الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم توضح القرآن، وتبينه، وتدل عليه، {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}
المطلب الثالث: طلب التوفيق لتقوى الله، وطاعته، وأن يتقبلها:
وقد عرف التقوى بأنه طاعة الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه (1)(2) ومن أهم وسائل حفظ الدين: قيام المسلم بطاعة ربه التي فرضها عليه، وما شرعت الطاعات إلا لنفع العباد في العاجل والآجل (3) وهي ((سبب في الفوز بالنعيم)) (4) قال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أي: ظفر بالخير كله، وعاش في الدنيا حميدًا وفي الآخرة سعيدًا (5) وقال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} ((وهذا ترغيب للمؤمنين في الطاعة، حيث
(1) ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 461.
(2)
ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 461. ') ">
(3)
ينظر: الموافقات، للشاطبي 2/ 6. ') ">
(4)
المرجع نفسه 1/ 234. ') ">
(5)
ينظر: تفسير البغوي 1/ 379، فتح القدير، للشوكاني 4/ 437. ') ">
وعدوا مرافقة أقرب عباد الله إلى الله وأرفعهم درجات عنده)) (1) وكان بعض السلف يقول: ((هلموا إلى طاعة الله، فإن في طاعة الله دَرْكَ الدنيا والآخرة)) (2) بطاعة الله واجتناب نواهيه، فـ ((الدين يتضمن معنى الخضوع والذل، يقال: دنته فدان، أي ذللته فذل، ويقال: يدين الله ويدين لله، أي: يعبد الله ويطيعه ويخضع له، فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له .. والعبادة أصل معناها: الذل أيضًا، يقال: طريق معبد، إذا كان مذللاً قد وطئته الأقدام، لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له)) (3) وبهذا يتحقق المقصد من وضع الشريعة، وهو ((إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدا لله اختيارا كما هو عبد لله اضطرارا)) (4) وفي دعاء الله وذكره ((أكبر العون على طاعته، فإنه يحببها إلى العبد، ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها، ونعيمه وسروره بها)) (5)
(1) الكشاف، للزمخشري 1/ 263. ') ">
(2)
تفسير القرطبي 18/ 261. ') ">
(3)
مجموع الفتاوى، لابن تيمية 10/ 152. ') ">
(4)
الموافقات، للشاطبي 2/ 168. ') ">
(5)
الوابل الصيب، لابن القيم 105. ') ">
ومن الأدعية التي وردت في ذلك:
أ- أنه كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى» (1)
ومثله ما ورد أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله إني أريد سفرا فزوّدني، قال: زودك الله التقوى، قال: زدني، قال: وغفر ذنبك، قال: زدني بأبي أنت وأمي، قال: ويسر لك الخير حيثما كنت» (2) وهذا دعاء في صورة الإخبار؛ معناه: اللَّهُمَّ زوِّده التقوى، وكذا في الأدعية التي بعده (3) وأطلق "الهدى والتقى" ليشمل كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من الإيمان والطاعات ومكارم الأخلاق، وكل ما يجب أن يتقي منه من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق (4)
ب- الدعاء الذي اشتملت عليه سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فإنه من أعظم ما
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، الذكر والدعاء، باب التعوذ من ش ما عمل ومن شر ما لم يعمل 4/ 2087 رقم 2721.
(2)
أخرجه الترمذي في سننه، الدعوات 5/ 500، رقم 3444، قال الترمذي:((هذا حديث حسن غريب))، وقال الألباني:((حسن صحيح)).
(3)
ينظر: شرح حصن المسلم، مجدي الأحمد 300. ') ">
(4)
ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 324. ') ">
يدعو به العبد؛ لأن الله ((إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شرٌّ لا في الدنيا ولا في الآخرة)) (1) وقيل في معناها: أرشدنا باستعمال السنن في أداء فرائضك (2)
د- ومن الطاعات المهمة التي صرح الله تعالى بأنها من التقوى، العدل والحذر من الظلم، فإن الشريعة تحث المؤمنين على إقامة العدل، وإنصاف المظلوم، قال:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وحذر من ترك العدل، فقال:{فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} وأشار بعض العلماء إلى أن الحكمة المقصودة للشارع من تحريم الظلم، ((وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه، وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري، وهي الحكمة العامة المرعية للشارع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة، من حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال)) (3) وأُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم التضرع إلى الله أن يعينه على العدل، ويعصمه من الظلم، فقد كان
(1) مجموع الفتاوى، لابن تيمية 14/ 320، وينظر: فقه الأدعية والأذكار، للبدر 2/ 327. ') ">
(2)
ينظر: تفسير القرطبي 1/ 191. ') ">
(3)
تاريخ ابن خلدون 1/ 288. ') ">
من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من أن أظلم أو أظلم» (1) وبلغ من اهتمامه صلى الله عليه وسلم بأمر العدل والحذر من الظلم، ما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت:«ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بك أن أَضِلَّ، أو أُضَلَّ، أو أَزِلَّ، أو أُزَلَّ، أو أَظْلِمَ، أو أُظْلَمَ، أو أَجْهَلَ، أو يُجْهَلَ عَلَيَّ» (2) وما ذكره صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء له علاقة واضحة بالعدل، سواء في عدله بأمور الدين، أو في تعامله مع الخلق سواء في تخاطبه معهم، أو في تعاملاته المالية أو نحو ذلك (3) وقد ((استعيذ من هذه الأحوال كلها بلفظ سلس موجز، وروعي المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية)) (4)
هـ- وورد أنه كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك» (5) أي: إلى طاعتك، أو ضمّن معنى التثبيت.
(1) أخرجه أبو داود في سننه، سجود القرآن، باب في الاستعاذة 1/ 482، رقم 1544، وصححه الألباني.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا خرج من بيته 2/ 746، رقم 5094، وصححه الألباني.
(3)
ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 272. ') ">
(4)
تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 272. ') ">
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء 4/ 2045 رقم 2654.
ويؤيده ما ورد "ثبت قلبي على دينك"(1) وفي هذا الدعاء إرشاد للأمة وإعلام بأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مفتقرا إلى اللجوء إليه سبحانه وتعالى في تثبيت قلبه، كان غيره أولى وأحرى (2) فينبغي لهم ن يدعوا بهذا الدعاء.
و- واشتملت آيات القرآن الكريم على أدعية تضمنت طلب الإعانة على فعل الطاعات وتحبيبها إلى الداعي، كما قال تعالى:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} أي: ألهمني (3) شكر النعم التي أنعمت بها علي وعلى والدي، سواء الدينية منها كالإيمان والتوفيق، أو الدنيوية كالصحة والرزق (4) ووفقني لكل عمل تحبه وترضاه (5)؛ لأن قصد الشارع من المكلف ((أن يكون قصده في العمل موافقا لقصده في التشريع، والدليل على ذلك ظاهر من وضع الشريعة؛ إذ إنها موضوعة لمصالح العباد على الإطلاق والعموم، والمطلوب من المكلف أن يجري على ذلك في أفعاله وألاّ يقصد
(1) سبق تخريجه ص 310. ') ">
(2)
ينظر: مشكاة المصابيح مع شرحه مرقاة المفاتيح، للملا علي القاري 1/ 437. ') ">
(3)
يقال: وأَوْزَعَه الشيءَ، أَلْهَمَه إياه. لسان العرب، لابن منظور 8/ 390. ') ">
(4)
ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور 13/ 4006. ') ">
(5)
ينظر: تفسير ابن كثير 3/ 476. ') ">
خلاف ما قصد الشارع)) (1) ورضيه.
ومن ذلك دعاء الخليل إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}
ز- وقلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو لأصحابه بكلمات، منها: «اللهم اقسم لنا
…
ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك .. » (2) الحديث
ح- وكان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بأن يتضرعوا إلى الله ويطلبوا منه الإعانة على فعل الطاعات، فقد أوصى معاذا بدعاء وأكد عليه بأن لا يدع قوله دبر كل صلاة:«اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» (3)
ومعنى العبادة: الطاعة مع الخضوع والتذلل (4)
ط- وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم والتجائه إلى ربه: «أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلى حبك» (5) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنها حق
(1) الموافقات، للشاطبي 2/ 331. ') ">
(2)
أخرجه الترمذي في سننه، الدعوات 5/ 528 رقم 3502، وقال:((هذا حديث حسن غريب)) وحسنه الألباني.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، سجود القرآن، باب في الاستغفار 1/ 475 رقم 1522، وصححه الألباني.
(4)
ينظر: المطلع، للبعلي 93، مختار الصحاح، للرازي 467. ') ">
(5)
سنن الترمذي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ (3235)، مسند أحمد (5/ 243).
فادرسوها ثم تعلموها» (1)
وهذا دعاء نبوي جليل، فإن من أفضل ما سئل الله عز وجل حبَّه، وحب من يحبه، وحب عمل يقرب إلى حبه وهي الطاعات (2) وغاية الحب مع غاية الذل يمثلان تمام العبودية التي هي من خصائص الإلهية (3) وإنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا إصلاح إلا بأن يكون الله أحب مما سواه (4)
وأما طلب قبول الطاعات: فقد كان من دعاء إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل الله قبول طاعاته وأعماله الصالحة، فكان صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال:«اللهم إني أسألك .. عملاً متقبلاً» (5) وفي هذا التجاء إلى الله أن يوفق الداعي إلى الأعمال الصالحة المتقبلة، وأن يوفقه للإخلاص فيها واتباع هدي
(1) أخرجه الترمذي في سننه، تفسير القرآن 5/ 368 رقم 3235، وقال:((هذا حديث حسن صحيح)) وصححه الألباني.
(2)
ينظر: روضة المحبين، لابن القيم 1/ 417. ') ">
(3)
ينظر: الجواب الكافي، لابن القيم 1/ 95، وينظر: ص 1، 29. ') ">
(4)
ينظر: فيض القدير، للمناوي 2/ 109. ') ">
(5)
أخرجه ابن ماجه في سننه، إقامة الصلاة، باب ما يقال بعد التسليم 1/ 298 رقم 925، وصححه الألباني.