المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثانيأثر القبض الفاسد في الضمان - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌البحوث

- ‌الافتتاحية

- ‌الفتاوى

- ‌ ما يؤخذ ضريبة لا يجزئ زكاة)

- ‌(باب أهل الزكاة)

- ‌ صرف الزكاة للمساجد والأعمال الخيرية لا يجزئ)

- ‌ ولبناء أسوار البلد)

- ‌ ولصندوق البر بمكة)

- ‌ ودفعها للفقراء غير الوطنيين)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌نصيحة بمناسبة استقبال شهر رمضان

- ‌دخول الشهر وخروجه

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ قراءة الفاتحة ركن في جميع ركعات الصلاة في حق الإمام والمنفرد

- ‌ القدر المناسب لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية

- ‌ الإسرار في الصلاة الجهرية

- ‌ رفع الصوت في الصلاة للمنفرد

- ‌ التجويد بالقرآن في الصلاة

- ‌البحوث

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: حكم الصلاة على الميت

- ‌المطلب الثاني: التعريف بولاية الأمر

- ‌المطلب الثالث: التعريف بالفسق، وبيان الصفات الموجبة له

- ‌المطلب الرابع: التعريف بالسياسة

- ‌المبحث الأول: صلاة ولاة الأمر والأئمة على الفساق

- ‌المبحث الثاني: السياسة الشرعية في ترك الولاة والأئمة الصلاة على الفساق

- ‌الخاتمة:

- ‌أوجز العبارة في حكم الإشارة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولحكم الإشارة في التشهد

- ‌المبحث الثانيموضع الإشارة بالسبابة في التشهد

- ‌المبحث الثالثتحريك السبابة حالة الإشارة

- ‌المبحث الرابعجهة الإشارة بالسبابة

- ‌خاتمة البحث

- ‌دفع أحد الزوجين زكاته للآخردراسة فقهية

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولدفع الزوج زكاته إلى زوجته

- ‌المبحث الثانيدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها

- ‌المبحث الثالثأخذ أحد الزوجين زكاة الآخر بغير وجه الصدقة ممن أخذها وهو من أهلها

- ‌المبحث الرابعدفع أحد الزوجين زكاته إلى الآخر بغير علمه يظنه من أهلها ثم علم

- ‌الخاتمة

- ‌القبض وأثره في العقد الفاسد

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأولتعريف القبض والعقد الفاسد وبيان حكمه

- ‌المطلب الأول: في تعريف القبض وبيان أقسامه

- ‌المطلب الثانيتعريف العقد الفاسد وبيان منشئه وأسبابه

- ‌المطلب الثالثحكم تعاطي العقد الفاسد

- ‌المبحث الثانيآثار القبض الفاسد

- ‌المطلب الأول: أثر القبض الفاسد في نقل الملكية

- ‌المطلب الثانيأثر القبض الفاسد في الضمان

- ‌المطلب الثالث:أثر القبض الفاسد في الأجور والمهور

- ‌الخاتمة:

- ‌الأدعية المأثورة وعلاقتها بحفظ مقاصد الشريعة

- ‌التمهيد، وفيه معنى الأدعية المأثورة وأهميتها

- ‌المبحث الأول: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة

- ‌المطلب الأول: معنى مقاصد الشريعة، وأقسامها:

- ‌المطلب الثاني: الأدعية المأثورة ومقاصد الشريعة

- ‌المبحث الثاني: معنى الدين، وأهميته

- ‌المطلب الأول: معنى الدين في اللغة وفي الشرع:

- ‌المطلب الثاني- أهمية الدين:

- ‌المبحث الثالث- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب الوجود

- ‌المطلب الثالث: طلب التوفيق لتقوى الله، وطاعته، وأن يتقبلها:

- ‌المطلب الرابع: الدعاء بأن يكون من الدعاة إلى الدين

- ‌المطلب الخامس: طلب العلم الشرعي الذي يكون سبيلاً للهداية إلى الدين والطاعة:

- ‌المطلب السادس: سؤال الله الجنة

- ‌المبحث الرابع- الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب العدم

- ‌المطلب الأول: طلب العبد أن يحفظه الله من الكفر والشرك

- ‌المطلب الثاني: طلب صيانة الدين، وتلافي النقصان الطارئ في أصله، والحماية من الفتن التي تضر به

- ‌المطلب الثالث: الاستعاذة بالله من التكاسل عن فعل الطاعات أو التهاون بها

- ‌المطلب الرابع: طلب الحيلولة بين العبد وبين المعاصي، والاستعاذة منها، ومن النار

- ‌المطلب الخامس: طلب مغفرة الخطايا، ومحو السيئات، وطلب الهداية إلى التوبة

- ‌الخاتمة

- ‌التخويف بالآيات ليس خرافة

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المطلب الثانيأثر القبض الفاسد في الضمان

‌المطلب الثاني

أثر القبض الفاسد في الضمان

والحديث عن هذه المسألة يتناول النقاط التالية:

تعريف الضمان، صلة الضمان بالقبض، ضمان القبض بين العقد الصحيح والفاسد، العقود التي يضمن فيها بالقبض الفاسد، وقت الضمان.

أولاً: تعريف الضمان:

لغة: معناه: الكفالة بالشيء، وضمَّنَه الشيء: كفّله به، أي: غرّمه إياه، ومن معانيه: الإلزام، تقول: ضمنته المال: أي ألزمته إياه (1)(2)

واصطلاحّا: عرفته مجلة الأحكام العدلية بنصها: (الضمان: هو إعطاء مثل الشيء إن كان من المثليات، وقيمته إن كان من القيميات)(3)

والصلة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي واضحة، وهي: أن الضمان: إلزام بإعطاء المثلي أو القيمي عند الإتلاف.

(1) لسان العرب (13/ 257)، والمصباح المنير ص (188)(ضمن).

(2)

لسان العرب (13/ 257)، والمصباح المنير ص (188)(ضمن). ') ">

(3)

المادة (416) وثمة معانٍ أخرى للضمان، لسنا بصددها مثل: كفالة النفس، ووضع اليد على المال، وما يجب بإلزام الشارع، كضمان قيمة صيد الحرم، وكفارة اليمين والظهار ونحوها. الموسوعة الفقهية (28/ 219 - 220)(ضمان).

ص: 263

ثانيًا: صلة الضمان بالقبض:

يرى بعض الفقهاء أن القبض أساس الضمان، ويرى آخرون: أن الضمان يتأكد بواحدة من ثلاث: القبض والتمكين وإقباض البائع الثمن، وثمة قول ثالث مفاده: أن لا ضمان في القبض، والمقبوض أمانة بيد المشتري. ففي المسألة ثلاثة أقوال، نعرضها على النحو التالي:

القول الأول: أن القبض أساس الضمان، وهو قول جمهور الحنفية وجمهور المالكية وقول الشافعية والحنابلة، ودليلهم: أن القبض الفاسد يشبه الغصب، فلا يكون أدنى حالاً منه في الضمان، وهذه نصوصهم:

- قال الكاساني (ت: 583 هـ): (لأن المبيع بيعًا فاسدًا يضمن بالقبض، كالمغصوب، والقبض ورد على جميع أجزائه، فصار مضمونًا بجميع أجزائه، والأوصاف تضمن بالقبض، وإن كانت لا تضمن بالعقد، كما في قبض المغصوب)(1)

- وقال الحطاب (ت: 954 هـ): (وإن كان فاسدًا، قال ابن رشد: هذا بيّن؛ لأن البيع الفاسد إنما يدخل في ضمان المشتري بالقبض،

(1) بدائع الصنائع (5/ 33)؛ ومجمع الضمانات ص (214)؛ والفتاوى الهندية (3/ 1449). ') ">

ص: 264

إذا لم يكن فيه خيار) (1)

- وقال النووي (ت: 676 هـ): (وإذا فسد القبض، فالمقبوض مضمون على القابض)(2)

- وقال الرحيباني (ت: 1243 هـ): (وكل عقد لازم أو جائز، يجب الضمان في صحيحه كالمذكورات، يجب الضمان في فاسده، ويتجه: لا يجب الضمان بمجرد عقد، بل يجب الضمان بمجرد قبضٍ)(3)

إلا أن الإمام سحنون (ت: 240 هـ) لا يضمِّن المشتري بالقبض الفاسد إلا بشرطين:

الأول: أن يكون المبيع مما يغاب عليه (4)

الثاني: ألا تقوم على هلاكه بينة، وهو ما يسمونه ضمان الرهان، لا ضمان الأصالة (5)

كما استثنى المالكية من هذه المسألة بيع الثمار بعد طيبها

(1) مواهب الجليل (4/ 413)، وشرح الخرشي (5/ 158). ') ">

(2)

المجموع (9/ 338)، والأم (6/ 269). ') ">

(3)

مطالب أولي النهى (3/ 512)، كشاف القناع (3/ 458 - 459). ') ">

(4)

أي: ما يمكن إخفاؤه، كعامة السلع الصغيرة، كالحلي، والسلاح، والكتب، والمجوهرات ونحوها، بخلاف العقار، والأشياء الظاهرة، التي لا يمكن إخفاؤها.

(5)

شرح الخرشي (5/ 85). ') ">

ص: 265

ونضوجها، فإنها تكون مضمونة على المشتري بمجرد العقد، دون القبض. قال الصاوي (ت: 1241 هـ): (وأما الباعة بيعًا فاسدًا، فإن اشتريت بعد طيبها أي: نضجها، بحيث تصبح طيبة المتناول.، فضمانها من المشتري بمجرد العقد؛ لأنه لما كان متمكنًا من أخذها، كان بمنزلة القبض، ويُلغز بها فيقال: لنا فاسد يضمن بالعقد. وإن اشتريت قبل طيبها، فضمانها من البائع حتى يجذّها المشتري)(1)

القول الثاني: أن الضمان يكون بواحدة من ثلاث: القبض، أو التمكين، أو إقباض البائع الثمن، وقول أشهب (ت: 204 هـ) من المالكية.

- قال الدسوقي (ت: 1230 هـ): (قوله بالقبض، أي: لا بتمكين المشتري منه، ولا بإقباضه الثمن للبائع، خلافًا لأشهب القائل: إن الضمان ينتقل بواحدة من هذه الثلاث)(2)

القول الثالث: وهو أن المقبوض بالعقد الفاسد يكون أمانة عند قابضه كالوديعة، وهذا القول منسوب للإمام أبي حنيفة، ودليله، أن العقد غير معتبر إنما هو قبض بإذن المالك لا غير.

(1) حاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/ 198). ') ">

(2)

حاشية الدسوقي (3/ 70). ') ">

ص: 266

- قال المرغيناني (ت: 593 هـ): (ولو هلك المبيع – أي: المقبوض قبضًا فاسدًا- في يد المشتري، يكون أمانة عند بعض المشايخ؛ لأن العقد غير معتبر، فبقي القبض بإذن المالك، وعند البعض يكون مضمونًا؛ لأنه لا يكون أدنى حالاً من المقبوض على سوم الشراء، وقيل: الأول قول أبي حنيفة رحمه الله، والثاني قولهما)(1)

ومن استعراض الأقوال الثلاثة وأدلتها، من خلال النصوص السابقة، يترجح لدينا القول الأول (قول الجمهور) وهو أن القبض أساس الضمان؛ وذلك لوجاهة الاستدلال، بأنه يشبه الغصب من حيث المعني (2) لأنه قبض لا يقرّه الشارع، فاقتضى أن يكون أساس الضمان.

ثالثًا: ضمان القبض بين العقد الصحيح والفاسد:

- ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى القول: بأن ما يضمن في العقد الصحيح يضمن في الفاسد (3) حتى إنهم

(1) الهداية من العناية (6/ 404). ') ">

(2)

وإن كان ثمة فارق كبير بينهما، وهو أن المغصوب يقبض عنوةً، دون إذن المالك، بخلاف المقبوض فاسدًا، فإنه بإذنه، وإنما وجه الشبه بينهما: القبض بغير وجه شرعي.

(3)

بدائع الصنائع (6/ 70)، وأسنى المطالب (2/ 326)، وتحفة المحتاج (5/ 88)، وشرح منتهى الإرادات (2/ 200). ') ">

ص: 267

وضعوا ضابطًا (1) لهذا المعنى فقالوا: (فاسد العقد كصحيحه في الضمان)(2) فهذا يقتضي أن يسري على العقد الفاسد من حيث الضمان كلُّ ما يسري على العقد الصحيح، إلا ما استثناه الشافعية والحنابلة من مسائل:

- فالشافعية، استثنوا من هذا الضابط عقد الشركة. قال الهيتمي (ت: 974 هـ): (مما استثني من الأول: الشركة، فإن كلاًّ من الشريكين لا يضمن عمل الآخر مع صحتها، ويضمنها مع فسادها)(3)

- والحنابلة استثنوا بعض المسائل في البيع والإجارة والنكاح، فهي خارجة عن هذا الضابط. قال البهوتي (ت: 1051 هـ): (وليس المراد أن كل مالٍ ضمن فيه في الصحيح ضمن فيه في الفاسد، فإن البيع الصحيح لا تضمن فيه المنفعة، بل العين بالثمن، والمقبوض ببيع فاسد يوجب ضمان الأجرة، والإجارة الصحيحة تجب فيها الأجرة بتسليم العين

(1) الضابط: هو القاعدة التي لا عموم فيها، حيث تختص بباب معين، أو جزء باب، نحو قولنا: كل كفارة سببها معصية فهي على الفور، ومنها ما ذكرنا آنفًا: فاسد العقد كصحيحه في الضمان، فهو ضابط يختص بباب الضمان، وبالعقود تحديدًا، لا يتجاوزه، بخلاف القاعدة فهي:(قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها). الوجيز في إيضاح القواعد ص (14، 27).

(2)

حاشية الرملي على أسنى المطالب (2/ 168)، وقواعد ابن رجب ص (67). ') ">

(3)

الفتاوى الفقهية الكبرى (2/ 280). ') ">

ص: 268

المعقود عليها، انتفع المستأجر أو لم ينتفع، وفي الإجارة الفاسدة روايتان، والنكاح الصحيح يستقر فيه المهر بالخلوة دون الفاسد) (1)

- وخالف المالكية في هذا الضابط، ففرقوا بين الفاسد والباطل عمومًا، ونصوا على أن الضمان يقع على المشتري بالقبض الفاسد، بخلاف الصحيح، فإن الضمان يقع بمجرد العقد. قال الخرشي (ت: 1101 هـ): (واعتبار القبض في البيع، إنما يظهر في البيع الفاسد، كما أشرنا له، إذ البيع الصحيح يدخل في ضمان المشتري بمجرد العقد)(2)

إلا أن ابن جزي (ت: 741 هـ) استثنى خمس مسائل لا تضمن بالعقد، إنما بالقبض، وفي هذا يقول: (وأما في المذهب، فإن الضمان ينتقل إلى المشتري بنفس العقد في كل بيع، إلا في خمسة مواضع:

الأول: بيع الغائب على الصفة بخلاف فيه.

الثاني: ما بيع على الخيار.

الثالث: ما بيع من الثمار قبل كمال طيبها.

الرابع: ما فيه حق توفية من كيلٍ أو وزنٍ أو عدد، بخلاف الجزاف،

(1) شرح منتهى الإرادات (2/ 215)، وكشاف القناع (3/ 505)، ومطالب أولي النهى (3/ 513). ') ">

(2)

شرح الخرشي (5/ 158)، وحاشية الدسوقي (2/ 304). ') ">

ص: 269

فإن هلك المكيل أو الموزون بعد امتلاء الكيل واستواء الميزان وقبل التفريغ في وعاء المشتري، فاختلف: هل يضمنه البائع أو المشتري.

الخامس: البيع الفاسد بالضمان فيه من البائع حتى يقبضه المشتري) (1)

والخلاصة: أن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان، في نظر جمهور الفقهاء (الحنفية والشافعية والحنابلة) إلا ما استثناه الشافعية والحنابلة من مسائل. وخالف في هذا الضابط المالكية، وقالوا: الضمان يقع على المشتري بالقبض الفاسد، بخلاف الصحيح فإنه بمجرد العقد، واستثنى ابن جزي (ت: 741 هـ) من ذلك مسائل خمسًا.

رابعًا: العقود التي يضمن فيها بالقبض الفاسد:

يبدو أن الضمان في قبض العقد الفاسد، ليس شاملاً كل العقود، إنما هو مقصور على عقود المعاوضات، أما عقود الأمانات والتبرعات فلا ضمان في القبض في صحيحها ولا فاسدها. وهذا ما يبدو من نصوص الشافعية والحنابلة: - قال الزركشي (ت: 792 هـ): (فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه، ومعنى ذلك: أن كل ما اقتضى صحيحه الضمان بعد

(1) القوانين الفقهية ص (164). ') ">

ص: 270

التسليم، كالبيع، والقرض، والعمل في القراض، والإجارة، والعارية، فيقتضي فاسده أيضًا الضمان؛ لأنه أولى بذلك، وما لا يقتضي صحيحه الضمان بعد التسليم، كالرهن، والعين المستأجرة، والأمانات، والوديعة، والتبرع، كالهبة والصدقة، لا يقتضيه فاسده أيضًا) (1)

- ونص البهوتي (ت: 1051 هـ) صراحةً على استثناء الضمان في عقود التبرعات، وقصره على المعاوضات، بقوله:(وأما خبر: «الخراج بالضمان» (2) ففي البيع، ولا يدخل فيه الغاصب ونحوه، والمراد بالمقبوض بعقد فاسد: البيع والإجارة الفاسدتان، بخلاف عقود الأمانات والتبرعات، كالوكالة، والمضاربة، والوديعة، والهبة، والوصية ونحوها، فإنه لا ضمان في صحيحها، فلا ضمان في فاسدها) (3)

فالضابط في تقسيم العقود من حيث الضمان، واضح من النصّين، إلا في مسألتي: العمل في القراض، والعارية، فقد نص الزركشي على

(1) المنثور في القواعد (3/ 8 - 9). ') ">

(2)

أبو داود (3508) كتاب البيوع والإجارات، باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا، والترمذي (1285) كتاب البيوع، باب فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيبًا، والنسائي (4492) كتاب البيوع باب الخراج بالضمان، وابن ماجه (2243) كتاب التجارات، باب الخراج بالضمان، وصححه الترمذي، وهو نص المادة (85) من مجلة الأحكام العدلية.

(3)

شرح منتهى الإرادات (2/ 320)، كشاف القناع (3/ 505)، مطالب أولي النهى (3/ 512). ') ">

ص: 271

الضمان فيهما، خلافًا للبهوتي، مع أن العمل في القراض، هو المضاربة ذاتها، وهي من عقود الأمانات، والعارية كذلك تجمع بين صفتي: التبرع والأمانة، فالعين المعارة أمانة، ومنفعتها متبرع بها، والأمين لا يضمن إلا بالتعدي.

إلا أن الشافعية اشترطوا في ضمان العارية (1) إمكانية الانتفاع بها، فإن لم يكن منتفعًا فلا ضمان في قبض صحيحها ولا فاسدها.

وفي هذا يقول الهيتمي (ت: 974 هـ): (شرط المستعار كونه منتفعًا به حالاً، انتفاعًا مباحًا مقصودًا، فلا تصح إعارة حمارٍ زَمِنٍ وجحش صغير، كما يصرح به قول الروياني: كل ما جازت إجارته جازت إعارته، وما لا فلا .. ؛ لأن للفاسد حكم صحيحه، وقيل: لا ضمان؛ لأن ما جرى بينهما ليس بعارية صحيحة ولا فاسدة، ومن قبض مال غيره بإذنه لا لمنفعة كان أمانة)(2)

(1) دليل الشافعية في ضمان العارية، حديث:"على اليد ما أخذت حتى تؤدي" رواه أبو داود (3561) كتاب البيوع والإجارات، باب في تضمين العارية. قال الخطابي (ت: 388 هـ): (في هذا الحديث دليل على أن العارية مضمونة، وذلك أن (على) كلمة إلزام، وإذا حصلت اليد آخذة، صار الأداء لازمًا). معالم السنن (3/ 822).

(2)

تحفة المحتاج (5/ 414). ') ">

ص: 272

خامسًا: وقت الضمان:

إذا تلف المقبوض قبضًا فاسدًا، ببيعٍ ونحوه، من عقود المعاوضات، فإنه يكون مضمونًا على القابض باتفاق الفقهاء (1) بالمثل إن كان مثليًّا، وبالقيمة إن كان قيميًّا. إلا أنهم اختلفوا في وقت اعتبار الضمان على ثلاثة أقوال:

الأول: المعتبر وقت القبض، فالقابض يضمن قيمة المقبوض يوم قبضه، مهما كانت قيمته، وهو قول المالكية، وجمهور الحنفية.

ودليلهم: أن المبيع بيعًا فاسدًا مضمون بالقبض كالمغصوب، ويدخل في ضمانه يوم قبضه.

- قال الكاساني (ت: 587 هـ): (وإنما تعتبر قيمته يوم القبض؛ لأن المبيع بيعًا فاسدًا مضمون بالقبض كالمغصوب)(2)

- وقال البغدادي (ت: 1021 هـ): (والمقبوض بعقد فاسد، تعتبر قيمته يوم القبض؛ لأنه دخل في ضمانه يومئذٍ)(3)

(1) المبسوط (25/ 92)، وبدائع الصنائع (5/ 13)، والمنتقى (5/ 42)، ومواهب الجليل (4/ 413)، وأسنى المطالب (2/ 36)، والبجيرمي على المنهج (2/ 385)، والإنصاف (4/ 474)، وكشاف القناع (3/ 458).

(2)

بدائع الصنائع (5/ 13). ') ">

(3)

مجمع الضمانات ص (214). ') ">

ص: 273

- وجاء في المدونة: (قلت: أرأيت الذي يشتري الدابة .. قلت: فإذا قبضها المشتري فهلكت عنده، فالصفقة فاسدة، فأي شيء يضمن المشتري: أقيمتها، أم الثمن الذي وقعت به الصفقة؟ قال: قال مالك: يضمن قيمتها يوم قبضها)(1)

- وقال الباجي (ت: 474 هـ): (ووجه ذلك، أنه بيع فاسد، فلا يفوت إلا بالتغيّر بعد القبض، فلزم المبتاع قيمته يوم حكم بقبضه)(2)

فخلاصة القول: أن المعتبر في الضمان يوم القبض؛ لأنه دخل في ضمان المشتري، كقبض الغاصب للعين المغصوبة.

القول الثاني: المعتبر في الضمان يوم التلف، فالمشتري يضمن قيمة المقبوض فاسدًا حين تلفت العين في يده، وهو قول الحنابلة، ومحمد بن الحسن (ت: 189 هـ) من الحنفية.

ودليلهم: أن الضمان يتقرر عليه يوم التلف.

- قال البغدادي (ت: 1021 هـ): (وعند محمد تعتبر قيمته يوم التلف؛ لأنه يتقرر عليه، ذكره الزيلعي في البيع الفاسد)(3)

(1) المدونة (3/ 267). ') ">

(2)

المنتقى (5/ 42). ') ">

(3)

مجمع الضمانات ص (214، 216). ') ">

ص: 274

- وقال المرداوي (ت: 885 هـ): (فائدة: حكم المعقود عليه بعقد فاسد، وما جرى مجراه، حكم المغصوب في اعتبار الضمان بيوم التلف)(1)

وزاد الحنابلة على ذلك أمرين:

الأول: أن القيمة تعتبر من نقد البلد الذي تلف فيه؛ لأنه موضع ضمانه، كما تعتبر القيمة في بلد الغصب.

الثاني: أن للبائع نماؤه المتصل والمنفصل، وأجرته، مدة قبضه بيد المشتري، وأرش نقصه (2)

قال البهوتي (ت: 1051 هـ): (وما صحّت إجارته من مغصوب، ومقبوض بعقد فاسد، كرقيقٍ، ودوابَّ، وسفن، وعقار، فعلى قابضٍ وغاصبٍ بعقدٍ فاسدٍ (3) أجرة مثله مدة بقائه بيده، فتضمن بالفوات والتفويت، أي: سواء استوفى المنافع أو تركها تذهب؛ لأن كل ما ضمنه بالإتلاف في العقد الفاسد، جاز أن يضمنه بمجرد التلف

(1) الإنصاف (6/ 195). ') ">

(2)

الإنصاف (6/ 195). ') ">

(3)

هكذا وردت، ولعل الأصح أن يقول: فعلى غاصب وقابضٍ بعقد فاسد، إلا إذا قصد التسوية بين المفهومين تمامًا، وهو ما يسمى بالمطابقة.

ص: 275

كالأعيان، ولأن المنفعة مال متقوم، فوجب ضمانه كالعين) (1)

القول الثالث: التفصيل في الأمر، وهو قول الشافعية، ففي المثلي: المعتبر يوم التلف، وفي القيمي: أقصى القيمة من حين القبض إلى حين التلف، وعليه ضمان منافعه وزوائده.

ودليلهم: القياس على ضمان المغصوب، فهو مخاطب برده كل لحظة.

قال القاضي زكريا (ت: 926 هـ): (فصل: المقبوض بالشرط الفاسد: يضمنه المشتري ضمان الغاصب، فلأنه مخاطب برده، فيضمنه عند تلفه بالمثل في المثلي، وبأقصى قيمة في المتقوم، من وقت القبض إلى وقت التلف، وعليه أرش نقصه للتعيّب، وأجرة مثله للمنفعة، وإن لم يستوفها، وضمان زوائده، كنتاج، وتعلم حرفةٍ، وعليه رده لمالكه، ومؤنة رده)(2)

فالملاحظ على الأقوال الثلاثة:

1 -

أن الفقهاء خرّجوا مسألة (توقيت الضمان) على مسألة قبض

(1) شرح منتهى الإرادات (2/ 320)، والإنصاف (4/ 362). ') ">

(2)

أسنى المطالب (2/ 36). والمهذب مع المجموع (9/ 452)، والغرر البهية (2/ 435)، والبجيرمي على المنهج (2/ 385)، وحاشية الجمل (3/ 291).

ص: 276

الغاصب، إلا أنهم اختلفوا في وقت الضمان، فمن قال: يوم القبض، وهم أصحاب القول الأول، ومن قال: يوم التلف، وهم أصحاب القول الثاني، ومن فرّق في المسألة بين المثلي والقيمي، فاعتبر يوم التلف بالمثلي، وأقصى قيمة مرّت عليه في القيمي، وهم أصحاب القول الثالث.

2 -

أن أصحاب القولين (الثاني والثالث) نصوا على ضمان توابع المقبوض قبضًا فاسدًا، من: أرش النقص، وأجرة المثل، ونمائه المتصل والمنفصل، ومؤنة ردّه، ونحو ذلك.

بينما سكت عنها أصحاب القول الأول، بل صرح الكاساني (ت: 583 هـ) بأن هذه الزيادات غير مضمونة؛ لأن القبض لم يرد عليها فقال: (ولو هلكت هذه الزيادة في يد المشتري، لا ضمان عليه؛ لأن المبيع بيعًا فاسدًا مضمون بالقبض، والقبض لم يرد على الزيادة أصلاً ولا تبعًا .. وإن استهلكها المشتري، فكذلك عند أبي حنيفة، لا ضمان عليه، وعندهما يضمن، وأصل المسألة في الغصب: أنه إذا استهلك الغاصب هذه الزيادة هل يضمن؟ عنده لا يضمن، وعندهما يضمن)

ومن استعراض الأقوال الثلاثة وأدلتها، يترجح لدينا القول الثالث (قول الشافعية) حيث فصّلوا في الأمر: بأن ضمّنوا القابض المثل في

ص: 277