المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: استئذان الناس بعضهم من بعض: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ بيان ما يلزم من أحكام الزكاة

- ‌ كيفية أداء الزكاة، وكيفية توزيعها

- ‌ الأوقاف التي على جهات عامة كالمساجد والربط والمدارس والفقراء ليس فيها زكاة

- ‌ كيفية زكاة أموال الشركة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌زكاة المرتبات فيها تفصيل

- ‌الزكاة تكون فيما دار عليه الحول وهو بحوزة الإنسان

- ‌كيفية ضبط الموظف ومن له دخل للحول

- ‌ تعجيل الزكاة قبل تمام الحول

- ‌حكم زكاة ما يستلمه الطلاب من المكافأة الشهرية

- ‌الربح تبع الأصل وحوله حول أصله إلا إذا كان ربا

- ‌حول الدين

- ‌ما بلغ نصابا وحال عليه الحول ففيه زكاة

- ‌المال الموضوع في البنك الإسلاميحكمه حكم غيره من الأموال

- ‌حكم التعامل مع البنوك بالربا وزكاتها

- ‌حكم زكاة النقود العربيةوالأجنبية المجموعة على سبيل الهواية

- ‌حكم زكاة أقلام الذهب

- ‌كان الزوجان لا يصليان ثم التزما، فهل يجددان عقد الزواج

- ‌زوجها لا يصلي رغم نصيحتها له، هل تستمر معه

- ‌من مات وعليه صلاة

- ‌من ترك صلاة هل تقبل صلواته الأخرى

- ‌ غيبة الذين لا يؤدون الصلاة إطلاقا والاستهزاء بهم

- ‌هل تارك الصلاة مخلد في النار

- ‌حكم بول الغنم وروثها

- ‌ حكم الصلاة في ثوب فيه بقع من جرح دم

- ‌طهارة المكان

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌بناء المتاجر تحت المسجد

- ‌البناء على المسجد

- ‌ضم مكان الحمامات إلى المسجد

- ‌بناء القبة فوق المسجد

- ‌الإصلاح في المسجد

- ‌دورات المياه حول المسجد

- ‌وضع الصور في المسجد والصلاة في مكان فيه صور

- ‌المحاريب في المساجد

- ‌وضع المآذن في المساجد وبناء القبور فيها

- ‌ الصلاة في مسجد فيه قبر

- ‌ حكم الإسلام في الصلاة في المسجد الذي فيه بعض القبور

- ‌ الصلاة في مسجد به ضريح ميت

- ‌الصلاة في المقابر

- ‌البحوث

- ‌التمهيد: فضل آية الكرسي:

- ‌تفسير الآية

- ‌الجملة الأولى قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}

- ‌الخاتمة:

- ‌عرش الرحمن في القرآن

- ‌التمهيد: تعريف العرش:

- ‌المبحث الأول: خلق الله للعرش:

- ‌المبحث الثاني: مكان العرش:

- ‌المبحث الثالث: استواء الله على العرش:

- ‌المبحث الرابع: صفات العرش:

- ‌المبحث الخامس: أحوال الملائكة مع العرش:

- ‌المطلب الأول: حملة العرش:

- ‌المطلب الثاني: عدد حملة العرش:

- ‌المطلب الثالث: الملائكة حول العرش:

- ‌الخاتمة:

- ‌تقريرات علماء الدعوة في الإيمان ومسائله

- ‌المقدمة:

- ‌تمهيد في بيان منزلة مسائل الإيمان:

- ‌الفصل الأول: مسمى الإيمان وحقيقته:

- ‌الفصل الثاني: الإسلام وصلته بالإيمان:

- ‌الفصل الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه:

- ‌الفصل الرابع: حكم الاستثناء في الإيمان:

- ‌الفصل الخامس: مرتكب الكبيرة:

- ‌الخاتمة:

- ‌دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الاستخفاء في العهد المكي"دراسة تحليلية

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: مرحلة الاستخفاء في ضوء النصوص:

- ‌المبحث الثاني: معالم دعوة النبي في مرحلة الاستخفاء:

- ‌المطلب الأول: ميدان الدعوة في مرحلة الاستخفاء:

- ‌المطلب الثاني: وسائل وأساليب الدعوة في مرحلة الاستخفاء:

- ‌المطلب الثالث: مضمون الدعوة في مرحلة الاستخفاء:

- ‌المطلب الرابع: أصناف المدعوين في مرحلة الاستخفاء:

- ‌المبحث الثالث: مفهوم الاستخفاء في دعوة النبي وسماتها:

- ‌المطلب الثاني: سمات الاستخفاء في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: تطبيقات الاستخفاء بالدعوة في العصر الحاضر:

- ‌المطلب الأول: الاستخفاء بالدعوة في المجتمعات الدعوية:

- ‌المطلب الثاني: الاستخفاء بالدعوة في المجتمعات (غير الدعوية):

- ‌الخاتمة:

- ‌المبحث الثاني: الاستئذان وأنواعه في السنة:

- ‌المطلب الأول: استئذان الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته، وأصحابه:

- ‌المطلب الثاني: استئذان الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: استئذان الناس بعضهم من بعض:

- ‌المطلب الرابع: الاستئذان والمرأة:

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المطلب الثالث: استئذان الناس بعضهم من بعض:

فخفي عليه ذلك (1).

(1) انظر الإصابة في تمييز الصحابة: 7 ق1/ 162.

ص: 365

‌المطلب الثالث: استئذان الناس بعضهم من بعض:

أرسى الإسلام دعائم الأخلاق، في المجتمع المسلم، كما مر بنا في المقدمة، فلا غيبة ولا نميمة، ولا تطاول على حقوق الآخرين، إلا بعد الاستئذان.

وقد جاء القرآن الكريم، مبينا حكم ذلك، بالتفصيل. قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (1){فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (2){لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} (3) فهذا حكم عام، تناول حرمة الدخول إلى بيوت الغير، إلا بعد الاستئذان، فإن لم يوجد فيها أحد فلا يجوز دخولها، لأنه لم يؤذن له {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} (4). أما البيوت العامة، كالفنادق، والمحلات التجارية، فلا حاجة للاستئذان، لأنها غير مهيأة، للكشف عن العورات.

أما الأحاديث التي وردت في الاستئذان، وأنواعه فهي كثيرة.

13 -

فمن الأحاديث التي بينت كيفية الاستئذان، ما رواه الشيخان

(1) سورة النور الآية 27

(2)

سورة النور الآية 28

(3)

سورة النور الآية 29

(4)

سورة النور الآية 28

ص: 365

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه واللفظ للبخاري - أنه قال: «كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى، كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثا، فلم يؤذن لي، فرجعت. فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثا، فلم يؤذن لي، فرجعت.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا استأذن أحدكم ثلاثا، فلم يؤذن له، فليرجع" فقال: والله لتقيمن عليه بينة. أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم، فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك (1)».

فهذا الحديث قد بين لنا كيفية الاستئذان، وأنه يكون ثلاث مرات فقط، ولا يزيد على الثلاث، إلا إذا غلب على ظنه أنه لم يسمع، فحينئذ يشرع له الزيادة. وقيل: تجوز الزيادة، على الثلاث، سواء سمع المستأذن عليه، أو لم يسمع، لأن الغاية من تحديده بالثلاثة، التخفيف عن المستأذن. والأمر فيه للإباحة (2) قلت: الصواب أن يحدد بثلاث مرات، ولا يزيد عن ذلك، إلا إذا غلب على ظنه، أن المستأذن عليه، لم يسمع. وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم، كما صنع أبو موسى الأشعري مع أمير المؤمنين عمر. كما أن المستأذن عليه، إذا كان عنده ما يمنعه، من

(1) البخاري - مع الفتح - كتاب الاستئذان - باب التسليم ثلاثا - 11/ 26 - 27 حديث 6245، ومسلم - كتاب الآداب - باب الاستئذان - 3/ 1694 حديث رقم عام 2153.

(2)

انظر فتح الباري: 11/ 30.

ص: 366

الإذن، فله الحق ألا يأذن لأحد (1).

أما الحكمة من كون الاستئذان ثلاث مرات، فقد روى أبو بكر بن أبي شيبة بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:

"الأولى إعلام، والثانية مؤامرة، والثالثة عزمة، إما أن يؤذنوا، وإما أن يردوا". (2). أما من دعي فهل يستأذن عندما يأتي أم لا؟ ذهب بعض العلماء: إلى أنه يستأذن.

14 -

والدليل على ذلك، ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة أنه قال:«دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد لبنا في قدح، فقال: أبا هر! الحق أهل الصفة، فادعهم إلي. قال: فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا، فاستأذنوا، فأذن لهم، فدخلوا (3)» .

قلت: ينظر على حسب العرف والعادة، فإذا كان المكان يحتاج إلى استئذان، استأذن، وإلا فلا. فمن جعل مكانا خاصا، للضيوف، منعزلا، فلا حاجة للاستئذان (4). وقد حرم الإسلام النظر خلسة، من شقوق الباب، أو من فتحة صغيرة في الجدار، فمن حق صاحب المنزل أن يطعنه في عينه. قال سهل بن سعد: «اطلع رجل من جحر في حجر النبي

(1) انظر فتح الباري: 11/ 30

(2)

المصنف: باب في الاستئذان كم مرة يستأذن - 5/ 268 حديث 25969، ومعنى مؤامرة: المشاورة بين أهل المنزل

(3)

كتاب الاستئذان - باب إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن - 11/ 31 حديث 6246.

(4)

انظر فتح الباري: 11/ 32

ص: 367

- صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى، يحك به رأسه. فقال: لو أعلم أنك تنظر، لطعنت به، في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر (1)». لذلك شرع للمستأذن عندما يستأذن، أن يقف عن يمنى الباب، أو عن يساره.

ولا يقف مستقبل الباب، لأنه لو وقف مستقبل الباب، لوقع بصره داخل البيت.

15 -

أخرج أبو داود بسنده عن طلحة، «عن هذيل أنه قال: جاء رجل! قال: عثمان بن سعد. فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن، فقام على الباب، قال عثمان: مستقبل الباب!

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هكذا عنك، وهكذا، فإنما الاستئذان من النظر (2)». والمراد من قوله «هكذا عنك، وهكذا (3)» أي: قم على الباب بجانب اليمين أو الشمال، ولا تقم مستقبل الباب.

قال السهارنفوري، رحمه الله:" فإذا قام رجل قبالة الباب، يدخل بصره في البيت، فلعله يرى بعض ما يكره صاحب البيت، وهذا هو علة الاستئذان، للحفظ عن النظر "(4)، قلت: وهذا أدب تربوي عظيم، لأن

(1) أخرجه البخاري - مع الفتح - كتاب الاستئذان - باب الاستئذان من أجل البصر - 11/ 24 حديث 6241، ومسلم - كتاب الآداب - باب تحريم النظر في بيت غيره - حديث رقم عام 2151.

(2)

كتاب الأدب - باب الاستئذان - 20/ 114

(3)

أبو داود الأدب (5174).

(4)

بذل المجهود: 20/ 114.

ص: 368

من أطلق العنان لبصره، فإنه سيوصله إلى ما لا يحمد عقباه، فالإسلام أمر بحفظ البصر، لأن حفظه وسيلة من الوسائل التي تقي الإنسان، من الفتنة، كما لا يخفى. ومن نظر من شقوق البيت خلسة، وطعنه صاحب البيت بعينه، فليس عليه قصاص، أو دية، إن أصابه في عينه، لأنه هدر.

أما ما ذهب إليه المالكية، وغيرهم، من أنه يقتص منه، بحجة أن المعصية، لا تدفع بالمعصية، فلا يسلم لهم، لأن هذا الفعل أذن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يسمى معصية (1).

كما أن على المستأذن، عندما يسأل وقت الاستئذان، أن يعرف بنفسه.

16 -

لما رواه الشيخان عن جابر بن عبد الله - واللفظ لمسلم - أنه قال: «استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من هذا! فقلت: أنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنا، أنا (2)» وكره الرسول – صلى الله عليه وسلم – قوله: أنا؛ لأنه لا يقع التعريف بهذا اللفظ، قال المهلب – كما في الفتح -:"إنما كره قول "أنا" لأنه ليس فيه بيان، إلا إن كان المستأذن ممن يعرف المستأذن عليه صوته، ولا يتلبس بغيره، والغالب الالتباس ".

(1) انظر شرح السنة: 10/ 254، وفتح الباري: 12/ 245.

(2)

أخرجه البخاري - كتاب الاستئذان - باب إذا قال: من ذا! فقال: أنا، ومسلم - كتاب الآداب - باب كراهة قول المستأذن أنا، إذا قيل: من هذا، 3/ 1697، حديث 39.

ص: 369

وهذا الحديث يستدل به، على مشروعية طرق الباب. قال ابن العربي: في حديث جابر، مشروعية دق الباب (1).

وهذا الاستئذان واجب في كل الأحوال، حتى بين المحارم، فمن أراد الدخول على محارمه، كأمه، أو أخته، فعليه الاستئذان.

17 -

روى مالك عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل، فقال: يا رسول الله! أستأذن على أمي؟ فقال: نعم، قال الرجل: إني معها في البيت! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "استأذن عليها". فقال الرجل: إني خادمها!

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة! قال: لا! قال: فاستأذن عليها (2)». فمن كان ساكنا مع محارمه، ينظر إلى الوقت الذي يريد الدخول فيه، فإن كان في وقت الاستراحة، أو النوم، فلا يدخل إلا بعد الاستئذان. أما إذا لم يكن الدخول في غير أوقات الاستراحة، فيدخل من غير استئذان.

وقد حدد القرآن الكريم هذه الأوقات التي لا يجوز فيها الدخول لأحد إلا بعد الاستئذان، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (3){وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (4)

(1) الفتح 11/ 36

(2)

الموطأ: كتاب الاستئذان - باب الاستئذان - 2/ 963 حديث 1، قال ابن عبد البر: مرسل صحيح، ولا أعلمه يستند من وجه صحيح ولا صالح.

(3)

سورة النور الآية 58

(4)

سورة النور الآية 59

ص: 370

تضمنت هذه الآيات، ثلاثة أوقات لا يجوز الدخول فيها إلا بعد الاستئذان، وهي:

1 -

قبل صلاة الفجر، لأن الإنسان حينئذ يكون في حالة القيام عن المضاجع، وعليه ثياب النوم.

2 -

وقت الظهر، والذي يعرف بالقيلولة.

3 -

بعد صلاة العشاء، لأن الإنسان يكون في حالة التجرد من ثيابه، والاستعداد للنوم.

فهذه الأوقات الثلاثة، ينهى عن الدخول فيها للخدم، والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم.

أما إذا بلغ الأطفال الحلم، فحينئذ لا يجوز لهم الدخول، في هذه الأوقات الثلاثة، وغيرها، إلا بعد الاستئذان، فيجب عليهم الاستئذان، في جميع الأوقات، كما هو واجب على الكبار الذين أمروا بالاستئذان، من غير استثناء (1).

(1) انظر فتح القدير: 4/ 51 و 52.

ص: 371

وقد سمى الله تعالى هذه الأوقات الثلاث عورات، وهذا اللفظ عام، فيشمل عورات البدن، وعورات أثاث المنزل، قد يكون المنزل في حالة، لا يحب صاحب المنزل أن يراه على تلك الحالة، فالعورات كثيرة داخل البيوت. وهذه الاستئذان الذي أمر به الإسلام، ليس خاصا في الدخول إلى المكان فقط، بل هو أوسع، وأشمل، من ذلك فعلى الإنسان أن يستأذن الغير، في كل أمر ليس من حقه، فمن ذلك.

18 -

أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، استأذن أم المؤمنين عائشة، أن يدفن في حجرتها، مع صاحبيه، قال عمرو بن ميمون الأودي: رأيت عمر بن الخطاب قال: يا عبد الله بن عمر اذهب إلى أم المؤمنين عائشة، فقل لها: يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام، ثم سلها أن أدفن مع صاحبي. قالت: كنت أريده لنفسي، فلأوثرنه اليوم على نفسي، فلما أقبل قال له: ما لديك؟

قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال: ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع، فإذا قبضت، فاحملوني، ثم سلموا، ثم قل يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت فادفنوني، وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين".

وسبب استئذان أمير المؤمنين من عائشة، أنها صاحبة الحجرة، فهي أحق بها من غيرها، قال ابن بطال - كما في الفتح -: "إنما استأذنها عمر،

ص: 372

لأن الموضع كان بيتها، وكان لها فيه حق، وكان لها أن تؤثر به على نفسها، فآثرت عمر " (1).

ومن الأمور التي يستأذن فيها - الجلوس بين شخصين؛ لأنه لا يجوز أن يفرق بين اثنين، إلا بإذنهما.

19 -

عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل للرجل أن يفرق بين اثنين، إلا بإذنهما (2)» .

وسبب هذا النهي: هو لكي لا يضيق عليهما، حسا، أو معنى، فقد يكون المكان ضيقا، فيأتي هذا القادم، ليجلس بينهما، وفي هذا مضايقة واضحة، أو يكون بينهما حديث، لا يريدان أن يسمع حديثهما أحد، ثم يأتي هذا القادم، ليقطع بينهما حديثهما. أما إذا كان بينهما، فرجة واسعة، أو كان المكان ضيقا، لكن أذنا له، فحينئذ يجوز له (3).

قلت: ومثل ذلك إذا كانوا ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون إذن الثالث.

ومن الأمور التي يجب فيها الاستئذان أخذ شيء من مال الغير، حتى لو كان شيئا قليلا، كحلب الشاة، وأخذ الحليب منها.

20 -

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلبن

(1) فتح الباري: 3/ 258

(2)

أخرجه الترمذي - كتاب الأدب - باب ما جاء في كراهية الجلوس بين الرجلين بغير إذنهما - 5/ 89 حديث 2752، وقال عنه: حديث حسن صحيح. وأبو داود - كتاب الأدب - باب في الرجل يجلس بين الرجلين بغير إذنهما - 4/ 265 حديث 4844 و 4845.

(3)

انظر: بذل المجهود 19/ 92

ص: 373

أحد ماشية امرئ، بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته، فتكسر خزانته، فينتقل طعامه؟ فإنما تخزن لهم ضروع ماشيتهم، أطعماتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه (1)». في هذا الحديث نهي عن أخذ مال الناس، إلا بعد الاستئذان، وذكر الحديث اللبن دون غيره، لتساهل الناس فيه، فغيره من باب أولى.

قال الإمام البغوي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنه لا يجوز أن يحلب ماشية الغير بغير إذنه (2). وقال ابن عبد البر - كما في الفتح -: "في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئا إلا بإذنه، وإنما خص اللبن بالذكر، لتساهل الناس فيه، فنبه به على ما هو أولى منه"(3).

وذهب بعض العلماء: إلى جواز أخذ اللبن، ليشربه، أو أخذ فواكه من البستان، ولو لم يكن المالك موجودا.

وخص بعض أهل العلم الأخذ بأهل السبيل. أما المضطر فله أن يأخذ ما يكفيه باتفاق (4). قلت: مثل هذه الأمور، ينظر فيها إلى العرف والعادة بين الناس، فيرخص لابن السبيل وللمحتاج، وما عداهما لا يجوز له، والله أعلم. وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم ضروع المواشي في حفظ

(1) أخرجه البخاري - مع الفتح - كتاب اللقطة - باب تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها - 3/ 1352 حديث رقم عام 1726

(2)

شرح السنة: 8/ 233

(3)

الفتح: 5/ 89

(4)

انظر: شرح السنة 8/ 233، والفتح 5/ 89، ففيه تفصيل لهذه المسألة.

ص: 374

اللبن، بالغرفة التي يحفظ فيها المتاع، وعليه تكون حرزا له (1).

ومن الأمور التي يجب فيها الاستئذان، إذا أراد أحد أن يتصرف في مال الغير، فإنه لا يجوز له التصرف قبل الاستئذان.

21 -

فمن ذلك ما رواه أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبته، في جداره، فلا يمنعه". فنكسوا (3)» .

فهذا الحديث دليل على وجوب الاستئذان، قبل استعمال أموال الآخرين.

واختلف فيمن استأذن جاره، في وضع خشبة، على جداره، فمن العلماء من ذهب إلى أنه يخير، ومنهم من قال: يجب أن يلبي ما طلب (4).

22 -

ومن الأمور التي يجب فيها الاستئذان، أن الإنسان إذا خطب، أو أراد أن يشتري شيئا فلا يجوز لأحد الإقدام على ذلك، إلا بعد استئذانه، والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم - واللفظ لمسلم -

(1) انظر شرح السنة: 8/ 235.

(2)

كتاب الأقضية - باب أبواب من القضاء - 3/ 314 وما بعدها، حديث 3634، وأخرجه أيضا الشيخان، لكن لم يذكر لفظ الاستئذان. انظر: صحيح البخاري رقم 2463 - كتاب المظالم - باب لا يمنع جار جاره. ومسلم حديث رقم عام 1609 - كتاب المساقاة، باب غرز الخشب في جدار الجار.

(3)

(2). فقال: ما لي أراكم قد أعرضتم؟ لألقينها بين أكتافكم

(4)

انظر بذل المجهود: 15/ 319 وما بعدها

ص: 375

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، إلا أن يأذن له (1)» . وقد يكون الاستئذان، في أمر معنوي، فمن ذلك:

23 -

قال أبو مسعود رضي الله عنه قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواء، فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فليؤمهم أكبرهم سنا. ولا يؤمن الرجل في أهله، ولا في سلطانه، ولا تجلس على تكرمته في بيته، إلا أن يأذن لك، أو بإذنه (2)» . والمراد أن صاحب البيت، وصاحب المجلس، وإمام المسجد، أحق من غيره، بالإمامة، وإن كان موجودا من هو أفقه منه، وأقرأ، إلا إذا أذن صاحب المكان، فحينئذ لا مانع، لأنه تنازل عن حقه بإرادته. والمراد بـ "التكرمة" في قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تجلس على تكرمته في بيته

(3)» الفراش، ونحوه، مما يخصص، لصاحب المنزل. فمن دخل على

(1) البخاري - مع الفتح - كتاب النكاح باب لا يخطب على خطبة أخيه. - 9/ 198 حديث 5142، ومسلم - كتاب النكاح - باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن .. - 2/ 1032 حديث رقم 50.

(2)

أخرجه مسلم - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب من أحق بالإمامة - 1/ 465 حديث 290.

(3)

انظر شرح صحيح مسلم: 5/ 173، 174. جاء تفسير "تكرمته" في مسند أبي عوانة: 2/ 36 "قال شعبة: قلت: أي شيء تكرمته؟ قال: الفراش"

ص: 376

منزل، بعد استئذان صاحبه، وكان هناك مكان مخصص، لصاحب المنزل، فلا يحق لهذا الداخل، الجلوس، في ذلك المكان، إلا إذا أذن له صاحب البيت.

24 -

ومن أنواع الاستئذان، استئذان الجند أميرهم، كما استأذن الصحابي أبو شريح الخزاعي رضي الله عنه، عمرو بن سعيد، الكلام بين يديه.

عن سعيد بن أبي سعيد «عن أبي شريح أنه قال لعمرو بن سعيد (2)، لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار. ثم عادت حرمتها اليوم، كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب» . ففي

(1) أخرجه البخاري - مع الفتح - كتاب العلم - باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب - 1/ 197 وما بعدها حديث 104، ومسلم - كتاب الحج - باب تحريم مكة وصيدها. 2/ 987 حديث رقم عام 1354.

(2)

(1) وهو يبعث البعوث إلى مكة - ائذن لي أيها الأمير، أحدثك قولا قام به النبي صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي، حين تكلم به. حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن مكة حرمها الله تعالى، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ، يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص معنى قوله: فإن أحد ترخص لقتال رسول الله: أي إذا استدل بقول الرسول، فقولوا له.

ص: 377

هذا الحديث، إنكار، من أبي شريح، لعمرو بن سعيد، على غزوه مكة، عندما كان معتصما فيها، عبد الله بن الزبير، في ولاية يزيد بن معاوية، فأراد أن ينكر على عمرو بن سعيد، فعله هذا، لكنه تلطف رضي الله عنه، فاستأذن منه، ليكون لكلامه وقع في النفس.

قال الحافظ ابن حجر: "يستفاد منه حسن التلطف، في مخاطبة السلطان، ليكون أدعى لقبولهم، النصيحة، وأن السلطان لا يخاطب إلا بعد استئذانه، ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه، فترك ذلك، والغلظة له، قد يكون سببا لإثارة نفسه، ومعاندة من يخاطبه"(1). قلت: لا بد من الاستئذان، سواء كان واليا، أو قائدا، أو مسئولا، لأن أي إنسان إذا تكلم بما يريد، من غير استئذان، أو تصرف في أمر ما، أصبحت الأمور فوضى. وهذا ما فهمه الصحابة، إذ كانوا يستأذنون الرسول صلى الله عليه وسلم.

25 -

روى البخاري بسنده «عن أبي هريرة وزيد بن خالد قالا: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل، فقال: أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا، بكتاب الله، فقام خصمه، وكان أفقه منه. فقال: اقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي! قال: قل. قال: إن ابني هذا، كان عسيفا على هذا (2)» .. الحديث.

(1) فتح الباري: 4/ 43

(2)

كتاب الحدود - باب الاعتراف بالزنا - 12/ 136 وما بعدها حديث 6827، 6828 - والعسيف: هو الأجير.

ص: 378