الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 – لم أستوعب أحاديث الاستئذان، في كل مطلب، لأن الهدف من هذا البحث، هو ذكر نماذج مختلفة، على أنواع الاستئذان، في السنة النبوية.
فمثلا لو تتبعت الأحاديث التي استأذن فيها الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لطال الموضوع، وخرج عن هدفه الذي أردته.
المبحث الثاني: الاستئذان وأنواعه في السنة:
وتحته أربعة مطالب:
المطلب الأول: استئذان الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته، وأصحابه:
ليس الاستئذان خاصة بفئة بدون فئة، بل هو عام، ومطلوب من كل شخص، في الأمور التي تحتاج إلى استئذان.
فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يستأذن زوجاته، وأصحابه في أمور كثيرة.
وهذا دليل واضح، على أهمية الاستئذان، وأنه لا يجوز التهاون فيه. فمن الأمور التي استأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه، في المبيت عند عائشة رضي الله عنها، وذلك عندما اشتد مرضه.
…
الحديث.
(1) أخرجه الإمام البخاري - مع الفتح - كتاب الوضوء باب الغسل والوضوء في المخضب. 1/ 302 حديث 198، ومسلم - كتاب الصلاة - باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض .. 1/ 312 حديث 91.
وجاء عند مسلم: «أن أول ما اشتكى في بيت ميمونة رضي الله عنه (1)» وهذا الاستئذان من الرسول صلى الله عليه وسلم من أزواجه، دليل على أن القسم كان واجبا عليه - كما قال أهل العلم - وإلا لما استأذنهن.
وقيل: إنه استأذنهن، تطييبا لخاطرهن، وليس القسم واجبا في حقه صلى الله عليه وسلم (2). قال الإمام النووي: "
…
ولأصحابنا وجهان، أحدهما - يريد أنه واجب - والثاني سنة، ويحملون هذا، وقوله صلى الله عليه وسلم:«اللهم هذا قسمي فيما أملك (3)» على الاستحباب، ومكارم الأخلاق، وجميل العشرة (4). ودل الحديث على فضل أم المؤمنين عائشة، على سائر أزواجه اللائي كن في عصمته، وقت مرضه. قال الإمام النووي:"وفيه فضيلة عائشة رضي الله عنها ورجحانها على جميع أزواجه الموجودات، ذلك الوقت، وكن تسعا، إحداهن عائشة ".
(1) مسلم الصلاة (418)، أحمد (6/ 228).
(2)
انظر فتح الباري: 1/ 303.
(3)
الحديث أخرجه أبو داود برقم 2134، وابن ماجه 1971، وابن حبان 1305 (الموارد) كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن زيد، عن عائشة، وجاء عند ابن حيان "أحمد بن سلمة" وهو خطأ مطبعي، وروي هذا الحديث مرسلا، وصحح العلماء المرسل، قال الإمام الترمذي - بعد ذكره للحديث -: "
…
ورواه حماد بن زيد، وغير واحد، عن أيوب، عن أبي قلابة، مرسلا، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم، وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة". وصحح الإرسال أيضا الإمام البغوي، انظر شرح السنة: 9/ 151.
(4)
شرح صحيح مسلم: 3/ 139
وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، وإنما اختلفوا في عائشة، وخديجة رضي الله عنهما (1).
أما استئذان الرسول صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فقد جاءت عدة أحاديث، فمن ذلك:
2 -
ما أخرجه الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه واللفظ للبخاري - أنه قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح، فشرب منه، وعن يمينه غلام، فقال: يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟
قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدا، يا رسول الله! فأعطاه إياه (2)».
وهذا الغلام هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقيل " الفضل "، والصحيح أنه " عبد الله ". وهذا التصرف منه يدل على فطانته، ونباهته (3)، وقد أصبح حبر الأمة رضي الله عنه. وقد استأذن منه الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان عن يمينه، مباشرة، فهو أحق من غيره، لذلك استأذنه عليه الصلاة والسلام. فهذا الاستئذان من الرسول صلى الله عليه وسلم تعليم لأمته، بحيث تراعى الآداب، والقيم الإسلامية، بغض الطرف عن الشخص الذي كان صاحب الحق؛ لأن الإسلام قد ساوى بين
(1) شرح صحيح مسلم للنووي: 3/ 139
(2)
البخاري - مع الفتح - كتاب الشرف والمساقاة - باب من رأى صدقة الماء وهبته. 5/ 29 - 30 حديث 2351. ومسلم - كتاب الأشربة - باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما، عن يمين .. 3/ 1604 حديث رقم 2030.
(3)
انظر فتح الباري: 5/ 31
المسلمين، فلا يقدم أحد على أحد لكونه متصفا بصفات، تفضله على الآخرين، وإنما تكون الأولوية لمن هو صاحب الحق، إلا إذا تنازل عن حقه.
ومن الأحاديث التي استأذن فيها رسول الله أصحابه:
3 -
ما خرجه الشيخان عن أبي مسعود رضي الله عنه «أن رجلا من الأنصار، يقال له: أبو شعيب، كان له غلام لحام. فقال له أبو شعيب: اصنع لنا طعام خمسة، لعلي أدعو النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة - وأبصر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم الجوع، فدعاه، فتبعهم رجل لم يدع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا قد اتبعنا، أتأذن له؟ قال: نعم! (1)» ، وفي رواية عند البخاري:«وهذا رجل قد تبعنا، فإن شئت أذنت له، وإن شئت تركته". قال: بل أذنت له (2)» .
فالرسول صلى الله عليه وسلم استأذن صاحب الطعام، لأنه لم يعلم رضاه، أما من علم رضا صاحب الطعام، فلا حاجة إلى الاستئذان. وتصرف أبي شعيب دليل على مكارم أخلاقه، فالرجل الكريم إذا دعا أناسا لطعام، ثم جاء معهم بعض الضيوف، فعليه أن يرحب بهم جميعا،
(1) البخاري مع الفتح - كتاب المظالم - باب إذا أذن إنسان لآخر شيئا. 5/ 106 حديث 2456. مسلم - كتاب الأشربة - باب ما يفعل الضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب الطعام .. 3/ 1608 حديث رقم عام 2036.
(2)
كتاب الأطعمة - باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه - 9/ 559 حديث 5434
ويظهر السرور بقدومهم.
4 -
ومن الأحاديث التي استأذن فيها بعض أصحابه. ما رواه: الإمام مسلم بسنده عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت أنه قال: «خرجت أنا وأبي نطلب العلم، في هذا الحي، من الأنصار، قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبا اليسر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه غلام له، معه ضمامة، من صحف .. إلى أن قال: ثم مضينا حتى أتينا جابر بن عبد الله، في مسجده، وهو يصلي .. الحديث.
ثم قال - أي جابر -: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانت عشيشية، ودنونا ماء، من مياه العرب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يتقدمنا، فيمدد الحوض، فيشرب، ويسقينا؟
(1) كتاب الزهد والرقائق - باب حديث جابر الطويل، وقصة أبي اليسر - 4/ 2301 حديث رقم عام 3006
(2)
تصغير: عشية (1)
قال جابر: فقمت، فقلت: هذا رجل يا رسول الله!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رجل مع جابر؟
فقام جبار بن صخر، فانطلقنا إلى البئر، فنزعنا في الحوض سجلا، أو سجلين، ثم مدرناه، ثم نزعنا فيه حتى أفهقناه، فكان أول طالع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أتأذنان؟ قلنا: نعم يا رسول الله، فأشرع ناقته، فشربت شنق فبالت ثم عدل بها، فأناخها، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحوض فتوضأ منه (3)» .. الحديث بطوله.
يلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقترب من الحوض، حتى استأذن جابر بن عبد الله وجبار بن صخر، علما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسلهما للقيام بهذه المهمة، وذلك من باب التعليم للأمة. قال الإمام النووي - تعليقا على قوله "أتأذنان" -: هذا تعليم منه صلى الله عليه وسلم لأمته، الآداب الشرعية، والورع، والاحتياط، والاستئذان في مثل هذا، وإن كان يعلم أنهما راضيان، وقد أرصدا ذلك له صلى الله عليه وسلم، ثم لمن بعده (4).
(1) يمدد: أي يطين الحوض ويصلحه (2)
(2)
أي ملأناه بالماء (1)
(3)
(2) بها، فشحت
(4)
شرح صحيح مسلم: 18/ 140.