الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الاستخفاء بالدعوة في المجتمعات غير الدعوية.
ثم الخاتمة، وفيها أبرز النتائج.
المبحث الأول: مرحلة الاستخفاء في ضوء النصوص:
المطلب الأول: دلالة نصوص القرآن الكريم:
ألمح القرآن الكريم إلى استخفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله تعالى ضمن إشارة تفيد بدء تلك المرحلة وانتهاءها بقوله تعالى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (1)، ولا ريب أن هذا يومئ إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى الله خفية من قبل ذلك، فقد أخرج ابن جرير عن عبد الله بن عبيدة أنه قال:"ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزل {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (2) فخرج هو وأصحابه. قال الثعالبي في تفسيره: وقوله سبحانه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (3) معناه: " انفذ وصرح بما بعثت به " (4) وقال الواحدي في هذا الصدد: "ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا نزلت " {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (5) " وأشار الإمام البغوي إلى هذا المعنى بقوله: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية
(1) سورة الحجر الآية 94
(2)
سورة الحجر الآية 94
(3)
سورة الحجر الآية 94
(4)
الجواهر الحسان في تفسير القرآن - للثعالبي، ط (الأولى، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت) 2/ 301.
(5)
سورة الحجر الآية 94
بإظهار الدعوة.
وكان قد أنزل عليه من قبل الأمر بالإنذار في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (1){قُمْ فَأَنْذِرْ} (2)، فاستمر صلى الله عليه وسلم – مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله ثلاث سنين مستخفيا، قال ابن تيمية:" أول ما أنزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (3) عند جماهير العلماء، وقد قيل: قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (4) روي ذلك عن جابر، والأول أصح، فإن ما في حديث عائشة الذي في الصحيحين يبين أن أول ما نزل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (5) نزلت عليه وهو في غار حراء ، وأن المدثر نزلت بعد، وهذا هو الذي ينبغي، فإن قوله: {اقْرَأْ} (6)؛ أمر بالقراءة لا بتبليغ الرسالة وبذلك صار نبيا، وقوله: {قُمْ فَأَنْذِرْ} (7)؛ أمر بالإنذار وبذلك صار رسولا منذرا". وهذا الإنذار وما يتطلبه من أمور كان في طور الاستسرار بالدعوة حيث كانت الدعوة بعد البعثة قائمة سرا كما تقدم إلى أن أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصدع بأمر الدعوة. قال ابن الجوزي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستر النبوة ويدعو إلى الإسلام سرا .. فلما مضت من النبوة ثلاث سنين نزل قوله
(1) سورة المدثر الآية 1
(2)
سورة المدثر الآية 2
(3)
سورة العلق الآية 1
(4)
سورة المدثر الآية 1
(5)
سورة العلق الآية 1
(6)
سورة العلق الآية 1
(7)
سورة المدثر الآية 2
عز وجل {فَاصْدَعْ} (1) فأظهر الدعوة (2).
وفي ضوء أقوال المفسرين حول الآية تتضح تلك الإشارة القرآنية إلى مرحلة الاستخفاء التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم والتي تضمنت ستر النبوة والدعوة سرا.
المطلب الثاني: دلالة نصوص السنة الشريفة:
مما يشير إلى مرحلة استخفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله من خلال السنة النبوية ما أخرجه الإمام البخاري رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة إسلام أبي ذر صلى الله عليه وسلم في أوائل المرحلة المكية أنه قال له بعد أن أسلم: «يا أبا ذر اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل (3)» .
وأخرج الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن عبسة رضي الله عنه بعد أن أسلم: «إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني .. (4)» .
(1) سورة الحجر الآية 94
(2)
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - لابن الجوزي ط (الأولى، الناشر: دار صادر بيروت) 2/ 364
(3)
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: كتاب المناقب، باب: قصة زمزم رقم الحديث: 3261، ط الأولى، عام: 1417هـ، الناشر: دار السلام - الرياض رقم الحديث: 3261
(4)
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب: صلاة المسافرين، باب: إسلام عمرو بن عبسة، رقم الحديث:1374. ط (الأولى، عام: 1419هـ، الناشر: دار السلام - الرياض).
وأخرج الإمام البخاري معلقا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للمقداد: «إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل (1)» .
وروي أنه لما دعا عليا إلى الإسلام وطلب علي رضي الله عنه الإمهال قال له صلى الله عليه وسلم: «يا علي إذا لم تسلم فاكتم (2)» .
وهذه النصوص تكشف واقع دعوة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم – في أوائل البعثة وأنها كانت في طور الاستسرار.
المطلب الثالث: دلالة أقوال الصحابة:
إن استخفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة قد جاء ذكره صريحا على لسان بعض الصحابة، ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: «قال عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه: "كنت - وأنا في الجاهلية - أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا
…
(3)».
(1) أخرجه البخاري في كتاب الديات باب: قول الله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا)، رقم الحديث: 6385
(2)
البداية والنهاية - للحافظ ابن كثير، ط (الأولى، عام: 1419هـ الناشر: دار هجر - مصر) 3/ 24
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: صلاة المسافرين، باب: إسلام عمرو بن عبسة، رقم الحديث:1374.
وثبت «عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:: قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة
…
(2)»،، وفي رواية عنه قال: أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة .. (3) وروي أبو جعفر بن أبي شيبة في "تاريخه" من حديث ابن عباس رضي الله عنه، «أن عمر رضي الله عنه لما أسلم قال: يا رسول الله ففيم الاختفاء؟ فخرجنا في صفين: أنا في أحدهما، وحمزة في الآخر
…
(4)».
المطلب الرابع: دلالة أقوال العلماء والمؤرخين المتقدمين:
قال ابن قيم الجوزية ضمن سياق عرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه: وأقام بعد ذلك ثلاث سنين يدعو إلى الله سبحانه مستخفيا، ثم نزل عليه {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (5)، فأعلن صلى الله عليه وسلم – بالدعوة وجاهر قومه.
قال ابن الجوزي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستر النبوة ويدعو إلى الإسلام سرا .. فلما مضت من النبوة ثلاث سنين نزل قوله عز وجل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (6)
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: تفسير القرآن، باب: ولا تجهر بصلاتك: رقم 4353
(2)
سورة الإسراء الآية 110 (1){وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب: ولا تجهر بصلاتك: رقم 4353
(4)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري - للحافظ ابن حجر، ط (الأولى، عام: 1407هـ، الناشر: دار الريان للتراث - القاهرة) 7/ 48
(5)
سورة الحجر الآية 94
(6)
سورة الحجر الآية 94