الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
تحريك السبابة حالة الإشارة
اختلف الفقهاء في تحريك الأصبع السبابة حالة الإشارة بها في التشهد إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يحركها.
وهذا هو ظاهر مذهب الحنفية القائلين بأصل التحريك. (1)
وهو قول عند المالكية، اختاره ابن العربي (2) وهو الصحيح عند كل من الشافعية (3) والحنابلة. (4)
فإن حركها لم تبطل صلاته.
القول الثاني: أنه يحركها.
وهو المذهب عند المالكية. (5)
(1) البدائع (1/ 214)، والبحر الرائق (1/ 565)، واللباب شرح الكتاب (1/ 72)، وإعلاء السنن (3/ 112)، وملتقى الأبحر (1/ 87)، ومرقاة المفاتيح (2/ 583).
(2)
الذخيرة (2/ 212)، وتنوير المقالة (2/ 138)، وعارضة الأحوذي (2/ 85)، ومواهب الجليل (1/ 249)، وعقد الجواهر (1/ 105).
(3)
فتح العزيز (1/ 532)، والحاوي الكبير (2/ 133)، وروضة الطالبين (1/ 367)، والبيان (2/ 231)، ومغني المحتاج (1/ 267).
(4)
الشرح الكبير (3/ 535)، والفروع (1/ 441)، والمبدع (1/ 462)، والإنصاف (3/ 353)، وكشاف القناع (2/ 356)، والروض المربع (صـ 95).
(5)
الذخيرة (2/ 212)، والتلقين (صـ 74)، والقوانين الفقهية (صـ 46)، وكفاية الطالب (1/ 358)، والتاج والإكليل، ومواهب الجليل (2/ 249)، وشرح الزرقاني على الموطأ (1/ 215).
وهو قول عند الشافعية. (1)
وقول عند الحنابلة. (2)(3)
القول الثالث: أنه لا يحركها، وإن حركها كان محرمًا وتبطل به الصلاة.
وهو وجه عند الشافعية (4) حكي عن أبي علي بن أبي هريرة رضي الله عنه.
الأدلة:
أدلة القول الأول
الدليل الأول: حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا، ولا يحركها» (5).
وجه الاستدلال:
دل هذا الحديث صراحة على عدم تحريك الأصبع عند الإشارة بها. (6)
(1) المجموع (3/ 434)، وفتح العزيز (1/ 532)، والحاوي الكبير (2/ 133)، والبيان (2/ 231)، وشرح المحلى على المنهاج (1/ 164)، ومغني المحتاج (1/ 267).
(2)
ذكره القاضي / الإنصاف (3/ 353).
(3)
ذكره القاضي / الإنصاف (3/ 353). ') ">
(4)
البيان للعمراني (2/ 232)، والمجموع (3/ 434)، والنجم الوهاج شرح المنهاج (2/ 160)، [وشذذوا هذا الوجه]. ') ">
(5)
رواه أبو داود، والنسائي، وتقدم تخريجه (صـ 118).
(6)
ينظر: فتح العزيز (1/ 532)، والمغني لابن قدامة (3/ 333)، وتحفة الأحوذي (2/ 185). ') ">
ونوقش بثلاثة أمور:
الأول: الضعف في زيادة [ولا يحركها].
قال ابن القيم: [زيادة ولا يحركها، في صحتها نظر، ولم يروها مسلم رغم ذكره للحديث بطوله (1) وشذذها بعضهم. (2)
الثاني: أنه نافٍ للحركة، وحديث وائل مثبت، والمثبت مقدم لما معه من زيادة العلم. (3)
الثالث: أنه لم يصرح في حديث ابن الزبير أن ما حصل كان في الصلاة (4) وإذا كان خارج الصلاة خرج عن محل النزاع.
الدليل الثاني: أن المطلوب في الصلاة في الأصل هو الخشوع والسكون، وعدم الحركة، والتحريك يذهب الخشوع. (5)
ويناقش هذا:
بأنه تعليل في مقابل الدليل، وهو حديث وائل بن حجر في التحريك.
(1) زاد المعاد (1/ 238)، وينظر: نيل الأوطار (2/ 752)، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (صـ 159). ') ">
(2)
كالألباني في تعليقه على سنن أبي داود (صـ 172). وينظر: تحقيق كشاف القناع (2/ 359). ') ">
(3)
زاد المعاد (1/ 239)، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (صـ 159). ') ">
(4)
زاد المعاد (1/ 239). ') ">
(5)
شرح المحلي مع حاشية قليوبي وعميرة (1/ 164)، ومغني المحتاج (1/ 267). ') ">
أدلة القول الثاني
1 -
حديث وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: «ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها» (1).
وجه الاستدلال:
أن قول الراوي (فرأيته يحركها) صريح في الدلالة على المراد، وهو التحريك. (2)
ونوقش هذا بخمسة أوجه:
الأول: أن رواية التحريك -مع صحتها- رواية شاذة.
قال ابن خزيمة: (ليس في شيء من الأخبار [يحركها] إلا في هذا الخبر، زائدة: ذكره). (3)
((فانفراد " زائدة " بين الثقات الأثبات من رواة الحديث "من أصحاب عاصم " من أبين الأدلة على وهم " زائدة " فيه، لا سيما أن
(1) أخرجه النسائي وأحمد، وتقدم تخريجه (صـ 118).
(2)
ينظر: الذخيرة (2/ 212)، ومسالك الدلالة (صـ 50)، والمجموع (3/ 434)، وعون المعبود (3/ 280). ') ">
(3)
صحيح ابن خزيمة (1/ 354). ') ">
روايتهم تؤيد بأحاديث صحيحة عن " وائل " وغيره ليس فيها التحريك، بل في بعضها نفي التحريك)) (1)
الثاني: أن المراد بالتحريك في هذا الحديث الرفع الإشارة أو القبض والبسط. (2)
قال البيهقي: " يحتمل أن مراده بالتحريك الإشارة لا تكرار تحريكها، فيكون موافقًا لحديث ابن الزبير رضي الله عنه ". (3)
وقال الرهوني: " لا يصح فإن صح فمعناه تتحرك عند القبض والبسط، وتصوير الهيئة المذكورة ". (4)
ونوقش:
بأن هذا التفسير يلزم منه أن يكون قوله [ثم رفع أصبعه] تكرارًا، وخاليًا من الفائدة.
الثالث: على التسليم بأن التحريك هنا بمعناه الحقيقي فإن تحريكه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إنما كان مرةً واحدةً لبيان الجواز فحسب.
(1) الموسوعة الحديثية، مسند أحمد (31/ 163). ') ">
(2)
الخلاصة للنووي (صـ 428)، وحاشية الرهوني (1/ 420). ') ">
(3)
سنن البيهقي (2/ 132). قال الشوكاني في نيل الأوطار (2/ 752): "ومما يرشد إلى ما ذكر البيهقي رواية أبي داود لحديث وائل فإنها بلفظ [وأشار بالسبابة].
(4)
حاشية الرهوني على شرح الزرقاني على مختصر خليل (2/ 420). ') ">
وهذا بخلاف حديث ابن الزبير السابق في عدم التحريك، فإنه جاء بلفظ:[كان] الدال على المواظبة والاستمرار. (1)
وبهذا يزول التعارض.
الرابع: أن حديث وائل بن حجر مثبت للحركة، وحديث ابن الزبير نافٍ لها، والنافي مقدم على المثت لإبقائه على الأصل، وهو عدم الحركة، والتزام السكون في الصلاة ما أمكن؛ لأنه أدعى للخشوع. (2)
ويناقش:
بأنه تعليل مقابل بعكسه بأن يقال: المثبت مقدم لما معه من زيادة العلم.
الخامس: أن حديث ابن الزبير أقوى من حديث وائل بن حجر من جهة الثبوت لقوة إسناده، ومزية رجاله ورجحانهم في الفضل، قاله البيهقي (3) فيرجح عليه عند التعارض.
1 -
ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان» (4).
(1) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 97)، وحاشية قليوبي وعميرة (1/ 164). ') ">
(2)
مغني المحتاج (1/ 267)، وحاشية قليوبي وعميرة (1/ 164). ') ">
(3)
السنن الكبرى للبيهقي (2/ 131). ') ">
(4)
أخرجه البيهقي في الكبرى (2/ 132)، وابن عدي في الكامل (6/ 143)، وقال البيهقي: تفرد به الواقدي، وليس بالقوي، وقال النووي في المجموع (3/ 417): **ليس بصحيح**. وضعفه أيضًا في الخلاصة (صـ 428).
وزاد الحميدي: " هي مذبة للشيطان لا يسهو أحد، وهو يقول هكذا ونصب الحميدي أصبعه ". (1)
وقال البيهقي: " وروينا عن مجاهد أنه قال: تحريك الرجل أصبعه في الجلوس في الصلاة مقمعة للشيطان ". (2)
وجه الاستدلال:
دل الحديث على أن التحريك مشروع في الصلاة؛ لكونه يذعر الشيطان ويقمعه.
وبمعنى أنه يذكر الصلاة وأحوالها فلا يوقعه الشيطان في سهو. (3)
ونوقش بأمرين:
الأول: أن الحديث ضعيف كما تقدم، قال ابن حجر: خبر تحريك الأصابع مذعرة للشيطان ضعيف. (4)
الثاني: أن الشيطان إنما يقمع بالإخلاص، قال ابن العربي:" إياكم وتحريك أصابعكم في التشهد، وعجبًا ممن يقول: إنما هي مقمعة للشيطان إذا حركت، اعلموا أنكم إذا حركتم للشيطان أصبعًا حرك لكم عشرًا، إنما يقمع الشيطان بالإخلاص، والخشوع، والذكر ". (5)
(1) مسند الحميدي (2/ 287)، وأخرجها ابن عبد البر في التمهيد (4/ 392). ') ">
(2)
سنن البيهقي (2/ 132). ') ">
(3)
الذخيرة (2/ 212)، والحاوي الكبير (2/ 133)، والبيان للعمراني (2/ 231). ') ">
(4)
التلخيص الحبير (2/)، ومرقاة المفاتيح (2/ 583). ') ">
(5)
عارضة الأحوذي (2/ 87). ') ">
كما يمكن أن يناقش بأنه يحتمل أن يكون المعنى، أن الإشارة بالسبابة- بحد ذاته- مقمعة للشيطان دون التحريك ليوافق بقية الأحاديث.
2 -
حديث ابن عمر: أنه كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، وأشار بأصبعه وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لهي أشد على الشيطان من الحديد» (1).
وجه الدلالة:
أن تحريك الأصبع شديد على الشيطان فكان مشروعًا؛ لأن إغاظة الشيطان مطلب شرعي. (2)
ويناقش بأمرين:
أولاً: أنه حديث ضعيف كما تقدم في تخريجه.
ثانيًا: على فرض صحته فليس فيه التصريح بأن ذلك بسبب
(1) أخرجه أحمد في مسنده (10/ 204)، حديث رقم [6000]، والبزار في زوائد البزار (صـ 563). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 140)، وقال: رواه أحمد والبزار، وضعفه النووي في الخلاصة (صـ 429)، وفي سنده كثير بن زيد، قال الحافظ: صدوق يخطئ، التقريب (صـ 512)، وقال الألباني (أخرجه أحمد والبزار، وأبو جعفر البختري، والطبراني في الدعاء، وعبد الغني المقدسي في السنن، والروياني في مسنده بسند حسن). صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (صـ 159).
(2)
ينظر الاستدلال به على ذلك في مسالك الدلالة (صـ 51). ') ">
التحريك، فقد تكون الإشارة بمجردها أشد على الشيطان من الحديد.
دليل القول الثالث
استدل القائلون بعدم تحريك الأصبع، بأن تحريكها عمل كثير، فلم يجز وتبطل به الصلاة. (1)
ونوقش:
بأن هذا ليس بشيء (2) فلا يسلم بأن تحريك الأصبع من جنس العمل الكثير المفسد للصلاة، ولو لم يرد في نص، وكيف وقد ورد.
الترجيح:
من خلال استعراض الأدلة والمناقشات يتبين أن سبب الخلاف هو تعارض ظاهر حديثي ابن الزبير ووائل بن حجر.
وأقرب الأقوال في نظري هو الجمع بينهما: بأن وائل بن حجر رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع سبابته ثم يخفضها مع كل دعاء، فسمى ذلك حركة، (3) لكن ليست هي الحركة التي يعنيها الفقهاء، وهي الحركة المستمرة- وبهذا يكون الراجح عدم تحريك السبابة تحريكًا مجردًا عن الدعاء وإنما يشير بها مستمرا، ويحركها مع الدعاء.
(1) البيان للعمراني (2/ 231). ') ">
(2)
البيان للعمراني (2/ 231). ') ">
(3)
قال السهارنفوري: عند الحنفية لا تعارض بين الحديثين فإنهم يقولون: ترفع عند النفي، وتوضع عند الإثبات، وهذا هو محمل التحريك. بذل المجهود (5/ 320).
قال الشيخ محمد بن عثيمين:
" وقد ورد في الحديث نفي التحريك وإثباته، والجمع بينهما سهل: فنفي التحريك يراد به التحريك الدائم، وإثباته يراد به التحريك عند الدعاء، فكلما دعوت حرك إشارة إلى علو المدعو سبحانه وتعالى (1) وعلى هذا فالتحريك في الدعاء فقط، أما تحريكها كما يفعل بعض الناس الذين يحركون دائمًا كأنهم يلعبون بأصابعهم، فهذا ليس من السنة، ولو حركها بتدوير أو بغير تدوير، فهذا من العبث الذي تنزه الصلاة عنه ". (2)
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي: " ألاحظ أنه أثناء قراءة التشهد يقوم بعض المصلين بتحريك السبابة يمينًا ويسارًا، وبعضهم إلى أعلى وأسفل، وذلك بحركات سريعة متتالية أو بطيئة، والبعض الآخر يرفع أصبعه ولا يحركها، وآخرون لا يرفعون أصبعهم هذه بالمرة، فما الحكم في ذلك؟ ".
فأجاب: " السنة للمصلي حال التشهد أن يقبض أصابعه كلها أعني أصابع اليمنى، ويشير بالسبابة ويحركها عند الدعاء تحريكًا خفيفًا إشارة للتوحيد، وإن شاء قبض الخنصر والبنصر وحلق الإبهام مع الوسطى،
(1) الشرح الممتع (3/ 202). ') ">
(2)
موقع كلمات وفتاوى الشيخ محمد بن عثيمن على الشبكة العنكبوتية، الفقرة رقم [543]. ') ">