الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التخويف بالآيات ليس خرافة
لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء
قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس في عهده: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم منها ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم» (1)، ولما حصل الكسوف في عهده خرج صلى الله عليه وسلم من بيته فزعًا يجر رداءه يخشى أن تكون الساعة وما زال المسلمون يعملون بهذه السنة النبوية الثابتة بالأحاديث الصحيحة. يصلون صلاة الكسوف ويدعون الله ويستغفرونه خوفًا من العقوبات.
ولما حصل الكسوف في هذه الأيام كتب في جريدة الرياض عدد الثلاثاء 29/ 1/1432 هـ للكاتب فهد الأحمدي مقالاً بعنوان (المعرفة تقتل الخرافة) ينكر فيه التخويف بالكسوف والخسوف والرعد وينكر أن يكونا من الآيات التي يخوف الله بهما عباده مخالفًا الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
(1) صحيح البخاري الْجُمُعَةِ (1048)، سنن النسائي الْكُسُوفِ (1502)، مسند أحمد (5/ 37).
حيث قال: فالإنسان البدائي مثلاً كان يعتقد أن صوت الرعد الذي يتوافق مع الصواعق يعبر عن غضب الإله وحتى يومنا هذا ما يزال من يعتقد أن ظاهرة الكسوف والخسوف إشارتان لانتهاء الزمن واقتراب الحساب. وأنا شخصيًّا تعلمت في طفولتي الخوف منهما لهذا السبب.
وفي حالات كهذه كان الرعب يملأ القلوب وتسيطر الخرافة على العقول قبل أن نتعلم أن صوت الرعد ناجم عن تفريغ الشحنات الكهربائية في السحب الرعدية. وأن الكسوف والخسوف ظاهرتان كونيتان يمكن توقع مواعيدهما مستقبلاً من خلال جداول فلكية خاصة إلى آخر ما قال.
والرد عليه أن نقول:
أولاً: صوت الرعد والصواعق والبرق ذكر الله أن هذه الحوادث من آياته التي يخوف بها عباده فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} وقال في وصف السحاب {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} ولا يمنع ذلك أن
تكون حقيقة البرق كما ذكر الكاتب ناجمة عن تفريغ الشحنات الكهربائية بإذن الله وقد أهلك الله قوم ثمود بالصاعقة كما قال تعالى: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ}
ونحن لا نعلم حقيقة البرق وأنه ناشئ عن شحنات كهربائية كما قال الكاتب لأن الله تعالى قال: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} .
ثانيًا: الكسوف والخسوف وإن كان يعرف وقت حدوثهما بالحساب فذلك لا يمنع أن يغير الله سببهما ويحدث الله عندهما عذابًا وهلاكًا كما تخوف ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وشرع لأمته الصلاة والدعاء عند حدوثهما ومن الذي يضمن أن زوال الكسوف والخسوف وعودة ضوء النيرين، وقد قال الله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ َفَلا تُبْصِرُونَ}
أيكون ما جاء في هذه الآيات من باب الخرافة كما قال الكاتب إن هذه الأحداث العظيمة ظواهر كونية ليس فيها تخويف ولا عبرة.
أرجو من الكاتب وغيره إعادة النظر لتصحيح هذا الفكر والتصور الذي يخل بالعقيدة، والله تعالى يقول:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} ويقول سبحانه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.