الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدعية المأثورة وعلاقتها بحفظ مقاصد الشريعة
(مقصد حفظ الدين)
لفضيلة الدكتور: عبد القادر بن ياسين الخطيب
الحمد لله أسس بنيان دينه على أساس متين، القائل في محكم التنزيل:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، القائل:«من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» (1) وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن حفظ الدين أهم مقاصد الشريعة، ((وأصل ما دعا إليه القرآن والسنة وما نشأ عنهما)) (2)(3) و ((المصالح الدينية مقدمة على المصالح الدنيوية على الإطلاق)) (4) فلو تعرض الدين للضياع أو التحريف
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين 1/ 39، رقم 71.
(2)
الموافقات، للشاطبي 3/ 47.
(3)
الموافقات، للشاطبي 3/ 47. ') ">
(4)
المرجع نفسه 2/ 370. ') ">
والتبديل لضاعت المقاصد الأخرى وحصل الخلل والفساد، ولو راعى المكلفون هذا المقصد لحافظوا على المقاصد الأخرى ظاهرًا وباطنًا؛ لمعرفة المؤمن بأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهذا يحمله على مراعاة مقاصد الشريعة في حياته كلها (1) قال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أي: ظفر بالخير كله، وعاش في الدنيا حميدًا وفي الآخرة سعيدًا (2)
إلا أن المسلم يحتاج إلى إعانة الله تعالى في أموره كلها، وأهمها الهداية إلى الدين الحق، والثبات عليه، وأداء أحكامه كما شرع الله، القائل:«يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم» (3) الحديث فـ ((الله سبحانه قد أمرهم أن يطلبوا منه جميع ما يحتاجون إليه من هدى، ورشاد، وصلاح في المعاش والمعاد)) (4) فيجب على المسلم أن يتحرى الأدعية الشرعية، وأفضلها وأنفعها ((ما واطأ فيه القلب
(1) ينظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لليوبي 193، مقاصد الشارع للربيعة 130. ') ">
(2)
ينظر: تفسير البغوي 1/ 379، فتح القدير 4/ 437. ') ">
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم 4/ 1994 رقم 2577.
(4)
مجموع الفتاوى 8/ 514. ') ">
اللسان، وكان من الأذكار النبوية، وشهد الذاكر معانيه ومقاصده)) (1) ففي ذلك غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية (2)
ومع أن الأدعية المأثورة لها علاقة واضحة بحفظ مقاصد الشريعة بشكل عام وبمقصد حفظ الدين بشكل خاص- كما سأبينه في هذا البحث بإذن الله تعالى- إلا أن العلماء رحمهم الله حينما يقولون: إن ((تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق)) (3) يقصرون الكلام على الأوامر والنواهي، ولا يتعرضون للأدعية المأثورة. وهي وإن كانت داخلة ضمن نصوص الشريعة الآمرة أو الناهية، إلا أن إبراز علاقتها بحفظ مقاصد الشريعة، مما يؤكد قول العلماء السابق، ويسلط الضوء على أمر مهم تضمّنته الأدعية المأثورة، ولهذا حاولت أن أجمع عددًا كبيرًا من الأدعية المأثورة، الواردة في مصدري التشريع (القرآن الكريم والسنة النبوية) اللذين تُعرف بهما مقاصد الشريعة، وأسلط الضوء على معانيها التي تبين علاقتها بمقصد حفظ الدين، في هذا البحث الموسوم:"الأدعية المأثورة وعلاقتها بحفظ مقاصد الشريعة. مقصد حفظ الدين أنموذجًا".
(1) الفوائد، لابن القيم 1/ 192. ') ">
(2)
مجموع الفتاوى 22/ 510، الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 2/ 214. ') ">
(3)
الموافقات، للشاطبي 2/ 8. ') ">
وإنما اخترت هذا العنوان، ولم أقل:"أثر الأدعية المأثورة في حفظ مقاصد الشريعة- مقصد الدين أنموذجا" أو نحو ذلك من العبارات؛ لأن أحوال إجابة الدعاء ((تتنوع: فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور، وتارة يقع ولكن يتأخر؛ لحكمة، وتارة قد تقع الإجابة ولكن بغير عين المطلوب، حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة، وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح منها)) فما يدعو به المسلم قد لا يحصل، ولكن تبقى له علاقة من حيث المعنى، وأيضًا فإن لم يُستجب لشخص ما فقد يُستجاب لداع آخر، وعلى كل حال فإنه سيؤول إلى حفظ مقصد الدين بشكل عام؛ لأن الدعاء عبادة؛ لما يصحبه من الخشوع والخوف والرجاء، يبعثها في قلب الإنسان إحساسُه بعبوديته التامة لله تعالى.
وتنبع أهمية هذا الموضوع من أمور، أهمها:
1 -
أن هذا البحث يؤكد العلاقة الوطيدة بين أوامر الشرع وتوجيهاته، وبين تحقيق مصالح الخلق في العاجل والآجل، التي هي مقاصد الشريعة وغاياتها، وقد تكلم عن ذلك علماؤنا رحمهم الله، إلا أن هذا البحث ينفرد بتسليط الضوء على نوع معين من هذه التوجيهات، وهو الأدعية المأثورة، ويوضح علاقتها بمقصد الشريعة بشكل عام،
وبمقصد حفظ الدين بشكل خاص.
2 -
أن فيه بيان افتقار العباد إلى الله في إصلاح شؤون حياتهم كلها، وخاصة في حفظ دينهم الذي فيه صلاح أنفسهم وأموالهم وأولادهم وأعراضهم وعقولهم، وفلاحهم في الدنيا والآخرة.
3 -
أن تسليط الضوء على العلاقة بين الأدعية المأثورة وحفظ مقاصد الشريعة، مما يؤكد أهمية الأدعية -بشكل عام- وأهمية الأدعية المأثورة بشكل خاص، في حياة المسلم، وتجعل العباد أكثر إقبالاً على الدعاء عمومًا، وعلى الأدعية المأثورة خصوصا، وفي ذلك تربية لهم على التعلّق بالله في الشدة والرخاء، اقتداء بالأنبياء عليهم السلام:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} وخاصة في هذه الأزمنة التي يحتاج المسلم إلى ما يعينه على الثبات والاستقامة.
4 -
إثراء علم مقاصد الشريعة بمزيد من الأمثلة الواقعية، مما يسهل معرفتها، وإذا عرف المكلف مقاصد الشريعة، أمكنه موافقة قصد الشارع.
5 -
أن فيه تشجيعًا لطلاب العلم على البحث عن مقاصد الشريعة في أوامر الله تعالى ونواهيه، وبيان مصالح الطاعات والمعاملات، وسائر
التصرفات؛ ليسعى الناس في تحصيلها، وبيان مفاسد المخالفات؛ ليسعى العباد في اجتنابها درءًا لهذه المفاسد.
6 -
إيضاح هذا الربط بين تكاليف الشريعة وبين تحقيقها لمصالح العباد، فيه إبراز لمكانة الشريعة، ودعوة إلى العمل بها؛ لأن الطبيعة البشرية تحب ما ينفعها، وتميل إلى ما يحميها من الأضرار المحيطة بها.
وقد اتبعت في هذا البحث المنهج العلمي في كتابة أمثاله من البحوث العلمية، من خلال الخطة التالية:
المقدمة، وبينت فيها أهمية الموضوع، وخطته.
التمهيد، وفيه معنى الأدعية المأثورة، وأهميتها.
المبحث الأول: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: معنى مقاصد الشريعة، وأقسامها.
المطلب الثاني: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة.
المبحث الثاني: معنى الدين، وأهميته، ويشتمل على مطلبين: المطلب الأول: معنى الدين.
المطلب الثاني: أهمية الدين.
المبحث الثالث: الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من حيث الوجود، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: طلب الهداية إلى الإيمان.
المطلب الثاني: طلب الهداية إلى الدين الصحيح، والاستقامة عليه، والدعوة إليه.
المطلب الثالث: طلب التوفيق لتقوى الله، وطاعته، وأن يتقبلها.
المطلب الرابع: الدعاء بأن يكون من الدعاة إلى الدين.
المطلب الخامس: طلب العلم الشرعي الذي يكون سبيلاً للهداية إلى الدين والطاعة.
المطلب السادس: سؤال الله الجنة.
المبحث الرابع: الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من حيث العدم، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: طلب العبد أن يحفظه الله من الكفر والشرك.
المطلب الثاني: طلب صيانة الدين، وتلافي النقصان الطارئ في أصله، والحماية من الفتن التي تضر به.
المطلب الثالث: الاستعاذة بالله من التكاسل عن فعل الطاعات أو التهاون بها.
المطلب الرابع: طلب الحيلولة بين العبد وبين المعاصي، والاستعاذة منها، ومن النار.