الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاصل أن (الإيمان يتفاوت ويختلف بحسب أحوال الخلق، فمنهم من إيمانه كالجبال الراسيات، بحيث لا يزحزحه مزحزح، فيزيد إلى ما لا نهاية، ومنهم من ينقص إيمانه حتى ينتهي إلى مثقال الذرة)(1).
فالإيمان (يزيد مع بقاء أصله الذي دلت عليه شهادة أن لا إله إلا الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء، فإذا ثبت الإسلام زاد الإيمان ونقص، ومع عدم الإسلام وانهدام أصله لا يعتد بما أتى به من شعبه)(2).
(1) التوضيح 106.
(2)
مصباح الظلام 595.
الفصل الرابع: حكم الاستثناء في الإيمان:
الاستثناء في الإيمان هو قول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله، أو: مؤمن أرجو، أو: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله.
والمأثور عن عامة أهل السنة هو أنه يجوز الاستثناء في الإيمان، فقد نقل الشيخ حسن بن حسين ابن الإمام قول ابن القيم رحمه الله: (ونحن نحكي إجماعهم كما حكاه حرب صاحب الإمام أحمد بلفظه، قال في مسائله المشهورة: هذا مذهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة. فكان من قولهم: إن الإيمان قول وعمل ونية، وتمسك بالكتاب
والسنة، والإيمان يزيد وينقص.
ويستثنى في الإيمان، غير أن لا يكون شكا، إنما هي سنة ماضية عند العلماء.
وإذا سئل الرجل: أمؤمن أنت؟ فإنه يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أو: مؤمن أرجو، ويقول: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله) (1).
وذهب بعض أهل السنة إلى وجوب الاستثناء في الإيمان.
ولا خلاف بين القولين؛ إذ هما مبنيان على مأخذين متغايرين؛ ولذا كان الأصح والأعدل عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الاستثناء في الإيمان يصح باعتبار، ويمتنع باعتبار آخر (2).
فأما الوجوه التي يستثنى فيها، فهي:
الأول: خوف سوء الخاتمة.
الثاني: أن يستثني تعليقا للأمر بمشيئة الله تعالى.
(1) الدرر السنية 1/ 345 - 346، ومجموعة الرسائل 556 - 557، وهو في: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح 445.
(2)
انظر: هداية الطريق 193، والدرر السنية 1/ 551، وراجع الفتاوى 7/ 429، 13/ 40.
الثالث: أن يستثني خوفا من تزكية نفسه ومدحها، بأنه أتى بالإيمان المطلق المستلزم للكمال.
فقد روى الخلال عن أبي طالب قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لا نجد بدا من الاستثناء؛ لأنهم إذا قالوا: مؤمن، فقد جاؤوا بالقول؛ فإنما يستثنى بالعمل، لا بالقول (1).
وعن إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت أبا عبد الله يقول: أذهب إلى حديث ابن مسعود في الاستثناء في الإيمان؛ لأن الإيمان قول وعمل، والعمل الفعل، فقد جئنا بالقول، ونخشى أن نكون فرطنا في العمل، فيعجبني أن يستثني في الإيمان، فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله (2).
وحديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي احتج به الإمام أحمد هو ما جاء عنه أنه كان يستثني، فلما قيل له: إن قوما يقولون: إنا مؤمنون؟ قال: أفلا سألتموهم أفي الجنة هم؟ وفي رواية: أفلا قالوا: نحن أهل الجنة؟ وفي رواية قيل له: إن هذا يزعم أنه مؤمن؟ قال: فاسألوه: أفي الجنة
(1) انظر: هداية الطريق 194 والدرر السنية 1/ 553، والأثر مروي في السنة للخلال 3/ 597 - 598 رقم 1057.
(2)
انظر: هداية الطريق 194، والدرر السنية 1/ 552، والأثر رواه الخلال في السنة 3/ 600 رقم 1065.
هو أو في النار؟ فسألوه فقال: "الله أعلم". فقال: فهلا وكلت الأولى كما وكلت الثانية؟.
وهذا هو مأخذ الموجبين للاستثناء من أهل السنة؛ فإنهم بنوه على أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به كله، وترك المحرمات كلها، فإذا قال الرجل: أنا مؤمن بهذا الاعتبار، فقد شهد لنفسه أنه من الأبرار المتقين، القائمين بفعل جميع ما أمروا به، وترك كل ما نهوا عنه، فيكون من أولياء الله، وهذا من تزكية الإنسان لنفسه، وشهادته لها بما لا يعلم، ولو كانت هذه الشهادة صحيحة، لكان ينبغي أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذه الحال.
وقد روي عن عمر رضي الله عنه: من قال: أنا عالم فهو جاهل، ومن قال: أنا مؤمن فهو كافر، ومن قال: أنا في الجنة فهو في النار.