الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
132- مجلس محمد بن زياد الأعرابي مع أحمد بن حاتم
وجدت بخط أبي نصر أحمد بن حاتم قال: اجتمعت أنا ومحمد بن زياد الأعرابي فسألته عن قول طفيل الغنوي:
تتابعن حتى لم يكن لي ريبةٌ
…
ولم يك عما خبروا متعقب
فقلت له: ما معنى متعقب؟ فقال: تكذيب. فقلت له: أخطأت. وقولي له ((أخطأت)) بعدما سفه علي. ثم قلت له: إنما قوله ((متعقب)) : أن تسال عن الخبر ثانيةً بعد ما سألت عنه أول مرة. يقال تعقبت الخبر، إذا سألت عنه غير من كنت سألته عنه أول مرة. ومنه يقال: عقبت في الغزو، إذا غزوت ثم ثنيت من سنتك.
وقوله: ((تتابعن)) يعني الأخبار. وقال في مثله طفيل:
وأطنابه أرسان جردٍ كأنها
…
صدور القنا من بادئٍ ومعقب
فأراد أن أطناب البيت أرسان الخيل. وجرد: قصار الشعر. وقوله ((كأنها صدور القنا)) : في طولها، وأراد كأنها القنا. والعرب تفعل هذا، كقولك: جاء فلان على صدر راحلته، وإنما يريد على راحلته. وقوله:((من بادئٍ ومعقب)) ، يريد من فرس بادئٍ غزا أول مرة، ومعقب ثانية. ومنه يقال: صلى فلانٌ أول الليل ثم عقب، يريد صلى ثانية.
ثم سأله طاهر بن عبد الله بن طاهر، ومعنا عدةٌ من العلماء، عن قول طفيل:
كأن على أعرافه ولجامه
…
سنا ضرمٍ من عرفجٍ يتلهب
فقال له: ما معنى هذا البيت؟ فقال: أراد أن هذا الفرس شديد، الشقرة كحمرة النار. فقلت له: ويحك، أما تستحيي من هذا التفسير، إنما معناه أن له حفيفا في جريه كحفيف النار ولهبه. ثم أنشدته أبياتا حججا لهذا البيت. قال امرؤ القيس:
سبوحا جموحا وإحضارها
…
كمعمعة السعف الموقد
وقال رؤبة:
تكاد أيديها تهاوى في الزهق
من كفتها شدا كإضرام الحرق
فأراد عدوا كأنه إضرام الحرق
وقال العجاج:
كأنما يستضرمان العرفجا
…
فوق الجلاذي إذا ما أمحجا
يقول: من حفيف عدوهما كأنهما يوقدان عرفجا.
وقال أوس: بن حجر يصف حمارين:
إذا اجتهدا شدا حسبت عليهما
…
عريشا علته النار فهو محرق
وسئل عن بيت لطفيل:
كأنه بعد ما صدرن من عرق
…
سيد تمطر جنح الليل مبلول
فقال: كأن الفرس بعدما سال العرق من صدورهن ذئب. فقلت: أخطأت إنما معناه: كأن هذا الفرس بعدما برزت صدور هذه الخيل، من عرق: من الصف. وكل طريقةٍ وصف عرقة. يقال عرق من قطا ومن خيل. فيقول: كأن هذا الفرس قد أصابه المطر، فهو ينجو ويعدو عدوا شديدا.
ثم سئل في هذا المجلس عن بيتٍ لعروة:
مطلا على أعدائه يزجرونه
…
بساحتهم زجر المنيح المشهر
فقيل له: ما معناه؟ فقال: يزجرون هذا الرجل إذا نزل بساحتهم كما يزجر المنيح. ثم فسر فقال: المنيح من القداح: الذي لا نصيب له، وإنما هو تكثير في القداح، مثل السفيح والوغد. فقلت له: ويحك، إنما يزجر ما جاء له نصيب، وهذا خاملٌ لا نصيب له. ثم قال: مشهر، وتفسير هذا البيت القدح المعروف بالفوز، فيستعار لكثرة فوزه وخروجه، ومنه يقال منحت فلانا ناقتي سنة، والناقة تسمى منيحة، وذلك إذا أعطيته لبنها ووبرها سنة ثم يردها، فكذلك هذا القدح يستعار، فهو يتبرك به
لكثرة فوزه. وأنشدته فيه حججا. قال ابن مقبل يصف قدحا قد استعاره لكثرة فوزه:
مفدى مؤدى باليدين ملعنٌ
…
خليع لجام فائز متمنح
فأراد بقوله ((متمنح)) مستعار. وقال عمرو بن قميئة:
بأيديهم مقرومةٌ ومغالق
…
بشيرٌ بأرزاق العيال منيحها
فلو كان المنيح القدح الذي لا نصيب له ما كان بشير أرزاق العيال، ولكنه هو الذي يمنح، أي يستعار فيفوز ويقمر.
ثم أنشدته في القدح الذي يستعار ويعلم بعقب أو يؤثر فيه بالأسنان. قال لبيد:
ذعرت قلاص الثلج تحت ظلاله
…
بمثنى الأيادي والمنيح المعقب
فإنما عقب علامة لكثرة فوزه وقمره. قال دريد:
وأصفر من قداح النبع فرعٍ
…
له علمان من عقب وضرس
الضرس: أن يعض بالضرس ليؤثر فيه.