الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأظهر الدعوة. (1).
وأخرج ابن سعد بإسناده عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "يدعو من أول ما نزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيا إلى أن أمر بالظهور (2)» .
قال ابن هشام: "وكان بين ما أخفى رسول الله أمره واستتر به إلى أن أمره الله بإظهار دينه ثلاث سنين من مبعثه"(3).
وساق الواقدي رحمه الله بإسناده أن «رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيا ثم أعلن في الرابعة (4)» .
ومن خلال ما سبق تتجلى مرحلة الاستخفاء والتي قد دعا النبي صلى الله عليه وسلم خلالها كما سيتضح في المبحث التالي.
(1) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - لابن الجوزي 2/ 364
(2)
الطبقات الكبرى - لابن سعد 1/ 199
(3)
السيرة النبوية - لابن هشام 1/ 249
(4)
زاد المعاد في هدي خير العباد - للإمام ابن قيم الجوزية، 3/ 43
المبحث الثاني: معالم دعوة النبي في مرحلة الاستخفاء:
المطلب الأول: ميدان الدعوة في مرحلة الاستخفاء:
من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قام بالدعوة إلى الله بعد البعثة مباشرة استجابة لأمر الله في قوله: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (1){قُمْ فَأَنْذِرْ} (2) لكنه في تلك المرحلة كان غير مجاهر بالدعوة ولا صادع بها إذ لم يؤمر بذلك بعد، واستمرت دعوته ثلاث سنين على هذا المنوال، وأسلم على يديه عدد ممن أكرمهم
(1) سورة المدثر الآية 1
(2)
سورة المدثر الآية 2
الله بفضيلة السبق. ولم يكن ثمة مكان خاص بدعوته قبل دار الأرقم، وإنما حسب ما اتفق الحال، ويؤكد هذا أن كثيرا من العلماء يؤرخون إسلام بعض الصحابة بأنه كان قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، قال ابن سعد:"فإن جماعة أسلموا قبل دخوله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ".
وحينما لاقى بعض المستجيبين للدعوة عذابا وأذى؛ اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم – دارا يستخفي فيها مع المستجيبين للدعوة، وذلك تحديدا بعد حادثتين:
الأولى: فقد ذكر ابن إسحاق أنه كان من أسلم إذا أراد الصلاة يذهب
إلى بعض الشعاب يستخفي بصلاته من المشركين، فبينما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة إذ ظهر عليه نفر من المشركين وهم يصلون فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم فضرب سعد بن أبي وقاص رجلا منهم بلحي بعير فشجه فهو أول دم أهريق في الإسلام ثم دخل صلى الله عليه وسلم وأصحابه مستخفين في دار الأرقم بعد هذه الواقعة (1).
الحادثة الثانية: روى البلاذري أنه بينما كان رجلان من المسلمين يصليان في إحدى شعاب مكة، هجم عليهما رجلان من المشركين، فناقشوهما ورموهما بالحجارة ساعة، حتى خرجا فانصرفا.
تركت هاتان الحادثتان تأثيرهما على مسيرة الدعوة وعلى المستجيبين لها؛ ما حمل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يأمر أتباعه بالتخفي والتزام البيوت مدة من الزمن حتى تستقر الأوضاع، فدخل هو وجماعة من أصحابه دارا خصصها للدعوة وهي للأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وقد أسلم، وكان من أبرز وظائفها ما يلي:
أولا: مباشرة الدعوة مع المستجيبين لها ومن يرغب من الناس بالإسلام:
وظف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الدار لتكون ميدانا يتيح له تقديم الدعوة، فقد أخرج ابن سعد في الطبقات بإسناده أن " خباب بن الأرت رضي الله عنه أسلم قبل أن
(1) السيرة الحلبية 1/ 456
يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها" (1) في إشارة إلى أن أهم أعمال النبي صلى الله عليه وسلم فيها هي الدعوة إلى الله.
وأخرج ابن سعد في الطبقات بإسناده عن عثمان بن الأرقم أنه قال: " .. وكانت داره - أي الأرقم - بمكة على الصفا وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون فيها أول الإسلام وفيها دعا الناس إلى الإسلام وأسلم فيها قوم كثير (2) وأما من جاءت ترجمته من المدعوين أنه أسلم في دار الأرقم فمن أبرزهم:
- بنو أبي البكير بن عبد ياليل: فقد ذكرهم ابن سعد بقوله: «أسلم عاقل وعامر وإياس وخالد بنو أبي البكير بن عبد ياليل جميعا في دار الأرقم وهم أول من بايع رسول الله فيها (3)» .
- أم أبي بكر الصديق: هي سلمى بنت صخر قال ابن سعد: "أسلمت قديما في دار الأرقم بن أبي الأرقم وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وماتت مسلمة".
ذكره الحافظ الدمشقي وصاحب الصفوة وغيرهما.
- مصعب بن عمير جاء في ترجمته: أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وكتم إسلامه، وكان يختلف إلى رسول الله سرا (4). وفي
(1) الطبقات الكبرى 1/ 157
(2)
المرجع السابق 3/ 243
(3)
المرجع السابق 3/ 388 والاستيعاب 1/ 124
(4)
صفة الصفوة - لابن الجوزي 1/ 390
الاستيعاب: بلغه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام في دار الأرقم فدخل وأسلم وكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا» .
- طليب بن عمير ذكر ابن سعد والواقدي أنه "أسلم في دار الأرقم "(1).
- عمار بن ياسر، وصهيب بن سنان: ورد في الطبقات «أن عمارا قال: لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم ورسول الله فيها فقلت: ما تريد؟ فقال لي: ما تريد أنت؟ فقلت: أردت أن أدخل على محمد فأسمع كلامه، قال: وأنا أريد ذلك، قال: فدخلنا عليه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا (2)» .
ثانيا: التخطيط للدعوة:
ومن وظائف دار الأرقم أنها كانت ميدانا للتفكير في أحوال الدعوة وبحث سبل دعمها والحفاظ على مكتسباتها ولذلك ورد أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعز الله الإسلام ويؤيده بالأقوياء كان في هذه الدار فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب (3)» وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أعز الإسلام بأحب
(1) الطبقات الكبرى 1/ 123
(2)
انظر: المرجع السابق 3/ 277
(3)
أخرجه ابن ماجه بلفظ: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة"، انظر السنن لابن ماجه المقدمة باب: فضل عمر بن الخطاب رقم 102 وقال الألباني: صحيح دون قوله "خاصة". انظر: صحيح السيرة النبوية، ط (الأولى، عام: 1421هـ، الناشر: المكتبة الإسلامية - الأردن) ص 193.
هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب " قال: وكان أحبهما إليه عمر (1)»، قد ورد أن تلك الدعوة كانت يوم الأربعاء وأسلم عمر يوم الخميس، ومما يشير إلى ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه «أن عمر رضي الله عنه لما كان من شأنه مع أخته وزوجها سعيد بن زيد ما كان ورغب في الإسلام خرج إليه خباب، فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك.
فأصبح فغدا عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم (2)»، ودعيت دار الأرقم دار الإسلام (3).
ولقد أعز الله الإسلام بعمر استجابة لدعائه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر "(4) وقال: "كان إسلام عمر عزا، وهجرته نصرا، وإمارته رحمة. والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت
(1) أخرجه الإمام الترمذي في الجامع، ط (الأولى، عام: 1408هـ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت). رقم: 3764. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني. انظر: صحيح الترمذي 3/ 204 رقم 2907.
(2)
أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح، كتاب: المناقب، باب: مناقب عمر بن الخطاب، رقم الحديث: 3616 وقال الألباني: حسن صحيح في تحقيقه مشكاة المصابيح للتبريزي، ط (الثالثة، عام: 1405هـ، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت) 3/ 316
(3)
انظر: الطبقات الكبرى 3/ 243
(4)
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب: المناقب، باب: مناقب عمر بن الخطاب، رقم الحديث:3408.
ظاهرين حتى أسلم عمر " (1).
نعم، لقد كان إسلام الفاروق عمر رضي الله عنه فتحا وعزا للدعوة. قال ابن تيمية حول هذا المعنى:"وظهر من عز الإسلام في إمارته شرقا وغربا وفتح الشام والعراق ومصر، وكسر عساكر كسرى وقيصر، ما تحقق به إجابة الدعاء"(2).
ثالثا: توثيق المدعوين صلتهم بالله تعالى وتعليمهم:
من أهم وظائف دار الأرقم أنها ملتقى يتيح للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم تعليم أصحابه رضي الله عنهم ما يقربهم إلى الله وأن يقيموا الصلاة فيها بطمأنينة ولذا كان سعيد بن زيد رضي الله عنه يقول: "استخفينا بالإسلام سنة، ما نصلي إلا في بيت مغلق - يشير إلى دار الأرقم - أو شعب خال ينظر بعضنا لبعض".
يقول توماس أرنولد: تعد الفترة التي قضاها محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الدار
(1) المستدرك على الصحيحين - للحاكم، ط (الأولى، عام: 1411هـ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت) 3/ 574
(2)
انظر: الجواب الصحيح 6/ 312