الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني- أهمية الدين:
أشار الماوردي إلى أهمية الدين، فقال:((اعلم أن الله سبحانه وتعالى إنما كَلَّفَ الخلق مُتَعَبَّدَاتِهِ، وألزمهم مُفْتَرَضَاته، وبعث إليهم رسله، وشرع لهم دينه لغير حاجة دعته إلى تكليفهم، ولا من ضرورة قادته إلى تَعَبُّدِهم، وإنما قَصَد نَفْعَهُم تفضلا منه عليهم، كما تفضل بما لا يحصى عَدًّا من نِعَمه، بل النعمة فيما تَعَبَّدَهم به أعظم؛ لأن نَفْع ما سوى المتعَبَّدَاتِ مُختص بالدنيا العاجلة، ونفع المتعَبَّدَات يشتمل على نفع الدنيا والآخرة، وما جمع نفع الدنيا والآخرة كان أعظم نعمة وأكثر تَفَضُّلاً)) (1)(2) فـ ((النعمة العظمى .. هي نعمة الدين)) (3) وتتجلى أهمية الدين في أمور، أهمها:
1 -
الدين ضروري في حياة الإنسان؛ فهو بمعنى الوحي ضروري لهداية العقول، والدين بمعنى الإيمان ضروري لحياة الإنسان الفردية؛ لما له من أثر في استقامة النفس وابتعادها عن الجزع والاضطراب، وضروري لحياة المجتمع أيضًا؛ لأنه ضامن لتنفيذ التشريع بالعدل،
(1) أدب الدنيا والدين، للماوردي 43.
(2)
أدب الدنيا والدين، للماوردي 43. ') ">
(3)
التحرير والتنوير، لابن عاشور 9/ 2215. ') ">
والدين بمعنى الأحكام المشروعة ضروري لتوفير قواعد العدل والمساواة بين الناس وحفظهم من مزالق الأهواء والشهوات (1) فحاجة الناس إلى الدين ضرورية أكثر من حاجتهم إلى كل شيء (2) حاجة تقتضيها حياتهم وآمالهم وآلامهم، فالإنسان بحاجة إلى ركن شديد يأوي إليه، وإلى سند متين يعتمد عليه إذا ألمت به الملمات، وحلّت بساحته الكوارث، فيمنحه الدين قوة عند الضعف، وأملاً عند اليأس، ورجاء لحظة الخوف، وصبرًا في البأساء والضراء (3) وهو الذي يجلب له السعادة والطمأنينة والحياة الطيبة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وقد سمى الله الدين والشريعة روحًا، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} وإذا عدمت الروح فقدت الحياة.
2 -
إن الدين بما يشمله من معنى التعبد والطاعة، هو الطريق الموصلة
(1) ينظر: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، ليوسف العالم 226. ') ">
(2)
ينظر: مفتاح دار السعادة، لابن القيم 2/ 383. ') ">
(3)
ينظر: مدخل لمعرفة الإسلام، للقرضاوي 16. ') ">
إلى الجنة، قال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أي: ظفر بالخير كله، وعاش في الدنيا حميدًا وفي الآخرة سعيدًا (1) وقال تعالى:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} بل إن الله سبحانه وتعالى وعد الطائعين بمرافقة أقرب عباد الله إلى الله، فقال:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}
3 -
إن الدين ينمي لدى المسلم شعورا بمسؤوليته الذاتية تجاه نفسه ومجتمعه، وتجاه ربه، عن أفعاله كافة؛ إذ هو يصرف النفوس عن شهواتها، ويعطف القلوب عن إرادتها، حتى يصير قاهرا للسرائر، زاجرًا للضمائر، رقيبًا على النفوس في خلواتها، نصوحًا لها في ملماتها، فكان الدين أقوى قاعدة في صلاح الدنيا واستقامتها، وأجدى الأمور نفعًا في انتظامها وسلامتها (2)
4 -
فالدين ضروري للعبد في الدنيا والآخرة، ((فكما أنه لا صلاح له
(1) ينظر: تفسير البغوي 1/ 379، فتح القدير، للشوكاني 4/ 437. ') ">
(2)
ينظر: أدب الدنيا والدين، للماوردي 226. ') ">
في آخرته إلا باتباع الرسالة، فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباع الرسالة؛ فإن الإنسان مضطر إلى الشرع، فإنه بين حركتين: حركة يجلب بها ما ينفعه، وحركة يدفع بها ما يضره)) (1) وكان بعض السلف يقول:((هلموا إلى طاعة الله، فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة)) (2) وما شرعت الطاعات إلا لنفع العباد في العاجل والآجل (3)
ولهذا كان حفظ الدين أهم الضروريات الخمس، ومقصد المقاصد، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري» (4) أي: ((الذي هو حافظ لجميع أموري، فإن من فسد دينه فسدت جميع أموره، وخاب وخسر في الدنيا والآخرة)) فلو تعرض الدين للضياع أو التحريف والتبديل لضاعت المقاصد الأخرى، وخربت الدنيا، ولو راعى
(1) مجموع الفتاوى، لاين تيمية 19/ 99. ') ">
(2)
تفسير القرطبي 18/ 261. ') ">
(3)
ينظر: الموافقات، للشاطبي 2/ 6. ') ">
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل 4/ 2087 رقم 2720.