الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
68- مجلس أبي حاتم سهل بن محمد مع رجل من أهل إصبهان
حدثني أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري قال:
حضرت أبا حاتم السجستاني وحضره رجلٌ من أهل إصبهان، فقال له: يا أبا حاتم، تنعت المعرفة بنكرة؟ فقال: نعم إذا لم يوصف به غيره كانت النكرة كالمعرفة. قال الله جل وعز: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحدٌ} . فالله جل وعز معرفة، وأحد نكرة، ولكن لما كان أحدٌ لم يوصف به غير الله صار معرفة. وهذه الآية فيها اختلاف.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: قوله جل وعز: {قل هو الله أحد} . فهذا مضمر على شريطة التفسير، كقولك: إنه أمة الله ذاهبةٌ. وقوم يجعلونه مضمرا قبله مذكورٌ.
وهذا قول من عد بسم الله الرحمن الرحيم آية، فيكون هو يرجع إلى هذا المذكور، ويكون أحدٌ على هذا بدلا، أو خبر ابتداء محذوف.
قال سيبويه: يجوز في هذه أربعة أوجه. ومثل هذه الآية قوله جل وعز: {وهذا بعلي شيخاً} لأن قوله هو الله أحد بمنزلة قولك: هذا زيد منطلق وزيد راكب، فيجور أن تجعل ذا ابتداء وزيدا بدلا منه، ومنطلق خبر ابتداء.
والوجه الثاني: أن تجعل ذا ابتداء وزيد خبره ومنطلق بدل من زيد، تقديره: هذا منطلق.
والوجه الثالث: أن تضمر ابتداء فتقول: هذا زيد مقبل، كأنك قلت: هذا زيد هو مقبل، هو ابتداء ومقبل خبره.
والوجه الرابع: وهو أردؤها، كأنك أردت أن تخبر أنه زيد وأنه مقبلٌ أيضا، كأنه جمع الأمرين، كأنه جمع أنه زيد وأنه منطلق.
ومن قرأ: شيخا، نصبه على الحال، أي في حال شيخوخته.
وقال أبو عثمان المازني في قوله جل وعز: {قل هو الله أحد} : هو ابتداء، والله ابتداء ثان وأحدٌ خبر الابتداء الثاني، والابتداء الثاني وخبره خبر الابتداء الأول.
فإن قيل: أيكون هو ابتداء والله خبره، وأحدٌ وصف الله؟ قيل: لا يجوز، لأن الله معرفة وأحد نكرة، والنكرة لا تكون وصفا للمعرفة، لأنهما جنسان مختلفان.
ومثل قول أبي حاتم أن أحداً لم يوصف به غير الله فصار معرفة، قول أبي العباس محمد بن يزيد، فإنه سئل عن دعاء الناس: يا حليما لا يعجل، ويا حيا لا يموت، ويا قادرا لا يعجز، هل هذا نكرة، وعلام ينتصب؟ فقال: نصبه كنصب يا رجلا ظريفا إلا أن هذا معرفة. وقولك: يا رجلا ظريفا، نكرة، لأنك إذا قلت يا رجلا ظريفا فهذا لكل من له هذا النعت. والآخر ليس مثل هذا، وهو مثل قولك: يا رجلا في الدار لا يبرح أقبل، إذا كان في الدار جماعة قيام كل يبرح إلا واحدا فإنه يثبت، فعلمت ذاك شائعا فيهم فدعوته. فهو معرفة، لأنه ليس يشركه أحد منهم، فقد شاركهم بأنه في الدار وباينهم بأنه لا يبرح وهم يبرحون. وقد علم المنادى الذي لا يبرح في الجملة، وأنه فيهم. فقولك: يا حيا لا يموت معرفة بالمعرفة المتقدمة أنه لا يشركه في البقاء أحدٌ، وقد يشترك الخلق في الحياة. وكذا يا قادرا لا يعجز.
فهذا المعنى في اليقين المتقدم، هو الذي جعل هذا معرفة وخصة ونصبه، كنصب يا رجلا في بابه.
ومثل نصب هذا قولك للرجل تسمية عاقلة لبيبة، ثم تنادي فتقول: يا عاقلة، فهو معرفة ولكنك نصبته لأنك تحكي أصل النكرة قبل أن تسمى به، فنصب هذا كنصب يا رجلا في الدار ظريفا أقبل، فقولك: يا قادرا لا يعجز، نصبه أيضا كنصب هذا.
والمعنى الذي ذكرناه أخصر، وهو بعد يرجع إلى أنه معرفة بالإشارة. وليس هذا مثل قولك: يا خيرا من زيد، لأن يا خيرا من زيد جميعاً معرفة، ومثل حضرموت، ليس واحدٌ أحق بالمعرفة من الآخر. وقولك: يا حليما لا يعجل، ويا قادرا لا يعجز، الذي أوجب المعرفة إنما هو النعت الذي لا يكون إلا لله جل وعز، فكيف يكون هذا مثله. وهو كقولك: يا رجلاً صالحا كما قال أولا أشبه، لأن هذا نعتٌ ومنعوت مثله، فنصبهما واحد، كما قال أولاً. وهذا الحق. والزائد على يا رجلاً ظريفا، أن النعت خاص لا يكون إلا لله، فبهذا وجبت المعرفة. ولو نعت غير الله جل وعز بنعتٍ لكان إنما يجري على الاسم في معرفته ونكرته.