الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد هذه الأدلة المتضافرة من الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة على علو الله على خلقه، واستوائه على عرشه، هل يرتاب مؤمن في إثبات هذه الصفة على ما يليق بربنا جل وعلا.
فعلى كل من آمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا أن يسلك هذا السبيل، وأن يعض عليه بالنواجذ، فكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يثبتنا على الحق، وأن يهدي ضال المسلمين، إنه جواد كريم.
المبحث الرابع: صفات العرش:
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: العرش العظيم:
وصف الله عرشه بأنه عظيم في ثلاث آيات من كتابه الكريم.
قال تعالى: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (1). وقال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (2). وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (3).
(1) سورة التوبة الآية 129
(2)
سورة المؤمنون الآية 86
(3)
سورة النمل الآية 26
قال ابن فارس: العين والظاء والميم أصل واحد صحيح يدل على كبر وقوة (1)، وهو في صفات الأجسام: كبر الطول والعرض والعمق (2).
فعرش الرحمن تبارك وتعالى عظيم جدا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:«يا أبا ذر، ما السماوات السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة (3)» . وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره إلا الله".
(1) معجم مقاييس اللغة مادة: "عظم".
(2)
لسان العرب، مادة:"عظم".
(3)
أخرجه أبو الشيخ في العظمة 2/ 649، وأبو نعيم في الحلية 1/ 167 من حديث طويل، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 510 - 511، وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح 13/ 411، وقال: صححه ابن حبان، وصححه الألباني في حاشية شرح الطحاوية ص830.
وهذا يدل على عظم العرش، وكبر مساحته؛ حيث بلغ من سعته وكبر حجمه أنه لا يقدر أحد من الخلق قدره، وإنما علم ذلك إلى الله وحده.
ومن عظم العرش أنه أثقل المخلوقات وزنا لما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجويرية رضي الله عنه: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته (1)» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - بعد هذا الحديث -: فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان (2).
المطلب الثاني: العرش الكريم:
قال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (3).
الكريم: اسم جامع لكل ما يحمد، والعرب تجعل الكريم تابعا لكل شيء نفت عنه فعلا تنوي به الذم (4). قال الراغب الأصفهاني: وكل شيء شرف في بابه، فإنه يوصف بالكرم (5).
ووصف العرش بالكريم لنزول الرحمة والخير منه، أو باعتبار من
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 4/ 2090، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2726.
(2)
مجموع الفتاوى 6/ 553.
(3)
سورة المؤمنون الآية 116
(4)
انظر تهذيب اللغة، ولسان العرب، مادة:"كرم".
(5)
المفردات، مادة:"كرم".
استوى عليه، كما يقال: بيت كريم إذا كان ساكنوه كراما (1).
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين هذين الوصفين للعرش: العظيم، والكريم، في دعاء من أعظم أدعيته صلى الله عليه وسلم، وهو دعاء الكرب، كما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم (2)» .
قال الحافظ ابن حجر: والذي ثبت في رواية الجمهور بالجر على أنه نعت للعرش
…
لأن وصف ما يضاف للعظيم بالعظيم أقوى في تعظيم العظيم. (3).
المطلب الثالث: العرش المجيد:
قال الله تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} (4).
قرأ حمزة والكسائي: "المجيد" بالخفض صفة للعرش.
وقرأ الباقون: {الْمَجِيدُ} (5) بالرفع صفة لذو (6)
(1) تفسير الشوكاني 3/ 497
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 154 - 155، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الكرب، ومسلم في صحيحه 4/ 2093، كتاب الذكر والدعاء، رقم 2730.
(3)
فتح الباري 11/ 146.
(4)
سورة البروج الآية 15
(5)
سورة البروج الآية 15
(6)
حجة القراءات لابن زنجلة ص 757، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري 2/ 339.