المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولدفع الزوج زكاته إلى زوجته - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌البحوث

- ‌الافتتاحية

- ‌الفتاوى

- ‌ ما يؤخذ ضريبة لا يجزئ زكاة)

- ‌(باب أهل الزكاة)

- ‌ صرف الزكاة للمساجد والأعمال الخيرية لا يجزئ)

- ‌ ولبناء أسوار البلد)

- ‌ ولصندوق البر بمكة)

- ‌ ودفعها للفقراء غير الوطنيين)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌نصيحة بمناسبة استقبال شهر رمضان

- ‌دخول الشهر وخروجه

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ قراءة الفاتحة ركن في جميع ركعات الصلاة في حق الإمام والمنفرد

- ‌ القدر المناسب لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية

- ‌ الإسرار في الصلاة الجهرية

- ‌ رفع الصوت في الصلاة للمنفرد

- ‌ التجويد بالقرآن في الصلاة

- ‌البحوث

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: حكم الصلاة على الميت

- ‌المطلب الثاني: التعريف بولاية الأمر

- ‌المطلب الثالث: التعريف بالفسق، وبيان الصفات الموجبة له

- ‌المطلب الرابع: التعريف بالسياسة

- ‌المبحث الأول: صلاة ولاة الأمر والأئمة على الفساق

- ‌المبحث الثاني: السياسة الشرعية في ترك الولاة والأئمة الصلاة على الفساق

- ‌الخاتمة:

- ‌أوجز العبارة في حكم الإشارة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولحكم الإشارة في التشهد

- ‌المبحث الثانيموضع الإشارة بالسبابة في التشهد

- ‌المبحث الثالثتحريك السبابة حالة الإشارة

- ‌المبحث الرابعجهة الإشارة بالسبابة

- ‌خاتمة البحث

- ‌دفع أحد الزوجين زكاته للآخردراسة فقهية

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولدفع الزوج زكاته إلى زوجته

- ‌المبحث الثانيدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها

- ‌المبحث الثالثأخذ أحد الزوجين زكاة الآخر بغير وجه الصدقة ممن أخذها وهو من أهلها

- ‌المبحث الرابعدفع أحد الزوجين زكاته إلى الآخر بغير علمه يظنه من أهلها ثم علم

- ‌الخاتمة

- ‌القبض وأثره في العقد الفاسد

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولتعريف القبض والعقد الفاسد وبيان حكمه

- ‌المطلب الأول: في تعريف القبض وبيان أقسامه

- ‌المطلب الثانيتعريف العقد الفاسد وبيان منشئه وأسبابه

- ‌المطلب الثالثحكم تعاطي العقد الفاسد

- ‌المبحث الثانيآثار القبض الفاسد

- ‌المطلب الأول: أثر القبض الفاسد في نقل الملكية

- ‌المطلب الثانيأثر القبض الفاسد في الضمان

- ‌المطلب الثالث:أثر القبض الفاسد في الأجور والمهور

- ‌الخاتمة:

- ‌الأدعية المأثورة وعلاقتها بحفظ مقاصد الشريعة

- ‌التمهيد، وفيه معنى الأدعية المأثورة وأهميتها

- ‌المبحث الأول: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة

- ‌المطلب الأول: معنى مقاصد الشريعة، وأقسامها:

- ‌المطلب الثاني: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة

- ‌المبحث الثاني: معنى الدين، وأهميته

- ‌المطلب الأول: معنى الدين في اللغة وفي الشرع:

- ‌المطلب الثاني- أهمية الدين:

- ‌المبحث الثالث- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب الوجود

- ‌المطلب الثالث: طلب التوفيق لتقوى الله، وطاعته، وأن يتقبلها:

- ‌المطلب الرابع: الدعاء بأن يكون من الدعاة إلى الدين

- ‌المطلب الخامس: طلب العلم الشرعي الذي يكون سبيلاً للهداية إلى الدين والطاعة:

- ‌المطلب السادس: سؤال الله الجنة

- ‌المبحث الرابع- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب العدم

- ‌المطلب الأول: طلب العبد أن يحفظه الله من الكفر والشرك

- ‌المطلب الثاني: طلب صيانة الدين، وتلافي النقصان الطارئ في أصله، والحماية من الفتن التي تضر به

- ‌المطلب الثالث: الاستعاذة بالله من التكاسل عن فعل الطاعات أو التهاون بها

- ‌المطلب الرابع: طلب الحيلولة بين العبد وبين المعاصي، والاستعاذة منها، ومن النار

- ‌المطلب الخامس: طلب مغفرة الخطايا، ومحو السيئات، وطلب الهداية إلى التوبة

- ‌الخاتمة

- ‌التخويف بالآيات ليس خرافة

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الأولدفع الزوج زكاته إلى زوجته

‌المبحث الأول

دفع الزوج زكاته إلى زوجته

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: دفع الزوج زكاته إلى زوجته من سهم الفقراء والمساكين:

إذا كانت الزوجة فقيرة أو مسكينة وأراد الزوج أن يعطيها من زكاته فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: لا يجوز دفع الزكاة إليها في هذه الحال وهو قول جماهير أهل العلم من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم (1) قال ابن هبيرة (2)" واتفقوا على أنه لا يجوز أن يخرج الرجل زكاته إلى زوجته "(3)(4)

(1) المختار 1/ 120، تبيين الحقائق 1/ 252، 301، الهداية وفتح القدير 2/ 270، رد المحتار 2/ 258، الشرح الكبير للدردير 1/ 499، القوانين الفقهية 97، شرح الخرشي على مختصر خليل 2/ 221، المجموع 6/ 173، 223، البيان 3/ 444، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 431، شرح منتهى الإرادات 1/ 433، كشاف القناع 2/ 290.

(2)

هو: أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة البغدادي، فقيه حنبلي، تقلد الوزارة في زمن المقتفي لأمر الله العباسي، له مصنفات نافعة، توفي سنة 560 هـ. ينظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 251، المقصد الأرشد 3/ 105.

(3)

الإفصاح 1/ 193.

(4)

الإفصاح 1/ 193. ') ">

ص: 143

وحكى الإجماع عليه غير واحد من الفقهاء، ومن أشهرهم: ابن المنذر (1) والموفق ابن قدامة (2) والكاساني (3) رحمهم الله تعالى.

القول الثاني: يجوز دفع الزكاة إليها.

وهو وجه ضعيف عند الشافعية (4) وهو على طريقة الخراسانيين من الشافعية، وهي طريقة ضعيفة تخالف المعتمد وهي طريقة العراقيين (5)

قال النووي: " والصحيح طريقة العراقيين وعليها التفريع "(6)

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول على عدم جواز دفع الزوج زكاته إلى زوجته من سهم الفقراء والمساكين بما يلي:

الدليل الأول:

الزوج ينتفع ويستغني بمال زوجته، كما ينتفع بمال نفسه عرفًا

(1) الإجماع لابن المنذر 58. ') ">

(2)

المغني 4/ 100. ') ">

(3)

بدائع الصنائع 2/ 916، والكاساني هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد علاء الدين، فقيه حنفي، صنف في الفقه، وتوفي سنة 587 هـ بحلب. ينظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا 1/ 28.

(4)

المجموع 6/ 223، البيان 3/ 444. ') ">

(5)

المجموع 6/ 223. ') ">

(6)

المجموع 6/ 223. ') ">

ص: 144

وعادة (1) ولهذا قال الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} وفسّر هذا الغنى بمال خديجة رضي الله عنها (2) وبناء على هذا لا يتكامل معنى التمليك إذ من شروط دفع الزكاة قطع المنفعة عن المالك من كل وجه، وهذا لا يتحقق في دفع الزوج زكاته إلى زوجته (3)

الدليل الثاني:

القياس على عمودي النسب، فإنه لا يجوز صرف الزكاة إليهما، فكذلك لا يجوز صرفها إلى الزوجة، لقوة الصلة التي توجب النفقة عليهم، ولهذا يرث كل منهم الآخر من غير حجب (4)

الدليل الثالث:

هناك مأخذ آخر للاستدلال لهذا القول أخذ به الجمهور عدا الحنفية وهو أن دفع الزوج الزكاة إلى زوجته مرتبط بموضوع النفقة، فقالوا: إن نفقة الزوجة واجبة على زوجها، فتستغني بهذه النفقة عن أخذ الزكاة (5)

(1) بدائع الصنائع 2/ 893. ') ">

(2)

الاختيار 1/ 120، تبيين الحقائق 1/ 301، وينظر في تفسير الآية: تفسير القرطبي 22/ 346. ') ">

(3)

تبيين الحقائق 1/ 252، 301، فتح القدير 2/ 270. ') ">

(4)

الاختيار 1/ 120، شرح معاني الآثار للطحاوي 2/ 25. ') ">

(5)

البيان 3/ 443، 444، المغني 4/ 100، فتح الباري 3/ 387. ') ">

ص: 145

ونوقش بما يلي:

1 -

أن غنى المرأة الحاصل لها من وجوب النفقة لها على زوجها لا يجعلها غنية الغنى الذي يمنع من حلّ الزكاة لها (1)

ويمكن الجواب عنه:

بالمنع فإن الزوجة لها حق النفقة على زوجها في جميع حاجتها من مأكول ومشروب وملبوس ومسكن بالقدر الذي يكفيها بالمعروف، وهي معتبرة بحال الزوجين يسارًا أو إعسارًا (2)

2 -

اعتبار النفقة لا معنى له؛ لأن النفقة حق لازم على الزوج، وهي ليست بآكد من الديون التي تثبت لبعض الناس على غيرهم، فلا يمنع ثبوتها من جواز دفع الزكاة إليه، وعموم قول الله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية (3) يقتضي جواز دفعها إليها باسم الفقر، ولا يوجد مخصص له، فلا يجوز إخراج الزوجة من عمومها لأجل النفقة (4)

ويمكن الجواب عنه:

بعدم صحة القياس على الديون؛ لوجود الفرق فإن الديون

(1) سبل السلام 2/ 281. ') ">

(2)

ينظر المغني 11/ 348، 349. ') ">

(3)

سورة التوبة: آية (60). ') ">

(4)

أحكام القرآن للجصاص 4/ 338، 339. ') ">

ص: 146

ثبوتها طارئ بخلاف ثبوت نفقة الزوجة على زوجها فإنه دائم، والزوج ينتفع من دفع زكاته إلى زوجته؛ لأنها إذا استغنت بزكاته لم تطالب بالنفقة، وهي بهذه المثابة أشبه بدفع الزكاة لعمودي النسب.

واستدل أصحاب القول الثاني على جواز دفع الزكاة إليها:

بأن الزوج يدفع زكاته إلى زوجته لا يدفع النفقة عن نفسه، بل نفقتها واجبة عليه سواء كانت غنية أو فقيرة، ونظير هذا ما لو استأجر فقيرًا فإن له أن يدفع الزكاة إليه مع الأجرة (1)

ويمكن مناقشته:

بأن الزوج إذا دفع زكاته إلى زوجته فإنه سينتفع بذلك ولا بد؛ لكون الزوجة سوف تستغني بمال الزكاة عن المطالبة بالإنفاق لزوال الحاجة الداعية إلى ذلك، ولا يصح قياس العلاقة بين الزوجين بحال المستأجر وأجيره الفقير؛ لأن العلاقة بين الزوجين مستمرة وكل واحد منهما يتبسط في مال الآخر وينتفع به، بخلاف حال المستأجر مع أجيره الفقير.

الترجيح:

يترجح لدي بعد عرض الخلاف في المسألة والأدلة والمناقشة القول بعدم جواز دفع الزوج زكاته إلى زوجته من سهم الفقراء أو

(1) المجموع 6/ 173 - 223، البيان 3/ 444. ') ">

ص: 147

المساكين؛ وذلك لقوة أدلة هذا القول وإمكان الإجابة عن المناقشات الواردة عليها، وضعف دليل القول الآخر.

وقد اختلف الفقهاء بعد ذلك في دفع الزوج زكاته إلى زوجته في حالين:

الحال الأولى: دفعها إلى زوجته الناشز.

الحال الثانية: دفعها إلى زوجته في حال عدتها.

وسأبين أحكام ذلك على النحو التالي:

أولاً: دفع الزوج زكاته إلى زوجته الناشز:

المراد بنشوز المرأة هو: معصيتها لزوجها وخروجها عن طاعته فيما له عليها مما أوجبه النكاح كأن تمتنع من فراشه، أو تخرج من منزله أو تسافر بغير إذنه، وهو مأخوذ من النشز وهو المكان المرتفع، فكأن الناشز ارتفعت عن طاعة زوجها فسميت: ناشزًا (1)

وقد اختلف الفقهاء في حكم دفع الزوج زكاته إلى زوجته الناشز على ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا يجوز دفع الزوج زكاته إلى الزوجة الناشز.

(1) المغني 11/ 409، النهاية في غريب الحديث والأثر 5/ 56، وينظر: الصحاح للجوهري 3/ 899 (نشز). ') ">

ص: 148

وهو مذهب الحنابلة (1) والمذهب عند الشافعية (2) ولم أقف على نص صريح للحنفية والمالكية في هذه المسألة، والظاهر هو موافقتهم للحنابلة والشافعية في هذا القول، بناء على عموم نصوصهم في منع الزوج من دفع زكاته إلى زوجته، بل إن المنع عند الحنفية لا يرتبط بوجوب الإنفاق على الزوجة كما سبق بيانه، فهم أولى بالقول بالمنع من دفع الزكاة إلى الزوجة الناشز من الحنابلة والشافعية.

القول الثاني: يجوز دفع الزوج زكاته إليها:

وهو وجه عند الشافعية (3)

القول الثالث: إذا كان النشوز بسبب سفرها وحدها بغير إذنه فإنها تعطى من الزكاة بخلاف النشوز بغير السفر فإنها لا تعطى.

وهو وجه عند الشافعية (4)

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول على عدم جواز دفع الزوج زكاته إلى زوجته الناشز:

(1) الفروع 4/ 361، شرح منتهى الإرادات 1/ 433، كشاف القناع 2/ 290. ') ">

(2)

روضة الطالبين 2/ 310، المجموع 6/ 173، مغني المحتاج 3/ 108، نهاية المحتاج 6/ 154. ') ">

(3)

روضة الطالبين 2/ 310، المجموع 6/ 173. ') ">

(4)

المجموع 6/ 174، البيان 3/ 443، مغني المحتاج 3/ 108. ') ">

ص: 149

بأن الزوجة الناشز وإن لم تكن في نفقة الزوج إلا أنها قادرة على النفقة وذلك بالرجوع إلى طاعة زوجها وترك النشوز، فأشبهت القادر على الكسب، وحينئذ يمتنع دفع الزكاة إليها (1)

واستدلّ أصحاب القول الثاني على جواز دفع الزوج زكاته إلى زوجته الناشز:

بأن الزوجة الناشز لا نفقة لها على زوجها كي تستغني بها، فيجوز دفع الزوج زكاته إليها (2)

ويمكن مناقشته:

بأن الزوجة الناشز تستطيع الحصول على النفقة بالرجوع إلى طاعة زوجها.

واستدلّ أصحاب القول الثالث على التفريق بين النشوز بسبب السفر، والنشوز بغير السفر:

بأن المسافرة لا تقدر على العود إلى طاعته في الحال فيجوز أن تعطى من الزكاة من سهم الفقراء والمساكين بخلاف الناشزة المقيمة فهي تقدر على العود إلى طاعته (3)

(1) المجموع 6/ 173، البيان 3/ 443، مغني المحتاج 3/ 108. ') ">

(2)

المجموع 6/ 173، روضة الطالبين 2/ 310. ') ">

(3)

المجموع 6/ 174، البيان 3/ 443، مغني المحتاج 3/ 108. ') ">

ص: 150

ويمكن مناقشته من وجهين:

الوجه الأول: منع الزوج من دفع زكاته إلى زوجته ليس لمجرد وجوب النفقة لها عليه فحسب بل لوجود علل أخرى ذكرها المانعون من دفع الزوج زكاته إلى زوجته فيما سبق.

الوجه الثاني: مدة السفر في الوقت الحاضر لا تطول فيمكنها أن تعود إلى طاعته في الحال.

ويترجح لي القول بعدم جواز دفع الزوج زكاته إلى زوجته الناشز، وذلك لقوة دليله، وإمكان مناقشة أدلة المخالفين.

ثانيًا: دفع الزوج زكاته إلى زوجته في حال عدتها:

إذا كانت المرأة في حال عدتها من طلاق زوجها فهل يجوز لزوجها أن يعطيها من زكاته من سهم الفقراء والمساكين؟

لا يخلو الأمر من إحدى حالين:

الحال الأولى: أن تجب نفقتها لكونها رجعية أو حاملاً في طلاق بائن.

فلا يجوز حينئذ أن يعطيها الزوج من زكاته لوجوب النفقة لها عليه.

الحال الثانية: ألا تجب نفقتها لكونها حائلاً في طلاق بائن.

فيجوز حينئذ للزوج أن يعطيها من زكاته لعدم وجوب النفقة لها عليه (1)

(1) الحاوي 8/ 537. ') ">

ص: 151

وذهب الحنفية إلى أن الزوج لا يدفع زكاته إلى مبانته في العدة واحدة أو ثلاث (1)

ولعل مأخذهم في ذلك أن دفع الزكاة لا يرتبط بوجوب النفقة كما سبق في عرض أدلتهم على منع دفع الزوج زكاته إلى الزوجة.

وقول الجمهور أظهر في هذه المسألة والله أعلم.

المطلب الثاني: دفع الزوج زكاته إلى زوجته من غير سهم الفقراء والمساكين: تقدم فيما سبق بيان حكم دفع الزوج زكاته إلى زوجته من سهم الفقراء والمساكين، ويأتي البحث هنا في حكم دفع الزوج زكاته إلى زوجته إذا كانت من باقي الأصناف الثمانية الذين تدفع إليهم الزكاة وهم الذين ذكرهم الله تعالى بقوله:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}

(1) مجمع الأنهر 1/ 224، الدر المختار ورد المحتار 2/ 346، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق 1/ 301. ') ">

ص: 152

وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ستة أقوال:

القول الأول: لا يجوز للزوج دفع زكاته إلى زوجته مطلقًا.

وهو قول عند الحنابلة، ونقل المرداوي (1) عن المجد (2) في شرحه أنه ظاهر المذهب (3) وهو الظاهر من مذهب الحنفية كما يفهم من عموم نصوصهم وتعليلاتهم في منع دفع الزكاة للزوجة من سهم الفقراء والمساكين (4)

القول الثاني: يجوز دفع الزكاة إليها من غير سهم الفقراء والمساكين مطلقًا.

وهو ظاهر مذهب المالكية فقد نصوا على جواز إعطائها لقضاء دينها فيما لو كانت غارمة (5) وعللوا لجواز الدفع بكون المنفعة لا تعود

(1) هو: أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي، فقيه أصولي، عالم بالمذهب، وقد حرره ونقحه توفي سنة 885 هـ.

(2)

هو: مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني الحنبلي، فقيه، صنف في الفقه والحديث توفي سنة 652 هـ.

(3)

الإنصاف 3/ 262، الفروع 4/ 362. ') ">

(4)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 893، الاختيار 1/ 120، تبيين الحقائق 1/ 252، 301، فتح القدير 2/ 270. ') ">

(5)

مواهب الجليل 2/ 354، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 499، شرح الخرشي على مختصر خليل 2/ 221. ') ">

ص: 153

على المعطي (1) فيؤخذ من هذا جواز دفعها في غير حال الفقر والمسكنة من الأحوال الثمانية، وهو قول عند الحنابلة (2) واختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (3)

القول الثالث: يجوز أن تعطى الزكاة من سهم المكاتب والغارم والمؤلفة ومن سهم ابن السبيل إذا سافرت وحدها بإذنه، ولا تعطى من سهم العاملين عليها أو الغزاة.

وهو المذهب عند الشافعية (4)

وفي وجه عند الشافعية ضعفه النووي (5) لا تعطى أيضًا من سهم المؤلفة.

القول الرابع: يجوز دفع الزكاة إليها من غير سهم الفقراء والمساكين ويستثنى ما لو كانت غارمة لنفسها، وهو المذهب عند الحنابلة (6)

(1) مواهب الجليل 2/ 354، الذخيرة 3/ 142. ') ">

(2)

الرعاية الصغرى 1/ 196، الفروع 4/ 361، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 436. ') ">

(3)

الشرح الممتع 6/ 268. ') ">

(4)

المجموع 6/ 173، 174، البيان 3/ 443، 444. ') ">

(5)

روضة الطالبين 2/ 310، المجموع 6/ 173. ') ">

(6)

كشاف القناع 2/ 293، شرح منتهى الإرادات 1/ 434، الإنصاف 3/ 252. ') ">

ص: 154

القول الخامس: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة لقضاء دين أو كتابة فقط.

وهو قول عند الحنابلة (1)

القول السادس: يجوز دفع الزكاة إليها إذا كانت من العاملين عليها فقط.

وهو قول الخرقي (2)

الأدلة:

يمكن الاستدلال لأصحاب القول الأول على عدم جواز دفع الزوج زكاته إلى زوجته مطلقًا:

بالأدلة نفسها التي استدل بها المانعون من دفع الزوج زكاته إلى زوجته من سهم الفقراء والمساكين، فعمومها يشمل جميع السهام، ولا يقتصر على سهم الفقراء والمساكين.

ويمكن مناقشته:

بأن الزوج في غير سهم الفقراء والمساكين لا ينتفع بدفع زكاته

(1) الفروع 4/ 362، الإنصاف 3/ 262. ') ">

(2)

شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 433 - 435. والخرقي هو: أبو القاسم عمر بن الحسين الحنبلي البغدادي، والخرقي نسبة إلى بيع الخرق والثياب، من أعيان فقهاء الحنابلة. توفي بدمشق سنة 334 هـ. ينظر طبقات الحنابلة 2/ 75، وفيات الأعيان 3/ 441.

ص: 155

إلى زوجته، فهو لا يجب عليه أداء دينها ولا عونها في الكتابة والغزو ونحو ذلك، وعلى هذا لا يصح إعطاء جميع السهام حكمًا واحدًا (1)

واستدل أصحاب القول الثاني على جواز دفع الزكاة إليها من غير سهم الفقراء والمساكين مطلقًا بما يلي:

الدليل الأول:

ما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحلّ الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني» (2)

وجه الاستدلال:

(1) يقارن بما في: المحلى 6/ 217، مواهب الجليل 2/ 354. ') ">

(2)

أخرجه أبو داود في سننه 2/ 197 (1636) ك: الزكاة، باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، وابن ماجه في سننه 1/ 589، 590 (1841) ك: الزكاة، باب من تحل له الصدقة، وأحمد في مسنده 18/ 96، 97 (11538) وصححه شعيب الأرناؤوط في تعليقه، والحاكم في مستدركه 1/ 564 (1481) ك: الزكاة، وقال: **هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه** ووافقه الذهبي في تلخيص، والبيهقي في سننه 7/ 15 ك: الصدقات باب العام على الصدقة يأخذ منها بقدر عمله وإن كان موسرًا، وصححه ابن الملقن في البدر المنير 7/ 382، والألباني في إرواء الغليل 3/ 377.

ص: 156

أن الحديث ينص على جواز دفع الزكاة للغني في هذه الأحوال فكذلك الحكم في دفعها للزوجة بجامع أنهما ممن يمتنع دفع الزكاة إليهما في الأصل (1)

الدليل الثاني:

الزوج لا ينتفع بدفع الزكاة إلى زوجته في هذه الأحوال، إذ ليس عليه أداء دينها ولا عونها في الكتابة والغزو ونحو ذلك، ولم يأت نص بالمنع من ذلك (2)

واستدل أصحاب القول الثالث على إعطائها من الزكاة في الأحوال المذكورة: بالأدلة نفسها التي استدل بها أصحاب القول الثاني.

واستدلوا لعدم إعطائها من سهم العاملين عليها والغزاة:

بأن المرأة لا تكون عاملة ولا غازية (3)

وأما سهم ابن السبيل فإن سافرت مع الزوج لم تعط منه سواء سافرت بإذنه أو بغير إذنه؛ لأن نفقتها عليه في الحالين؛ لأنها تكون في قبضته.

(1) يقارن بما في المغني 4/ 108، 109، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 435، 436. ') ">

(2)

المحلى لابن حزم 6/ 217، مواهب الجليل 2/ 354. ') ">

(3)

روضة الطالبين 2/ 310، المجموع 6/ 173، البيان 3/ 444. ') ">

ص: 157

وإن سافرت وحدها بلا إذن لم تعط من سهم ابن السبيل؛ لأنها عاصية (1) أما إن سافرت وحدها بإذنه فإنها حينئذ تستحق أن تعطى من سهم ابن السبيل؛ لأن أجرة حمولتها لا تلزمه (2)

واستدل الشافعية في الوجه الآخر على عدم إعطائها من سهم المؤلفة:

بأن المرأة لا تكون من المؤلفة؛ لأن المؤلفة هم الرجال المقاتلة (3)

ويمكن مناقشته:

بمنع عدم تصور كون المرأة عاملة أو غازية أو مؤلفة، بل يمكن للمرأة أن تكون عاملة في الزكاة إذ لا يشترط في العامل الذكورية (4) وأن تشارك في الغزو -وإن لم يكن واجبًا عليها (5) - كما يمكن أن تكون مؤلفة؛ لأن ما يقصد من حسن إسلام الرجل وترغيب قومه في الإسلام

(1) ويجوز عندهم أن تعطى من سهم الفقراء والمساكين كما سبق في مسألة النشوز بالسفر. ') ">

(2)

روضة الطالبين 2/ 310، 311، المجموع 6/ 173، البيان 3/ 443، 444، الحاوي 8/ 537. ') ">

(3)

روضة الطالبين 2/ 310، المجموع 6/ 173، الحاوي 8/ 536. ') ">

(4)

الفروع 4/ 324، 325. ') ">

(5)

المغني 13/ 92 - 94. ') ">

ص: 158

موجود في المرأة (1)

واستدل أصحاب القول الرابع على جواز دفع الزكاة إليها من غير سهم الفقراء والمساكين باستثناء ما لو كانت غارمة لنفسها:

بأن الزوجة في هذه الأحوال تعطى لغير النفقة الواجبة (2) كما أنها إذا كانت عاملة أو غازية أو مؤلفة أو غارمة لإصلاح ذات البين فهي تأخذ من الزكاة للمصلحة العامة لا لحاجتها، وما فيه دفع لحاجتها -وهي الغارمة لنفسها- فإنه يمتنع دفع الزكاة إليها (3)

ويمكن مناقشة منع دفع زكاته إلى الغارمة لنفسها:

بأن الزوج ليس ملزمًا بأداء دين زوجته إذا كانت غارمة لنفسها (4) وعلى هذا فإذا أعطاها من الزكاة فإنه لا يستغني بها عن دفع النفقة الواجبة عليه.

ويمكن الاستدلال لأصحاب هذا القول أيضًا:

بأن الزوجة إن كانت عاملة فالذي تأخذه هو أجرة عملها كما لو استعملها في غير الزكاة، وإن كانت مؤلفة فهي تعطى للتأليف، كما لو

(1) المجموع 6/ 183، الحاوي 8/ 536. ') ">

(2)

شرح منتهى الإرادات 1/ 434. ') ">

(3)

ينظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 435. ') ">

(4)

ينظر: المحلى 6/ 217، مواهب الجليل 2/ 354. ') ">

ص: 159

كانت أجنبية، وإن كانت من الغزاة فلأنها تأخذ مع عدم الحاجة أشبهت العاملين، وإن كانت غارمة لإصلاح ذات البين أو من أبناء السبيل أو مكاتبة فلأنها تعطى لغير النفقة الواجبة (1)

واستدلّ أصحاب القول الخامس على جواز دفع الزكاة إليها لقضاء دين أو كتابة فقط بما يلي:

الدليل الأول:

الزوج في هذه الحال لا يدفع عن نفسه نفقة واجبة فيجوز له حينئذ أن يدفع الزكاة إلى زوجته (2)

ويمكن مناقشته:

بأن هذا لا يختص بسهم الغرم والكتابة، بل يصدق أيضًا على باقي السهام عدا سهم الفقراء والمساكين، فالزوج فيها لا يدفع عن نفسه نفقة واجبة.

الدليل الثاني:

القياس على عمودي النسب، فهم يعطون للغرم والكتابة، فإعطاء الزوجة أولى (3)

(1) ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 434. ') ">

(2)

الفروع 4/ 362، الإنصاف 3/ 262. ') ">

(3)

المصدران السابقان. ') ">

ص: 160

ويمكن مناقشته:

بأنه يدل على جواز إعطاء الزوجة في حال الغرم والكتابة، ولكنه لا يدل على منع الإعطاء في غير هذه الحال.

واستدل من أخذ بالقول السادس على جواز دفع الزكاة إليها من سهم العاملين عليها فقط:

بأن الذي يأخذه العامل هو أجرة عمله، وليس من قبيل الزكاة، ولهذا يقدر ما يأخذه بقدر عمله، وعلى هذا فلا يمتنع أن يدفع الزوج إلى زوجته من سهم العاملين عليها، بخلاف باقي الأسهم لأن المال المدفوع فيها هو زكاة وهي ليست محلاًّ للزكاة (1)

ويمكن مناقشته بما يلي:

1 -

بعدم التسليم أن ما يأخذه العامل ليس من قبيل الزكاة؛ بل هو من الزكاة (2)؛ ولذلك لا يجوز ن يستعمل عليها من لا يحل له أخذها كالهاشمي والذمي

2 -

على التسليم بأن ما يأخذه العامل هو أجرة عمله وليس من قبيل الزكاة، فإنه لا ينفي جواز إعطاء الزكاة للزوجة من سهم باقي الأصناف الثمانية عدا سهم الفقير والمسكين للأدلة التي سبق ذكرها.

(1) شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 434. ') ">

(2)

ينظر: الإنصاف 3/ 239. ') ">

ص: 161