الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب- وقد علّم النبي صلى الله عليه وسلم عائشة دعاء، وفيه: «اللهم إني
…
أعوذ بك من النار» (1).
(1) سنن الترمذي الدَّعَوَاتِ (3495)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (1543)، سنن ابن ماجه الدُّعَاءِ (3838).
المطلب الخامس: طلب مغفرة الخطايا، ومحو السيئات، وطلب الهداية إلى التوبة
من طبيعة البشر أنهم يذنبون ويعصون الله، فيقع الخلل في إيمانهم ودينهم، والدعاء سبب عظيم لمحو الذنوب، فإن (دواء الذنوب أن تستغفر الله عز وجل (1) ومتى ابتلي الإنسان بمعصية فعليه أن يفزع إلى الله طالبًا المغفرة، فإنه إذا واظب على ذلك صرف الله قلبه عن المعاصي (2)(3) وهذا عنوان سعادة العبد، وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه (4) وقد رغّب الله تعالى عباده في استغفاره، وخاطبهم بأرق خطاب:«يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم» (5) وأكد بـ "ال" الاستغراقية في قوله "الذنوب"، وهي مع قوله:
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 270 رقم 7607، وقال:"هذا وإن كان موقوفا فإن إسناده صحيح عن أنس عن أبي ذر"، وقال الذهبي في التخليص:((صحيح)).
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 32/ 5، الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 3/ 77.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 32/ 5، الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 3/ 77. ') ">
(4)
ينظر: الوابل الصيب، لابن القيم 11. ') ">
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم 4/ 1994 رقم 2577.
"جميعا" يفيد كل منهما العموم ليَقْوى الرجاء (1)((ولا يقنطن عبد من رحمة الله، وإن عظمت ذنوبه وكثرت، فإن باب الرحمة والتوبة واسع)) (2) قُلْ {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ويقول تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي» (3) أي: ما دمت تدعوني وترجوني ولا تقنط من رحمتي، أغفر لك على ما كان فيك من المعاصي وإن تكررت وكثرت (4) وقد امتدح الله المتقين، وذكر بعض صفاتهم، ومنها أنهم إذا أخطؤوا استغفروا، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} و ((مدح الفعل- وهو ذكر الله والاستغفار- دليلٌ على قصد الشارع إلى إيقاعه)) (5) وذلك
(1) ينظر: فيض القدير، للمناوي 4/ 476. ') ">
(2)
تفسير ابن كثير 4/ 75. ') ">
(3)
أخرجه الترمذي في سننه، الدعوات، باب في فضل التوبة وااستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده 5/ 548 رقم 3540، وصححه الألباني.
(4)
ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 368، فيض القدير، للمناوي 4/ 496. ') ">
(5)
الموافقات، للشاطبي 2/ 24. ') ">
يقتضي "التوبة عن كل مخالفة تحصل بترك المأمور به أو فعل المنهي عنه، فإنه إذا ثبت أن مخالفة الشارع قبيحة شرعًا، ثبت أن المخالِفَ مطلوبٌ بالتوبة عن تلك المخالَفة من حيث هي مخالفة الأمر أو النهي، أو من حيث ناقضت التقرب، أو من حيث ناقضت وضع المصالح، أو من حيث كانت كفرانا للنعمة"(1) ومما ورد من الأدعية في طلب التوبة والمغفرة ما يلي:
أ- كثر ورود الاستغفار في القرآن الكريم بأساليب ومناسبات مختلفة، فقد ورد فيها استغفار الأنبياء عليهم السلام (2) وأبرَزَ دعوة أقوامهم إلى طلب المغفرة (3)؛ ليبين لنا بعض وسائلهم في توجيه أقوامهم إذا صدر منهم الخطأ، وفي ذلك تأكيد لما وضحه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من فضيلة الاستغفار، وأهميته للمسلمين.
(1) الموافقات [جزء 3 – صفحة 244]. ') ">
(2)
فهذا نوح عليه السلام يقول: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)[نوح: 28]، وإبراهيم عليه السلام يستغفر الله قائلا:(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)[إبراهيم: 41]، وموسى عليه السلام (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [القصص: 16].
(3)
كقول لوط لقومه (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)[هود: 3].
ب- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله في أكثر أحواله، مع أنه صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إلا أنه كان يُعلّم أمته السنة فعلاً كما بيّنها قولاً، فكان يدعو ويتضرع إلى الله ليقتدى به في ذلك (1) فكان الصحابة رضي الله عنهم «يعدّون له في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتُب علي إنك أنت التواب الرحيم» (2)
ج- ولما طلب أبو بكر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلّمه دعاء يدعو به في صلاته وفي بيته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» (3) فمغفرة الذنوب تفضل من الله تعالى على عبده المذنب، ومن لم يتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه أَوْبَقَتْهُ خطاياه في الآخرة (4)
د- وكان يعلّم أمته أن يقدموا بين يدي الاستغفار، خضوعًا لله، وافتقارًا إليه، وتضرعًا بين يديه، ومن هذه الأدعية ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول «رب اجعلني .. لك رهابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أواها
(1) ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 2/ 168. ') ">
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، سجود القرآن، باب في الاستغفار 1/ 475 رقم 1516، وصححه الألباني.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، صفة الصلاة، باب الدعاء قبل السلام 1/ 286 رقم 799.
(4)
ينظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي 2/ 37. ') ">
منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي» (1)
ومعنى "لك رهابا" أي: كثير الخوف منك، "لك مطواعا" أي: كثير الطَّوع وهو الانقياد والطاعة، "لك مخبتا" أي: خاضعا خاشعا متواضعا، "إليك أوّاها" أي: متضرعا، وهي صيغة مبالغة، من أوّه تأويها، وتأوّه تأوها، إذا قال: أوّه، والمعنى: قائلا كثيرا لفظ أوَّه، وهو صوت الحزين، أي اجعلني حزينا على التفريط، أو هو قول النادم من معصيته المقصر في طاعته، وقيل: الأوَّاه البكَّاء، "منيبا" أي: راجعا من المعصية إلى الطاعة ومن الغفلة إلى الذكر، "رب تقبل توبتي" أي: اجعلها صحيحة بشرائطها ووفقني لاستجماع آدابها، "واغسل حَوبتي" أي: امح ذنبي (2)
وقد ذكر العلماء أن العبد لو قال: "اللهم اغفر لي كلّ ما صنعت" كان أوجز، ولكن جاءت ألفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع وإظهار العبودية والافتقار لله تعالى، واستحضار الأنواع التي يتوب العبد منها على التفصيل، وذلك أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار، وهذا كثير في الأدعية المأثورة، فإن الدعاء عبودية
(1) أخرجه الترمذي في سننه، الدعوات، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم 5/ 554 رقم 3551، وقال:**هذا حديث حسن صحيح** وصححه الألباني.
(2)
ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 377. ') ">
لله تعالى (1) وفيه أيضًا "توكيد الدعاء، وتكثير ألفاظه، وإن أغنى بعضها عن بعض"
(1) ينظر: جلاء الأفهام، لابن القيم 1/ 298. ') ">