الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ونفعنا بهذه الذكرى، وهدانا جميعا إلى طريق الحق والخير والفلاح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف إلى من تبلغه النصيحة من إخواننا المسلمين، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم، وجنبنا وإياهم سبل أصحاب الجحيم، ووفقنا جميعا للتمسك بشرائع الدين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فالموجب لهذه الكلمة هو النصيحة والشفقة وإقامة الحجة والإعذار من كتمان ما يلزم بيانه للناس، ومن أهم ذلك في هذه الأيام
بيان ما يلزم من أحكام الزكاة
التي هي ثالث أركان الإسلام، وثانية الصلاة وقرينتها، قرنها الله تعالى بالصلاة في نيف وثلاثين موضعا من كتابه العزيز؛ لكون هذه الأيام غالبا وقت إخراج الزكاة، ولمزيتها بمضاعفة الحسنات، وورد الوعيد الشديد على تركها، والتغليظ في منعها، قال الله تعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (1)، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (2){يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (3)
(1) سورة آل عمران الآية 180
(2)
سورة التوبة الآية 34
(3)
سورة التوبة الآية 35
وهذا الوعيد مفسر بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ويقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: إلى قوله: (3)» وقال تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ} (4) الآية. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبهته وجنبه وظهره (5)» والآيات والأحاديث في التغليظ في مانع الزكاة وعقوبته كثيرة معروفة.
والأموال التي تجب فيها الزكاة: (أحدها) سائمة بهيمة الأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والغنم، (الثاني) الخارج من الأرض: من الحبوب والثمار، وما يلحق بها كالعسل. (الثالث) الأثمان، وهي النقود: من الذهب، والفضة، وما يقوم مقامها من فلوس وأوراق نقدية، وكذلك
(1) البخاري الزكاة (1338)، النسائي الزكاة (2448)، ابن ماجه الزكاة (1786)، أحمد (2/ 355)، مالك الزكاة (596).
(2)
سورة آل عمران الآية 180 (1){وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
(3)
سورة آل عمران الآية 180 (2){خَبِيرٌ}
(4)
سورة التوبة الآية 35
(5)
تقدم هذا الحديث، والحديث الآتي بعده في النصيحة قبله.
حلي الذهب والفضة إذا بلغ نصابا بنفسه أو بما يضم إليه من جنسه وفي حكمه، ولم يكن معدا للاستعمال ولا للعارية. وأقل نصاب الذهب عشرون مثقالا، وبالجنيه السعودي وكذلك الإفرنجي أحد عشر جنيها ونصف جنيه تقريبا، وأقل نصاب الفضة مائتا درهم، وبالريال العربي ستة وخمسون ريالا، وبالفرانسي ثلاثة وعشرون ريالا تقريبا. (الرابع) عروض التجارة، وهي كل ما أعد للبيع والشراء لأجل الربح والتكسب من جميع سلع التجارة كالمجوهرات ونحوها، وكذلك السيارات والمكائن وغيرها من المنقولات والنباتات كالعقارات من أرض وبيوت ونحوها إذا تملكها بفعله بنية التجارة، فإنها تعتبر سلعة تجارة، ويلزمه أن يقومها عند الحول بما تساوي من الثمن لدى أهل الصنف، ولا ينظر إلى رأس مالها الذي اشتراها به، وعليه أن يؤدي قيمتها عند الحول إذا بلغت نصاب الذهب والفضة؛ لعموم حديث سمرة:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع (1)» رواه أبو داود، كما عليه أن يزكي الديون التي له في ذمم الناس إذا قبضها.
وإذا استفاد مالا مستقلا خارجا عن ربح التجارة كالأجرة والراتب ونحوها فإنه يبتدئ له حولا من حين استفاده، ويزكيه إذا تم حوله.
وأما مصرفها فقد بينه الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (2)
(1) أبو داود الزكاة (1562).
(2)
سورة التوبة الآية 60
فلا يجوز صرفها إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية كبناء المساجد والمدارس وتكفين الموتى ووقف المصاحف وكتب العلم وغير ذلك من جهة الخير.
ويجب إخراجها عند تمام الحول فورا إلا لعذر شرعي. ولا يدفعها إلا لمن يغلب على الظن أنه من أهلها لأنها «لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب (1)» كما في حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار، رواه أبو داود والنسائي، فليتق الله من لا تحل له أن يأخذ منها شيئا فإنها سحت ومحق لما في يده قبلها من المال.
ولا يجوز إخراجها إلا بنية سواء أخرجها بنفسه أو بوكيله، وسواء دفعها إلى مستحقها أو إلى نائب الإمام ليفرقها على مستحقيها لحديث:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (2)» ولا يجوز دفعها إلى أصوله أو إلى فروعه أو زوجته أو إلى أحد ممن تلزمه نفقته، ولا يحابي بها قريبه، أو يقي بها ماله، ولا يدفع بها مذمة.
وينبغي للإنسان الاستكثار من صدقة التطوع أيضا في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم؛ لحديث أنس: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصدقات أفضل؟ فقال: صدقة في رمضان (3)» رواه الترمذي،
(1) النسائي الزكاة (2598)، أبو داود الزكاة (1633)، أحمد (5/ 362).
(2)
متفق عليه.
(3)
الترمذي الزكاة (663).