الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فتاوى سماحة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
رحمه الله
مفتي عام المملكة العربية السعودية
نصيحة بمناسبة استقبال شهر رمضان
س: سماحة الشيخ، ما نصيحتكم للمسلمين ونحن نستقبل هذا الشهر الفضيل؟
ج: نصيحتي للمسلمين جميعا أن يتقوا الله جل وعلا، وأن يستقبلوا شهرهم العظيم بتوبة صادقة من جميع الذنوب، وأن يتفقهوا في دينهم، وأن يتعلموا أحكام صومهم وأحكام قيامهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» (1) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين» (2)
(1) رواه البخاري في (العلم) باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين برقم (71)، ومسلم في (الزكاة) باب النهي عن المسألة برقم (1037).
(2)
رواه البخاري في (بدء الخلق) باب صفة إبليس وجنوده برقم (3277)، ومسلم في (الصيام) باب فضل شهر رمضان برقم (1079).
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم، وصفدت الشياطين، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» (1)
وكان يقول صلى الله عليه وسلم للصحابة: «أتاكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء، فأروا الله من أنفسكم خيرا؛ فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله» (2) ومعنى: «أروا الله من أنفسكم خيرا» يعني سارعوا إلى الخيرات وبادروا إلى الطاعات، وابتعدوا عن السيئات.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (3)
(1) رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء في فضل شهر رمضان برقم، (682)، وابن ماجه في (الصيام) باب ما جاء في فضل شهر رمضان برقم (1642).
(2)
ذكره المنذري في (الترغيب والترهيب) باب الترغيب في صيام رمضان برقم (1490)، وقال: رواه الطبراني.
(3)
رواه البخاري في (الصوم) باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا برقم (1901)، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب الترغيب في صيام رمضان برقم (760).
ويقول صلى الله عليه وسلم: «يقول الله جل وعلا كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» (1) ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم» (2) ويقول صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (3) رواه البخاري في الصحيح.
فالوصية لجميع المسلمين أن يتقوا الله، وأن يحفظوا صومهم، وأن يصونوه من جميع المعاصي، ويشرع لهم الاجتهاد في الخيرات والمسابقة إلى الطاعات من الصدقات، والإكثار من قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار؛ لأن هذا شهر القرآن:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}
(1) رواه البخاري في (التوحيد) باب قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله) برقم (7492)، ومسلم في (الصيام) باب فضل الصيام برقم (1151)، وابن ماجه في (الصيام) باب ما جاء في فضل الصيام برقم (1638).
(2)
رواه البخاري في (الصوم) باب هل يقول: إني صائم إذا شتم برقم (1904).
(3)
رواه البخاري في (الصوم) باب من لم يدع قول الزور برقم (1903).
فيشرع للمؤمنين الاجتهاد في قراءة القرآن، فيستحب للرجال والنساء الإكثار من قراءة القرآن ليلا ونهارا، وكل حرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع الحذر من جميع السيئات والمعاصي، مع التواصي بالحق والتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فهو شهر عظيم تضاعف فيه الأعمال، وتعظم فيه السيئات، فالواجب على المؤمن أن يجتهد في أداء ما فرض الله عليه، وأن يحذر ما حرم الله عليه، وأن تكون عنايته في رمضان أكثر وأعظم، كما يشرع له الاجتهاد في أعمال الخير من الصدقات وعيادة المريض واتباع الجنائز وصلة الرحم، وكثرة القراءة وكثرة الذكر والتسبيح والتهليل والاستغفار والدعاء، إلى غير هذا من وجوه الخير، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، نسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه، ونسأل الله أن يبلغنا وجميع المسلمين صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، نسأل الله أن يمنحنا وجميع المسلمين في كل مكان الفقه في الدين والاستقامة عليه، والسلامة من أسباب غضب الله وعقابه، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين وجميع أمراء المسلمين، وأن يهديهم وأن يصلح أحوالهم، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في جميع أمورهم، في عباداتهم وأعمالهم وجميع شؤونهم، نسأل الله أن يوفقهم لذلك؛ عملا بقوله جل وعلا:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وعملا بقوله جل
وعلا: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وعملا بوله سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وعملاً بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ َالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} وعملاً بقول الله سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وقوله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} هذا هو الواجب على جميع المسلمين وعلى أمرائهم، يجب على أمراء المسلمين وعلى علمائهم وعلى عامتهم أن يتقوا الله وأن ينقادوا لشرع الله، وأن يحكموا شرع الله فيما بينهم؛ لأن الشرع الذي به الصلاح والهداية والعاقبة الحميدة، وبه رضا الله، وبه الوصول إلى الحق الذي شرعه الله، وبه الحذر من الظلم.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، وصلاح النية والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
يقول ابن القيم -موضحًا هذا الأمر-: " فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم، وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة، وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق، أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين، وليست مخالفة له".
فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعًا لمصطلحهم، وإنما هي عدل الله ورسوله، ظهر بهذه الأمارات والعلامات " (1)
قلت: فكيف إذا كان الأمر قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم بيانه.
قال ابن عثيمين (2) " الصحيح أنّ ما ساوى هاتين المعصيتين-
(1) الطرق الحكمية (ص19). ') ">
(2)
هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد ابن عثيمين التميمي، ولد في مدينة عنيزة سنة 1347 هـ، من عائلة معروفة بالدين والاستقامة، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة، تولى إمامة الجامع الكبير بعنيزة خلفًا لشيخه السعدي. له مؤلفات عدة. توفي سنة 1421 هـ. (ابن عثيمين الإمام الزاهد د. ناصر الزهراني (ص 27 - 35).