الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
موضع الإشارة بالسبابة في التشهد
اختلف العلماء القائلون بمشروعية الإشارة بالسبابة في التشهد -وهم عامة أهل العلم- في وقت الإشارة بها في التشهد إلى أربعة أقوال:
القول الأول:
أنه يشير بها إذا وصل إلى قوله: " أشهد أن لا إله إلا الله، فيرفعها عند النفي، ويضعها عند الإثبات، وهذا مذهب القائلين بمشروعية الإشارة من الحنفية ". (1)
القول الثاني:
أنه يشير بها في التشهد كله، وهذا هو المشهور عند المالكية (2)
وللشافعية وجه شاذ: أنه يشير بها في جميع تشهده. (3)(4)
(1) وسبق ذكر قولهم في صـ (101)، وينظر هنا: البدائع (1/ 214)، وفتح القدير (1/ 321)، والبناية (2/ 315)، والفتاوى الهندية (1/ 75)، وحاشية ابن عابدين (2/ 216، 218)، واللباب (1/ 72).
(2)
التلقين (صـ 74)، وتنوير المقالة (2/ 138 (وشرح الزرقاني لمختصر خليل (1/ 215)، وكفاية الطالب الرباني (1/ 358)، وأسهل المدارك (1/ 225)، وحاشية الدسوقي (1/ 251)، والفقه المالكي وأدلته (1/ 233).
(3)
المجموع (3/ 434)، وروضة الطالبين (1/ 367)، ومغني المحتاج (1/ 266).
(4)
المجموع (3/ 434)، وروضة الطالبين (1/ 367)، ومغني المحتاج (1/ 266). ') ">
وهو رواية في مذهب الحنابلة. (1)
القول الثالث:
أنه يشير بها عند قوله" إلا الله " من التشهد- أي عند لفظة الإثبات لا النفي.
وهذا هو المذهب عند الشافعية. (2)
القول الرابع:
أنه يشير بها عند ذكر الله تعالى والدعاء مرارًا، وهذا هو الصحيح من مذهب الحنابلة. (3)
وقال بعضهم عند ذكر الله ورسوله.
الأدلة
أدلة القول الأول
استدل أصحاب القول الأول على أن الإشارة إنما تكون عند الشهادة، وبالذات عند النفي بالآتي:
(1) الشرح الكبير (3/ 535)، والفروع (1/ 441)، والإنصاف (3/ 535). ') ">
(2)
فتح العزيز شرح الوجيز (1/ 532)، والبيان للعمراني (2/ 231)، والمجموع (3/ 434)، وروضة الطالبين (1/ 367)، ومغني المحتاج (1/ 267)، وشرح الجلال المحلي (1/ 164).
(3)
الهداية (1/ 34)، والمحرر (1/ 65)، والمستوعب (1/ 165)، والفروع (1/ 441)، وشرح الزركشي (1/ 581)، والإنصاف (3/ 535)، وكشاف القناع (2/ 356).
ما ورد في أحاديث كثيرة من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بسبابته كحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بالسبابة
…
» (1). (2)
وحديث ابن عمر «ورفع أصبعه فدعا بها» (3). (4) ونحوهما.
وجه الاستدلال:
أن معنى قوله: [قعد يدعو] أي قعد يتشهد، وكذا قوله:[فدعا بها] أي تشهد، وإنما سمي التشهد دعاء لاشتماله عليه، كما سمي الذكر دعاء في قوله- صلى الله عليه وسلم:«خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي (لا إله إلا الله .. ) (5)» (6)
وإذا ثبت هذا وهو أن الإشارة عند الشهادة .. فإن التوحيد مشتمل على النفي والإثبات، فينبغي أن كون الإشارة كذلك مشتملة عليهما، فيكون الرفع للنفي، والوضع للإثبات، فتحصل مطابقة القول والفعل
(1) صحيح مسلم الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (579)، سنن النسائي السَّهْوِ (1275).
(2)
سبق ذكره بتمامه صـ (104). ') ">
(3)
رواه مسلم (1/ 408)[كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين].
(4)
سبق ذكره بتمامه صـ (103). ') ">
(5)
عون المعبود (1/ 375)، ومرقاة المفاتيح (2/ 575). ') ">
(6)
أخرجه الترمذي (5/ 418)[كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة] وقال غريب، وابن أبي حميد المديني ليس بالقوي عند أهل الحديث. -وحسن الألباني في تعليقه على سنن الترمذي (814).
حقيقة. (1)
قال القاري: " عندنا يرفعها عند (لا إله) ويضعها عند (إلا الله) لمناسبة الرفع للنفي وملاءمة الوضع للإثبات، ومطابقة بين القول والفعل حقيقة ". (2)
ويناقش هذا التفصيل بالآتي:
أولا: قولكم: المراد بالدعاء: التشهد تأويل لا دليل عليه، ولا حاجة إليه، والأصل في الكلام الحقيقة.
ثانيًا: قولكم: الرفع للنفي، والوضع للإثبات لا دليل عليه كذلك، ومقابل بعكسه، كما هو مذهب الشافعية.
قال في تحفة الأحوذي: " ولم أر دليلاً صحيحًا يدل على ما قاله الحنفية والشافعية ". (3)
وقال الألباني: " وأما وضع الإصبع بعد الإشارة، أو تقييدها بوقت النفي والإثبات، كل ذلك مما لا أصل له في السنة ". (4)
(1) كشف الحقائق (1/ 48)، واللباب شرح الكتاب (1/ 72)، وحاشية ابن عابدين (2/ 218). ') ">
(2)
مرقاة المفاتيح (2/ 757). ') ">
(3)
تحفة الأحوذي (2/ 185). ') ">
(4)
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (صـ 159). ') ">
دليل القول الثاني
استدل القائلون بأنه يشير بها في جميع تشهده بظواهر كثير من الأحاديث السابقة:
كحديث ابن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بالسبابة» (1).
ومثله: حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وفيه: «إذا قعد في الصلاة جعل قدمه .. وأشار بأصبعه» (2).
وحديث وائل السابق: «يحركها يدعو به» (3).
وجه الاستدلال:
فظواهر هذه الأحاديث يدل على مشروعية الإشارة من ابتداء الجلوس إلى نهايته. (4)
لقوله: [إذا قعد]، [إذا جلس] فيشمل بعمومه جميع الجلوس أو القعود للتشهد، وفي حديث وائل:[يدعو بها] دليل على أنه يستمر في
(1) صحيح مسلم (1/ 408). وتقدم صـ (102).
(2)
صحيح مسلم - (1/ 408). وتقدم صـ (102).
(3)
سنن النسائي السَّهْوِ (1268)، سنن الدارمي الصَّلَاةِ (1357).
(4)
تحفة الأحوذي (2/ 185). ') ">
الإشارة إلى السلام؛ لأن الدعاء يكون قبله. (1)
ويناقش هذا:
بأن عموم هذه الأحاديث مخصوص بالأحاديث التي قصرت الإشارة على حالة الدعاء، كقوله:[يدعو بها]، [فدعا بها]، فلا تكون الإشارة إلا مع الدعاء وما أشبهه لا على الدوام.
دليل القول الثالث
قالوا: إنه يشير عند الإثبات وهو قوله: [إلا الله]؛ لأنه حال إثبات الوحدانية لله تعالى (2) فيشير ليطابق القول الفعل على التوحيد. (3)
ويناقش:
بأنه تعليل مقابل بعكسه كما هو مذهب الحنفية، وليس عليهما دليل صحيح كما تقدم.
أدلة القول الرابع
الدليل الأول: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي
(1) ينظر: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (صـ 158). ') ">
(2)
مغني المحتاج (1/ 267)، وسبل السلام (1/ 363). ') ">
(3)
مرقاة المفاتيح (2/ 575). ') ">
صلى الله عليه وسلم- كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ووضع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها". (1)
الدليل الثاني: حديث وائل بن حجر الطويل في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم رفع أصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها، ثم جئت في زمان فيه برد فرأيت الناس عليهم الثياب تحرك أيديهم من تحت الثياب» (2).
الدليل الثالث: حديث ابن الزبير رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا، ولا يحركها» (3).
(1) رواه مسلم في صحيحه (1/ 408)[كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين]، وأحمد في مسنده (10/ 418) وغيرهما.
(2)
أخرجه النسائي (2/ 126) [كتاب السهو، باب قبض الثنتين من أصابع اليد اليمنى .. **، وأحمد في مسنده (31/ 160)، والفتح الرباني (4/ 14)، والبيهقي في سننه (2/ 132)، والدارمي في سننه (1/ 255)، والحميدي في مسنده (2/ 393)، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 354)، وابن حبان (صـ 1351)، وابن الجارود في المنتقى (صـ 63) وصححه، وصححه النووي في كل من الخلاصة (1/ 428) والمجموع (3/ 434) وصححه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 139) والألباني في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (صـ 158)، وصححه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على زاد المعاد (1/ 239، 255) تبعًا لابن القيم.
(3)
رواه أبو داود (صـ 178)[كتاب الصلاة، باب الإشارة في التشهد]، وسكت عنه. والبيهقي (2/ 131)، وأبو عوانة في مسنده (2/ 247)، والنسائي (1/ 126)[كتاب السهو، باب بسط اليسرى على الركبة]، وصححه النووي في الخلاصة (صـ 428)، وفي المجموع (3/ 434)، وصححه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 139)، وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 238) **زيادة ولا يحركها في صحتها نظر
…
**.
وجه الاستدلال:
دلت الأحاديث السابقة على أن الإشارة بالسبابة إنما تكون عند الدعاء لقوله [يدعو بها][فدعا بها]، وهنا صريح في المسألة فيقتصر على موضع النص. (1)
الدليل الرابع: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «مر علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصابعي فقال: أحِّد أحِّد، وأشار بالسبابة» (2).
وجه الاستدلال:
أن سعدًا كان يدعو بأكثر من أصبع فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد، والدعاء بأصبع واحد، فدل ذلك على أن السبابة يشار بها عند الدعاء. (3)
(وكذا عند الذكر؛ لأنه من دعاء العبادة فيدخل كدعاء المسألة).
(1) ينظر شرح الزركشي (2/ 581)، وكشاف القناع (2/ 358). ') ">
(2)
سبق تخريجه صـ (105) وقد رواه أبو داود، والنسائي وصححه الألباني.
(3)
ينظر: كشاف القناع (2/ 359). ') ">
ويناقش هذا:
بأن الدعاء بها لا يمنع من الإشارة بها قبله فيرفعها مع ابتداء جلوسه، ثم يستخدمها في الدعاء زيادة فوق الإشارة.
الترجيح
الراجح -والله تعالى أعلم- أن المصلي يشير بسبابته في جميع تشهده، ويحركها عند دعاء الله تعالى إشارة إلى الوحدانية والعلو، كما سيأتي. (1)
وسبب هذ الترجيح:
أننا لو جمعنا النصوص التي أخذنا منها مشروعية الإشارة لوجدناها لا تخرج عن قول الراوي: [ورفع] و [نصب]، [أشار]، [بأصبعه أو بالسبابة]، وهذا يصدق على القليل والكثير، فيحتمل أنه رفعها في بعض تشهده، ويحتمل أنه رفعها في جميع تشهده، هذا كله سائغ في اللغة، فتساوى الاحتمالان، فبحثنا على مرجحات لأحدهما
(1) وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ما ملخصه: "يشير عند وجود سبب الإشارة- وهو ذكر الله تعالى وهل هو الذكر الخاص، وهو الشهادة، أو ذكر الجلالة بشكل عام". والذي دلت عليه السنة أن يشير عند الدعاء، فكلما دعوت فحرك إشارة إلى علو المدعو سبحانه فنقول:(السلام عليك) فيه إشارة؛ لأنه دعاء السلام. (السلام علينا) فيه إشارة كذلك. (اللهم صل) فيه إشارة. (اللهم بارك) فيه إشارة. (اللهم إني أعوذ بك) فيه إشارة، وهكذا. الشرح الممتع (3/ 202).
فوجدنا بعض ما يرجح الاحتمال الثاني، وهو رفعها على الدوام في جميع تشهده:
ومن هذه المرجحات:
1 -
أن بعض الروايات جاءت بلفظ: [كان، إذا] وهي تفيد الاستمرارية، وبعضها جاء بلفظ الحال كقوله:[رافعًا أصبعه]، وبعضها جاءت بلفظ المضارع:[يشير] وكل ذلك مفيد للاستمرارية بمقتضى قواعد اللغة.
2 -
أن رفع السبابة قرن بما يشرع استدامته- بالاتفاق- وهو وضع اليدين على الركبتين، كقوله:[وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة .. ] فيلزم توحيد الأحكام تبعًا لوحدة الألفاظ. فوضع اليد على الفخذ مستمر باتفاق، فكذا الإشارة بالسبابة تكون مستمرة حيث لا فارق.
3 -
أن بعض الروايات جاءت بلفظ [لا يسهو أحدكم ما دام يشير بأصبعه]. وظاهرها الاستمرار لضرورة مدافعة السهو طيلة التشهد.
4 -
رواية من [رأى الأنبياء في كنيسة الشام ممثلين في صلاتهم قائلين هكذا، ونصب الراوي أصبعه] تشعر بأن نصب الأصبع في التمثال يوحي بكون ذلك صفة دائمة في الممثل به.
والله تعالى أعلم.