قد سبقني، فقال: أعوذ بالله من شرك يا أبا محمد. فقلت: والله لا تؤتى من قبلي أو أوتي من قبلك. فلما دخلنا على المهدي أقبل علي فقال: كيف نسبوا إلى البحرين فقالوا بحراني، أو إلى الحصنين فقالوا حصني؟ فقلت: أيها الأمير، لو قالوا في النسب إلى البحرين بحري لالتبس فلم يدر: النسبة إلى البحرين وقعت أم إلى البحر، فزادوا ألفا ونونا للفرق بينهما، كما قالوا في النسب إلى الروح روحاني. ولم يكن للحصنين شيء يلتبس به فقالوا حصني على القياس.
فسمعت الكسائي يقول لعمر بن بزيع: لو سألني الأمير لأجبته بأحسن من هذه العلة. فقلت: أصلح الله الأمير، إن هذا يزعم أنك لو سألته أجاب بأحسن من جوابي. فقال: قد سألته. فقال: أصلح الله الأمير، كرهوا أن يقولوا حصناني فيجمعوا بين نونين، ولم يكن في
البحرين إلا نون واحدة فقالوا بحراني لذلك. فقلت: فكيف تنسب إلى رجل من بني جنان؟ إن لزمت قياسك قلت: جني فجمعت بينه وبين المنسوب إلى الجن، وإن قلت جناني رجعت عن قياسك وجمعت بين ثلاث نونات.
ثم تفاوضنا الكلام إلى أن قلت له: كيف تقول: إن من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتة زيدٌ. فأطرق مفكرا وأطال الفكر، فقلت: أصلح الله الأمير، لأن يجيب فيخطئ فيتعلم أحسن من هذه الإطالة. فقال: إن من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتة زيدا. فقلت له: أخطأت. قال: كيف؟ قلت: لرفعه خيرهم قبل أن تأتي باسم إن، ونصبه زيدا بعد الرفع، وهذا لا يجيزه أحد. فقال شيبة بن الوليد عم دفافة، متعصبا له: لعله أراد بأو: بل. فقلت: هذا المعنى لعمري معنى. فلقنه الكسائي، فقال: ما أردت غيره. فقلت: أخطأتما جميعا؛ لأنه غير جائز إن من خير القوم وأفضلهم بل خيرهم زيدا. فقال المهدي للكسائي: ما مر بك مثل اليوم. قال: فكيف الصواب عندك؟ قلت: [إن] من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتة زيدٌ، على معنى تكرير إن. فقال المهدي: قد اختلفتما وأنتما عالمان فمن يفصل بينكما؟ قلت: فصحاء الأعراب المطبوعون.
فبعث إلى أبي المطوق، فعملت له أبياتا إلى أن يجيء، وكان المهدي يميل إلى أخواله من اليمن فقلت:
يأيها السائلي لأخبره
…
عمن بصنعاء من ذوي الحسب
حمير ساداتها تقر لها
…
بالفضل طرا جحاجح العرب
فإن من خيرهم وأفضلهم
…
أو خيرهم بتةً أبو كرب
فلما جاء أبو المطوق أنشدته الأبيات، وسألته عن المسألة، فوافقني، فلما خرجنا تهددني شيبة وقال: تلحنني بحضرة الأمير؟! فأنشدته:
عش بجدٍ ولا يضرك نوكٌ
…
إنما عيش من ترى بالجدود
عش بجد وكن هبنقة القيسي
…
جهلا أو شيبة بن الوليد
شيب يا شيب يا هني بن القعقاع
…
ما أنت بالحليم الرشيد
لا ولا فيك خصلةٌ من خصال الخير
…
أحرزتها بحلمٍ وجود
غير ما أنك المجيد لتحبير
…
غناءٍ لضرب دفٍ وعود
فعلى ذا وذاك نحتمل الدهر
…
مجيداً به وغير مجيد
المسألة مبينة على الفساد للمغالطة. فأما جواب الكسائي فغير مرضى عند أحد، وجواب اليزيدي أيضا غير جائز عندنا؛ لأنه أضمر إن وعملها، وليس من قوتها أن تضمر [فتعمل] . فأما تكريرها فجائز. قد جاء في القرآن والفصيح من الكلام.
قال الله جل وعز: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فجعل إن الثانية مع اسمها وخبرها خبراً عن الأولى. وقال الشاعر:
إن الخليفة إن الله سربله
…
سربال ملكٍ به تزجى الخواتيم
والصواب عندنا في المسألة أن يقال: إن من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم البتة زيدٌ، فيضمر اسم إن فيها ويستأنف ما بعدها.
وذكر سيبويه أن البتة مصدر لم تستعمله العرب إلا بالألف واللام، وأن حذفهما منها خطأ.