الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجيح:
يظهر لي من خلال عرض الأدلة ومناقشتها رجحان القول بجواز إعطاء الزوج زكاته إلى زوجته إذا كانت من باقي الأصناف الثمانية مطلقًا؛ وذلك لقوة أدلة هذا القول، وإمكان مناقشة أدلة المخالفين.
المبحث الثاني
دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها من سهم الفقراء والمساكين:
إذا كان الزوج فقيرًا أو مسكينًا فقد اختلف الفقهاء في حكم دفع الزوجة زكاتها إليه على أربعة أقوال:
القول الأول: لا يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها.
وهو المذهب عند الحنفية (1) والحنابلة (2)(3) وقول عند المالكية (4)
(1) بدائع الصنائع 2/ 893، 916، تبيين الحقائق 1/ 301، فتح القدير 2/ 270، الدر المختار ورد المحتار 2/ 258، 346.
(2)
المغني 4/ 100، الإنصاف 3/ 261، كشاف القناع 2/ 290، شرح منتهى الإرادات 1/ 434.
(3)
المغني 4/ 100، الإنصاف 3/ 261، كشاف القناع 2/ 290، شرح منتهى الإرادات 1/ 434. ') ">
(4)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 499، القوانين الفقهية 97، التاج والإكليل 2/ 354، المنتقى للباجي 2/ 156.
القول الثاني: يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها.
وهو مذهب الشافعية (1) وقول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية (2) ورواية عند الحنابلة (3) اختارها القاضي أبو يعلى (4) وابن قدامة، وهو قول ابن حزم (5) والصنعاني (6) والشوكاني (7) وهو ما يفيده كلام شيخ الإسلام ابن تيمية (8) واختاره من المعاصرين عبد الرزاق عفيفي وعبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهم الله تعالى (9) وهو رأي
(1) المجموع 6/ 174، البيان 3/ 444، نهاية المحتاج 6/ 155، مغني المحتاج 3/ 108. ') ">
(2)
بدائع الصنائع 2/ 893، تبيين الحقائق 1/ 301، فتح القدير 2/ 270، الدر المختار ورد المحتار 2/ 346. ') ">
(3)
المغني 4/ 101، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 431، رؤوس المسال الخلافية 2/ 489، الإنصاف 3/ 261. ') ">
(4)
هو: أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي، فقيه أصولي، ولي القضاء، وصنف في الفقه والأصول وغيرها. توفي سنة 458 هـ.
(5)
المحلى 6/ 217. ') ">
(6)
سبل السلام 2/ 280. ') ">
(7)
نيل الأوطار 4/ 199. ') ">
(8)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/ 90، 91، جامع المسائل 6/ 371 وما بعدها. ') ">
(9)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10/ 62 (5394)، الشرح الممتع 6/ 266. ') ">
اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية (1)
القول الثالث: يكره للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها.
وهو المذهب عند المالكية (2)
القول الرابع: إن كان الزوج سوف يستعين بالزكاة في النفقة على زوجته فلا يجوز، وإن كان معه ما ينفق عليها وسوف يصرف ما يأخذ منها على غيرها كأن يصرفه على نفسه أو على أولاد عنده من غيرها ونحو ذلك فذلك جائز.
وهو قول ابن حبيب (3) وأشهب (4) من المالكية (5)
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول على عدم جواز دفع المرأة زكاتها
(1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10/ 62 (5394). ') ">
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 499، شرح الخرشي على مختصر خليل وحاشية العدوي عليه 2/ 221، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 421.
(3)
هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن ربيع السلمي الإلبيري القرطبي، سكن قرطبة، وزار مصر، كان رأسًا في فقه المالكية، توفي بقرطبة سنة 238 هـ.
(4)
هو: أشهب مسكين بن عبد العزيز بن داود الجعدي، اسمه مسكين، وأشهب لقب، فقيه مالكي محقق، توفي بمصر سنة 204 هـ.
(5)
المنتقى للباجي 2/ 156، أحكام القرآن لابن العربي 2/ 537. ') ">
إلى زوجها بما يلي:
الدليل الأول:
أن النفع يعود إلى الزوجة، وذلك أن الزوج إن كان عاجزًا عن الإنفاق عليها فإنه يتمكن بأخذ الزكاة من الإنفاق فيلزمه، وإن لم يكن عاجزًا عن الإنفاق ولكنه أيسر بها فإنه تلزمه نفقة الموسرين، فتنتفع الزوجة بدفع الزكاة له في الحالين فلم يجز ذلك، كما لو دفعتها في أجرة دار أو نفقة رقيقها أو بهائمها (1)
ونوقش بما يلي:
1 -
الزوجة لا ترتفق بدفع زكاتها إلى زوجها وإنما ترتفق بما قد يحدث بعده من اليسار، وذلك لا يمنع من الزكاة، وهذا نظير ما لو دفع الزكاة إلى غريم له فأخذها من بعد قبضها من دينه فإنه يجوز، ولا يكون ذلك رفقًا يمنع من دفع الزكاة لحصول ذلك بعد استقرار الملك بالقبض فكذلك ما يأخذه الزوج (2)
ويؤيد ذلك حديث أم عطية الأنصارية (3) رضي الله عنها قالت:
(1) المغني 4/ 100، 101، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 432، الحاوي للماوردي 8/ 537. ') ">
(2)
الحاوي للماوردي 8/ 538. ') ">
(3)
هي: نُسَيبة بنت الحارث، وقيل: بنت كعب، من فقهاء الصحابة، لها عدة أحاديث، وهي التي غسّلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم زينب، عاشت إلى حدود سنة سبعين. ينظر: سير أعلام النبلاء 2/ 280، الإصابة في تمييز الصحابة 8/ 261.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها فقال: «هل عندكم شيء؟ فقالت: لا إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة من الشاة التي بعثت بها إليها من الصدقة، فقال: إنها قد بلغت محلَّها» (1) فهو يدل على أن المحتاج إذا تصدق عليه بشيء فإنه يملكه ويصير كسائر ما يملكه فله أن يهديه أو يبيعه ونحو ذلك كما يتصرف في سائر أمواله بلا فرق (2)
قال ابن حجر تعليقًا على هذا الحديث: " ويستنبط من هذه القصة جواز استرجاع صاحب الدين من الفقير ما أعطاه له من الزكاة بعينه وأن للمرأة أن تعطي زكاتها لزوجها ولو كان ينفق عليها منها، وهذا كله فيما لا شرط فيه "(3)
2 -
بأنه يلزم على ذلك منع الزوجة من صرف صدقة التطوع في زوجها مع أن هذا جائز بالاتفاق (4)
وأجيب عنه:
بأن الإلزام بصدقة التطوع غير وارد؛ لأنها ليست كالزكاة، فإن عود
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 291 (1494) ك: الزكاة، باب إذا تحولت الصدقة، ومسلم في صحيحه 416 (1076) ك: الزكاة، باب إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم ولبني هاشم وبني المطلب وإن كان المهدي ملكها بطريق الصدقة.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 7/ 187 فتح الباري 5/ 242، كشاف القناع 2/ 294، المنتقى للباجي 4/ 56 وينظر: زاد المعاد 2/ 17.
(3)
فتح الباري 5/ 242. ') ">
(4)
فتح الباري 3/ 387، سبل السلام 2/ 280. ') ">
الزكاة إلى الزوجة في النفقة يضر، فتصير كأنها ما خرجت، بخلاف الصدقة فإن احتمال عودها إليها لا يضر، فخروجها وعدمه سواء (1)
واعترض عليه:
بأنه لا فرق في ذلك بين صدقة التطوع والفرض، بل هما واحد؛ لأن المنع إنما هو لأجل عود المال عليها، وهذه العلة لو كانت مراعاة لاستوى فيه التطوع والفرض (2)
الدليل الثاني:
كل واحد من الزوجين يستغني بمال الآخر عرفًا وعادة لقوة الاتصال بينهما قال الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} وفسر ذلك: بمال خديجة رضي الله عنها (3) فإذا كان الزوج يستغني بمال زوجته، وهي لا يجب عليها له شيء، فما الظن بالمرأة فتكون كأنها لم تخرجه عن ملكها (4)؛ ولهذا لو شهد أحدهما لصاحبه لم تقبل شهادته، لكونها شهادة لنفسه من وجه، وحينئذ لا يتكامل معنى التمليك الذي
(1) عمدة القاري 7/ 286. ') ">
(2)
أحكام القرآن لابن العربي 2/ 537. ') ">
(3)
الاختيار 1/ 120، تبيين الحقائق 1/ 301، وينظر في تفسير الآية: تفسير القرطبي 22/ 346. ') ">
(4)
تبيين الحقائق 1/ 301، بدائع الصنائع 2/ 893، رد المحتار 2/ 258. ') ">
يشترط في دفع الزكاة (1)
ونوقش:
بأن هذا لا أثر له في الحكم مع وجود النص الدال على الجواز كما سيأتي في أدلة المجيزين (2)
ويمكن مناقشته أيضًا:
بأن أخذ الزوج الزكاة من زوجته لا يستلزم رجوعها إلى الزوجة، بل الغالب أن الزوج ينتفع بهذا المال في الإنفاق على نفسه أو عياله، والأحكام تبنى على الكثير الغالب دون القليل النادر، على أنه لو عاد إلى الزوجة، فإن ذلك لا يمنع أيضًا من دفع الزكاة لما تقدم في مناقشة الدليل الأول لهذا القول.
الدليل الثالث:
القياس على دفع الزوج زكاته إلى زوجته فإنه لا يجوز، فكذلك دفع المرأة زكاتها إلى زوجها (3)
ونوقش:
بأنَّه قياس مع الفارق؛ لأن الزوجة نفقتها واجبة على زوجها، ولا
(1) بدائع الصنائع 2/ 893، شرح العناية 2/ 270، أحكام القرآن للجصاص 4/ 339. ') ">
(2)
فتح القدير 2/ 270، سبل السلام 280. ') ">
(3)
المغني 4/ 100، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 432، بدائع الصنائع 2/ 893، الحاوي للماوردي 8/ 537. ') ">
يجب على الزوجة لزوجها شيء (1)
الدليل الرابع:
الزوجان هما أصل الولاد، وما يتفرع من هذا الأصل يمنع صرف الزكاة، فكذلك الأصل؛ ولهذا فإن كل واحد منهما يرث من الآخر من غير حجب كقرابة الولاد (2)
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: بأن القياس لا يصح مع النص، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها، كما سيأتي في أدلة المجيزين (3)
الوجه الثاني: أنه قياس مع الفارق، فإن الأصول والفروع يتميزون باستحقاق النفقة؛ ولهذا يمتنع دفع الزكاة لهم، بخلاف الزوج فلا يستحق على زوجته شيئًا (4)
الدليل الخامس:
القياس على ما لو دفعت الزوجة صدقتها إلى غريمها ليستعين
(1) المغني 4/ 102، الحاوي للماوردي 8/ 538. ') ">
(2)
الاختيار 1/ 120، شرح العناية 2/ 270، 271، الحاوي للماوردي 8/ 537. ') ">
(3)
فتح القدير 2/ 270. ') ">
(4)
الحاوي للماوردي 8/ 538. ') ">
بها على أداء دينها فإنه لا يجوز فكذلك لو دفعت زكاتها إلى زوجها ليستعين بها على نفقتها (1)
ويمكن مناقشته من وجهين:
الوجه الأول: منع حكم الأصل المقيس عليه فإن دفع الزكاة إلى الغريم وأخذها من بعد قبضها من دينه جائز، ولا يعد ذلك رفقا يمنع من جوازها لحصول ذلك بعد استقرار الملك بالقبض (2)
الوجه الثاني: على التسليم بحكم الأصل المقيس عليه فإن المنع من دفع الزكاة إلى الغريم ليس مطلقًا، بل هو مقيد بما لو قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه لأن الزكاة لله فلا يجوز صرفها إلى نفعه، أما إذا لم يقصد ذلك فلا يمتنع دفعها (3)
واستدل أصحاب القول الثاني على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها بما يلي:
الدليل الأول:
عموم قول الله تعالى:
(1) مواهب الجليل 2/ 349، التاج والإكليل 2/ 348، المنتقى للباجي 2/ 156. ') ">
(2)
الحاوي للماوردي 8/ 538، فتح الباري 5/ 242. ') ">
(3)
الفروع 4/ 343، 344، المغني 4/ 106، وينظر: مواهب الجليل 2/ 348، 349، التاج والإكليل 2/ 348، فتح الباري 5/ 242.
وجه الاستدلال:
أن الزوج يدخل في عموم الأصناف المسمين في الزكاة، والأصل هو جواز الدفع، ولم يرد في المنع نص ولا إجماع (1)
ويمكن مناقشته:
بأنه قد قام الدليل على استثناء الزوج من الدخول في هذا العموم، كما سبق في أدلة المانعين.
الدليل الثاني:
ما ورد أن زينب (2) امرأة عبد الله بن مسعود قالت: «يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدق به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(1) المغني 4/ 102، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 431، نيل الأوطار 4/ 199، الحاوي للماوردي 8/ 537. ') ">
(2)
هي: زينب بنت معاوية وقيل: بنت أبي معاوية الثقفية، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زوجها ابن مسعود وعن عمر رضي الله عنهما.
((صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم))» (1)
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى زينب امرأة ابن مسعود بأن تعطي زوجها من زكاتها، وأخبرها أن لها أجرين: أجر الصدقة وأجر القرابة (2) والحديث ظاهر في صدقة الواجب إذ الصدقة عند الإطلاق تتبادر في الواجبة، ولقولها في بعض ألفاظ الحديث:«أيجزي عني» (3) وهذا اللفظ يستعمل في الواجب (4)
ونوقش:
بأن الحديث هو في صدقة التطوع لا الواجب (5) وأما لفظ: «أيجزي» (6) فهو وإن كان في عرف الفقهاء الحادث لا يستعمل في الغالب
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 285 (1462) ك: الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، ومسلم في صحيحه 387 (1000) ك: الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين.
(2)
تبيين الحقائق 1/ 301، المغني 4/ 101، المحلى 6/ 217، فتح الباري 3/ 386، الحاوي للماوردي 8/ 537. ') ">
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه 286 (1466) ك: الزكاة، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، ومسلم في صحيحه 387 (1000) ك: الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين.
(4)
سبل السلام 2/ 280، المعلم بفوائد مسلم 2/ 16، فتح الباري 3/ 386. ') ">
(5)
تبيين الحقائق 1/ 301، فتح القدير 2/ 271، الممتع في شرح المقنع 2/ 229. ') ">
(6)
صحيح البخاري الزَّكَاةِ (1466).
إلا في الواجب إلا أنه في اصطلاح المتقدمين يطلق على ما هو أعم، فيشمل النفل؛ لأن معناه في اللغة: الكفاية، فيكون المعنى: هل يكفي التصدق عليه في تحقيق مسمى الصدقة وتحقيق مقصودها من التقرب إلى الله تعالى (1) ويؤيد أن الحديث وارد في صدقة التطوع ما يلي:
1 -
أن صدقة التطوع هي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوّل بالموعظة والحث عليها (2) وقد جاء في الحديث أنها قالت: لما حثّ النبي صلى الله عليه وسلم النساء على الصدقة وقال: «تصدقن ولو بحليكن» (3) جمعت حليًّا لي وأردت أن أتصدق فسألت النبي صلى الله عليه وسلم .. " وهذا يدل على أنها كانت صدقة تطوع (4)
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم» (5). والولد لا يعطى من الصدقة الواجبة بالإجماع (6)
3 -
الزكاة لا تجب في الحلي المعد للاستعمال، وعلى القول بوجوبها فيه فهي لا تجب في جميعه إنما يجب جزء منه، وهي قد تصدقت بالكل فدل ذلك على أنها كانت تطوعًا (7)
4 -
ورد أن زينب كانت امرأة صنعة اليدين تعمل للناس وتتصدق
(1) فتح القدير 2/ 271، فتح الباري 3/ 386. ') ">
(2)
فتح القدير 2/ 271. ') ">
(3)
صحيح البخاري الزَّكَاةِ (1466)، صحيح مسلم الزَّكَاةِ (1000)، سنن الترمذي الزَّكَاةِ (635)، سنن النسائي الزَّكَاةِ (2583)، سنن الدارمي الزَّكَاةِ (1654).
(4)
أحكام القرآن للجصاص 4/ 339. ') ">
(5)
صحيح البخاري الزَّكَاةِ (1462).
(6)
تبيين الحقائق 1/ 301، عمدة القاري 7/ 286، المغني 4/ 102، نيل الأوطار 4/ 199. ') ">
(7)
تبيين الحقائق 1/ 301، عمدة القاري 7/ 286، فتح الباري 3/ 386، نيل الأوطار 4/ 199. ') ">
بذلك، فقد جاء عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم:«إني امرأة ذات صنعة أبيع منها، وليس لولدي ولا لزوجي شيء فشغلوني فلا أتصدق، فهل لي فيهم أجر، فقال عليه الصلاة والسلام: لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم فأنفقي عليهم» (1) والصدقة من فضل صنعتها لا تكون من الزكاة (2)
وأجيب عن هذه المناقشة بما يلي:
أولاً: منع قصر معنى الصدقة في الحديث على صدقة التطوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها عن الصدقة هل هي تطوع أو واجب، وترك استفصاله لها ينزل منزلة العموم في المقال، فكأنه قال لها: يجزئ عنك فرضًا كان أو تطوعًا (3)
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم» (4) فأجيب عنه بما يلي:
1 -
الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من تلزم المعطي نفقته، والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه (5)
(1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 23 (3034) ك: الزكاة، باب المرأة هل يجوز لها أن تعطي زوجها من زكاة مالها أم لا؟
(2)
تبيين الحقائق 1/ 301، 302، شرح العناية 2/ 271، عمدة القاري 7/ 285، نيل الأوطار 4/ 199. ') ">
(3)
فتح الباري 3/ 387، نيل الأوطار 4/ 199. ') ">
(4)
صحيح البخاري الزَّكَاةِ (1462).
(5)
المصدران السابقان. ') ">
واعترض عليه:
بأن الأم يلزمها نفقة ولدها إذا كان أبوه فقيرًا عاجزًا عن التكسب (1)
2 -
ليس في الحديث تصريح بأنها تعطي ولدها من زكاتها، بل معناه: أن المرأة إذا أعطت زوجها من الزكاة، فأنفقها على ولدها فهو أحق من الأجانب، فالدفع يكون إلى الزوج وهو المنفق على الأولاد (2)
3 -
الأولاد لم يكونوا أولادها (3) كما يشعر به ما وقع في رواية أخرى: «على زوجها وأيتام في حجرها» (4) وورد في رواية الطيالسي (5) أنهم بنو أخيها وبنو أختها (6) وللنسائي: بنو أخ لها أيتام (7) وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «وولدك» (8) فمحمول على أن الإضافة للتربية لا للولادة (9)
(1) عمدة القاري 7/ 286. ') ">
(2)
فتح الباري 3/ 387، سبل السلام 2/ 281، فتح القدير 2/ 271. ') ">
(3)
الحاوي للماوردي 8/ 537. ') ">
(4)
أخرجها مسلم في صحيحه 387 (1000) ك: الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين.
(5)
هو: سليمان بن داود بن الجارود الحافظ البصري، صاحب المسند، محدث حافظ، توفي سنة 203 هـ ينظر: سير أعلام النبلاء 9/ 378، شذرات الذهب 2/ 11.
(6)
أخرجها الطيالسي في مسنده 3/ 226 (1758) وصححها الدكتور محمد التركي في تعليقه. ') ">
(7)
أخرجها النسائي في سننه 5/ 97 (2582) ك: الزكاة، باب الصدقة على الأقارب. ') ">
(8)
صحيح البخاري الْأَحْكَامِ (7180)، سنن النسائي آدَابِ الْقُضَاةِ (5420)، سنن ابن ماجه التِّجَارَاتِ (2293)، مسند أحمد (6/ 206)، سنن الدارمي النِّكَاحِ (2259).
(9)
فتح الباري 3/ 387، عمدة القاري 7/ 286. ') ">
وأما قول المانعين بأن الزكاة لا تجب في الحلي المعد للاستعمال، وعلى القول بوجوبها فيه فهي لا تجب في جميعه .. إلخ.
فأجيب عنه:
بأن الزكاة وإن لم تجب في عين الحلي، فإن معنى وجوبها فيه أنه قدر النصاب الذي وجب عليها إخراجه (1)
ثانيًا: على التسليم بأن المراد بالصدقة في الحديث صدقة التطوع فإن حكم صدقة التطوع والفرض هنا واحد؛ لأن المنع من دفع الصدقة إنما هو لأجل عودها إليها، وهذه العلة إذا كانت مراعة فإنه يستوي فيها التطوع والفرض (2)
الدليل الثالث:
ما ورد عن عطاء (3) قال: «أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: يا رسول الله إن علي نذرًا أن أتصدق بعشرين درهمًا، ولي زوج فقير، أفتجزئ عني أن أعطيها إياه؟ قال: "نعم ولك كفلان من الأجر» (4)
(1) فتح الباري 3/ 386، 387. ') ">
(2)
أحكام القرآن لابن العربي 2/ 537. ') ">
(3)
هو: أبو محمد عطاء بن أبي رباح، من أجلاء الفقهاء، وتابعي مكة، كان ثقة كثير الحديث، روى عن عدد من الصحابة، وروى له الجماعة، توفي سنة 114 هـ.
(4)
أخرجه ابن زنجويه في الأموال 2/ 778 (1346) ك: الصدقة وأحكامها وسننها، باب تفضيل الصدقة على القرابة على غيرها من الصدقات.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للمرأة أن تتصدق على زوجها وذكر أن الأجر في ذلك مضاعف (1)
ونوقش بما يلي:
1 -
الحديث لا حجة فيه لأنه مرسل (2)
2 -
الحديث هو في النذر وليس في الزكاة، فيكون خارجًا عن موضوع البحث (3)
الدليل الرابع:
الزوجة لا يلزمها الإنفاق على زوجها، فجاز لها أن تدفع إليه من زكاتها، وذلك بناء على أن كل من لا تجب نفقته بحال فإنه يجوز أن تدفع إليه الزكاة كابن العم والأجنبي (4)
ويمكن مناقشته:
بأن الزوجة وإن كان لا يلزمها الإنفاق على زوجها إلا أنها قد تنتفع
(1) المغني 4/ 101، 102، عمدة القاري 7/ 285. ') ">
(2)
المغني 4/ 102. ') ">
(3)
المغني 4/ 102. ') ">
(4)
المغني 4/ 102، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 421، المنتقى للباجي 2/ 156، المجموع 6/ 174، البيان للعمراني 3/ 444، الحاوي للماوردي 8/ 538.
بدفع الزكاة إليه؛ وذلك لقوة الصلة بين الزوجين، فتكون الزكاة كأنها لم تخرج عن ملكها، وهذا يفارق ما لو دفعتها إلى ابن عمها أو أجنبي عنها (1)
ويمكن الجواب عنه:
بأن أخذ الزوج الزكاة من زوجته لا يستلزم رجوعها إلى الزوجة، وعلى فرض عودها إلى الزوجة فإن ذلك لا يمنع أيضًا من دفع الزكاة لما تقدم في مناقشة الدليل الأول للقول الأول.
الدليل الخامس:
عقد النكاح سبب لا يستفاد به الغنى، فلا يمنع حينئذ من أخذ الزكاة، وذلك كعقد الإجارة (2)
ويمكن مناقشته:
بأن عقد النكاح يوجب قوة الاتصال بين الزوجين، وينشأ عن ذلك أن يستغني كل واحد من الزوجين بمال الآخر، ويحصل الاشتراك بينهما في المنافع (3)
ويمكن الجواب عنه:
بما سبق في مناقشة الدليل الأول والثاني لأصحاب القول الأول.
(1) يقارن بما في رد المحتار 2/ 258، تبيين الحقائق 1/ 301، المغني 4/ 100، 101. ') ">
(2)
البيان 3/ 444، رؤوس المسائل الخلافية للعكبري 2/ 490. ') ">
(3)
يقارن بما في تبيين الحقائق 1/ 301، فتح القدير 2/ 270. ') ">
واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائلون بكراهة دفع المرأة زكاتها إلى زوجها على جواز الدفع:
بالأدلة نفسها التي استدل بها المجيزون من أصحاب القول الثاني، ومنها: حديث زينب وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها: «زوجك وولدك أحسن من تصدقت به عليهم» (1)
وأن كل من لا تجب نفقته بحال فإنه يجوز أن تدفع إليه الزكاة كابن العم والأجنبي (2)
وأما الكراهة فيمكن أن يستدل لها عندهم:
بما ذكره المانعون من أصحاب القول الأول من أدلة، ومنها ما يمكن ن يحصل للمرأة من الانتفاع بدفع الزكاة إلى زوجها، فهو معتبر عندهم ولكنه لا يصل إلى درجة المنع بل يوجب الكراهة.
ويمكن مناقشته:
بأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل، وما استندوا إليه من أدلة القول الأول فقد أمكن مناقشته.
ويمكن الاستدلال لأصحاب القول الرابع على ما ذكروه من تفصيل:
(1) الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 421، أحكام القرآن لابن العربي 2/ 537.
(2)
المنتقى للباجي 2/ 156. ') ">
بأن علة المنع من إعطاء الزوجة زكاتها إلى زوجها هي كون الزكاة تعود إلى الزوجة وتنتفع منها، فإذا كان الزوج سيصرف ما يأخذه منها من زكاة على غيرها، كأن يصرفه على نفسه أو على أولاد عنده من غيرها، فإنه يكون حينئذ جائزًا لزوال علة المنع.
ويمكن مناقشة ذلك:
بما سبق من عدم اعتبار انتفاع المرأة من دفع زكاتها إلى زوجها مؤثرًا في الحكم لعموم النصوص الواردة في ذلك (1)
الترجيح:
يظهر لي بعد عرض الخلاف في المسألة والأدلة والمناقشة رجحان القول بجواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها مطلقًا، وذلك لقوة الأدلة التي استند إليها أصحاب هذا القول وبخاصة عموم آية دفع الصدقات، وحديث زينب، ولم يوجد ما يخصصها، واتفاقه مع الأصل وهو أن كل من لا تجب نفقته فإنه يجوز أن تدفع إليه الزكاة، ولإمكان مناقشة أدلة الأقوال الأخرى، كما أمكن الإجابة عن مناقشاتهم على أدلة القول المختار.
المطلب الثاني: دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها من غير سهم الفقراء والمساكين:
(1) ينظر: مناقشة الدليل الأول والثاني للقول الأول. ') ">
اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في حكم دفع المرأة زكاتها إلى زوجها إذا كان من باقي الأصناف الثمانية غير الفقراء والمساكين على خمسة أقوال:
القول الأول: لا يجوز دفعها إلى الزوج مطلقًا.
وهو قول عند الحنابلة (1) ونقل المرداوي عن المجد في شرحه أنه ظاهر المذهب (2) وهو الظاهر من قول أبي حنيفة كما يفهم من عموم النصوص (3)
القول الثاني: يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها من غير سهم الفقراء والمساكين مطلقًا.
وهو قول من يرى جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها من سهم الفقراء والمساكين وهم الشافعية (4) والحنابلة في قول عندهم (5) وهو
(1) الفروع 4/ 362، الإنصاف 3/ 261، 262. ') ">
(2)
الإنصاف 3/ 262، وينظر: الفروع 4/ 362. ') ">
(3)
بدائع الصنائع 2/ 893، 916، تبيين الحقائق 1/ 301، فتح القدير 2/ 270، الدر المختار ورد المحتار 2/ 258، 346.
(4)
المجموع 6/ 174، البيان 3/ 444، الحاوي للماوردي 8/ 537. ') ">
(5)
الفروع 4/ 362، تصحيح الفروع 4/ 362، المحرر للمجد ابن تيمية 1/ 339، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 435، 436،
أيضًا ظاهر مذهب المالكية (1)
القول الثالث: يجوز دفعها إلى الزوج من غير سهم الفقراء والمساكين، ويستثنى الغارم لنفسه فلا تدفع إليه.
وهو قول عند الحنابلة (2) اختاره أبو الخطاب (3) وذكر الزركشي (4) أنه مقتضى كلام القاضي في التعليق (5)
القول الرابع: يجوز دفعها إلى الزوج لقضاء دين أو كتابة فقط.
وهو قول عند الحنابلة (6)
(الجء رقم: 95 PgPg 183
القول الخامس: يجوز دفعها إلى الزوج إذا كان عاملاً فقط.
وهو قول الخرقي من الحنابلة (7)
الأدلة:
يمكن الاستدلال لأصحاب القول الأول على عدم جواز دفع الزكاة إلى الزوج مطلقًا:
بالأدلة نفسها التي استدل بها المانعون من دفع المرأة زكاتها إلى زوجها من سهم الفقراء والمساكين، فعمومها يشمل جميع السهام ولا يقتصر على سهمي الفقراء والمساكين.
ويمكن أن يرد على هذه الأدلة المناقشات السابقة، ويضاف إليها هنا أن دفع المرأة زكاتها إلى زوجها في غير سهم الفقراء والمساكين لا تنتفع منه المرأة بشيء يتعلق بالإنفاق عليها حتى يقال بالمنع.
واستدل أصحاب القول الثاني على جواز دفع الزكاة إلى الزوج مطلقًا:
بالأدلة نفسها التي استدل بها القائلون بجواز دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها من سهم الفقراء والمساكين، ومنها آية أصناف أهل الزكاة، وحديث زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما، وأن الزوج يدخل في عمومها، ولم يقيد ذلك بكونه فقيرًا أو مسكينًا، فيجوز للمرأة أن تدفع
(1) مواهب الجليل 2/ 354، الشرح الكبير للدردير 1/ 499، شرح الخرشي على مختصر خليل 2/ 221، الذخيرة 3/ 142. ') ">
(2)
المستوعب 1/ 458، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 435، الإنصاف 3/ 252. ') ">
(3)
الهداية لأبي الخطاب 1/ 152، وأبو الخطاب هو: محفوظ بن أحمد بن الحسن كلوذاني البغدادي، أحد أئمة المذهب الحنبلي، برع في المذهب والخلاف، وصنف في الأصول والخلاف توفي سنة 516 هـ.
(4)
هو: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي المصري، فقيه حنبلي، له تصانيف مفيدة توفي سنة 772 هـ. ') ">
(5)
شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 435. ') ">
(6)
الفروع 4/ 362، الإنصاف 3/ 262. ') ">
(7)
شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 433 - 435. ') ">
زكاتها إلى زوجها من السهام كلها (1)
ويمكن أن يرد على هذه الأدلة المناقشات السابقة، ويجاب عنها أيضًا بما تقدم في المسألة السابقة.
كما استدل أصحاب هذا القول بأدلة إضافية وهي كما يلي:
الدليل الأول:
الزوجة لا تنتفع من دفع الزكاة إلى زوجها في هذه الأحوال، فيجوز لها حينئذ أن تدفع إليه الزكاة (2)
الدليل الثاني:
القياس على عمودي النسب فهم يعطون إذا كانوا من هؤلاء الأصناف، فإعطاء الزوج أولى (3)
الدليل الثالث:
القياس على جواز دفع الزكاة إلى الغني من غير سهم الفقراء والمساكين فقد جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة، لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو
(1) الحاوي للماوردي 8/ 537، 538، أحكام القرآن لابن العربي 2/ 537، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 421، المنتقى 2/ 156، المجموع 6/ 174، 210، المحلى 6/ 217.
(2)
مواهب الجليل 2/ 354، الذخيرة 3/ 142. ') ">
(3)
كشاف القناع 2/ 293. ') ">
لغارم أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين، فأهداها المسكين للغني» (1)
وذلك أن دفع الزكاة للغني من حيث الأصل لا يجوز، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أجازه للغزاة والعاملين عليها والغارمين، فيقاس عليه أيضًا الزوج فيجوز أن يعطى إذا كان من هؤلاء الأصناف (2)
ويمكن أن يستدل لهم أيضًا:
بأن العاملين عليها يعطون أجرة عملهم كما لو استعملهم في غير الزكاة، وأما المؤلفون فلأنهم يعطون للتأليف، كما لو كانوا أجانب، وأما الغزاة فلأنهم يأخذون مع عدم الحاجة فأشبهوا العاملين، وأما الغارمون وأبناء السبيل والمكاتبون فلأنهم يعطون إياها لغير النفقة الواجبة (3)
واستدل أصحاب القول الثالث على جواز دفع الزكاة إلى الزوج من غير سهم الفقراء والمساكين باستثناء الغارم لنفسه فلا تدفع إليه:
بالأدلة نفسها التي استدل بها أصحاب القول الثاني ولكنهم استثنوا من ذلك الغارم لنفسه، وعللوا لهذا الاستثناء:
بأن الغارم لنفسه يأخذ لحاجته فلا يعطى منها، ولا يصح قياسه
(1) أخرجه أبو داود في سننه 2/ 197 (1636) ك: الزكاة، باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، وابن ماجه في سننه 1/ 589، 590 (1841) ك: الزكاة، باب من تحل له الصدقة، وأحمد في مسنده 18/ 96، 97 (11538) وصححه شعيب الأرناؤوط في تعليقه، والحاكم في مستدركه 1/ 564 (1481) ك: الزكاة، وقال: **هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه** ووافقه الذهبي في تلخيص، والبيهقي في سننه 7/ 15 ك: الصدقات باب العامل على الصدقة يأخذ منها بقدر عمله وإن كان موسرًا، وصححه ابن الملقن في البدر المنير 7/ 382، والألباني في إرواء الغليل 3/ 377.
(2)
شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 435، 436، المغني 4/ 109. ') ">
(3)
يقارن بما في شرح منتهى الإرادات 1/ 434. ') ">
على الغارم لغيره لأنه إنما يأخذ للمصلحة العامة لا لحاجته (1)
ويمكن مناقشته:
بأن كون الغارم لنفسه يأخذ لحاجته لا يمنع من إعطائه الزكاة، ما دام أن الزوجة لا تدفع بذلك عن نفسها نفقة واجبة.
واستدل أصحاب القول الرابع على جواز دفع الزكاة إلى الزوج لقضاء دين أو كتابة فقط بما يلي:
الدليل الأول:
الزوجة في هذه الحال لا تدفع عن نفسها نفقة واجبة فيجوز لها حينئذ أن تدفع الزكاة إلى زوجها (2)
ويمكن مناقشته:
بأن هذا لا يختص بحال الغرم والكتابة، بل يصدق أيضًا على أحوال أخرى كما لو كان الزوج من العاملين عليها أو الغزاة أو المؤلفة قلوبهم أو أبناء السبيل، فالزوجة في هذه الأحوال لا تدفع عن نفسها نفقة واجبة.
الدليل الثاني:
القياس على عمودي النسب فهم يعطون للغرم والكتابة، فإعطاء
(1) شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 435. ') ">
(2)
الفروع 4/ 362، الإنصاف 3/ 262. ') ">
الزوج أولى (1)
ويمكن مناقشته:
بأنه يدل على جواز إعطاء الزوج في حال الغرم والكتابة، ولكنه لا يدل على منع الإعطاء في غير هذه الحال.
واستدل من أخذ بالقول الخامس على جواز دفع الزكاة إلى الزوج إذا كان عاملاً فقط:
بأن الزوج إذا كان عاملاً فإن الذي يأخذه أجرة عمله، لا زكاة، فلذلك يقدّر ما يأخذه بقدر عمله (2)
ويمكن مناقشته:
بمنع كون ما يأخذه العامل لا يعد من الزكاة، بل هو زكاة وإن كان في الوقت نفسه يأخذها على وجه العوض من عمله، إذ لا يوجد تناف بينهما، ويؤيد هذا أن الله تعالى عدّ العامل ضمن الأصناف الثمانية الذين تصرف لهم الزكاة، وورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: وذكر منها: أو لعامل عليها» (3) ولهذا فالعامل يأخذها على وجه العوض من عمله والصدقة عليه، وليس
(1) المصدران السابقان. ') ">
(2)
شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 434. ') ">
(3)
سنن أبي داود الزَّكَاةِ (1635)، سنن ابن ماجه الزَّكَاةِ (1841)، مسند أحمد (3/ 56)، موطأ مالك الزَّكَاةِ (604).
لمجرد الإجارة، ولذلك لا يجوز أن يستعمل عليها من لا يحلّ له أخذها كالهاشمي والذمي (1)
الترجيح:
يترجح لي بعد عرض الخلاف في المسألة والأدلة والمناقشات الواردة عليها القول بجواز دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها من غير سهم الفقراء والمساكين؛ لقوة الأدلة التي استند إليها أصحاب هذا القول، وإمكان مناقشة أدلة المخالفين.
المطلب الثالث: دفع المرأة زكاة الفطر إلى زوجها:
اختلف الفقهاء -رحمهم الله تعالى- في حكم دفع المرأة زكاة الفطر إلى زوجها على قولين:
القول الأول: لا يجوز أن تدفع المرأة زكاة فطرها إلى زوجها، ويمنع من صدقة الفطر من يمنع من صدقة الأموال.
وهو مذهب الحنفية (2) والحنابلة (3)
القول الثاني: يجوز للمرأة أن تدفع زكاة الفطر إلى زوجها الفقير
(1) المنتقى 2/ 151، وينظر: المغني 9/ 313. ') ">
(2)
الدر المختار ورد المحتار 2/ 346، 369، فتح القدير 2/ 270. ') ">
(3)
المغني 4/ 351، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 546، الإنصاف 3/ 186، شرح منتهى الإرادات 1/ 410. ') ">
بخلاف العكس فلا يجوز للزوج دفعها إلى زوجته ولو كانت فقيرة.
وهو مذهب المالكية (1) والظاهر من مذهب الشافعية بناء على تجويزهم للمرأة أن تدفع زكاة مالها إلى زوجها (2)
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول على عدم جواز دفع المرأة زكاة فطرها إلى زوجها:
بأن صدقة الفطر صدقة واجبة فيحكم عليها بما يحكم على صدقة الأموال الواجبة (3)
وأما أصحاب القول الثاني الذين يجيزون للمرأة أن تدفع زكاة الفطر إلى زوجها الفقير فلهم مأخذان في الاستدلال:
المأخذ الأول:
أن دفع المرأة زكاة مالها إلى زوجها جائز، فيجوز من باب الأولى أن تدفع إليه زكاة الفطر (4)
(1) مواهب الجليل 2/ 377، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 508، 509، حاشية العدوي على كفاية الطالب 1/ 453.
(2)
المجموع 6/ 174، البيان 3/ 444، نهاية المحتاج 6/ 155، مغني المحتاج 3/ 108. ') ">
(3)
رد المحتار 2/ 369، المغني 4/ 315، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 546. ') ">
(4)
وهو مذهب الشافعية ينظر: المجموع 6/ 174، مغني المحتاج 3/ 108، نهاية المحتاج 6/ 155 وهو جائز عند المالكية مع الكراهة ينظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/ 499، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 421.
ويمكن مناقشته:
بالمنع، فإن دفع المرأة زكاة مالها إلى زوجها غير جائز (1) وحينئذ لا يصح ما بني عليه من جواز دفع زكاة الفطر إليه.
المأخذ الثاني:
على القول بحرمة دفع المرأة زكاتها إلى زوجها فإن زكاة الفطر تتصف بقلة النفع بالنسبة لزكاة المال، ولهذا يتسامح فيها ما لا يتسامح في زكاة المال (2)
وإنما فرّق أصحاب هذا القول في الجواز بين الزوج والزوجة فأجازوه للزوجة دون الزوج؛ لأن الزوج تلزمه نفقة زوجته، فلا يصح أن يعطيها من زكاة فطره، بخلاف الزوجة
الترجيح:
يترجح لي القول بجواز دفع المرأة زكاة فطرها إلى زوجها الفقير وذلك لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول، كما أنه يتسق مع ما تقدم من ترجيح جواز دفع المرأة زكاة مالها إلى زوجها.
(1) وهو المذهب عند الحنفية والحنابلة ينظر: بدائع الصنائع 2/ 893، 916، فتح القدير 2/ 270، الإنصاف 3/ 261، كشاف القناع 2/ 290.
(2)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 509. ') ">