المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثانيتعريف العقد الفاسد وبيان منشئه وأسبابه - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌البحوث

- ‌الافتتاحية

- ‌الفتاوى

- ‌ ما يؤخذ ضريبة لا يجزئ زكاة)

- ‌(باب أهل الزكاة)

- ‌ صرف الزكاة للمساجد والأعمال الخيرية لا يجزئ)

- ‌ ولبناء أسوار البلد)

- ‌ ولصندوق البر بمكة)

- ‌ ودفعها للفقراء غير الوطنيين)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌نصيحة بمناسبة استقبال شهر رمضان

- ‌دخول الشهر وخروجه

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ قراءة الفاتحة ركن في جميع ركعات الصلاة في حق الإمام والمنفرد

- ‌ القدر المناسب لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية

- ‌ الإسرار في الصلاة الجهرية

- ‌ رفع الصوت في الصلاة للمنفرد

- ‌ التجويد بالقرآن في الصلاة

- ‌البحوث

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: حكم الصلاة على الميت

- ‌المطلب الثاني: التعريف بولاية الأمر

- ‌المطلب الثالث: التعريف بالفسق، وبيان الصفات الموجبة له

- ‌المطلب الرابع: التعريف بالسياسة

- ‌المبحث الأول: صلاة ولاة الأمر والأئمة على الفساق

- ‌المبحث الثاني: السياسة الشرعية في ترك الولاة والأئمة الصلاة على الفساق

- ‌الخاتمة:

- ‌أوجز العبارة في حكم الإشارة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولحكم الإشارة في التشهد

- ‌المبحث الثانيموضع الإشارة بالسبابة في التشهد

- ‌المبحث الثالثتحريك السبابة حالة الإشارة

- ‌المبحث الرابعجهة الإشارة بالسبابة

- ‌خاتمة البحث

- ‌دفع أحد الزوجين زكاته للآخردراسة فقهية

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولدفع الزوج زكاته إلى زوجته

- ‌المبحث الثانيدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها

- ‌المبحث الثالثأخذ أحد الزوجين زكاة الآخر بغير وجه الصدقة ممن أخذها وهو من أهلها

- ‌المبحث الرابعدفع أحد الزوجين زكاته إلى الآخر بغير علمه يظنه من أهلها ثم علم

- ‌الخاتمة

- ‌القبض وأثره في العقد الفاسد

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولتعريف القبض والعقد الفاسد وبيان حكمه

- ‌المطلب الأول: في تعريف القبض وبيان أقسامه

- ‌المطلب الثانيتعريف العقد الفاسد وبيان منشئه وأسبابه

- ‌المطلب الثالثحكم تعاطي العقد الفاسد

- ‌المبحث الثانيآثار القبض الفاسد

- ‌المطلب الأول: أثر القبض الفاسد في نقل الملكية

- ‌المطلب الثانيأثر القبض الفاسد في الضمان

- ‌المطلب الثالث:أثر القبض الفاسد في الأجور والمهور

- ‌الخاتمة:

- ‌الأدعية المأثورة وعلاقتها بحفظ مقاصد الشريعة

- ‌التمهيد، وفيه معنى الأدعية المأثورة وأهميتها

- ‌المبحث الأول: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة

- ‌المطلب الأول: معنى مقاصد الشريعة، وأقسامها:

- ‌المطلب الثاني: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة

- ‌المبحث الثاني: معنى الدين، وأهميته

- ‌المطلب الأول: معنى الدين في اللغة وفي الشرع:

- ‌المطلب الثاني- أهمية الدين:

- ‌المبحث الثالث- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب الوجود

- ‌المطلب الثالث: طلب التوفيق لتقوى الله، وطاعته، وأن يتقبلها:

- ‌المطلب الرابع: الدعاء بأن يكون من الدعاة إلى الدين

- ‌المطلب الخامس: طلب العلم الشرعي الذي يكون سبيلاً للهداية إلى الدين والطاعة:

- ‌المطلب السادس: سؤال الله الجنة

- ‌المبحث الرابع- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب العدم

- ‌المطلب الأول: طلب العبد أن يحفظه الله من الكفر والشرك

- ‌المطلب الثاني: طلب صيانة الدين، وتلافي النقصان الطارئ في أصله، والحماية من الفتن التي تضر به

- ‌المطلب الثالث: الاستعاذة بالله من التكاسل عن فعل الطاعات أو التهاون بها

- ‌المطلب الرابع: طلب الحيلولة بين العبد وبين المعاصي، والاستعاذة منها، ومن النار

- ‌المطلب الخامس: طلب مغفرة الخطايا، ومحو السيئات، وطلب الهداية إلى التوبة

- ‌الخاتمة

- ‌التخويف بالآيات ليس خرافة

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المطلب الثانيتعريف العقد الفاسد وبيان منشئه وأسبابه

‌المطلب الثاني

تعريف العقد الفاسد وبيان منشئه وأسبابه

أولاً: تعريف العقد:

العقد لغة: نقيض الحلّ، تقول: عقدت الحبل فهو معقود، ومنه عقدة النكاح، وعقد كل شيء: إبرامه، وعقد قلبه على الشيء: لزمه، وفي الحديث:«الخيل معقود بنواصيها الخير» (1) أي: ملازم لها، كأنه معقود فيها (2) (3) والعِقد- بكسر العين-: القلادة، وبفتحها: الإحكام والشد. قال الزركشي (ت: 794 هـ): (في الأصل: مصدر عقدت الحبل: إذا جمعت أجزاءه جمعًا، ثم نقل إلى الشيء المعقود مجازًا)(4)

واصطلاحًا: عرفه الجرجاني (ت: 816 هـ) بأنه: (ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول شرعًا)(5)

وعرفته مجلة الأحكام العدلية بنصها: (الانعقاد: تعلق كل من الإيجاب والقبول بالآخر، على وجه مشروع يظهر أثره في متعلقهما)(6)

(1) مسلم (1873) كتاب الإمارة، باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.

(2)

لسان العرب (3/ 296 - 299)(عقد).

(3)

لسان العرب (3/ 296 - 299)(عقد). ') ">

(4)

المنثور في القواعد (2/ 397). ') ">

(5)

التعريفات ص (198). ') ">

(6)

المادة (104) من المجلة. ') ">

ص: 225

ثانيًا: تعريف الفاسد:

1 -

تعريفه لغة واصطلاحًا:

لغة: نقيض الصالح، والمفسدة خلاف المصلحة (1) كما أن الفساد يعني تغيير الشيء من الحال السليمة إلى الحالة الأخرى، بخروجه عن حدّ الاعتدال، فيقال: فسد اللحم واللبن والفاكهة والهواء: إذا أنتن واعتراه تغير أو عفونة حتى أصبح غير صالح. ثم استعمل لغة في جميع الأشياء والأمور الخارجة عن نظام الاستقامة، كالبغي والظلم والفتنة (2) فيقال: فسدت الأمور: أي تغيّرت واضطربت، ومنه قوله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41].

اصطلاحًا: ثمة خلاف في تعريفه بين الفقهاء:

فعند الجمهور: هو ذاته الباطل، قال الرّصّاع (ت: 894 هـ): (ما قارنه عدم شرط، أو وجود مانع)(3) وقال الشربيني (ت: 977 هـ): (ما اختل ركن من أركانه، أو شرط من شروطه)(4) فهو والباطل سواء.

(1) لسان العرب (3/ 335)، والمصباح المنير ص (245)(فسد)، ومفردات الراغب الأصفهاني ص (381). ') ">

(2)

المدخل الفقهي العام (2/ 673). ') ">

(3)

شرح حدود ابن عرفة (2/ 377). ') ">

(4)

مغني المحتاج (2/ 30). ') ">

ص: 226

أما الحنفية: فقد فرقوا بين الخلل في الأصل والخلل في الوصف، وأثبتوا للفاسد بعض الأحكام، إذا اتصل به قبض. وقد عرفه الجرجاني (ت: 816 هـ) بقوله: (هو الصحيح لا بوصفه، ويفيد الملك عند اتصال القبض)(1) وعرفته مجلة الأحكام العدلية بنصها: (هو المشروع أصلاً لا وصفًا، يعني: أن يكون منعقدًا باعتبار ذاته، غير مشروع باعتبار بعض أوصافه الخارجة)(2) وعرفه الزرقا (ت: 1420 هـ) بقوله: (هو اختلال في العقد المخالف لنظامه الشرعي في ناحية فرعية متممة، يجعله مستحقًّا للفسخ)(3)

ومثاله: كما لو اشترى عبدًا بخمر وقبضه وأعتقه، فإنه يعتق عليه، رغم انعقاده فاسدًا.

2 -

الفرق بين الفاسد والباطل:

أ- تعريف الباطل:

الباطل لغة: نقيض الحق، وهو ما لا ثبات له عند الفحص (4)

واصطلاحًا: هو ذاته الفاسد عند جمهور الفقهاء، قال السيوطي

(1) التعريفات ص (211). ') ">

(2)

المادة (109) من المجلة. ') ">

(3)

المدخل الفقهي (2/ 687). ') ">

(4)

لسان العرب (11/ 56)، ومفردات الراغب الأصفهاني ص (61)(بطل). ') ">

ص: 227

(ت: 911 هـ): (والباطل والفاسد عندنا مترادفان)(1)

أما عند الحنفية: فقد عرفه العبادي (ت: 800 هـ) بقوله: (والباطل: فائت الأصل والوصف، والفاسد: موجود الأصل فائت الوصف)(2)

وعرفه الجرجاني (ت:816 هـ) بقوله: (والباطل: ما كان فائت المعنى من كل وجه، مع وجود الصورة)(3) وجاء تعريف البيع الفاسد في المجلة بأنه: (ما لا يصح أصلاً، يعني: أنه لا يكون مشروعًا أصلاً)(4)

ومثاله: عقد فاقد الأهلية، وبيع الحرّ، ونحوه.

ب- الفاسد والباطل عند الحنفية:

تفريق الحنفية بين الفاسد والباطل مقصور على المعاملات، أما في العبادات والنكاح فهما سواء، قال ابن نجيم (ت:970 هـ): (الباطل والفاسد عندنا في العبادات مترادفان، وفي النكاح كذلك)(5)

(1) الأشباه والنظائر ص (286)، وقد سبق تعريف الشربيني للفاسد بأنه:(ما اختل ركن من أركانه، أو شرط من شروطه).

(2)

الجوهرة النيرة (1/ 227). ') ">

(3)

التعريفات ص (66). ') ">

(4)

المادة (110) من المجلة. ') ">

(5)

الأشباه والنظائر ص (337). ') ">

ص: 228

وربما أطلق الحنفية الفاسد وأرادوا به الباطل، قال المرغيناني (ت: 593 هـ): (وبيع أم الولد والمكاتب فاسد، ومعناه: باطل)(1)

ج- الفاسد والباطل عند الجمهور:

فرّق الجمهور بين الفاسد والباطل في مسائل محدودة:

- فالمالكية: فرقوا بينهما في عقد القراض والمساقاة (2)

- والشافعية: فرقوا بينهما في الحج والعبادات، والكتابة، والخلع، والعارية، والوكالة، والشركة، والقراض، في المعاملات (3)

قال الزركشي (ت: 794 هـ): (واعلم أن أصحابنا فرقوا بين الفاسد والباطل في مواضع: أولها وثانيها: الخلع والكتابة، فالباطل منهما: ما كان على غير عوض مقصود، كالميتة، أو رجع إلى خلل في العاقد، كالصغر، والسفه، والفاسد: خلافه، وحكم الباطل: ألا يترتب عليه مال، والفاسد: يترتب عليه العتق والطلاق، ويرجع الزوج بالمهر، والسيد بالقيمة)(4)

(1) الهداية (6/ 406). ') ">

(2)

منح الجليل (7/ 330، 410). ') ">

(3)

الأشباه والنظائر (للسيوطي) ص (286). ') ">

(4)

البحر المحيط (2/ 26). ') ">

ص: 229

وقال القاضي زكريا (ت:926 هـ): (فصل: في الفرق بين الكتابة الباطلة والفاسدة، وما تشارك فيه الفاسدة الصحيحة، وما تخالفها فيه، وغير ذلك. الكتابة الباطلة: وهي ما اختلت صحتها باختلال ركن من أركانها، ككون أحد العاقدين مكرهًا أو صبيًّا أو مجنونًا .. والفاسدة: وهي ما اختلت صحتها بكتابة بعضٍ من رقيق، أو فساد شرط، كشرط أن يبيعه كذا، أو فساد عوض كخمر، أو فساد أجل كنجم واحد)(1)

- كما فرّق الحنابلة بين الفاسد والباطل، في الحج، والوكالة، والإجارة، والشركة، والمضاربة. ويقتربون من الحنفية أحيانًا في تقسيمهم للعقود، قال الرحيباني (ت: 1243 هـ): (ويُتجه: أن المراد بالعقد الفاسد في المعاملات هو ما – أي- الذي اختل شرطه، وأن العقد الباطل هو: ما اختل ركنه، وأن العقد الصحيح هو: ما توافرا، أي: الشرط والركن)(2)

ثالثًا: منشأ نظرية الفساد عند الحنفية:

يعتبر المذهب الحنفي رائد هذه النظرية ومنشئها، وفي هذا يقول الشيخ الزرقا (ت: 1420 هـ): (لما نشأت الاجتهادات الفقهية

(1) منهج الطلاب (4/ 437 - 438). ') ">

(2)

مطالب أولي النهى (3/ 512). ') ">

ص: 230

واصطلاحاتها، أطلق فقهاء الحنفية الفساد على معنى تشريعي مدني جديد، فاستعملوه للدلالة على حالة يعتبرون فيها العقد مختلاًّ في بعض نواحيه الفرعية اختلالاً يجعله في مرتبةٍ بين الصحة والبطلان، فلا هو بالباطل غير المنعقد؛ لأن مخالفته لنظامه الشرعي ليست مخالفة في ناحية جوهرية، كما في حالة البطلان، ولا هو بالصحيح التام الاعتبار؛ لأن فيه إخلالاً بنظام التعاقد، ولو أن هذا الإخلال في ناحية فرعية غير جوهرية .. فالعقد عند جمهور المجتهدين- بالنسبة إلى وجوده الاعتباري وعدمه- هو بين حالتين اثنتين: إما صحيح، وهو المنعقد، وإما باطل أو فاسد، وهو غير المنعقد، وذلك عندما يخالف العقد الأمر والنهي الشرعيين في نظام التعاقد. غير أن الاجتهاد الحنفي لحظ أن صور المخالفات ليست في درجة واحدة، بل منها مخالفات أساسية، ومنها فرعية، فلا ينبغي أن تكون النتيجة واحدة في الحالين؛ لأن قوة الجزاء المؤيد يجب أن تتناسب مع رجة المخالفة للنظام، والعقد المخالف لنظامه في ناحيةٍ فرعية فقط، هو موافق للنظام المشروع في جميع النواحي الأساسية، وتوافرت فيه أركانه وسائر مقوماته وشرائطها، فيجب أن يكون في مرتبة بين البطلان والصحة) (1)

فقد نقلنا هذا النص -بطوله- من كلام الشيخ الزرقا؛ لأنه موضح تمامًا لمنشأ نظرية الفساد، التي كان الاجتهاد الحنفي رائدها.

(1) المدخل الفقهي (2/ 673 - 674). ') ">

ص: 231

رابعًا: النهي وأثره في الفساد:

يرى جمهور الفقهاء أن النهي يقتضي الفساد (البطلان)؛ لأن مقتضاه منافاة مشروعية الفعل المنهي عنه مطلقًا، دون تمييز بين النواحي التي يتعلق بها النهي، وبذلك لم يفرقوا بين الفاسد والباطل (1)

ويرى الحنفية أن مجرد النهي عن الفعل، لا يدل على عدم مشروعيته أصلاً حتمًا، بل قد تجتمع مشروعية أصل الفعل مع النهي عنه. قال السرخسي (ت: 483 هـ): (والبيع الفاسد ينعقد موجبًا للملك، إذا اتصل به القبض عندنا، وعند الشافعي لا ينعقد للملك، وفي الحقيقة: هذه المسألة تنبني على مسألة من أصول الفقه، وهو: أن النهي عن العقود الشرعية لا يخرجها من أن تكون مشروعة عندنا .. والشافعي يقول في البيوع الفاسدة: النهي لمعنى في غير المنهي عنه، ولهذا أفسد البيع)(2)

ولقد فصل الشيخ الزرقا (ت: 1420 هـ) اتجاه الحنفية في هذه المسألة على النحو التالي:

أ- النهي عن أمر ليس مشروعًا أصلاً: فيكون الفعل المنهي عنه

(1) المستصفى (2/ 24)، وروضة الناظر (2/ 652)، وإرشاد الفحول ص (109)، والمدخل الفقهي (2/ 675). ') ">

(2)

المبسوط (13/ 22 - 23). ') ">

ص: 232

باطلاً محضًا، لا يفيد صاحبه ثمرةً أو منفعةً، كالنهي عن الزنى والقتل والغصب، فلا يثبت في الزنى المحض نسب ولا مهر، ولا يرث القاتل من قتيله، ولا يملك الغاصب المغصوب بحال.

ومثلها النهي عن بيع الملاقيح والمضامين، فإنها ليست محلاًّ للعقد، وكذلك الملامسة والمنابذة، فإنها عارية عن الرضا، فليس لهذه المنهيات أي اعتبار في الشرع.

ب- النهي عن أمر مشروع الأصل، صاحبه وصف قبيح: كالنهي عن الربا، فإنه عقد بيع مشروع الأصل، لكنَّ فيه وصفًا زائدًا يستقبحه الشرع، وهو اشتماله على فضل بلا عوض، فيكون منعقدًا انعقادًا فاسدًا، أي: مختلاًّ من ناحية فرعية منه، يجعله مستحقًّا للإبطال، ما لم يمنع من إبطاله مانع (1) فإن كان ذلك استقرّ اعتباره، وثبت حكمه.

ج- النهي عن أمر مشروع الأصل حسن الوصف: وذلك لعلة خارجية محضة، لا تتعلق بأصل العقد ولا وصفه، مثل: النهي عن البيع وقت أذان الجمعة، فهذا النهي لا يوجب بطلانًا ولا فسادًا؛ لأن البيع من حيث إنه عقد مدني، هو متكامل الشرائط الذاتية، وإنما لمعنى خارجي، هو الالتهاء بالعقد عن العبادة الواجبة، فمقتضاه: مجرد الحرمة الدينية، ومثله لو انشغل بالبيع عن أي صلاة من

(1) كأن تعلق به حق الغير، بأن تباع السلعة المشتراة شراءً فاسدًا، أو ينعدم محل العقد، كأن يكون شاة فتذبح، وفي هذا وذاك يتعذر الرد والإبطال.

ص: 233

الصلوات المفروضة حتى فاتت، فإنه يأثم، غير أنه لا يؤثر في صحة العقود التي مارسها عوضًا عن العبادة التي مارسها. ومثل هذه الصورة من النهي: خطبة الإنسان على خطبة أخيه، وسومه على سوم أخيه، إلا أن يأذن. فإن هذه العقود لا تستوجب بطلانًا أو فسادًا من الوجهة المدنية القضائية، إنما هي الكراهة الدينية.

ثم يخلص الزرقا - رحمه الله تعالى- إلى القول: (ونحن إذا ساوينا بين النتائج في جميع حالات النهي، دون نظرٍ إلى علة النهي وهدفه، نكون قد ساوينا بين ماهية عقلية كاملة سليمة، وأخرى ناقصة)(1)

خامسًا: أسباب فساد العقد:

من استقراء أسباب الفساد في العقود، يبدو أنها ترجع إلى أسباب كثيرة، أبرزها أربعة رئيسة، هي: الجهالة، الغرر، الإكراه، الشرط الفاسد.

1 -

الجهالة: وهي الفاحشة التي تفضي إلى نزاعٍ مشكل، يتعذر حسمه؛ لتساوي حجة الطرفين في المسألة. فإن العقد في مثل هذه الحالة يكون فاسدًا، بخلاف الجهالة اليسيرة، فإنها لا تفضي إلى منازعة.

وهذه الجهالة قد تكون في المعقود عليه، وقد تكون في العوض،

(1) المدخل الفقهي (2/ 675 - 679). ') ">

ص: 234

وقد تكون في الأجل.

أ- الجهالة في المعقود عليه: قال الكاساني (ت: 587 هـ): (وكما أن ترك التعيين في الملبوس عند العقد يفسد العقد، فكذلك ترك تعيين اللابس، وهذه جهالة تفضي إلى المنازعة؛ لأن صاحب الثوب يطالبه بإلباس أرفق الناس في اللبس، وصيانة الملبوس، وهو يأبى أن يلبس إلا أحسن الناس في ذلك، ويحتج كل واحد منهما بمطلق التسمية، ولا تصح التسمية مع فساد العقد)(1)

ومثل ذلك: بيع شاة من قطيع، وثوب من عدة أثواب.

ب- الجهالة في العوض: وكأن يؤجر دابته بأجرة مجهولة، كأن يقول: أجرتها علفها، وهو قدر مجهول، أو يقول: أجرتي كذا، مقابل أن أساعدك في حفر البئر، دون تحديد مقدار المساعدة (2) فهو عوض مجهول.

ج- جهالة في الأجل: كأن يشتري منه سلعة، ويقول له: أعطيك الثمن حين الميسرة، فذاك أجل مجهول.

2 -

الغرر: وهو الخدع والإيهام والخطر في الأمر (3) ولقد «نهى

(1) بدائع الصنائع (4/ 207). ') ">

(2)

مطالب أولي النهى (3/ 347). ') ">

(3)

لسان العرب (5/ 11)، والمصباح المنير ص (230)(غرر). ') ">

ص: 235

النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وبيع الغرر» (1) قال الخطابي (ت: 88هـ): (أصل الغرر: هو ما طوي عنك علمه، وخفي عليك باطنه وسرّه. وذلك مثل: أن يبيعه سمكًا في الماء أو طيرًا في الهواء، أو لؤلؤة في البحر

وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن هذه البيوع تحصينًا للأموال أن تضيع، وقطعًا للخصومة والنزاع أن يقعا بين الناس فيها) (2)

وهذا الغرر نوعان:

أ- غرر في أصل المعقود عليه: كما في الأمثلة السابقة (بيع السمك في الماء، والطير في الهواء) ويكون العقد معه باطلاً.

ب- غرر في الأوصاف والمقادير: كما لو باع بقرة، على أنها تحلب كذا رطلاً، أو باع شاة على أنها حامل ذكر مثلاً، فالبيع فاسد للغرر. وأكثر ما يذكر الفقهاء الفساد للغرر، في البيوع والشركات، كما لو حُدِّد لأحد الشريكين مقدار مقطوع من الربح، فإنها تفسد للغرر (3)

جاء في المادة (1336) من مجلة الأحكام العدلية: (يشترط أن

(1) مسلم (1513) كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، وأبو داود (3376) كتاب البيوع، باب في بيع الغرر.

(2)

معالم السنن (3/ 675). ') ">

(3)

المدخل الفقهي (2/ 693 - 694). ') ">

ص: 236

تكون حصص الربح التي تنقسم بين الشركاء جزءًا شائعًا، كالنصف والثلث والربع، فإذا اتفق الشركاء على إعطاء أحدهم قدرًا معينًا كانت الشركة باطلة) أي: فاسدة، فأحيانًا يطلقون البطلان، ويريدون به الفساد، ويطلقون الفساد ويريدون به البطلان (1)

3 -

الإكراه: وهو لغة: الحمل على أمرٍ مكروه، تقول: أكرهته، أي: حملته على أمر هو له كاره (2)

واصطلاحًا: عرفه البزدوي (ت: 482 هـ) بقوله: (هو حمل الغير على أمر يمتنع بتخويفٍ، يقدر الحامل على إيقاعه، ويصير خائفًا به فائت الرضا بالمباشرة)(3)

وعقد المكرَه باطل، لا أثر له عند جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة)؛ لأن المكرَه مسلوبُ الرضا، الذي هو ركن من أركان العقد، والمُعبَّر عنه بالصيغة (4)

(1) الهداية (6/ 406)، حيث قال المرغيناني:(وبيع أم الولد والمكاتب فاسد، ومعناه: باطل). ') ">

(2)

لسان العرب (13/ 534)(كره). ') ">

(3)

أصول البزدوي مع كشف الأسرار (4/ 383). ') ">

(4)

مواهب الجليل (6/ 12)، ومغني المحتاج (2/ 3)، وأعلام الموقعين (3/ 99)، إلا أن الحنابلة صححوا عقد المكرَه في النكاح، قال ابن قدامة:(وإذا عقد النكاح هازلًا أو تلجئة صح) المغني (7/ 431).

ص: 237

أما عند الحنفية، فإن عقد المكرَه فاسد؛ لأن الرضا عندهم شرط من شروط الصحة، خلافًا لزفر (ت: 158 هـ) الذي يراه موقوفًا. قال الكاساني (ت: 587 هـ): (فالبيع والشراء والهبة والإجارة ونحوها، فالإكراه يوجب فساد هذه التصرفات عند أصحابنا الثلاثة، رضي الله عنهم، وعند زفر رحمه الله، يوجب توقفها على الإجازة كبيع الفضولي)(1)

4 -

مصاحبة الشرط الفاسد: وهو عند الحنفية: ما لا يقتضيه العقد، أو نهى عنه الشرع، أو فيه منفعة لأحد المتعاقدين، أو للمعقود عليه، وهو من أهل الخصومة، وليس للناس فيه تعامل نحو: أن يشتري ثوبًا بشرط الخياطة، أو سلعةً ما بشرط حملها إلى المنزل، ونحو ذلك، وتعليلهم للفساد: أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع وشرط» (2) فإذا صاحب هذا الشرط ونحوه العقد كان فاسدًا (3)

فهذه الأربعة (الجهالة، الغرر، الإكراه، الشرط الفاسد) هي أبرز

(1) بدائع الصنائع (7/ 186). ') ">

(2)

التلخيص الحبير ص (1150) وهو حديث ضعيف، إنما أعمل الحنفية روحه، واحتكموا إلى مقصده ومعقوله.

(3)

وهذا عند الحنفية خاصة، الذين يضيقون من دائرة تصحيح الشروط الجعلية، خلافًا لمتأخري الحنابلة، الذين يرون أن الأصل في الشروط الصحة.

ص: 238