المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌البحوث

- ‌الافتتاحية

- ‌الفتاوى

- ‌ ما يؤخذ ضريبة لا يجزئ زكاة)

- ‌(باب أهل الزكاة)

- ‌ صرف الزكاة للمساجد والأعمال الخيرية لا يجزئ)

- ‌ ولبناء أسوار البلد)

- ‌ ولصندوق البر بمكة)

- ‌ ودفعها للفقراء غير الوطنيين)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌نصيحة بمناسبة استقبال شهر رمضان

- ‌دخول الشهر وخروجه

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ قراءة الفاتحة ركن في جميع ركعات الصلاة في حق الإمام والمنفرد

- ‌ القدر المناسب لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية

- ‌ الإسرار في الصلاة الجهرية

- ‌ رفع الصوت في الصلاة للمنفرد

- ‌ التجويد بالقرآن في الصلاة

- ‌البحوث

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: حكم الصلاة على الميت

- ‌المطلب الثاني: التعريف بولاية الأمر

- ‌المطلب الثالث: التعريف بالفسق، وبيان الصفات الموجبة له

- ‌المطلب الرابع: التعريف بالسياسة

- ‌المبحث الأول: صلاة ولاة الأمر والأئمة على الفساق

- ‌المبحث الثاني: السياسة الشرعية في ترك الولاة والأئمة الصلاة على الفساق

- ‌الخاتمة:

- ‌أوجز العبارة في حكم الإشارة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولحكم الإشارة في التشهد

- ‌المبحث الثانيموضع الإشارة بالسبابة في التشهد

- ‌المبحث الثالثتحريك السبابة حالة الإشارة

- ‌المبحث الرابعجهة الإشارة بالسبابة

- ‌خاتمة البحث

- ‌دفع أحد الزوجين زكاته للآخردراسة فقهية

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولدفع الزوج زكاته إلى زوجته

- ‌المبحث الثانيدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها

- ‌المبحث الثالثأخذ أحد الزوجين زكاة الآخر بغير وجه الصدقة ممن أخذها وهو من أهلها

- ‌المبحث الرابعدفع أحد الزوجين زكاته إلى الآخر بغير علمه يظنه من أهلها ثم علم

- ‌الخاتمة

- ‌القبض وأثره في العقد الفاسد

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولتعريف القبض والعقد الفاسد وبيان حكمه

- ‌المطلب الأول: في تعريف القبض وبيان أقسامه

- ‌المطلب الثانيتعريف العقد الفاسد وبيان منشئه وأسبابه

- ‌المطلب الثالثحكم تعاطي العقد الفاسد

- ‌المبحث الثانيآثار القبض الفاسد

- ‌المطلب الأول: أثر القبض الفاسد في نقل الملكية

- ‌المطلب الثانيأثر القبض الفاسد في الضمان

- ‌المطلب الثالث:أثر القبض الفاسد في الأجور والمهور

- ‌الخاتمة:

- ‌الأدعية المأثورة وعلاقتها بحفظ مقاصد الشريعة

- ‌التمهيد، وفيه معنى الأدعية المأثورة وأهميتها

- ‌المبحث الأول: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة

- ‌المطلب الأول: معنى مقاصد الشريعة، وأقسامها:

- ‌المطلب الثاني: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة

- ‌المبحث الثاني: معنى الدين، وأهميته

- ‌المطلب الأول: معنى الدين في اللغة وفي الشرع:

- ‌المطلب الثاني- أهمية الدين:

- ‌المبحث الثالث- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب الوجود

- ‌المطلب الثالث: طلب التوفيق لتقوى الله، وطاعته، وأن يتقبلها:

- ‌المطلب الرابع: الدعاء بأن يكون من الدعاة إلى الدين

- ‌المطلب الخامس: طلب العلم الشرعي الذي يكون سبيلاً للهداية إلى الدين والطاعة:

- ‌المطلب السادس: سؤال الله الجنة

- ‌المبحث الرابع- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب العدم

- ‌المطلب الأول: طلب العبد أن يحفظه الله من الكفر والشرك

- ‌المطلب الثاني: طلب صيانة الدين، وتلافي النقصان الطارئ في أصله، والحماية من الفتن التي تضر به

- ‌المطلب الثالث: الاستعاذة بالله من التكاسل عن فعل الطاعات أو التهاون بها

- ‌المطلب الرابع: طلب الحيلولة بين العبد وبين المعاصي، والاستعاذة منها، ومن النار

- ‌المطلب الخامس: طلب مغفرة الخطايا، ومحو السيئات، وطلب الهداية إلى التوبة

- ‌الخاتمة

- ‌التخويف بالآيات ليس خرافة

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

‌من فتاوى سماحة الشيخ

عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

مفتي عام المملكة العربية السعودية

س: سائل يقول: إذا بكى المريض من شدة الألم الذي يعانيه، أو تحدث مع أهله وزواره عن مرضه وآلامه فهل يعد فعله هذا من باب عدم الرضا بقضاء الله تعالى؟ وما هي نصيحتكم وتوجيهكم للمرضى بصفة عامة؟

ج: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فهذا السؤال يشتمل على عدة أمور: وقبل كل شيء نعلم أن الله جل وعلا حكيم عليم، وأن ما قضاه وقدره فإنه مقتضى كمال حكمته، وكمال علمه، وكمال عدله، وكمال رحمته، فهو حكيم، عليم، رحيم، عادل، لا يقضي قضاءً إلا بكمال حكمة، وكمال علم، وكمال عدل، وكمال رحمةٍ، والمؤمن حقًّا من يصبر على البلاء، ويحتسب

ص: 31

ثواب ذلك عند الله، قال الله جل وعلا:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} وقال تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} وقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} فالله سبحانه مدح الصابرين، وأثنى عليهم، وبشرهم بالرحمة، والهداية، والنعيم المقيم في الجنة في معرض عدّه لخصال أهل الإيمان، فالمؤمن ذو صبر، واحتساب، وتحمل لما أصابه إذا أيقن المسلم أن هذا المرض بقضاء الله وقدره، وأيقن أن الله أرحم به من أمه الشفيقة عليه، وأرحم به من أبيه، وأرحم به من عباده، وأنه الرحيم به الذي لا يقدّر عليه إلا ما فيه منفعة له، ومصلحة في آجل أمره وعاجله، فإذا تيقن ذلك صبر على البلاء، ورضي بذلك، واطمأنت نفسه به، وكلما اشتد به البلاء، وعظم الأمر التجأ إلى ربه وخالقه بالتضرع بين يديه، وسؤاله كشف الضر، ودفع البلاء عنه، قال الله جل وعلا عن نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام:

ص: 32

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}

وقال عن نبيه يونس بن متى عليه الصلاة والسلام: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فنبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم نادى ربه بقوله {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ، فسأل ربه بكمال رحمته أن يشفيه ويعافيه، واستجاب الله لدعاء ذي النون صلى الله عليه وسلم إذ نادى وهو في ظلمات بطن الحوت والبحر بقوله:{أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فنسب الظلم لنفسه تأدبًا مع ربه، واعترافًا بكمال فضله، ونسب الخطأ لنفسه، وأن الله مبرّأ من الخطأ والزلل تعالى وتقدس علوًّا كبيرًا، فيا أخي المسلم لا يتمنى المرء العدو، بل يسأل الله العفو والعافية كما جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، قال:«فإذا لقيتموهم فاصبروا» (1) الحديث متفق عليه، وأخرجه أبو داود، والإمام أحمد، فالمرض عدو فلا يتمناه الإنسان

(1) صحيح البخاري الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ (3026)، صحيح مسلم الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ (1742)، سنن أبي داود الْجِهَادِ (2631)، مسند أحمد (4/ 354).

ص: 33

ولا يطلبه، ولكن إذا ابتلي به فليصبر، وليرض بقضاء الله وقدره، ولتطمئن نفسه بذلك، روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:«قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة» (1) أخرجه الإمام أحمد، والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان، وابن ماجه، وصححه الألباني، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط» (2) رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن، وحسنه الألباني.

فيا أخي المسلم المبتلى نصيحتي لك أن تصبر على قضاء الله وقدره، وتصبر على البلاء، وتطمئن نفسك وترضى بما قدره الله عليك، فذلك أمر مطلوب منك شرعًا، فلا تتسخط ولا تقل مسني البلاء دون غيري، ولماذا مرضت وغيري صحيح؟ ولماذا أصبت بهذه العاهات والأوجاع وغيري يتقلب في صحة وعافية؟ إياك أن يخدعك الشيطان فتسيء الظن بربك فيحبط عملك، فاصبر على قضاء الله، والصبر واجب، وإن انتقلت إلى ما فوق الصبر وهو الرضا

(1) سنن الترمذي الزُّهْدِ (2398)، سنن ابن ماجه الْفِتَنِ (4023)، مسند أحمد (1/ 185)، سنن الدارمي الرِّقَاقِ (2783).

(2)

سنن الترمذي الزُّهْدِ (2396)، سنن ابن ماجه الْفِتَنِ (4031).

ص: 34

بالقضاء وطمأنينة النفس بذلك فذاك مرتبة عظمى، والبكاء بدون نياحة وصياح وصوت لا مانع منه، لكن لا ينبغي الإكثار منه، ففي الإكثار منه وجعله ديدن الإنسان، فيه شيء من التسخط على قضاء الله وقدره، ولكن بكاؤك أحيانًا من شدة الحزن والألم بدون صوت لا مانع منه، ويدل لذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال:«دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرًا لإبراهيم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله، فقال: يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» (1) أخرجه البخاري.

وأما إخبارك أهلك بمرضك فإن كان من باب الإخبار وبيان حالك فلا مانع منه، وإن كان من باب شكوى الخالق على المخلوق تقول: لماذا ربي ابتلاني بهذا المرض؟ ولماذا لم يبتل غيري؟ ولماذا لم يكن غيري مثلي في البلاء فذلك اعتراض على قضاء الله سبحانه، فشكاية الخالق على المخلوق أمر محرم شرعًا، وأمر خطير لا يليق

(1) صحيح البخاري الْجَنَائِزِ (1303).

ص: 35

ذلك بالمسلم، بل على المسلم أن يصبر، ويرضى، ويحتسب، ويطلب من الله المثوبة، ويتذكر الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» (1) أخرجه الإمام البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة» (2) أخرجه الإمام مسلم، والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، فالصبر والطمأنينة والرضا، وعدم شكاية الخالق على المخلوق من صفات كمال الإيمان، فيا أخي المريض لا تَشْكُ للمخلوق ما أصابك من خالقك، أما أن تخبرهم بحالك وما حصل لك فإن ذلك لا مانع منه؛ ولهذا كان السلف الصالح إذا تحدثوا عن مرضهم قالوا: ذلك إخبارًا لا شكوى، والتضجر من المرض والشكوى للمخلوق ينافي كمال الصبر على أقدار الله المؤلمة، فالله سبحانه أرحم بنا، وأرأف بنا من أنفسنا ومن كل مخلوق، فيجب على المسلم أن يلتجئ إلى الله، ويتضرع إليه ويشكو إليه حاله فهو وحده النافع، الشافي، الوهاب، المبدئ المعيد، نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

(1) صحيح البخاري الْمَرْضَى (5642)، صحيح مسلم الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ (2573)، سنن الترمذي الْجَنَائِزِ (966)، مسند أحمد (2/ 303).

(2)

صحيح مسلم صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ (2809)، سنن الترمذي الزُّهْدِ (2399).

ص: 36

س2: سائل يسأل ويقول: يحدث أحيانًا من بعض الإخوة أنه يقسم على أخيه أن يتناول عنده طعام الغداء، ولكن هذا الأخ لا يستجيب بسبب من الأسباب، فهل على هذا الحالف كفارة؟ وما هي جزاكم الله خيرًا؟

ج: أولاً يا أخي الجواب على هذا السؤال من عدة وجوه:

الوجه الأول: أنه لا ينبغي للمسلم أن يبادر بالحلف على أي شيء، فإياك أن تكثر من الحلف فإن إكثارك من الحلف أحيانًا قد يضر بك بأن تهمل الكفارة، وتنساها فتقع في المحذور والله يقول:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} ويقول سبحانه: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} والإكثار من الحلف في كل صغيرة، وفي كل حادثة هذا أمر لا يليق بالمسلم.

الوجه الثاني: يستحب للمسلم إذا أقسم عليه أخوه في أمر مباح أن يبر قسمه جبرًا لخاطره، وحتى يكون الحالف بارًّا بيمينه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عدد حقوق المسلم على أخيه المسلم ذكر منها إبرار المقسم كما جاء في الحديث الذي رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن

ص: 37

سبع، أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، ورد السلام، وتشميت العاطس،» (1) الحديث متفق عليه، فإذا أقسم عليك أخوك لتناول طعامه، فإذًا الأفضل في حقه أن تبر قسمه، وتجيب دعوته إذا لم يكن عليك في ذلك حرج، ولا ضرر، ولا مفسدة، ولا ضيق، فأجب دعوة أخيك، وبر قسمه لا سيما إن كان رحمًا، ففي ذلك صلة لرحمك وتآلف القلوب، واجتماع الكلمة، ويدل لذلك ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب» (2) رواه الإمام مسلم، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، والإمام أحمد، فإجابة دعوة المسلم من حقه عليك.

الوجه الثالث: إذا لم يبر أخوك القسم فعلى من حلف أن يكفر عن يمينه بأن يطعم عشرة مساكين لكل مسكين كيلو ونصف من البر أو الأرز ونحوه، أو يكسوهم، أو تحرير رقبة، فإن عدم ذلك فليصم ثلاثة أيام.

(1) صحيح البخاري الْجَنَائِزِ (1239)، سنن الترمذي الْأَدَبِ (2809)، سنن النسائي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ (3778)، مسند أحمد (4/ 284).

(2)

صحيح البخاري النِّكَاحِ (5173)، صحيح مسلم النِّكَاحِ (1429)، سنن أبي داود الْأَطْعِمَةِ (3736)، مسند أحمد (2/ 22)، موطأ مالك النِّكَاحِ (1159).

ص: 38

س3: سائل يسأل ويقول: إذا سمع المصلي وهو في صلاته أحدًا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فهل يصلي عليه أم لا؟

ج: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند سماعك من يصلي عليه، أو عند سماعك لذكره أمر مطلوب شرعًا، وقد أكدت النصوص من الكتاب والسنة على ذلك قال الله تعالى:

ص: 38

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» (1) رواه الإمام مسلم، والإمام أحمد، وفي حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال:«صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، فقالوا: يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين، قال: إن جبريل أتاني فقال لي يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله فقل آمين، فقلت: آمين، ورغم أنف رجل أدرك أبويه كليهما، أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فأبعده الله فقل آمين، فقلت: آمين، ورغم أنف امرئ أدرك رمضان فخرج فلم يغفر له فأبعده الله فقل آمين، فقلت: آمين» (2) رواه البزار، وروى الترمذي والإمام أحمد نحوه عن أبي هريرة رضي الله عنه، إذًا فالوعيد الشديد على من ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم عنده ولم يصل عليه، توعده الله أن يبعده الله ويرغم أنفه، فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره أمر مطلوب شرعًا للمسلم، ولكن إذا كنت تصلي وأنت مشغول بالقرآن في الصلاة، أو مشغول بأذكار الصلاة من الركوع والسجود وغيرهما، وسمعت من يذكر اسم محمد صلى

(1) صحيح مسلم الصَّلَاةِ (408)، سنن النسائي السَّهْوِ (1296)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (1530)، مسند أحمد (2/ 485).

(2)

سنن الترمذي الدَّعَوَاتِ (3545)، مسند أحمد (2/ 254).

ص: 39

الله عليه وسلم فلا تترك ما أنت عليه وتصلي عليه؛ لأن في الصلاة شغلاً عن غيرها.

ص: 40

س4: سائل يسأل ويقول: يصر والدي على تزويجي من إحدى بنات أقاربي لأنه يرى في ذلك برًّا وصلة، وتقوية للعلاقات مع الأقارب، ولكنني لا أرغب في الزواج من هذه المرأة؛ لأنني لا أجد ميلاً إليها فهل عليّ أن أطيع والدي؟ وإذا رفضت فهل أكون آثمًا وجهوني جزاكم الله خيرًا؟

ج4: الجواب على هذا السؤال في مقامين المقام الأول: أن الأب لا ينبغي في حقه أن يجبر ابنه على التزوج بأي فتاة يختارها له سواء من قريباته أو غير قريباته، وكذلك لا ينبغي للأم أن تجبر ولدها على أن يتزوج بأي فتاة تختارها الأم له؛ لأن الأمر في ذلك يرجع إلى اختيار الزوج ورغبته، فالمعاشرة الزوجية والحياة الزوجية إنما يرتاح بها الزوج، أو يشقى بها، أما أن يكون الأب يفرض أمرًا على الابن، أو الأم تفرض أمرًا على الابن وإذا لم يطع الابن أباه وأمه أنكرا عليه، وسخطا عليه فهذا أمر مخالف للشرع.

المقام الثاني: أن الابن ينبغي له في تلك الحال إذا رأى أن الزواج بالفتاة التي تختارها الأم أو يختارها الأب بر بهما، وإحسان لهما، والتماس لرضاهما فأقدم على ذلك، فأرجو من الله أن يوفقه ويسدده، ويجعل في ذلك خيرًا كثيرًا، ولو امتنع من ذلك ولم يقبل

ص: 40

فلا إثم عليه، ولا يلزمه طاعتهما في ذلك؛ لأن هذا أمر يتعلق بحياته الشخصية، فالواجب التعاون، والتفاهم، والمشورة، ولا يجوز الإلزام والسخط عندما لا يريد الابن القبول بهذا الزواج.

ص: 41

س5: سائلة تسأل وتقول: هل صحيح أن المرأة إذا تعطرت وخرجت من منزلها فشم الرجال الأجانب رائحتها أنها لا تقبل منها صلاة حتى تغتسل فعلاً غسل الجنابة؟ أفيدونا فقد تساهل في هذا الأمر كثير من النساء جزاكم الله خيرًا.

ج: نصيحتي لأختي المسلمة عندما تضطر إلى الخروج إلى السوق لأمر ما أن تتقي ربّها، ولتحافظ على كرامتها، ولتبتعد عن كل ما يسبب الإثارة وتتبع مرضى القلوب لها الذين مرضت قلوبهم بمرض الشهوات، والذين يتّبعون تلك الأمور لا سيما إذا كانت المرأة متعطرة، فالطيب تفوح رائحته منها، فيشم الطيب منها، مما يدعو ضعفاء النفوس إلى تتبعها، والسير وراءها ومضايقتها في الطرقات، وفي الأسواق، فتكون بهذا عرضة للأذى، والضرر من قبل ضعاف النفوس، والجهال، ومتسببة لما يجري عليها من تلك الأمور السيئة، فالواجب عليها تقوى الله، والبعد عن التبرج ومظاهر الزينة عندما تضطر إلى الخروج، ولا تخرج إلا محتشمة متحجبة الحجاب الشرعي، وفي هيئة بعيدة عن الإغراء والإثارة، وبصحبة من يحميها من محارمها، ولكن لو تطيبت وخرجت وعصت فلا نقول إنه يجب

ص: 41

الغسل عليها كما في هذا السؤال، إذًا غسل الجنابة لا يجب إلا لرفع الحدث الأكبر، ومجرد الخروج بالطيب لا يجب عليها الغسل بذلك لكنها عاصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ويجب عليها التوبة والندم على ما بدر منها، والإكثار من النوافل، والاستغفار لعل الله أن يتوب عليها.

ص: 42