الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخر، ولكن إذا جاءته ممن أخذها من أهلها على سبيل البيع أو الإهداء ونحو ذلك فإنه يجوز له أن يأخذها؛ لأنها لم تأت بوجه الصدقة، وإنما انتقلت إليه بعد أن بلغت محلها بدفعها للفقير، وكمل فيها أداء فرض الزكاة (1)
(1) فتح الباري 5/ 242، ويقارن بما في المنتقى 2/ 151، المغني 4/ 109، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 436، كشاف القناع 2/ 294.
المبحث الرابع
دفع أحد الزوجين زكاته إلى الآخر بغير علمه يظنه من أهلها ثم علم
إذا دفع المزكي بعد التحري والاجتهاد الزكاة إلى من يظنه من أهلها فتبين أنه لا يستحقها لكونه زوجًا -عند من يمنع دفع الزكاة إلى الزوج- أو لكونها زوجة فقد اختلف الفقهاء في إجزاء الزكاة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجزئه وتسقط عنه الزكاة.
وهو قول أبي حنيفة ومحمد (1)(2) وقول عند الشافعية والحنابلة (3) واختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (4)
القول الثاني: لا يجزئه وتلزمه الإعادة.
(1) الاختيار 1/ 122، بدائع الصنائع 2/ 917، فتح القدير 2/ 275، الدر المختار 2/ 353.
(2)
الاختيار 1/ 122، بدائع الصنائع 2/ 917، فتح القدير 2/ 275، الدر المختار 2/ 353. ') ">
(3)
المنشور للزركشي 2/ 123، الحاوي 8/ 545، الإنصاف 3/ 263، 264، وينظر: القواعد لابن رجب 236. ') ">
(4)
الشرح الممتع 6/ 270. ') ">
وهو المذهب عند الشافعية (1) والحنابلة (2) وقول أبي يوسف (3) وهو مروي عن أبي حنيفة في الزوجة (4)
القول الثالث: إذا كان الدافع للزكاة الإمام أو نائبه فإنه يجزئ وتسقط عنه الزكاة، ما لو كان الدافع لها المزكي نفسه فإنه لا يجزئ.
وهو مذهب المالكية (5) وقول عند الشافعية (6)
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول على إجزاء الزكاة وسقوطها عن المزكي بما يلي:
الدليل الأول:
ما ورد عن معن بن يزيد (7) رضي الله عنه قال: كان أبي يزيد (8) «أخرج دنانير
(1) المنثور للزركشي 2/ 123. ') ">
(2)
كشاف القناع 2/ 294، 295، الإنصاف 3/ 263، 265، القواعد لابن رجب 236. ') ">
(3)
المختار 1/ 122، بدائع الصنائع 2/ 917، الدر المختار 2/ 353، فتح القدير 2/ 275. ') ">
(4)
بدائع الصنائع 2/ 917. ') ">
(5)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 501، 502، الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه 1/ 668، أحكام القرآن لابن العربي 2/ 536، ويقارن بما في الذخيرة 3/ 151.
(6)
الحاوي للماوردي 8/ 545. ') ">
(7)
هو: معين بن يزيد بن الأخنس السلمي، من بني مالك بن خفاف، من سليم، صحابي سكن الشام وشهد صفين مع معاوية وتوفي سنة 64 هـ.
(8)
هو: يزيد بن الأخنس بن حبيب من بني مالك، روى هو وابنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 38، 6/ 646، تعجيل المنفعة 1/ 448.
يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن» (1)
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دفع الزكاة لغير مستحقها مجزئًا إذا وقع على سبيل الخطأ، ويدخل في ذلك دفع أحد الزوجين زكاته إلى الآخر يظنه من أهلها ثم تبين له الخطأ (2)
ونوقش بما يلي:
1 -
أن هذه الواقعة واقعة حال يجوز فيها أن تكون الصدقة صدقة تطوع (3)
وأجيب عنه:
بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفسر عن نوع الصدقة بل قال: «لك ما نويت» (4)، وذلك يدل على أن الحال لا تختلف، أو لأن مطلق الصدقة ينصرف إلى
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 277 (1422) ك: الزكاة، باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر، وأحمد في مسنده 25/ 191 (15860).
(2)
الاختيار 1/ 122، غمز عيون البصائر 1/ 459، أحكام القرآن للجصاص 4/ 343. ') ">
(3)
فتح القدير 2/ 276، نيل الأوطار 4/ 200. ') ">
(4)
صحيح البخاري الزَّكَاةِ (1422)، مسند أحمد (3/ 470)، سنن الدارمي الزَّكَاةِ (1638).
الفريضة (1)
2 -
يحمل حديث معن على أن معنًا كان غارمًا أو غازيًا (2) أو أنه كان مستقلاًّ لا يلزم أباه يزيد نفقته (3)
ويمكن الجواب عنه:
بأن هذا الاحتمال لم يقم عليه دليل أو قرينة، والأصل سلامة الدليل من هذا الاحتمال.
الدليل الثاني:
المزكي أتى بما في وسعه، وهو الاجتهاد في دفعها إلى من يستحقها فيصح دفعه لها وإن أخطأ ويجزئه كما لو أخطأ القبلة بعد الاجتهاد (4)
الدليل الثالث:
أن المزكي لو أمر بالإعادة لظهور خطئه في الاجتهاد لكان إذا تكرر خطؤه فإن الإعادة تتكرر، وهذا يفضي إلى الحرج بإخراج كل ماله، وهذا غير وارد في الزكاة، وبخاصة أن الحرج مدفوع شرعًا (5)
(1) شرح العناية على الهداية 2/ 276، أحكام القرآن للجصاص 4/ 343. ') ">
(2)
عمدة القاري 7/ 222. ') ">
(3)
فتح الباري 3/ 343. ') ">
(4)
الاختيار 1/ 122، مجمع الأنهر 1/ 225. ') ">
(5)
فتح القدير 2/ 276. ') ">
واستدل أصحاب القول الثاني على عدم الإجزاء ولزوم الإعادة بما يلي: الدليل الأول: الآخذ للزكاة ليس بمستحق، ولا يخفى حاله غالبًا، فلا يعذر المزكي بجهالته، وذلك ياسًا على دين الآدمي (1)
ويمكن مناقشته:
بأن الاشتباه يقع في مثل هذه الأحوال، ولا يمكن للمرء أن يقف على الحقيقة، فلا يلزمه سوى الاجتهاد في دفعها إلى المستحقين، ويعذر لو أخطأ في اجتهاده.
وأما القياس على دين الآدمي فهو قياس مع الفارق لأن الدين من حقوق الآدميين التي تدخلها المشاحة والزكاة من حقوق الله تعالى التي تدخلها المسامحة (2)
الدليل الثاني:
أن المزكي ظهر خطؤه بيقين، فعليه أن يعيد دفع زكاته إلى من يستحقها، وذلك قياسًا على من توضأ بماء ثم تبين أنه كان نجسًا فإنه يعيد صلاته (3)
ونوقش:
بعدم صحة القياس لمنازعته بقياس أولى منه، وهو القياس على ما
(1) كشاف القناع 2/ 294، غمز عيون البصائر 1/ 459، وينظر: القواعد لابن رجب 236. ') ">
(2)
ينظر: المغني 4/ 268. ') ">
(3)
مجمع الأنهر 1/ 225، الاختيار 1/ 122، غمز عيون البصائر 1/ 459. ') ">
لو أخطأ القبلة بعد الاجتهاد، فإنه أولى من القياس على من توضأ بماء ثم تبين أنه كان نجسًا، وذلك لأن ترك استقبال القبلة جائز في أحوال، كحال المصلي تطوعًا على الراحلة، وكذلك الصدقة على أحد الزوجين إذا كانت على سبيل التطوع، فيكون إعطاء الزكاة باجتهاد مشبهًا لأداء الصلاة باجتهاد، وأما القياس على الوضوء بالماء بالنجس فهو قياس مع الفارق؛ لأن الوضوء بالماء النجس لا يكون طهارة بحال، فلم يكن للاجتهاد تأثير في جوازه، بعكس ترك القبلة فهو جائز في أحوال (1)
واستدل أصحاب القول الثالث على الإجزاء إذا كان الدافع للزكاة الإمام أو نائبه، بخلاف ما لو كان الدافع لها المزكي نفسه بما يلي:
الدليل الأول:
أن اجتهاد الإمام أو نائبه حكم لا يتعقب (2)
ويمكن مناقشته بما يلي:
1 -
لا نسلّم أن دفع الإمام أو نائبه من قبيل الحكم؛ لأن حقيقة الحكم هي ما يلزم القاضي به أحد الخصمين أمرًا شرعيًّا (3) وهذا ليس فيه خصومة بل هو عمل اجتهادي، فلا يفترق عن اجتهاد المزكي، وعلى
(1) أحكام القرآن للجصاص 4/ 344. ') ">
(2)
الشرح الكبير للدردير 1/ 501. ') ">
(3)
ينظر: إحكام الأحكام على تحفة الحكام 13، شرح ميارة على تحفة الحكام 1/ 9. ') ">
هذا يستوي الجميع في التحري والاجتهاد والبعد عن التفريط، مما يستوجب التساوي في الحكم.
2 -
على التسليم بأن ذلك من قبيل الحكم فإن حكم الإمام لا يتعقب من حيث الأصل، ولكن إذا تبين خطؤه من غير تعقب فإنه ينقض (1)
الدليل الثاني:
الإمام أو نائبه له ولاية على الزكاة ليست لرب المال فلا يضمنها إلا بالعدوان (2)
الدليل الثالث:
الإمام لا يقدر على دفع الزكاة إلى مستحقها إلا بالاجتهاد دون اليقين، فلم يضمن إذا اجتهد، بخلاف رب المال فإنه يقدر على دفعها إلى مستحقها بيقين (3)
ويمكن مناقشته:
بمنع كون رب المال يقدر على دفعها إلى مستحقها بيقين، بل قد يخفى عليه حال المستحق لها ويشتبه فيحتاج حينئذ إلى الاجتهاد في
(1) ينظر: معين الحكام للطرابلسي 30، تبصرة الحكام 1/ 82، 83، أدب القاضي لابن القاص 2/ 372، المبدع 10/ 49. ') ">
(2)
الحاوي للماوردي 8/ 544، 545. ') ">
(3)
الحاوي للماوردي 8/ 544، 545. ') ">
تحديد المستحق لها، ويستوي في ذلك مع الإمام أو نائبه.
الترجيح:
يترجح لي بعد عرض الخلاف في المسألة والأدلة والمناقشة أن من اجتهد فدفع الزكاة إلى من ظنه من أهلها فتبين أنها وقعت في يد زوجته أو زوجها -على القول بمنع دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها- فإن ذلك يجزئه وتسقط عنه الزكاة، وذلك لقوة أدلة هذا القول، وإمكان مناقشة أدلة المخالفين.
ثمرة الخلاف:
ينبني على القول بالإجزاء أن المزكي لا يطالب بإعادة إخراج الزكاة، ولا تسترد من آخذها (1)
وينبني على القول بعدم الإجزاء لزوم الإعادة، وعلى المزكي أن يسترد زكاته ممن أخذها وهو ليس من أهلها بزيادتها مطلقًا، سواء أكانت الزيادة متصلة كالسِّمن أم منفصلة كالولد؛ لأنها نماء ملكه (2) ولو تلفت في يد القابض لها فإنه يضمنها لعدم ملكه لها بهذا القبض، وهو قبض باطل لعدم أهليته (3)
(1) الاختيار 1/ 122، بدائع الصنائع 2/ 917، فتح القدير 2/ 275. ') ">
(2)
كشاف القناع 2/ 294، 295، الإنصاف 3/ 263. ') ">
(3)
كشاف القناع 2/ 295. ') ">
وذهب أبو يوسف من الحنفية إلى أنه لا يسترد ما أداه، وذلك لأن فساد جهة الزكاة لا ينقض الأداء