الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القبض وأثره في العقد الفاسد
لفضيلة الدكتور: عبد الله بن إبراهيم الموسى
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن من مقاصد شريعتنا الإسلامية تحقيق العدل والتوازن في العلاقات والمبادلات المالية، وخاصة في عقود المعاوضات، القائمة على التسوية بين البدلين، وأساسها الرضى، حيث قال صلى الله عليه وسلم:«إنما البيع عن تراض» (1) فيرضى البائع بالثمن، والمشتري بالسلعة، وهكذا بالنسبة للمؤجر والمستأجر، وسائر المبادلات المالية، فإذا اختل الرضا في جانب من جوانبها، بسبب الجهالة، أو الغرر، أو الإكراه، ونحوه من مفسدات العقود، فإن الشريعة وضعت تدابير لإعادة تحقيق هذا التوازن، والإبقاء على الرضا، وذلك بفسخ العقد، وإعادة ما كان إلى ما كان، فإن تعذر ذلك، فيصار إلى (عِوَض المثل)، سواء في الأجرة أو المهر، وذلك بعد أن فسد المسمى، المتفق عليه بفساد العقد.
(1) ابن ماجه (2185)، كتاب البيوع، باب بيع الخيار.
ولما كان العقد الفاسد لا أثر له بمجرد العقد، إنما تترتب عليه الآثار بعد القبض، رأيت أن تكون الدراسة تحت عنوان:(القبض وأثره في العقد الفاسد)؛ وذلك محاولة لمعالجة بعض هذه الآثار المترتبة على القبض الفاسد.
الدراسات السابقة:
ثمة دراسات قريبة من دراستي هذه، أبرزها:
1 -
القبض وآثاره في الفقه الإسلامي (رسالة دكتوراه) للدكتور عبد الله الربعي، وتناول فيه: القبض في عقود المعاوضات، كل على حدة، كما تناول بعض الآثار الحكمية للقبض الفاسد.
2 -
القبض وأثره في العقود (بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، لأحمد إبراهيم الثميري. وتناول فيه العقود التي يشترط فيها القبض في صحتها، ثم تناول أحكام القبض في كل عقد من العقود على حدة.
3 -
التقابض في الفقه الإسلامي، لعلاء الدين عبد الرزاق الجنكو، (رسالة ماجستير في جامعة أم درمان)، وتطرق فيها لأنواع مختلفة من القبض الصحيح والقبض الفاسد.
هذا ما وقفت عليه، وثمة دراسات أخرى- غالبًا- لم أقف عليها.
موقع البحث من الدراسات السابقة:
تم التركيز في هذا البحث على: أثر القبض الفاسد في التملك، والضمان، والأجور والمهور، فهو أخص من الدراسات السابقة، وبينه وبينها علاقة عموم وخصوص مطلق، فتلك أوسع مجالاً، وهذا أخص دراسة.
أهمية البحث:
تكمن أهميته من حيث:
ارتباط بعض الناس بكثير من العقود التي فيها غرر وجهالة، مما يوقع الخلاف بين المتعاقدين، والبحث يوضح بعض النقاط المتعلقة بذلك.
ومن صور العقود الفاسدة بين الناس في واقعنا المعاصر:
- أن يعمل الأجير لدى مؤسسة أو شركة، ولا تكون الشروط والقيود واضحة، فتكون الجهالة المفسدة للعقد.
- أن يضع سيارته أو آلة معينة لدى ورش الإصلاح، دون تحديد الأجر، ثم يقع الخلاف في تحديد الأجر عند استلامها.
- أن يستأجر عاملاً للعمل، دون تحديد الأجرة، أو ساعات العمل، أو طبيعة العمل، فتكون إجارة فاسدة.
- أن يستأجر سيارة دون تحديد زمن أو أجرة، فتهلك السيارة معه، فيكون الضمان بالإجارة الفاسدة.
ففي كل هذه الحالات وأمثالها، يفسد العقد، ويصار إلى تطبيق أحكام:(القبض في العقد الفاسد) الذي نحن بصدده.
منهجية البحث:
سلكت في البحث الخطوات التالية:
1 -
اعتمدت كتب الفقه في المذاهب الأربعة، والفقه المقارن، وكتب القواعد والأصول في تأصيل مسائل البحث، وإن كان الاهتمام بكتب المذهب الحنفي أكثر، على أنه صاحب نظرية الفساد ومنشئها.
2 -
استخدمت طريقة الاستقراء في تتبع مسائل القبض الفاسد في المذاهب، ثم قارنت بينها، واستخلصت الأقوال في المسألة.
3 -
اقتصرت على دراسة أبرز آثار القبض في العقد الفاسد، من حيث: التملك، والضمان، والأجور والمهور؛ لأنها أبرز المسائل المتأثرة بالقبض الفاسد، وذلك:
- لأن القول بالتملك يبيح سائر التصرفات في المملوك، من معاوضةٍ، وهبةٍ واستهلاكٍ ونحوه، والقول بعدمه يمنع ذلك كله.
- وتناول بحث الضمان، من الأهمية بمكان، فإن القبض أساس الضمان في العقود الصحيحة والفاسدة.
- وأما أثره في الأجور والمهور: فتكمن أهميته من حيث كثرة
المفسدات للعقود، وخاصة عقد الإجارة في هذا الزمن، وهذا ما يرجع بها إلى أجر المثل.
فلهذا اقتصرنا على أبرز هذه المؤثرات الثلاث، وإلا فإن مسائل القبض في العقد الفاسد كثيرة، والميدان واسع، فما من عقد من عقود (المعاوضات، أو التوثيقات، أو التبرعات، أو الإطلاقات .. ) إلا وله صورة صحيحة، وأخرى فاسدة، ونكون أمام رسالة كبيرة، لا بحث موجز.
4 -
دعّمت الأقوال في المسائل بنصوص الفقهاء؛ لأنها -في نظري- عماد البحث الفقهي لأمرين:
الأول: أن القارئ يطمئن لحكم المسألة أكثر من خلال هذا النص.
الثاني: أن الباحث قد يخطئ في إصدار الحكم، متوهمًا فهم النص، فيقف القارئ على الحقيقة ويصحح المعلومة، ويُتدارك الخلل.
5 -
خرَّجت الأحاديث من مظانها، ذاكرًا رقم الحديث والكتاب والباب الذي اندرج تحتهما.
6 -
أشرت إلى تاريخ وفاة أعلام الفقهاء عند ذكرهم، دون ترجمة؛ طلبًا للإيجاز، وبعدًا عن إثقال الحواشي.
هذا وقد جاء البحث مكونًا من: مقدمة ومبحثين وخاتمة على النحو التالي:
- المقدمة: ما سبق بيانه.
- المبحث الأول: في تعريف القبض والعقد الفاسد وحكمه، ويشمل ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف القبض وبيان أقسامه.
المطلب الثاني: تعريف العقد الفاسد وبيان منشئه وأسبابه.
المطلب الثالث: حكم تعاطي العقد الفاسد.
- المبحث الثاني: في آثار القبض في العقد الفاسد، ويشمل ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: أثر القبض الفاسد في نقل الملكية.
المطلب الثاني: أثر القبض الفاسد في الضمان.
المطلب الثالث: أثر القبض الفاسد في الأجور والمهور.
- الخاتمة: في أبرز النتائج والتوصيات.
وأخيرًا أقول: إن هذا البحث من عمل البشر، فقد يعتريه الخطل، ويقع فيه الزلل، وقد يجانب الصواب في بعض جوانبه، فأرجو ألا أعدم أخًا اصحًا، وزميلاً مصوبًا، فالمؤمن مرآة أخيه المؤمن، كما أرجوه سبحانه أن يجعل أعمالنا كلها مخلصةً لوجهه الكريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.