المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب الوجود - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌البحوث

- ‌الافتتاحية

- ‌الفتاوى

- ‌ ما يؤخذ ضريبة لا يجزئ زكاة)

- ‌(باب أهل الزكاة)

- ‌ صرف الزكاة للمساجد والأعمال الخيرية لا يجزئ)

- ‌ ولبناء أسوار البلد)

- ‌ ولصندوق البر بمكة)

- ‌ ودفعها للفقراء غير الوطنيين)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌نصيحة بمناسبة استقبال شهر رمضان

- ‌دخول الشهر وخروجه

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ قراءة الفاتحة ركن في جميع ركعات الصلاة في حق الإمام والمنفرد

- ‌ القدر المناسب لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية

- ‌ الإسرار في الصلاة الجهرية

- ‌ رفع الصوت في الصلاة للمنفرد

- ‌ التجويد بالقرآن في الصلاة

- ‌البحوث

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: حكم الصلاة على الميت

- ‌المطلب الثاني: التعريف بولاية الأمر

- ‌المطلب الثالث: التعريف بالفسق، وبيان الصفات الموجبة له

- ‌المطلب الرابع: التعريف بالسياسة

- ‌المبحث الأول: صلاة ولاة الأمر والأئمة على الفساق

- ‌المبحث الثاني: السياسة الشرعية في ترك الولاة والأئمة الصلاة على الفساق

- ‌الخاتمة:

- ‌أوجز العبارة في حكم الإشارة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولحكم الإشارة في التشهد

- ‌المبحث الثانيموضع الإشارة بالسبابة في التشهد

- ‌المبحث الثالثتحريك السبابة حالة الإشارة

- ‌المبحث الرابعجهة الإشارة بالسبابة

- ‌خاتمة البحث

- ‌دفع أحد الزوجين زكاته للآخردراسة فقهية

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولدفع الزوج زكاته إلى زوجته

- ‌المبحث الثانيدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها

- ‌المبحث الثالثأخذ أحد الزوجين زكاة الآخر بغير وجه الصدقة ممن أخذها وهو من أهلها

- ‌المبحث الرابعدفع أحد الزوجين زكاته إلى الآخر بغير علمه يظنه من أهلها ثم علم

- ‌الخاتمة

- ‌القبض وأثره في العقد الفاسد

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولتعريف القبض والعقد الفاسد وبيان حكمه

- ‌المطلب الأول: في تعريف القبض وبيان أقسامه

- ‌المطلب الثانيتعريف العقد الفاسد وبيان منشئه وأسبابه

- ‌المطلب الثالثحكم تعاطي العقد الفاسد

- ‌المبحث الثانيآثار القبض الفاسد

- ‌المطلب الأول: أثر القبض الفاسد في نقل الملكية

- ‌المطلب الثانيأثر القبض الفاسد في الضمان

- ‌المطلب الثالث:أثر القبض الفاسد في الأجور والمهور

- ‌الخاتمة:

- ‌الأدعية المأثورة وعلاقتها بحفظ مقاصد الشريعة

- ‌التمهيد، وفيه معنى الأدعية المأثورة وأهميتها

- ‌المبحث الأول: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة

- ‌المطلب الأول: معنى مقاصد الشريعة، وأقسامها:

- ‌المطلب الثاني: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة

- ‌المبحث الثاني: معنى الدين، وأهميته

- ‌المطلب الأول: معنى الدين في اللغة وفي الشرع:

- ‌المطلب الثاني- أهمية الدين:

- ‌المبحث الثالث- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب الوجود

- ‌المطلب الثالث: طلب التوفيق لتقوى الله، وطاعته، وأن يتقبلها:

- ‌المطلب الرابع: الدعاء بأن يكون من الدعاة إلى الدين

- ‌المطلب الخامس: طلب العلم الشرعي الذي يكون سبيلاً للهداية إلى الدين والطاعة:

- ‌المطلب السادس: سؤال الله الجنة

- ‌المبحث الرابع- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب العدم

- ‌المطلب الأول: طلب العبد أن يحفظه الله من الكفر والشرك

- ‌المطلب الثاني: طلب صيانة الدين، وتلافي النقصان الطارئ في أصله، والحماية من الفتن التي تضر به

- ‌المطلب الثالث: الاستعاذة بالله من التكاسل عن فعل الطاعات أو التهاون بها

- ‌المطلب الرابع: طلب الحيلولة بين العبد وبين المعاصي، والاستعاذة منها، ومن النار

- ‌المطلب الخامس: طلب مغفرة الخطايا، ومحو السيئات، وطلب الهداية إلى التوبة

- ‌الخاتمة

- ‌التخويف بالآيات ليس خرافة

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الثالث- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب الوجود

المكلفون هذا المقصد لحافظوا على مقاصد الشريعة الأخرى.

ص: 329

‌المبحث الثالث- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب الوجود

.

المطلب الأول: طلب الهداية (1)(2) إلى الإيمان.

الإيمان بالله أساس بناء الدين فمن ((أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه، وشدة الاعتناء به، فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه، فالأعمال والدرجات بنيان وأساسها الإيمان، ومتى كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه، وإذا تهدم شيء من البنيان سهل تداركه، وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت، وإذا تهدم شيء من الأساس سقط البنيان أو كاد)) (3) بل إن الدين هو الإيمان، قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} ((وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسلام هنا بمعنى الإيمان)) (4) فهو طاقة عظيمة

(1) /1 L33423 معنى الهداية /1: هي الدلالة بلطف إلى ما يوصل إلى المطلوب.

(2)

/1 L33423 معنى الهداية /1: هي الدلالة بلطف إلى ما يوصل إلى المطلوب. ') ">

(3)

الفوائد، لابن القيم 1/ 156. ') ">

(4)

فتح القدير، للشوكاني 1/ 491، وينظر: تفسير القرطبي 4/ 47. ') ">

ص: 329

مقوّمة لسلوك الإنسان، ومن أجل ذلك اهتمت الشريعة بغرس الإيمان في قلوب المسلمين (1) و ((من أنعم عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته، واشتملت عليه)) (2) فهو أفضل الأعمال؛ لجلبه لأحسن المصالح، ودرئه لأقبح المفاسد، مع شرفه في نفسه وشرف متعلقه (3) وقد أرشد الله عباده لطلب الهداية منه، فقال:«يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم» (4) أي اطلبوا مني الهداية أهدكم (5) والهداية هنا بمعنى الإرشاد والتوفيق، فهو سبحانه الكريم الذي يحبب الإيمان إلى قلوب عباده ويوفقهم للعمل بمقتضاه (6) والدعاء والذكر يورثان محبة الله التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ويورثان المراقبة حتى يدخل العبد في باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، وفيهما أمان من النفاق (7) وقد وردت أدعية كثيرة يطلب المسلم فيها من ربه أن يهديه إلى الإيمان ويثبته عليه، من ذلك:

(1) ينظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها، د. عبد الرحمن الميداني 1/ 83. ') ">

(2)

الكشاف، للزمخشري 1/ 8. ') ">

(3)

ينظر: قواعد الأحكام، للعز بن عبد السلام 1/ 68. ') ">

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم 4/ 1994 رقم 2577.

(5)

ينظر: شرح الأربعين النووية، لابن دقيق العيد 1/ 63. ') ">

(6)

ينظر: تفسير القرطبي 16/ 266، فتح القدير، للشوكاني 5/ 86. ') ">

(7)

ينظر: الوابل الصيب، لابن القيم 61. ') ">

ص: 330

أ- ما ورد أنه كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم زَيِّنَّا بزينة الإيمان» (1)

ومثله ما أُثر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا» (2) أي: حبّب الإيمان إلى نفوسنا ونفوس المؤمنين، وحسنه في قلوبنا (3) وهذا لا يقدر عليه سوى الله تعالى، قال تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} ثم قال: {فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} فهو محض فضل منه، حيث لم يكلهم إلى أنفسهم، بل تولى هو سبحانه هذا التحبيب والتزيين، فضلاً منه ونعمة (4) ((ولم يعطهم في الدنيا شيئا خيرا لهم، ولا أحب إليهم، ولا

(1) أخرجه النسائي في سننه، كتاب صفة الصلاة، باب الدعاء بعد الذكر 3/ 54 رقم 1305، وصححه الألباني.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده 3/ 424، وقال الأرنؤوط:((رجاله ثقات))، وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 506، وقال:((صحيح على شرطهما. وتعقبه الذهبي بقوله: ((الشيخان لم يخرجا لعبيد، وهو ثقة، والحديث مع نظافة إسناده منكر، أخاف أن يكون موضوعا))، وقد جاء في معنى الحديث الآية المذكورة في الصلب، وهي قوله تعالى: /30/ 403 L49 L7 L7 /403 وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ /30 [الحجرات: 7]. وينظر: مجمع الزوائد 6/ 176.

(3)

ينظر: تفسير ابن كثير 4/ 266. ') ">

(4)

ينظر: شفاء العليل، لابن القيم 1/ 57، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 8/ 442، مدارج السالكين، لابن القيم 1/ 220، تفسير ابن كثير 4/ 266.

ص: 331

أقر لعيونهم، من الإيمان به، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والأنس بقربه، والتنعّم بذكره)) (1)

ب- ومن أذكار الصباح والمساء: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين» (2) وكان صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا هذا الدعاء (3)؛ لكي يفتتح المسلم يومه ويختمه بتجديد الإيمان، وإعلان التوحيد (4)؛ فإن المراد بفطرة الإسلام: دينه الحق (5) وهذه هي حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله، وعليها قام دين الإسلام (6) والشريعة جاءت موافقة للفطرة، منظمة لها، واضعة الحدود والضوابط الكفيلة باستقامتها

(1) إغاثة اللهفان، لابن القيم 1/ 28. ') ">

(2)

أخرجه: أحمد في مسنده 3/ 407 رقم 15400. قال شعيب الأرنؤوط: ((حديث صحيح، وهذا إسناد حسن)). وينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة 7/ 190 رقم 2989.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده 5/ 123 رقم 21182. قال الأرنؤوط: ((حديث صحيح وهذا إسناد ضعيف جدا)) وصححه الألباني. السلسلة الصحيحة 7/ 190 رقم 2989.

(4)

ينظر: فقه الأدعية والأذكار، للبدر 2/ 35 - 37. ') ">

(5)

ينظر: فيض القدير، للمناوي 5/ 105. ') ">

(6)

ينظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم 2/ 196. ') ">

ص: 332

وعدم انحرافها (1)

ج- وذكر الله عن عباد الرحمن أنهم يدعون الله قائلين: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} فإنهم يسألون الله أن يهدي أزواجهم وذرياتهم للإسلام، وأن يكونوا مطيعين لله (2) ومن تمام محبة عبادة الله تعالى محبةُ المسلم أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده لا شريك له، فلما قال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام:{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} وكقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} ومن صفات المؤمنين أنهم يعنون بانتشار الإسلام وتكثير أتباعه، فيدعون الله أن يرزقهم أزواجا وذريات مؤمنين، وقال تعالى:{قُرَّةَ أَعْيُنٍ} فإنها جامعة للكمال في الدين واستقامة الأحوال في الحياة؛ لأن المؤمن لا تقر عينه إلا بأزواج وأبناء مؤمنين (3) وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم، فإنه

(1) ينظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لليوبي 426. ') ">

(2)

ينظر: تفسير ابن كثير 1/ 248، تفسير القرطبي 13/ 80. ') ">

(3)

التحرير والتنوير، لابن عاشور 8/ 2991. ') ">

ص: 333

دعاء لأنفسهم؛ لأن نفعه سيعود عليهم، ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم، فقالوا:{هَبْ لَنَا} (1)

ثم سألوا لأنفسهم. بعد أن وفقهم الله إلى الإيمان- أن يجعلهم قدوة يقتدي بها المتقون، وهذا يقتضي أنهم يسألون لأنفسهم بلوغ الدرجات العظيمة من الإيمان والتقوى؛ فإن القدوة يجب أن يكون بالغا أقصى غاية العمل الذي يرغب المهتمون به الكمالَ فيه، ويقتضي أيضا أنهم يسألون أن يكونوا دعاة للدخول في الإسلام، وأن يهتدي الناس إليه بواسطتهم

(1) ينظر: تيسير الكريم الرحمن، لابن سعدي 587. ') ">

ص: 334

المطلب الثاني: طلب الهداية إلى الدين الصحيح، والاستقامة (1)(2) عليه، والدعوة إليه.

إن العبد مفتقر إلى إعانة الله له في كل شيء، وأولى ما يعينه عليه إرشاده إلى الدين الصحيح، والاستقامة عليه، وبذكره تعالى ودعائه والافتقار إليه ييسر الله له الهداية ويدله على الصراط المستقيم (3) وأمر

(1) الاستقامة: الثبات على أمر الله والعمل بطاعته واجتناب معصيته. ينظر: فتح القدير، للشوكاني 4/ 733.

(2)

الاستقامة: الثبات على أمر الله والعمل بطاعته واجتناب معصيته. ينظر: فتح القدير، للشوكاني 4/ 733. ') ">

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 4/ 39. ') ">

ص: 334

الاستقامة على الدين خطير، ولذلك كانت أشد آية على النبي صلى الله عليه وسلم {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} فيحتاج المسلم إلى الاستعانة بربه على تقلبات الزمان، وما يموج به من منكرات ومعاصٍ وفتن وأهواء، كما أن ثمرة الاستقامة عظيمة، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} أي: داوموا على الاستقامة دواما ممتد الأمد، وتلك الاستقامة هي المعتبرة لا ما هو منقطع إلى ضده من الحيد إلى الهوى والشهوات (1) وهناك أقوال كثيرة في معنى هذه الآية، وهي ((وإن تداخلت فتلخيصها: اعتدَلوا على طاعة الله عقدا وقولا وفعلا، وداموا على ذلك)) (2)

وقد حكى الله دعاء عباده الصالحين في مقام الثناء عليهم، حين قالوا:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ}

(1) ينظر: روح المعاني، للآلوسي 3/ 33. ') ">

(2)

تفسير القرطبي 15/ 311. ') ">

ص: 335

فقد كانوا يتضرعون إلى الله ويطلبون منه أن يوفقهم لدوام الإيمان حتى يتوفاهم الله عليه (1) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أصحابه إلى أهمية الاستقامة، فقد روى سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال:«قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال: (قل: آمنت بالله ثم استقم)» (2)

ووردت أدعية كثيرة يتضرع فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى أن يوفقه إلى الاستقامة والثبات على الدين الحق، وفيها توجيه لأمته أن يبتهلوا إلى الله بهذه الأدعية ويأتسوا بهديه القويم، ومن هذه الأدعية:

أ- الدعاء الوارد في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} والمراد: ألهمنا دينك الحق الذي لا يقبل الله من العباد غيره (3) ومثله دعاء الفتية الذين فروا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم عنه، حين قالوا:{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} أي: يسر لنا يا ربنا، وأرشدنا إلى ما يقربنا منك، وما نصيب به الهداية ونبتعد به عن

(1) ينظر: تفسير الطبري 3/ 552، التحرير والتنوير، لابن عاشور 3/ 874. ') ">

(2)

شرح الأربعين النووية، لابن دقيق العيد 1/ 57.

(3)

ينظر: تفسير القرطبي 1/ 191، تفسير فتح القدير 1/ 36. ') ">

ص: 336

الضلال (1) والرَّشَد: ((الاهتداء والديمومة عليه)) (2)

والهداية نوعان: النوع الأول: هداية مجملة، وهي الهداية للإيمان. والنوع الثاني: هداية مفصلة، وهي الهداية إلى معرفة تفاصيل الأحكام، والإعانة على فعل ذلك، فالهداية يحتاج إليها كل مؤمن ليلا ونهارا، ولهذا أمر الله عباده أن يقولوا في كل ركعة من صلاتهم:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وإذا كان الأمر كذلك فينبغي للمؤمنين أن يجتهدوا في طلب الهداية من الله تعالى اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويتأكد طلب الهداية لمن يتصدر للأمور المهمة كالقضاء والفتيا، فقد كان السلف رحمهم الله يوصون المفتين وأمثالهم بطلب الهداية من الله والتوفيق إلى الحق (3)

ب- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه طلب الهداية من الله، ويرشدهم أن يقولوا في صلاة الوتر:«اللهم اهدني فيمن هديت» (4) ومعناه: ثبتني على الهداية، وزدني من أسبابها لأصل إلى أعلى مراتب

(1) ينظر: زاد المسير، لابن الجوزي 5/ 109، تفسير ابن كثير 3/ 100، تيسير الكريم الرحمن، لابن سعدي 471. ') ">

(2)

أضواء البيان، للشنقيطي 3/ 207. ') ">

(3)

ينظر: اقتضاء الصراط، لابن تيمية 1/ 467، إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 257. ') ">

(4)

أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر 1/ 452 رقم 1425، وصححه الألباني.

ص: 337

عبادتك، واجعلني في جملة من هديتهم من الأنبياء والأولياء والصالحين (1) فالعبد ((محتاج إلى الهدى في كل لحظة، وهو إلى الهدى أحو منه إلى الأكل والشرب)) (2) والله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم (3) وأهمها الهداية إلى الدين الصحيح والاستقامة عليه.

كما كان يوجههم إلى طلب الثبات على الدين والوفاة عليه.

ج- وقد نقل إلينا القرآن حرص الأنبياء عليهم السلام على الاستقامة، وتضرعهم إلى الله أن يتوفاهم مسلمين، فهذا يوسف عليه السلام، يقول:{أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} فبعد أن حصل يوسف على نعمة الولاية والملك، وعلى نعمة العلم وتعبير الرؤيا التي رآها، واجتمع شمله بالأهل، تاقت نفسه إلى الأمنية والمقصد الأسمى فدعا الله أن يثبّته حتى يتوفاه على الإسلام ويلحقه بالصالحين، ((وأشار بقوله:{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} إلى النعمة العظمى وهي نعمة الدين الحق)) (4) والصالحون: هم المتصفون

(1) ينظر: شرح حصن المسلم، مجدي الأحمد 206. ') ">

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 14/ 320. ') ">

(3)

ينظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي 1/ 225. ') ">

(4)

التحرير والتنوير، لابن عاشور 7/ 2215. ') ">

ص: 338

بالصلاح وهو التزام الطاعة، وأراد بهم الأنبياء عليهم السلام، وما دعا به يوسف عليه السلام غاية يتمناها العاقل الرشيد (1) وقد ذكر لنا تعالى أدعية الأنبياء عليهم السلام ليعلّمنا النهجَ السديد والمسلك القويم في دعائه ومناجاته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه إلى أن يدعوا بما ورد في القرآن، فقد روى زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّمه، وأمره أن يتعاهد أهله في كل صباح بدعاء فيه:«أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين» (2)

د- وأثنى القرآن على صنيع السحرة لما آمنوا برب العالمين، وتوعدهم فرعون، حيث فزعوا إلى الله عز وجل طالبين منه أن يوفقهم للصبر والثبات على الدين الحق حتى يتوفاهم وهم مسلمون، فقالوا:{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} أي: ثابتين على ما رزقتنا من الإسلام غير مفتونين بسبب وعيد فرعون (3)

هـ- ولحرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمر الاستقامة فقد كان يكثر من هذا الدعاء:

(1) ينظر: تفسير ابن كثير 2/ 646، التحرير والتنوير، لابن عاشور 7/ 2215. ') ">

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 697 رقم 1900، وقال:((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه))، وينظر: مجمع الزوائد، للهيثمي 10/ 150، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب 1/ 100.

(3)

ينظر: روح المعاني، للآلوسي 9/ 28، تفسير أبي السعود 3/ 262. ') ">

ص: 339

«يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (1)

ومعنى الحديث: اجعل قلبي ثابتا على دينك، غير مائل عن الدين القويم والصراط المستقيم (2)((وفي هذا الحديث التأكيد على السعي في صلاح القلب وحمايته من الفساد)) (3)((وإنما خص القلب بالذكر لأنه مناط التكليف والفهم والعقل والتذكر والتدبر والعلم، وقد أودع الله في القلب معرفة المصالح وتمييزها عن المضار)) (4)؛ إذ بين القلب والأعضاء تعلّق عجيب وتأثير غريب (5) فقد ((جعل الله الجوارح مسخرة له ومطيعة، فما استقر فيه ظهر عليها، وعملت على معناه: إن خيرا فخير وإن شرا فشر)) (6)«ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (7)

(1) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن 4/ 448، رقم 2140. وحسنه الألباني. السلسلة الصحيحة 5/ 126.

(2)

ينظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري 6/ 291. ') ">

(3)

شرح صحيح مسلم، للنووي 11/ 29. ') ">

(4)

ينظر: شرح الأربعين النووية، لابن دقيق العيد 1/ 26. ') ">

(5)

ينظر: شرح سنن ابن ماجه، للسيوطي وآخرون 1/ 69. ') ">

(6)

شرح الأربعين النووية، لابن دقيق العيد 1/ 26. ') ">

(7)

أخرجه مسلم في صحيحه، المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات 3/ 1219 رقم 1599.

ص: 340

و- وكان صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه أن يتضرعوا إلى الله بقولهم: «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر» (1) أي: الدوام على الدين والاستقامة (2) ومدار الدين على أصلين: العزم والثبات، والثبات والعزيمة لا تقومان إلا على ساق الصبر، فمتى أيد الله عبده بعزيمة وثبات فقد أيده بالمعونة والتوفيق (3)

ويتأكد طلب الثبات على الدين أيام الفتن وزمان المحن، وسيأتي مزيد بيان لذلك (4)

وطلب الهداية يستدعي طلب التوفيق لتدبر القرآن ومعرفة السنة والعمل بهما، فقد جعل الله مقصد إنزال القرآن هدايةَ الناس، قال تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} أي نورًا ومرشدا ودالاًّ للمتقين (5)

(1) أخرجه الترمذي في سننه، الدعوات 5/ 476 رقم 3407 وأحمد في مسنده 4/ 123 رقم 17155، قال الأرناؤوط:((حديث حسن بطرقه، وهذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه حسان بن عطية، لم يدرك شداد بن أوس. ورجال الإسناد ثقات، رجال الشيخين)).

(2)

ينظر: فيض القدير، للمناوي 2/ 130. ') ">

(3)

ينظر: عدة الصابرين، لابن القيم 1/ 90. ') ">

(4)

ينظر: ص 40 من البحث. ') ">

(5)

ينظر: تفسير البغوي 1/ 59، تفسير ابن كثير 1/ 65. ') ">

ص: 341

((والهدى الشرعي: هو الإرشاد إلى ما فيه صلاح العاجل الذي لا ينقض صلاح الآجل)) (1) وأمرنا الله باتباع هدي القرآن، فقال:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فهذه دعوة للمسلمين أن يتدبروا القرآن ويعملوا به ويدعوا إليه، فإن من اتبعه وعمل به نالته بركته ونفعه في الدنيا والآخرة ومن الأدعية المأثورة في هذا المجال ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:«ما قال عبد قط إذا أصابه هم أو حزن: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه، وأبدله مكان حزنه فرحا. قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات؟ قال: أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمن» (2)

(1) التحرير والتنوير، لابن عاشور 1/ 130. ') ">

(2)

أخرجه ابن حبان في صحيحه 3/ 253 رقم 972، وصحح الأرناؤوط إسناده، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 196:((رواه أحمد وأبو يعلى والبزار إلا أنه قال: ((ذهاب غمي)). مكان ((همي)). والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح، غير أبي سلمة الجهني، وقد وثقه ابن حبان)).

ص: 342