الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
42- مجلس أبي العباس ثعلب مع محمد بن سلام
قال أبو العباس: أتيت محمد بن سلامٍ الجمحي لما قدم من البصرة لأقرأ عليه الأشعار والأخبار التي يرويها، فلما عرفني برني وأكرمني، فقال لي: أسألك عن أبيات؟ فقلت له: سل. فقال: ما معنى قول الفرزدق:
تكاد آذانها في الماء تقصعها
…
بيض الملاغيم أمثال الخواتيم
فقلت: يصف حميرا تشرب، وأراد الحلقوم والمريء. ويروى:((تقصفها)) ، أراد من شدة جرعها تضرب فتكاد تنقصف.
قال أبو العباس ثعلب: سألت الأثرم عن هذا البيت فقال لي: سألت أبا عبيدة عنه فأجابني بهذا وقال: الهاء والألف للآذان. وقال: يروى ((أمثال الخواتيم)) ، أي تجرع جرعا كالخواتيم، وأراد الدارات التي فيه كأنها حلق. قال ثعلب: شبه جرعها بالخواتيم، وأراد لما وردت الماء انغمست جحافلها في الماء حتى يكاد الماء يبلغ آذانها.
قال: فما تقول في قول علقمة:
سلاءة كعصا النهدي غل لها
…
ذو فيئةٍ من نوى قران معجوم
قلت: يعني فرسا شبهها بشوك النخلة لإرهاف صدرها وتمام عجزها. وكذلك خلقة الشوكة يقول: خلقتها خلقة الشوكة. وهذا
يستحب في الإناث. وهذا مثل قوله:
إذا أقبلت قلت دباءةٌ
…
من الخضر مغموسةٌ في الغدر
ويستحب في الإناث أن تتم صدورها وتخف أعجازها. ويحمد من الإناث أن يدق أولها ويغلط آخرها. وعصا النهدي، أي كأنها عصا نبع؛ لاندماجها وملاستها. وإنما خص نهدا لأن النبع ينبت في بلادها، فهم أصحاب عصي لا تفارقهم، فعصيهم ملس، فأراد أنها فرسٌ ملساء. وعل لها، أي أدخل لها في باطن حافرٍ أوفي موضع النسور. وإنما شبه النسور بالنوى لأنها صلاب، وأنها لا تمس الأرض، لأن الحافر مقعب. وذو فيئة: ذو رجعة، وهو أن يؤكل النوى ثم يفت البعر فيستخرج النوى فتعلفه الإبل مرة أخرى. ولا يكون ذلك إلا من صلابته. ويقال ذو فيئة، إذا أكلته الإبل فاء عليها، رجعت لحومها. ومعجوم، أي إنه نوى الفم، وهو أصلب ما يكون معجوم: معضوض. وقران، قال: موضع كثير النخل.
قال: فما تقول في قول جرير:
فلا يضغمن الليث عكلا بغرة
…
وعكلٌ يشمون الفريس المنيبا
قلت: يقول: إن عكلا تخافني أن أهجوهم، كما تخاف الغنم الأسد؛ وذلك أن الأسد إذا أثر في شاةٍ من الغنم فرت الغنم إذا شمت فريسته. والضغم: الأخذ بشدة. حذرهم شعره وهجاءه.
فيقول: هي تجزع من هجائي إذا هجوت غيرهم، فكيف إذا أوقعته بهم.
قال لي: اقرأ ما شئت. وجعل يعجب.