الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذا قال الشيخ محمد العثيمين: هل هو عبد من عباد الله الصالحين أو من الأولياء الذين لهم كرامات أم من الأنبياء الموحى إليهم؟ كل ذلك ممكن، لكن النصوص تدل على أنه ليس برسول ولا نبي، إنما هو عبد صالح أعطاه الله تعالى كرامات، ليبين الله بذلك أن موسى لا يحيط بكل شيء علما، وأنه يفوته من العلم شيء كثير
والراجح والله أعلم: أن الخضر نبي لقوة أدلة الفريق المثبت لنبوته، وعدم نهوض أدلة الفريق الآخر على معارضتها.
المبحث الثالث: هل الخضر عليه السلام حي الآن أم قد مات:
المطلب الأول: الذين قالوا بموته:
قال أبو الفرج ابن الجوزي: والدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء: القرآن، والسنة، وإجماع المحققين من العلماء، والمعقول.
1 -
أما القرآن فقوله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} فلو دام الخضر كان خالدا.
2 -
وأما السنة فحديث «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو اليوم عليها
أحد» (1)
3 -
وأما إجماع المحققين من العلماء: فقد ذكر عن البخارى أنه سئل عن الخضر وإلياس، هل هما أحياء؟ فقال: كيف يكون هذا؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرأيتكم ليلتكم هذه، قال: على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض أحد» (2)
قال وممن قال إن الخضر مات: إبراهيم الحربي، وأبو الحسين بن المنادي وهما إمامان، وكان ابن المنادي يقبح قول من يقول: إنه حي.
وحكى القاضي أبو يعلى موته عن بعض أصحاب أحمد، وذكر عن بعض أهل العلم أنه احتج بأنه لو كان حيا لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» (3)
(1) صحيح البخاري كتاب العلم باب السمر في العلم 1/ 211، وصحيح مسلم بشرح النووي 16/ 91.
(2)
صحيح البخاري كتاب العلم باب السمر في العلم 1/ 37.
(3)
مسند الإمام أحمد 1/ 387، وأخرجه أبو يعلى في مسنده عن جابر، 4/ 102، ح 2135، والبزار في كشف الأستار، كتاب العلم باب اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 78، ح 124، والهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 174، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه مجالد بن سعيد ضعفه أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهما.
ألا ترى أن عيسى عليه السلام إذا نزل إلى الأرض يصلي خلف إمام هذه الأمة ولا يتقدم، لئلا يكون ذلك خدشا في نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجوزي: وما أبعد فهم من يثبت وجود الخضر، وينسى ما في طي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة.
4 -
وأما الدليل من المعقول فمن عدة أوجه:
1 -
الذي أثبت حياته يقول: إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد لوجهين:
أ - أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة، فيما ذكر في كتاب يوحنا المؤرخ، ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر.
ب - أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من ولد ولده - كما زعموا - وأنه كان وزير ذي القرنين فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا بل مفرط في الطول والعرض.
ج - أنه لو كان الخضر قبل نوح لركب معه في السفينة ولم
ينقل هذا أحد.
2 -
اتفاق العلماء على أن نوحا لما نزل من السفينة مات من كان معه، ثم مات نسلهم، ولم يبق غير نسل نوح بدليل قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} . وهذا يبطل قول من قال إنه كان قبل نوح.
3 -
أن هذا لو كان واقعا صحيحا أن بشرا من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر، ومولده قبل نوح، لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب، وكان خبره في القرآن مذكورا في غير موضع، لأنه من أعظم آيات الربوبية.
وقد ذكر الله من أحياه ألف سنة إلا خمسين عاما وجعله آية فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر؟ ولهذا قال بعض أهل العلم: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.
4 -
أن القول بحياة الخضر قول على الله بلا علم، وذلك حرام بنص القرآن.
أما المقدمة الثانية فظاهرة.
وأما الأولى، فإن حياته لو كانت ثابتة لدل عليها القرآن، أو السنة، أو إجماع الأمة، وهذه المصادر لم تنقل لنا شيئا من ذلك.
5 -
أن غاية ما يتمسك به من ذهب إلى حياته، حكايات منقولة يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر. فيا لله العجب هل للخضر علامة
يعرفه بها من رآه؟ وكثير من هؤلاء يغتر بقوله: أنا الخضر. ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله. فأين للرائي أن المخبر له، صادق لا يكذب؟
6 -
أن الخضر فارق موسى بن عمران كليم الرحمن، ولم يصاحبه، وقال له:{هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} فكيف يرضى لنفسه بمفارقته لمثل موسى، ثم يجتمع بجهلة العباد الخارجين عن الشريعة، الذين لا يحضرون جمعة ولا جماعة، ولا مجلس علم، ولا يعرفون من الشريعة شيئا؟ ويقول كل منهم: رأيت الخضر، وجاءني الخضر، وأوصاني الخضر!!! فيا عجبا له! يفارق كليم الله تعالى، ويدور على صحبة الجهال، ومن لا يعرف كيف يتوضأ ولا كيف يصلي؟!
7 -
أن الأمة مجمعة على أن الذي يقول: أنا الخضر، لو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كذا وكذا لم يلتفت إلى قوله، ولم يحتج به في الدين، إلا أن يقال: إنه لم يأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بايعه، أو يقول هذا الجاهل: إنه لم يرسل إليه. وفي هذا من الكفر ما فيه.
8 -
أنه لو كان حيا، لكان جهاده الكفار، ورباطه في سبيل الله، ومقامه في الصف ساعة، وحضوره الجمعة والجماعة، وتعليم العلم: أفضل له بكثير من سياحته بين الوحوش في القفار
والفلوات. وهل هذا إلا من أعظم الطعن عليه والعيب له (1)
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الخضر فقال: لو كان حيا لوجب عليه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ويجاهد بين يديه، ويتعلم منه، وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم بدر:«اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» (2) وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم " فأين كان الخضر حينئذ؟ وسئل أيضا عن الخضر وإلياس، هل هما معمران؟ قال: إنهما ليسا من الأحياء ولا معمران، وقد سأل إبراهيم الحربي أحمد بن حنبل عن تعمير الخضر وإلياس، يرويان ويروى عنهما فقال الإمام أحمد: من أحال على غائب لم ينصف منه، وما ألقى هذا إلا شيطان (3)(4)
وقال ابن القيم في المنار المنيف: والأحاديث التي يذكر فيها
(1) ذكر ذلك في كتابه عجالة المنتظر في شرح حال الخضر، نقل ذلك عنه: ابن القيم في المنار المنيف ص 79، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 5/ 160 وابن كثير في البداية والنهاية وقال: قد بين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها وجهالة رجالها، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد 1/ 334 ونقل ذلك: ابن حجر في الزهر النضر في حال الخضر، مؤيدا له على اختياره ص 77.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي 12/ 84.
(3)
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 337.
(4)
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 337. ') ">