الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: طلب مغفرة الخطايا، ومحو السيئات، وطلب الهداية إلى التوبة.
الخاتمة، وفيها أهم نتائج البحث.
وأسأله سبحانه التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة.
التمهيد، وفيه معنى الأدعية المأثورة وأهميتها
.
أولاً: معنى الأدعية المأثورة:
أبدأ ببيان معنى "الأدعية" وأثني ببيان معنى "المأثورة" وذلك فيما يلي:
معنى "الأدعية" في اللغة وفي الشرع:
الأدعية في اللغة: جمع دعاء، ومادة " د ع و "تدل على إمالة الشيء إليك بصوت وكلام منك (1)(2) وللدعاء في اللغة معان كثيرة، منها: العبادة، كما في قوله تعالى:{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ}
والاستغاثة، كما في قوله تعالى:{وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي: استغيثوا بشهدائكم وطلب حضور المدعو،
(1) ينظر مادة ** د ع و** في: مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 279.
(2)
ينظر مادة ** د ع و** في: مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 279. ') ">
كما فسر بعضهم المقطع السابق من الآية (1)
والسؤال والطلب، كقولهم: دعوتُ الله أدْعُوه دُعاء، أي: سألته ورغبت فيما عنده من الخير (2) وهذا المعنى هو المراد في هذا البحث.
"الأدعية" في الشرع: ذكر العلماء للأدعية عدة معان (3) منها:
1 -
هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له (4)
2 -
استدعاء العبد ربَّه العناية، واستمداده منه المعونة، وحقيقته: إظهار الافتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة (5)
3 -
التضرع إل الله والافتقار إليه بطلب تحقيق المطلوب أو دفع المكروه بصيغ السؤال والخبر (6)
وهي معان متقاربة، وإن كان المعنى الأخير أوضح.
وقوله: "بصيغ السؤال والخبر" لأن الدعاء تارة يكون بصيغة
(1) ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور 1/ 198. ') ">
(2)
ينظر: لسان العرب، لابن منظور 14/ 257، فتح الباري، لابن حجر 11/ 94، المصباح المنير، للفيومي 194. ') ">
(3)
ينظر في معنى الدعاء: بدائع الفوائد، لابن القيم 3/ 513، الدعاء، عبد الله الخضري 21. ') ">
(4)
ينظر: فتح الباري، لابن حجر 11/ 95. ') ">
(5)
ينظر: فيض القدير، للمناوي 1/ 228. ') ">
(6)
ينظر: الدعاء وأحكامه الفقهية، للمهيزع 38، 54. ') ">
الطلب والسؤال، وتارة يكون بصيغة الخبر (1)
أما معنى "المأثورة" في اللغة وفي الشرع: فـ "المأثورة" في اللغة: من الأَثَر، وهو بقية الشيء، وخرَجْت في إِثْره وفي أَثَره، أَي: بَعْده، وَأْتَثَرْتُه وتَأَثَّرْتُه: تَتَبَّعْت أَثَرَه، والأَثَر بالتحريك: ما بقي من رَسْم الشيء، ومنه يقال لسنن النبي صلى الله عليه وسلم: آثاره، ومن هذا قيل: حديث مأْثور، أَي: يُخْبِر الناسُ به بعضُهم بعضًا، ودعاء مأثور، أَي: ينقله خلف عن سلف (2)
و"المأثورة" في الشرع: معنى المأثورة في الشرع قريب من معناها في اللغة، حيث يعرف العلماء الأدعية المأثورة، بأنها ما ينقله الخلف عن السلف (3) فتشمل ما ورد من الأدعية مرفوعًا أو موقوفًا على الصحابة والتابعين، وما ورد عن الأئمة المشهورين، أما ما عدا ذلك مما يدعو به الناس فليس بمأثور (4) إلا أني في هذا البحث اعتمدت الأدعية الواردة في القرآن والسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فيكون المراد بالأدعية المأثورة في هذا البحث: الأدعية الواردة في القرآن الكريم، والسنة النبوية التي يحتج بها.
(1) ينظر: الدعاء وأحكامه الفقهية، للمهيزع 38، 54. ') ">
(2)
ينظر مادة **أثر**: لسان العرب، لابن منظور 4/ 5، تاج العروس، للزبيدي 1/ 2441، مختار الصحاح، للرازي 5. ') ">
(3)
ينظر: التعريفات للجرجاني 1/ 29، وينظر: التوقيف في مهمات التعاريف، للمناوي 1/ 33. ') ">
(4)
ينظر: الدعاء وأحكامه الفقهية، للمهيزع 79. ') ">
وإنما حصرتها في الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية التي يحتج بها؛ لأنهما مصدرا التشريع، و ((مقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع)(1) وأنا أتحدث عن علاقة هذه الأدعية بحفظ مقاصد الشريعة.
وللذِّكْر علاقة وثيقة بالدعاء، فيحسن بيان معنى الذكر، وتوضيح العلاقة بينه وبين الدعاء.
معنى "الذِّكْر" في اللغة: الذِّكْر مصدر ذَكَرَ الشيء يذكرُه ذِكْرًا وذُكْرًا، وله معان عدة، منها: حفظ الشيء واستحضاره في القلب، كما في قوله تعالى:{فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} ومنها: الشيء يجري على اللسان، يقال: ذَكَرْت الشيء أذْكُرُه ذِكرًا وذُكْرًا، أي: نطقت به أو تحدثت عنه (2) ولكلا المعنيين علاقة واضحة بالمعنى الاصطلاحي.
ومعنى "الذكر" في الشرع: ذكر العلماء للذكر معاني متقاربة، تعود إلى أنه: تمجيدُ الله تعالى، وتقديسُه، وتسبيحُه، وتهليلُه، والثَّنَاءُ
(1) المستصفى، للغزالي 1/ 310. ') ">
(2)
ينظر مادة "ذكر": لسان العرب، لابن منظور 4/ 308، المصباح المنير، للفيومي 209، مختار الصحاح، للرازي 226.
عليه بجميع مَحامِدِهِ (1)
وبالنظر في معنى الدعاء ومعنى الذكر تتضح العلاقة بينهما، حيث إن الدعاء ذكرٌ للمدعو سبحانه؛ لأنه متضمن للطلب والثناء عليه بأوصافه وأسمائه (2) فهو ذكر وزيادة، والذكر يتضمن الطلب فهو دعاء، (3) إلا أن الذكر بمعنى الثناء على الله تعالى وتمجيده وتقديسه أفضل من دعاء المسألة والطلب (4) من حيث الجملة؛ لأن ((الذكر ثناء
(1) ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 2/ 41. ') ">
(2)
كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء الحمد لله» . أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة 5/ 462 رقم 3383، وحسنه الألباني. فسمى الحمد لله دعاء، وهو ثناء محض؛ لأن الحمد متضمن الحب والثناء، والحب أعلى أنواع الطلب، فالحامد طالب للمحبوب، فهو أحق أن يسمي داعيًا من السائل الطالب، فنفس الحمد والثناء متضمن لأعظم الطلب، فهو دعاء حقيقة، بل أحق أن يسمى دعاء من غيره من أنواع الطلب الذي هو دونه.
(3)
ينظر: شأن الدعاء، للخطابي 4، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 15/ 19، بدائع الفوائد، لابن القيم 1/ 9، تصحيح الدعاء، لبكر أبو زيد 6، الدعاء وأحكامه الفقهية، للمهيزع 1/ 41.
(4)
معنى دعاء المسألة والطلب: طلب ما ينفع، أو طلب دفع ما يضر، بأن يسأل الله ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة. ينظر: بدائع الفوائد، لابن القيم 3/ 513.
على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته، فأين هذا من هذا؟)) (1)
وفي هذا البحث سأقتصر على إيراد الأذكار التي تتضمن الدعاء؛ ليناسب عنوان البحث، حيث إنني قصرته على الأدعية المأثورة.
ثانيًا: أهمية الأدعية المأثورة:
للأدعية أهمية عظيمة، (2) ومن يتأمل الأدعية المأثورة يجدها تمتاز بأمور كثيرة، منها:
1 -
السلامة والأمان من الوقوع في الخطأ والزلل في الدعاء فإن ((باب الدعاء مظنة للخطر، وما تحت قَدَم الداعي دَحْض (3)
(1) الوابل الصيب، لابن القيم 1/ 120، وينظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 11/ 660، 22/ 389، زاد المعاد، لابن القيم 1/ 194.
(2)
ينظر في أهمية الأدعية: تصحيح الدعاء، لبكر أبو زيد 15، الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية، للعروسي 1/ 204.
(3)
دحض: أي: زلق. ') ">
فليحذر فيه الزلل، وليسلك فيه الجُدَد (1) التي يُؤْمَن معها العَثار)) (2) والأدعية المأثورة معصومة من ذلك؛ لأنها وحي الله وتنزيله (3)((فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة)) (4)؛ لأن الداعي قد يزل فيعتدي في دعائه، فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«سيكون قوم يعتدون في الدعاء» (5) قال بعض العلماء في معنى الاعتداء: ((هو الخُروج فيه عن الوَضْع الشَّرعي والسُّنّة المأثُورَةِ)) (6) ولذلك رغب العلماء في الأدعية المأثورة، وحذروا
(1) الجُدَد: جمع الجُدَّة، وهي الطرق، أو الطُّرُق تكون في الجبال. ') ">
(2)
شأن الدعاء، للخطابي 3. ') ">
(3)
ينظر: فقه الأدعية والأذكار، للبدر 1/ 319. ') ">
(4)
الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 2/ 214. ') ">
(5)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب سجود القرآن، باب الدعاء 1/ 466، قال الألباني: حسن صحيح.
(6)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 3/ 421. /50 ومن أمثلة الاعتداء في الدعاء، والأدعية غير المشروعة:
من الأدعية غير المشروعة (1)؛ لأن ((قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقا لقصده في التشريع)) (2) و ((من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل)) (3)
2 -
كمال هذه الأدعية في مبناها ومعناها، فألفاظها موجزة، ودلالاتها عظيمة واسعة، مشتملة على المقاصد العظيمة (4) مع ((غاية الاختصار، وحسن البيان)) (5) فقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم (6)
(1) ينظر على سبيل المثال: شأن الدعاء، للخطابي ص 2، الدعاء، للطبراني 22. ') ">
(2)
الموافقات، للشاطبي 2/ 331. ') ">
(3)
المرجع نفسه 2/ 333. ') ">
(4)
ينظر: فقه الأدعية والأذكار، للبدر 1/ 313، شأن الدعاء، للخطابي 2 - 3. ') ">
(5)
إغاثة اللهفان، لابن القيم 1/ 57. ') ">
(6)
جوامع الكلم: الأقوال الوجيزة ذات المعاني الكثيرة، بنظم لطيف لا تعقيد فيه. ') ">
3 -
اشتمال الأدعية المأثورة على لغة غنية، وأدب جميل؛ ذلك أن مصدرها «الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه» (1) والنبي صلى الله عليه وسلم وهو ((أفصح الناس لسانا، وأوضحهم بيانا، وأوجزهم كلاما، وأجزلهم ألفاظا، وأصحهم معاني، لا يظهر فيه هُجْنة (2) التكلّف، ولا يتخلله فَيْهَقَة (3) التَّعَسّف)) (4)
4 -
إن الدعاء المأثور إذا كانت صفته ما تقدم، فهو من أوقع الكلام في الكشف عن مكامن الضمائر، ومرادات النفس، ومتطلبات الروح، مع إبداع في استخدام أساليب الاستدعاء والرجاء والاعتذار، في حال العسر واليسر، والاضطرار والرخاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه،
(1) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن 5/ 172، رقم 2906، وضعفه الألباني.
(2)
هُجنة: الهُجْنة من الكلام ما يَعِيبُ المتكلم به. ') ">
(3)
فيهقة: مأخوذ من الفَهْق، وهو الامتلاء والاتساع، والمتفيهق هو الذي يتوسع في كلامه، ويتَنَطَّع فيه، ويفتح به فاه. /50 ينظر: مادة "فهق" في: لسان العرب، لابن منظور 10/ 313، القاموس المحيط، للفيروز آبادي 1188.
(4)
أعلام النبوة، للماوردي 1/ 254. ') ">
قائلاً: «اللهم إني أسألك خير المسألة وخير الدعاء» (1)
5 -
إن الأدعية المأثورة بما اشتملت عليه من رجاء لأمور حسنة، واستعاذة من أمور سيئة، فيها تعليم للأمة بأن تطلب هذه الأمور الحسنة، وتترك الأمور القبيحة التي وردت الاستعاذة منها (2) وتكرار ذلك، فهي في الحقيقة وسائل تربوية ناجحة، فإن الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم يرشداننا إلى تربية أنفسنا على المعاني التي تضمنتها هذه الأدعية المأثورة، فما ورد من استعاذته صلى الله عليه وسلم من الجن ونحو ذلك مما حُفظ عنه صلى الله عليه وسلم، فيه ((تعليم للأمة، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام محفوظ من الجن والإنس)) (3)
ولهذا كان النبي يعلم أهله وأصحابه رضي الله عنهم الأدعية، ودرج على ذلك صحبه الكرام (4) واعتنى أهل العلم بجمعها في مؤلفات مستقلة؛ (5)
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 701، رقم 1911، وقال:((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي.
(2)
ينظر: عون المعبود، للعظيم آبادي 3/ 466. ') ">
(3)
عمدة القاري، للعيني 2/ 272، عون المعبود، للعظيم آبادي 4/ 281. ') ">
(4)
فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن" الحديث. أخرجه أحمد في مسنده 1/ 242، رقم 2168، قال شعيب الأرنؤوط:((إسناده صحيح على شرط مسلم)). وسيرد مزيد من الأمثلة خلال هذا البحث.
(5)
مثل: الدعاء: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني [360]، شأن الدعاء: لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي [388]، الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار: للنووي [676]، الكلم الطيب: لابن تيمية [728]، الوابل الصيب من الكلم الطيب: لابن القيم [751].