الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
آثار القبض الفاسد
ويشمل ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: أثر القبض الفاسد في نقل الملكية
.
المطلب الثاني: أثر القبض الفاسد في الضمان.
المطلب الثالث: أثر القبض الفاسد في الأجور والمهور.
لا يثبت للعقد الفاسد أي حكم بمجرد انعقاده، كالعقد الصحيح، بل يتأخر إلى وقت تنفيذه، فلا يملك المشتري المبيع بتمام الإيجاب والقبول، إنما بعد تسلمه. فقد نصت المادة (371) من المجلة:(البيع الفاسد يفيد الحكم عند القبض).
يقول الزرقا (ت: 1420 هـ) رحمه الله تعالى: (ووجهة نظر الفقهاء في تأخير حكم العقد الفاسد إلى تاريخ التنفيذ: أنه ما دام مستحقًّا للفسخ، وهو عرضة للإبطال –حتى بإرادة القاضي ولو لم يطلب إبطاله أحد الطرفين –فليس من المصلحة الشرعية تعجيل بناء حكم على عقد يوجب الشرع نقضه؛ لأن الدفع أسهل من الرفع، ولكن إذا وقع التنفيذ والعقد منعقد، لم يبق مناصٌ من إثبات حكم العقد)(1)(2)
وفيما يلي، سنقف في ثنايا هذا المبحث عن الآثار المترتبة على العقد الفاسد، بعد القبض، إذ لا أثر له قبل ذلك، إنما هو واجب الفسخ ديانةً وقضاءً، كما مرّ معنا، وهي: أثره في نقل الملكية، أثره في الضمان، أثره في الأجور والمهور. فهذه أبرز مؤثرات القبض الفاسد.
المطلب الأول: أثر القبض الفاسد في نقل الملكية
قلنا: إنه لا يثبت للعقد الفاسد أي أثر بمجرد العقد، كما في العقد الصحيح، إنما تثبت آثاره بالقبض، فاستنادًا لهذا، هل تثبت ملكية المبيع
(1) المدخل الفقهي (2/ 699).
(2)
المدخل الفقهي (2/ 699). ') ">
بيعًا فاسدًا بعد قبضه؟
يبدو أن المسألة فيها ثلاثة أقوال:
الأول: أن المبيع يُتملك بالقبض الفاسد، وهو قول الحنفية، ومقابل الصحيح عند الحنابلة.
الثاني: أن القبض الفاسد لا يفيد الملك، وهو قول الشافعية، والصحيح في مذهب الحنابلة.
الثالث: ومفاده: أن القبض الفاسد ينقل الملكية، إذا فات المبيع، ولا ينقلها إذا لم يَفُتْ، وهو قول المالكية.
نعرض أدلتهم في المسألة، ونصوص فقهائهم، ثم نخلص إلى الترجيح في المسألة على النحو التالي:
أولاً: القائلون بتملك المبيع (الحنفية والحنابلة في رواية):
1 -
أدلتهم ونصوصهم:
أما أدلتهم:
- فقالوا: إن فساد السبب لا يمنع وقوع الملك بالقبض، وأن ركن البيع صدر من أهله مضافًا إلى محله، فوجب القول بانعقاده، ولا خفاء في الأهلية والمحلية (1)
(1) المبسوط (24/ 55)، والعناية شرح الهداية (9/ 237)، والهداية مع العناية (6/ 460)، والجوهرة النيرة (1/ 204).
- كما استدلوا بالعموميات، بقولهم: إن هذا بيع مشروع يفيد الملك بالجملة، كسائر البياعات المشروعة، فيصدق عليه اسم البيع؛ لأن البيع في اللغة: مبادلة شيء مرغوب بشيء مرغوب، وفي الشرع: مبادلة مال متقوم بمال متقوم، وقد وجد ذلك، فكان بيعًا. والنصوص العامة المشرّعة لصحة البيع ظاهرة، منها قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ومن ادعى التخصيص والتقييد فعليه الدليل (1)
- كما استدلوا بالإجماع، قال الكاساني (ت: 587 هـ): (ولنا الاستدلال بدلالة الإجماع أيضًا، وهو أنا أجمعنا على أن البيع الخالي عن الشروط الفاسدة مشروع ومفيد للملك، وقران هذه الشروط بالبيع ذكرًا لم يصح (2) فالتحق ذكرها بالعدم) (3)
مناقشة الأدلة:
- بالنسبة للدليل الأول: يبدو أن الحنفية بنوا أمر التملك، على ظاهر تحقق أركان العقد، دون النظر إلى الوصف المفسد للعقد، وفيه نظر؛ لأنه تجاهل لمقصود الشارع ومخالفة لأمره ونهيه، إذ لا ملك إلا
(1) بدائع الصنائع (5/ 299). ') ">
(2)
بالمناسبة: فإن المذهب الحنفي، يعتبر من المذاهب المضيّقة للشروط، بخلاف الحنبلي والمالكي. ') ">
(3)
بدائع الصنائع (5/ 299). ') ">
بإذن الشارع، ولم يأذن بذلك، بل نهى عنه وحرمه.
- وبالنسبة للدليل الثاني: فإنه قريب من الأول، إذا اعتبروا تكوّن صورة عقد البيع، وما يسمى مبايعةً، لغة وشرعًا، يكفي لأن يكون سببًا في صحة التملك، دون اعتبار للأمور الأخرى، كالجهالة والغرر ونحوها من مفسدات العقد.
- وأما قولهم بالإجماع، ففيه نظر؛ لوجود المذاهب الأخرى المخالفة في هذه المسألة، إلا إذا عَنَوْا به إجماع الحنفية وحدهم، وهو الأرجح؛ لقوله:(أجمعنا على أن البيع الخالي عن الشروط الفاسدة مشروع ومفيد للملك)، وفيه نظر، إذ لا يلزم من خلوّ عقد البيع من الشرط الفاسد صحته، فثمة مفسدات أخرى، كالجهالة والغرر والإكراه، وغيرها، كما ذكرنا.
- وأما نصوصهم في المسألة:
- قال السرخسي (ت: 483 هـ): (والبيع الفاسد منعقد، ويتأخر الحكم، وهو الملك إلى ما بعد القبض)(1)
- وقال الكاساني (ت: 587 هـ): (ولو اشترى شاةً بيعًا فاسدًا فقبضها، فضحى بها جاز؛ لأنه يملكها بالقبض)(2)
(1) المبسوط (30/ 131). ') ">
(2)
بدائع الصنائع (5/ 77). ') ">
وجاء في المادة (371) من مجلة الأحكام العدلية: (البيع الفاسد يفيد الحكم عند القبض، يعني: أن المشتري إذا قبض المبيع، صار مالكًا له)، وكلها نصوص صريحة في تملك المبيع بالقبض الفاسد.
- وقال ابن تيمية (ت: 728 هـ): (ومن عقد عقدًا فاسدًا، مختلفًا فيه، باجتهاد أو تقليد، واتصل به القبض، لم يؤمر بردّه، وإن كان مخالفًا للنص)(1) فقد فهم أن القبض الفاسد أفاد الملك، وإلا فلا فائدة من قوله:(لم يؤمر بردّه).
- ونقل المرداوي (ت: 885 هـ) عن الفائق (2) قول تقي الدين: أنه يترجح التملك بالقبض الفاسد (3) كما نقل عن الانتصار (4) في صحة التملك بالقبض الفاسد روايتين: إحداهما: التملك بالعقد، والثانية التملك بالقبض (5)
إلا أن الحنفية اشترطوا لصحة التملك بالقبض الفاسد، رضا البائع
(1) الفتاوى (5/ 317). ') ">
(2)
الفائق في فروع الحنابلة، للقاضي أحمد بن الحنبلي (ابن قاضي الجبل) (ت: 771 هـ). كشف الظنون (2/ 1217). ') ">
(3)
الإنصاف (4/ 473). ') ">
(4)
الانتصار لإمام أئمة الأمصار، يوسف بن قز أوغلي، سبط بن الجوزي (ت: 654 هـ). الأعلام (8/ 246). ') ">
(5)
التصحيح (4/ 642). ') ">
في مجلس العقد، قياسًا على العقد الصحيح، فإن قبضه دون إذنه فلا يتملكه. قال السرخسي (ت: 483 هـ): ( .. لأن القبض في البيع الفاسد، بمنزلة القبض في البيع الصحيح، فكما أن إيجاب البائع يكون رضا بقبول المشتري في المجلس لا بعده، فكذلك البيع الفاسد، يكون رضا من البائع بقبضه في المجلس لا بعده، فإذا قبضه بعد الافتراق لم يتملكه؛ لأن قبضه بغير تسليط من البائع)(1)
2 -
استثناءاتهم في المسألة:
استثنى الحنفية من مسألة التملك في القبض الفاسد: عقد الهازل، والقسمة الفاسدة في رواية، والهبة الفاسدة على المختار.
أ- عقد الهازل: ودليلهم على استثنائه: أنه يشبه خيار الشرط المؤبد، وهذا يمنع الملك عند القبض، ولأن الرضا بمباشرة العقد حاصل، لا بالحكم وهو الملك. قال البزدوي (ت: 482 هـ): (فإن البيع منعقد لما قلنا: إن الهازل مختار، وراضٍ بمباشرة السبب، لكنه غير مختار، ولا راضٍ بحكمه، وكان بمنزلة خيار الشرط مؤبدًا، فانعقد العقد فاسدًا، غير موجب للملك، كخيار المتبايعين .. وهذا لم يقع الملك بهذا البيع، وإن اتصل به القبض)(2)
(1) المبسوط (25/ 36). ') ">
(2)
أصول البزدوي (4/ 358)، التلويح على التوضيح (2/ 373)، وغمز عيون البصائر (2/ 48)، والتقرير والتحبير (2/ 194 - 195).
وأكد البخاري (ت: 730 هـ) هذا المعنى في شرحه على أصوله: (فانعقاد العقد فاسدًا، غير موجب للملك، وإن حصل القبض، بخلاف ما إذا كان الفساد في البيع لوجه آخر، حيث يوجب الملك عند القبض؛ لأن الهزل ألحق بشرط الخيار، وأنه يمنع ثبوت الملك في العقد الصحيح، ففي الفاسد أولى أن يمنع، كخيار المتبايعين)(1)
ب- عقد القسمة: وهذا اختلفت فيه الروايات، فبعضها لا يفيد صحة التملك بالقبض الفاسد، وبعضها يفيد ذلك:
- فمن الأولى: ما رواه ابن نجيم (ت: 970 هـ) قال: (القسمة الفاسدة لا تفيد الملك بالقبض)(2) ومثلها ما رواه البغدادي (ت: 1027 هـ)(3)
- وأما الثانية: فقد نقل الحموي (ت: 1098 هـ) عن القنية ثبوت الملك بقوله: (والمقبوض بالقسمة الفاسدة يثبت فيه الملك، وينفذ فيه التصرف، كالمقبوض بالشراء الفاسد)(4)
فيبدو أن المسألة فيها قولان، ما أمكن الترجيح بينهما.
ج- الهبة الفاسدة: والمختار فيها أنها لا تفيد الملك بالقبض الفاسد.
(1) كشف الأسرار (4/ 358). ') ">
(2)
الأشباه والنظائر (3/ 196). ') ">
(3)
مجمع الضمانات ص (395). ') ">
(4)
غمز عيون البصائر (3/ 196). ') ">
قال البغدادي (ت: 1027 هـ): (الهبة الفاسدة تضمن بالقبض، لكن لا يملكها الموهوب له بالقبض، هو المختار)(1) وقال ابن عابدين (ت: 1252 هـ): (والهبة الفاسدة، لا تفيد الملك، على ما في الدر وغيرها، والمسألة مسطورة في التنوير أيضًا، أقول: ذكر ذلك في التنوير، لكن قال شارحه مستدركًا عليه بما في الفصولين: من أن الهبة الفاسدة تفيد الملك بالقبض، وبه يفتى)(2)
فالخلاصة: أن الحنفية، والحنابلة (في رواية) قرروا بأن القبض في العقد الفاسد يفيد الملك، لكن استثنى الحنفية ثلاثة عقود: الهازل، والقسمة الفاسدة، والهبة الفاسدة، على خلاف في بعض الروايات.
ثانيًا: القائلون بعدم التملك (الشافعية والحنابلة في رواية):
1 -
أدلتهم ونصوصهم:
أما أدلتهم:
- قالوا: إن هذا القبض محظور، فلا يفيد نعمة الملك.
- وأن الفاسد منهي عنه، والنهي نسخٌ للمشروعية، للتضادّ، ولهذا لا يفيده القبض، فصار كما لو باع بالميتة، أو باع الخمر بالدراهم (3)
(1) مجمع الضمانات ص (234). ') ">
(2)
العقود الدريّة (2/ 85). ') ">
(3)
المهذب مع المجموع (9/ 452)، وأسنى المطالب (1/ 354)، والفتاوى الكبرى (3/ 55)، وحاشية العبادي على الغرر البهية (2/ 159)، ومغني المحتاج (2/ 78)، ونهاية المحتاج (3/ 65)، وحاشية الجمل (1/ 331)، والإنصاف (4/ 362).
المناقشة: يمكن القول بأن القبض الفاسد تحققت فيه الصورة الظاهرة للعقد، دون الوصف المصاحب، كما ذهب إليه الحنفية.
وأما نصوصهم:
- قال الشيرازي (ت: 476 هـ): (كما لو شرط ألا يُسلّم إليه المبيع، فإن قبض المبيع لم يملكه؛ لأنه قبض في عقد فاسد، فلا يوجب الملك)(1)
- وقال النووي (ت: 676 هـ): (من اشترى شيئًا، شراءً فاسدًا، لشرط فاسد أو لسبب آخر، لم يجز قبضه، فإن قبضه لم يملكه بالقبض، سواء علم فساد المبيع أو لا، ولا يصح تصرفه فيه، ببيع ولا إعتاق ولا هبة ولا غيرها)(2)
حتى إن الشافعية يرون أن المقبوض قبضًا فاسدًا، يجوز لبائعه أن يبيعه؛ لأنه بحكم العقد المفسوخ، المضمون بالقيمة على المشتري شراءً فاسدًا (3)
- وأما رواية الحنابلة الثانية في عدم صحة القبض في الفاسد، فقد
(1) المهذب مع المجموع (9/ 452). ') ">
(2)
المجموع (9/ 454). ') ">
(3)
السابق (9/ 321). ') ">
عبّر عنها المرداوي (ت: 885 هـ) بقوله: (المقبوض بعقد فاسد، لا يملك به، ولا ينفذ تصرفه على الصحيح من المذهب)(1)
2 -
استثناءاتهم في المسألة:
استثنى الغزالي (ت: 505 هـ) صورةً، صحّح فيها التملك بالقبض الفاسد، وهي المعاطاة، إذا كان ثمنها يساوي قيمتها، قال النووي (ت: 676 هـ): (إذا قلنا بالمشهور: إن المعاطاة لا يصح بها البيع، ففي حكم المأخوذين ثلاثة أوجه .. أصحها عندهم: له حكم المقبوض ببيع فاسد، فيطالب كل واحد ردّ ما قبضه إن كان باقيًا، وإلا فردّ بدله، فلو كان الثمن الذي قبضه مثل القيمة، فقد قال الغزالي في الإحياء (2) هذا مستحق، ظفر بمثل حقه، والمالك راضٍ، فله تملكه لا محالة) (3)
ثالثًا: أن العقد الفاسد ينقل الملكية بالقبض إذا فات، وإذا لم يفتْ لا ينقل، وهو قول المالكية.
فقد جاءت رواياتهم في المسألة، بين الإطلاق والتقييد، فأحيانًا، يطلقون صحة التملك بالقبض الفاسد، وأحيانًا يقيدون ذلك بالفوات.
(1) الإنصاف (4/ 362). ') ">
(2)
إحياء علوم الدين (2/ 62). ') ">
(3)
المجموع (9/ 192 - 193). ') ">
- أما رواية الإطلاق: فقد قال الحطاب (ت: 954 هـ): (وأما إذا لم يتغيّر المبيع بيعًا فاسدًا، وبقي على حاله، فالانتفاع به حرام، والإقدام على بيعها لمشتريها شراءً فاسدًا لا يجوز، وشراؤها لمن علم بفساد عقدها، وعدم تغيّرها (1) معصية، ولكن إن وقع (2) تم البيع، وصح الملك للبائع وللمشتري) (3)
وقال ابن فرحون (ت: 799 هـ): (وموجب البيع الفاسد بعد الفوات حصول الملك، على ما هو مقرر فيما يفوت به البيع)(4)
والفوات لا يكون إلا بعد القبض، وإن لم يُصرّح به.
- وأما رواية التقييد بالإفاتة، فقد نقلها الحطاب أيضًا عن صاحب التوضيح بقوله:(وأما الملك، فقال في التوضيح (5) وإن قلنا إن الضمان في البيع بيعًا فاسدًا ينتقل بالقبض، فالملك لا ينتقل بذلك، بل لا بد من ضميمة الفوات) (6)
(1) لأنها واجبة الردّ، بعدم التغيّر، وعدم الإفاتة. ') ">
(2)
أي القبض. ') ">
(3)
مواهب الجليل (4/ 381). ') ">
(4)
تبصرة الحكام (1/ 121). ') ">
(5)
وهو شرح لمختصر ابن الحاجب (ت: 646 هـ) لخليل بن إسحاق المالكي (ت: 776 هـ): الأعلام (2/ 315)، والديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب (1/ 63).
(6)
مواهب الجليل (4/ 380). ') ">
وبذلك يمكن حمل الرواية السابقة (المطلقة) على هذه المقيدة، فيكون الحكم: أن المقبوض فاسدًا يملك بالفوات، وإلا فلا؛ لأنهما روايتان متعارضتان لدى فقيه واحد، وذلك من باب الجمع والتوفيق عند التعارض، وهو حمل المطلق على المقيد.
ويبدو أن دليلهم في هذا الاتجاه: عموم ما ذهب إليه الجمهور، من أن العقد الفاسد حرام، ولا يجوز الانتفاع به بأي صورة من آثار العقد الصحيح، فكيف يكون ذلك والواجب فسخه، شاء المتبايعان أم أبيا، حتى قال ابن القاسم (ت: 191 هـ): (هذا حرام ويردّ)(1) أما إذا فات، فتكون شبهة الملك لتعذر الردّ.
ويبدو أن المالكية توسطوا في هذه المسألة (2) بين الحنفية والشافعية، قال الزركشي (ت: 794 هـ): (وأما المالكية، فتوسطوا بين
(1) فتح العلي المالك (1/ 342). ') ">
(2)
هذه من المسائل التي توسط المالكية فيها بين الأقوال، فقد توسطوا في مسألة لمس المرأة: فقال الحنفية: لا ينقض الوضوء بشهوة وبدون شهوة، وقال الشافعية والحنابلة: ينقض بكل حال. فذهب المالكية إلى التوسط، فقالوا: إن كان اللمس بشهوة ينقض وإلا فلا. بداية المجتهد (1/ 37 - 38). كما توسطوا في مسألة القراءة خلف الإمام: فقال الحنفية: لا يقرأ مطلقًا، في السرّ والجهر، وقال الشافعية والحنابلة: يقرأ مطلقًا في كل حال. فذهب المالكية إلى التوسط، فقالوا: لا يقرأ إذا سمع قراءة الإمام، ويقرأ إذا لم يسمع. بداية المجتهد (1/ 154).
القولين، ولم يفرّقوا بين الباطل والفاسد في التسمية، ولكنهم قالوا: البيع الفاسد يفيد شبهة الملك فيما يقبل الملك) (1)
ومن استعراض الأقوال الثلاثة وأدلتها في المسألة، يترجح لدينا قول المالكية، وهو أن المقبوض بالعقد الفاسد يفيد شبهة الملك فيما يقبل الملك، وبالتالي، فإذا فات يتملك بالقيمة؛ وذلك لتعذّر الردّ، حسمًا للخلاف، وهو المذهب الوسط في هذه المسألة، كما أشار الزركشي آنفًا.
أما القول بصحة التملك بالقبض الفاسد، كما ذهب إليه الحنفية والحنابلة في رواية، مستدلين بأن فساد السبب لا يمنع وقوع الملك بالقبض، وأن ركن البيع صدر من أهله مضافًا إلى محله (2) ففيه نظر، وهو تجاهل مقصود الشارع وأمره ونهيه، إذ لا ملك إلا بإذنه، ولم يأذن الشارع بذلك، بل نهى عنه وحرمه.
وأما قول الشافعية والحنابلة على الصحيح من المذهب، والقاضي بعدم صحة الملك مطلقًا، فهو صحيح، إلا أنه ربما أوقع بالحرج، فيما لو تلف المبيع، فإن حكمه يكون حكم المغصوب وثمة فارق بينهما في نوع القبض واضح، من حيث الإذن في الأول دون الثاني.
(1) البحر المحيط (2/ 26). ') ">
(2)
المبسوط (24/ 55)، والعناية شرح الهداية (9/ 237). ') ">