الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«وانصرني ولا تنصر علي» (1) أي: انصرني على نفسي، فإنها أعدى أعدائي، ولا تنصر النفس الأمارة بالسوء عليَّ بأن أتبع الهوى وأترك الهدى، «وامكر لي ولا تمكر علي» (2) قيل: المراد بذلك: استدراج العبد بالطاعة فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة، "واهدني" أي: دلني على الخيرات أو على عيوب نفسي، «ويسر هداي إليّ» (3) أي: سهل لي اتباع طرق الدلالة حتى لا أستثقل الطاعة ولا أشتغل عن العبادة (4)
(1) سنن الترمذي الدَّعَوَاتِ (3551)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (1510)، سنن ابن ماجه الدُّعَاءِ (3830)، مسند أحمد (1/ 227).
(2)
سنن الترمذي الدَّعَوَاتِ (3551)، سنن أبي داود الصَّلَاةِ (1510)، سنن ابن ماجه الدُّعَاءِ (3830)، مسند أحمد (1/ 227).
(3)
سنن أبي داود الصَّلَاةِ (1510)، مسند أحمد (1/ 227).
(4)
ينظر: عون المعبود، للعظيم آبادي 4/ 263، تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 377، فقه الأدعية والأذكار، للبدر 2/ 487.
المطلب الرابع: طلب الحيلولة بين العبد وبين المعاصي، والاستعاذة منها، ومن النار
.
فالمسلم مفتقر إلى إعانة ربه على ترك ((المعاصي التي هي سبب في دخول الجحيم .. ويتسبب عنها فساد في الأرض)) (1)(2) والذكر والدعاء يطردان الشيطان ويقمعانه عن وساوسه، ويسهلان الصعب، ويخففان مشاق ترك المعاصي (3) وقد وردت أدعية كثيرة تتصل بهذا الجانب، منها:
أ- ما أثر في دعاء القنوت، وفيه: «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول
(1) الموافقات، للشاطبي 1/ 234.
(2)
الموافقات، للشاطبي 1/ 234. ') ">
(3)
ينظر: الوابل الصيب، لابن القيم 61، 105. ') ">
به بيننا وبين معاصيك» (1) وبلغ من حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الدعاء أنه قلما يقوم من مجلس حتى يدعو لأصحابه بهؤلاء الدعوات، كما روي في هذا الحديث.
ب- ومن أذكار طرفي النهار ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أرشد أبا بكر رضي الله عنه لأن يقول في دعائه: «أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشِرْكه (2)» (3) أي: أعوذ بك من ظهور السيئات الباطنة التي جبلت النفس عليها، وأعوذ بك من وسوسة الشيطان وإغوائه وإضلاله (4)((فذكَر مصدري الشر، وهما: النفس والشيطان)) (5)
ج- ومثله الدعاء الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي» (6) أي: وجّهني لما يرضيك وما فيه صلاحي، واعصمني
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء، باب الجوامع من الدعاء، 2/ 1264 رقم 3846، وصححه الألباني.
(2)
وشِرْكه: ويُرْوى بفتح الشين والراء: أي حَبَائِله ومَصَايده. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 2/ 1144.
(3)
أخرجه الترمذي في سننه، الدعوات 5/ 467 رقم 3392، وقال:((هذا حديث حسن صحيح))، وصححه الألباني.
(4)
ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 237، فيض القدير، للمناوي 4/ 521. ') ">
(5)
بدائع الفوائد، لابن القيم 2/ 435، وينظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم 1/ 91. ') ">
(6)
أخرجه الترمذي في سننه، الدعوات 5/ 519 رقم 3483 بنحوه، وقال:((هذا حديث غريب))، والحاكم في المستدرك 1/ 510، وقال:((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)) وأقره الذهبي، وقد صحح الحديث بعض أهل العلم. ينظر: الورد المصفى 66 هامش 100.
من شرور نفسي وأهوائها المهلكة، وشهواتها المدمرة (1) التي ربما تجرني إلى معاصيك. وأمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس (2) ولهذا علّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خطبةَ الحاجة، المشتملة على التعوذ من النفس:«ونعوذ به من شرور أنفسنا» (3)
د- ومن الأدعية الواردة في القرآن الكريم: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} وفيه طلبٌ من الله أن يعصمه ويمنعه من نزغات الشياطين ووساوسهم؛ فإنهم يحثّون الناس على المعاصي، واستجارةٌ به سبحانه من حضور الشياطين في أي حال؛ لأنهم إذا حضروا الإنسان لم يكن لهم عمل إلا الوسوسة والدعوة إلى الشر والمعاصي والصرف عن الخير (4)
هـ- وأثر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: «اللهم أعوذ بك من المأثم
(1) ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 320. ') ">
(2)
ينظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم 1/ 74. ') ">
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، النكاح، باب في خطبة النكاح 1/ 644 رقم 2118، وصححه الألباني.
(4)
ينظر: تفسير البغوي 1/ 428، تفسير فتح القدير، للشوكاني 3/ 712، أضواء البيان، للشنقيطي 5/ 819، تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 356.
والمغرم فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدّث فكذب، ووعد فأخلف» (1)
والمأثم: هو الأمر الذي يأثم به الإنسان من المعاصي والذنوب.
والمغرم: ما يلزم الإنسان أداؤه بسبب جناية أو معاملة كالدية والدِّين أو نحو ذلك، ثم يعجز عن أدائه، فالمأثم إشارة إلى حق الله، والمغرم إشارة إلى حق العباد (2) فاستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذين الأمرين؛ لأنهما يجرّان العبد إلى المعاصي.
و- كما استعاذ صلى الله عليه وسلم من كل عمل يوجب سخط الله، فكان من دعائه صلى الله عليه وسلم «أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك» (3) أي: اللهم إني أستجير بك من فعل يوجب سخطك عليّ أو على أمتي. "وبمعافاتك" أي: بعفوك، وأتى بالمغالبة للمبالغة، أي: بعفوك الكثير. "من عقوبتك" وهي أثر من آثار السخط (4)
ز- ويشرع للمسلم أن يحمد الله على أن عافاه من المعاصي التي ابتلي
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، صفة الصلاة، باب الدعاء قبل السلام 1/ 286 رقم 798.
(2)
ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 1/ 34، 3/ 669، عمدة القاري، للعيني 23/ 5، فقه الأدعية والأذكار، للبدر 2/ 161.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، الصلاة، باب الدعاء في الركوع والسجود 1/ 295 رقم 879، وصححه الألباني.
(4)
ينظر: عون المعبود، للعظيم آبادي 3/ 93. ') ">
بها غيره، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك إلا عوفي من ذلك البلاء» (1)
فمن رأى مبتلى في أمر بدني، أو ديني كفسق أو ظلم أو بدعة أو كفر وغيرها، فيشرع له أن يحمد الله على أن عافاه من هذا الابتلاء، فإن الله سيعافيه من ذلك البلاء (2)
أما الاستعاذة بالله من النار، فقد ورد في أدعية منها:
أ- وذكر الله تعالى من دعاء عباد الرحمن- وذلك في سياق الثناء على صفاتهم-: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}
وقد وصفهم الله قبل ذلك بإحياء الليل ساجدين قائمين، ثم عقب ذلك بذكر دعائهم؛ ليلفت انتباهنا إلى أن عباد الرحمن مع طاعتهم لله إلا أنهم خائفون من عذاب النار، مبتهلون إليه في صرفه عنهم؛ لعدم اعتدادهم بأعمالهم
(1) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا رأى مبتلى 5/ 493 رقم 3431، وصححه الألباني.
(2)
ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 9/ 275، فيض القدير، للمناوي 6/ 130. ') ">