الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه (1)».
(1) تاريخ الأمم والملوك - للإمام الطبري 1/ 539
المطلب الثالث: مضمون الدعوة في مرحلة الاستخفاء:
أولا: المضمون: من خلال تأمل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الاستخفاء يتضح أنها ارتكزت على ثلاثة موضوعات وهي:
(1)
التوحيد: من المعلوم أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كان أساسها تحقيق العبودية لله سبحانه إذ هي للغاية من خلق الجن والإنس قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)، وتوحيد الألوهية هو المقصود الأعظم من بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان المقصود بالدعوة: وصول العباد
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: إسلام عمرو بن عبسة، رقم الحديث (832).
(3)
سيرة ابن إسحاق 2/ 118
إلى ما خلقوا له من عبادة ربهم وحده لا شريك له، والعبادة أصلها عبادة القلب المستتبع للجوارح فإن القلب هو الملك والأعضاء جنوده. وهو المضغة التي إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد. وإنما ذلك بعلمه وحاله كان هذا الأصل الذي هو عبادة الله: بمعرفته ومحبته: هو أصل الدعوة في القرآن (1).
(2)
العبادة (الصلاة): ومن أوائل ما نزل من الأحكام الأمر بالصلاة، قال ابن حجر: كان صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابه، ولكن اختلف: هل فرض شيء قبل الصلوات الخمس من الصلوات أم لا؟
فقيل: إن الفرض كانت صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها.
وذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما كان وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد. قال ابن حجر: والذي يظهر لي - وبه تجتمع الأدلة السابقة - أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء، كان هو وخديجة يصليان سرا (2).
وقد ذكر ابن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا إذا حضرت الصلاة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم وقد رأي أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم وعليا يصليان مرة.
وكان سعيد بن زيد يقول: "استخفينا بالإسلام سنة، ما نصلي إلا في
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، 2/ 6
(2)
سيرة ابن إسحاق 2/ 117
يبت مغلق - يشير إلى دار الأرقم - أو شعب خال ينظر بعضنا لبعض".
تلك هي العبادة التي أمر بها المؤمنون، ولا تعرف لهم عبادات وأوامر ونواه أخرى غير ما يتعلق بالصلاة، وإنما كان الوحي يبين لهم جوانب شتى من التوحيد، ويرغبهم في تزكية النفوس، ويحثهم على مكارم الأخلاق، ويصف لهم الجنة والنار كأنهما رأي عين، ويعظهم بمواعظ بليغة تشرح الصدور، وتغذي الأرواح.
(3)
صلة الأرحام: ومما يدل على ذلك: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: «قال عمرو بن عبسة السلمي: "كنت - وأنا في الجاهلية - أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ قال: (أنا نبي) فقلت: وما نبي؟ قال: (أرسلني الله)، فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: (أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء) قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: (حر وعبد)، قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به، فقلت: إني متبعك، قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني .. (1)» .
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: إسلام عمرو بن عبسة، رقم الحديث: 832