الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجروحة في المرة الأولى عند نظرك الفتاة الأولى تتحول وتتنقل إلى هذه الثانية وتسامرها وتساجلها بالكلام المليح وتحول نظرك عن تلك الأولى.
فنتج عن ذلك أن الجمال الحقيقي هو خلاف الجمال المعروف والجمال الحقيقي هو اعتبار الهيئة الباطنة لا جمال الصورة فالوجه البشوش اللطيف فيه كل الجمال وهو الذي يحبه المحبون فالبشاشة واللطف يدلان غالباً على قلبٍ سليم خالٍ من الغش والسوء.
أما الوجه العبوس المضطرب فيدل على قلبٍ مملوء من الحقد والاعوجاج لا يخامره سوى الأفكار المحزنة، فمهما كانت تقاطيع الوجه فليس لها اعتبار إذا كانت خالية من الوداعة والبشاشة.
أن ذوات الجمال الصوري جاهلات متعجرفات قد عودهن الأباء منذ نعومة أظفارهن التربية الفاسدة والأخلاق الذميمة وحب الذات حتى أن اغلبهن يخفن على جمالهن فلا يلتفتن
إلى علم ولا فضل ولا أدب ولا شغل فيبقين جاهلات أميات مغفلات. وقصارى الأمر نهتف بلسان الدين وننطق بلهجة صادقة ونقول أن من الواجب انتباه الأبوين إلى تربية أولادهما تربية حسنة وأن يحترزا من وقوع أبناءهما في حبالة الجهل المظلم وأن يعوداهم طهارة الوجدان وصدق اللسان والأفعال الحميدة فأنها هي الجمال الحقيقي وأن لا يقفا عقبات في سبيل ما يصلحهم كما نشاهد مثل ذلك في أباء هذا العهد. وعسى أن لا يدوم هذا المانع حباً للدين والوطن والخير العام!
النجف:
محمد باقر الشبيبي
الاشتيار
أو جمع العسل في ديار الكرد
1 -
توطئة
بلاد كثرت خيراتها، اشتهرت بخصبها، ووفرت حاصلاتها، وامتازت عن غيرها، بكثير من جلائل الأمور الزراعية، حتى باتت البلاد الراقية تحسدها على ما منحها الله من جودة التربة، وحسن المناخ، وغزارة المياه، وما أودعته فيها الطبيعة من الأسرار، ولكن أين الرجال العاملون الذين وهبهم الله شعوراً
ورحمة بالأقوام ليستفيدوا منها، ويشاطروا البلاد الراقية في زراعتها، وتأخذهم الغيرة على منافسة الأمم المتمدنة في جليل الأمور وحقيرها، حتى يأمن مجتمعهم نوائب الدهر وصولاته، لا بل ليرفعوا منزلة وطنهم فوق السماكين، أجل! أن هذه البلاد التي توفر فيها كل شيء لفي حاجة شديدة إلى رجال غير يعملون لمصلحة اوطانهم، ويحسنون استعمال ما فيها من القوى المادية والأدبية، فيسعون إلى تقويم مرافق البلاد الاقتصادية، بيد أن ذلك لا يكون إلا بالالتفات إلى الزراعة التي هي مصدر الحضارة ومادة الشعب إذ من ينابيعها تدفقت الثروة على الأمم من قبلنا وتتدفق عليهم من بعدنا، ولهذا عنوا بها عناية كبيرة ولو جاراهم أهل بلادنا لما مضى ردح من الزمن إلا وأصبحت ديارنا في مقدم الأوطان رقياً وحضارة والذي نوجه إليه أنظار القراء ورجالنا هو العسل في بلاد الكرد وكيفية اشتياره أو جمعه هناك فأنه والحق يقال من أهم الأمور الزراعية وأخطرها، فلو أن من بيدهم الحل والعقد أرسلوا إلى تلك الربوع رجالاً درسوا في معاهد أوربا الزراعية الكبرى صناعة جنى الشهد ثم جاءوا إلى أصقاع الكرد فعلموهم كيفية اشتياره على الأصول الحديثة، والقواعد الفنية المتبعة عند الأمم الناهضة لحصلت الأمة في وقت قصير على فوائد جمة، ولكانت تلك المواطن في حالة هي أرقى منها اليوم من الوجهة الاقتصادية، ولا بأس إذا لمحنا بمقالنا هذا إلى ما يفعله الأكراد عند جنيهم العسل على الطريقة المتبعة عندهم منذ القديم، ليقيس أهل الفن والخبرة على ما يجري من هذا القبيل بين الأقوام الراقية، والأقوام الباقية على فطرتها في الصناعة.
2 -
أقسام العسل وقيمه
ينقسم العسل إلى قسمين من حيث جودته ولذته: (الشهدة) وهو الذي استخرج منه الشمع، أو الذي لا اثر له فيه، و (الخام، أو عسل بكورة) وهو الذي لم يستخرج منه الشمع، واحسن عسل في ديار الكرد (عسل تيارية) - وهي بلدة تبعد عن الموصل أربعة أيام - ويأتي بعده في الجودة واللذة واللطافة (عسل رواندوز) وبعد هذا (عسل الجزيرة) - جزيرة ابن عمرو - وأثمانه
تختلف في بغداد بكثرة الوارد منه إليها وقلته، وجودة الموسم ورداءته، فعسل التيارية إذا قلت كمية الوارد منه ربما تجاوز ثمن الكيلو غرام 6 غروش صحيحة، وإذا كان الوافد منه كثيراً ربما تنزلت قيمته إلى 5 غروش فما دون وعسل رواندوز على قلة الوارد منه يساوي ثمن الكيلو غرام منه 4 غروش وعند كثرته يهبط سعره إلى 3 وعسل الجزيرة إذا كان موسمه جيداً والمحاصيل وافرة تهبط قيمة الكيلو إلى 22 وقد بيع منه في أسواق بغداد في ربيع سنة 1908 ب 3، وأما إذا كان الموسم رديئاً فتتصاعد أثمانه إلى 3.
وقد أمدنا أحد تجار العسل في بغداد بما جاء الحاضرة من العسل على طريق الموصل قال: كثرة العسل وقلته تابعتان بالطبع جودة الموسم ورداءته واليك معدل الوارد منه في خمس سنوات على وجه التقدير بالكيلو غرام:
سنة 1908سنة 1909سنة 1910سنة 1911سنة 191225. 00030. 00018. 00028. 00024. 000 عسل تيارية15. 70014. 20016. 80012. 88010. 750 راوندوز6. 0007. 90010. 1009. 4505. 460 الجزيرة46. 70052. 10044. 90050. 330 40. 210فأنت ترى أن منفوقات سنة 1909 اكثر بكثير من منفوقات سائر السنين وارداً السنوات هي سنة 1912، إذ أن منفوقاتها لا تكاد تذكر بجانب منفوقات السنين السابقة، ومنشأ ذلك - على ما قيل - ظهور دويبة كثيرة الشبه بالذبابة أكلت النحل فأبادت أكثره في بعض القرى، وعسل التيارية مشهور بشدة بياضه ولطاقته فهو احسن ما يكون في ربوع الكرد، ولا يستخرج منه شمع كثير، وأما عسل راوندوز فلا يؤكل إذ لا يستخرج منه الشمع ومثله عسل الجزيرة فهما إذا يكونان مائعين بعكس العسل التياري الذي هو عبارة عن قطعة واحدة صلبة.
3 -
كيفية جمع العسل أو الاستشيار
للأكراد مهارة عجيبة بجمع العسل واستشياره متبعة عندهم منذ العهد العهيد إلا أنها ويا للأسف بدون قواعد فنية. وخبرة علمية ولسوء تدبيرهم يعرضون نحلهم للهلاك ولو أنهم زادوا على عنايتهم بدويبات النحل وشغفهم بترتيبها اتخاذ الوسائل العلمية لذلك لتضاعفت حاصلاته وكثرت خيارته والنحل هناك قسمان: أهلي وجبلي. فالأهلي هو الذي يصطاده الاهلون من مغاور العسل في كهوف الجبال والأودية فيولد عندهم ويستدرون عسله ويستفيدون منه كما يستفيد الزارع من حدائقه وحقوله والفلاح من ماشيته وأنعامه. ولهذا السبب ترى في تلك المواطن أسراً كثيرة لا شغل لها إلا تربية النحل وخدمته وهم من عسله يرتزقون بل قل يعيشون عيشة مرضية وكثيراً ما نرى هناك أناساً أضحوا أغنياء من ذوي الأملاك والمزارع والقرى من وراء ذلك وكيفية تربيتهم النحل وجنيهم عسله يكون على الوجه الآتي:
أن كل من يملك 1000 نحلة فاكثر يضعها في خلية (سلة) يشبه راقود أي (حب) يكون قطرها الأسفل غالباً قراب 45 سنتيمتراً ويتراوح قطرها الأعلى بين 15 و20 سنتيمتراً ويكون طولها متراً، وهي في اكثر الأوقات معمولة من عيدان (الطرفاء) يطلى ظاهرها بالطين الأحمر ويجعلون لكل خلية ثقبين: الواحد وهو الكبير في قاعدتها أو أسفلها والأخر وهو الصغير في قمتها أو أعلاها ومن هذا تدخل النحلة إلى داخل القفير فتعسل فيه؛ ويكون عسلها على قطر الخلية الأسفل فيجيء بشكل نصف دائرة، ويتراوح ثخنه بين 35 و40 سنتيمتراً وعندما يعلم صاحب الدويبات أن الكوارة ملئت عسلاً يأتي فيفتح الباب من قاعدتها ويأخذه وهو على تلك الحالة ويدع شيئاً قليلاً تأكل منه الدويبات ويطلق على مجموع الدويبات في العسالة اسم (شلح) وهو الثول بالعربية الفصحى وللدويبات في كل سلة رئيسية أو ملكة وكان العرب يظنون أنها ذكر واسمه عندهم اليعسوب والخشرم إلا أن البعض منهم ظنوا أنها أنثى كما صرح به ابن سيده في كتابه المخصص. والنحل - تتبع الملكة إلى حيث حلت وارتحلت، وأما أوقات تعسيلها فيبتدئ من آذار - (مارس) إلى حزيران - (يونيو)، أي
طول أيام الربيع.
4 -
النحل الجبلي أو البري
النحل الجبلي هو خلاف الأهلي ومأواه الجبال والوهاد وكيفية الوصول إلى مكمنه ومحل تعسيله يكون على الصورة الآتية: لما كان هذا النحل يأوي إلى أشجار الجوز والتين الكبار يخرق في جذوعها ثقوباً صغيرة يدخل منها فيجوفها ويعسل فيها فكان هم الأكراد ترصدها على عيون الماء فإذا أتت النحلة لترد الماء راقبوا حركاتها وامتطوا ظهور خيولهم السريعة الجري ولحقوا بها مسرعين وهي طائرة حتى تدخل الشجرة التي تأوي إليها فيأتي الأكراد ويحفرون حفرة أمام الشجرة التي فيها مباءة النحل ويوقدون فيها ناراً حامية، ويدون مثقب الشجرة بخلية وحينما يعلو الدخان ويتصاعد وينفذ قسم منه داخل الشجرة تهيج النحل وتموج فتروم التخلص من الدخان الذي يكاد يخنقها فلا تجد طريقاً غير الثقب فتخرج منه منذهلة فتقع في الخلية فيصيدها الأكراد، وإذا علموا أن جوف الشجرة خلا من النحل شقوا ساقها واستخرجوا العسل من باطنها. وفي بعض الأحيان يأوي النحل إلى مغاور في الجبال فيأتي الأكراد إليها ويخاطر أحدهم بنفسه فيغطي بدنه كله بجلد من جلود المعز ولا يبقي من جسمه إلا عيناه فينزل إلى تلك المغارة ورفقاؤه يدلون له دلواً فيملأه لهم عسلاً شهداً فيجرونه ويضعونه في ظروف ويكرر هذا الفعل مراراً إلى أن ينفذ ما في داخلها وإذا أراد الخروج شد حبل الدلو في وسطه وجره أصحابه إلى خارج.
وهناك علامات غير هذه وهي انهم يستدلون على وجود العسل والنحلة في الأشجار بالدب والدب مغرم بالعسل وهو يعرف الشجرة المملوءة عسلاً من الفارغة منه، فيأتي إليها ويمتص من ثقبها العسل فإذا رآه الأكراد قريباً من إحدى الأشجار علموا أنها مملوءة عسلاً فيطردون الدب ويتخذون لاصطياد النحل واستخراج العسل تلك الحيلة التي وصفناها آنفاً.
5 -
حقائق عن النحل
حكى لنا الذين أخذنا عنهم ما كتبناه حقائق نورد بعضاً منها إيقافاً للقارئ عليها قال: إن مرعي دويبة النحل أثمار التين وسائر الفاكهة والأزهار
بجميع أنواعها. ولذة العسل تابعة لمناخ الإقليم وجودة أثمار أشجاره، وكلما كان الإقليم جيد الهواء، عذب الماء، كثير الأشجار والأزهار، ازداد العسل حلاوة ولذة ورونقا، وأي قسم من أثمار كل إقليم يغلب على غيره بأثماره تجد طعمه ورائحته فيه، ولذلك تشم في عسل شهرزور وكركوك رائحة البرتقال
لأن النحلة ترعى هناك فقاحه، وهكذا قل عن كل قطر فأن القطر الذي يغلب فيه ورد البنفسج مثلا على بقية الأزهار يشم من عسله رائحة تشبه رائحة البنفسج وقس على ذلك بقية المواطن، قال: وخلايا العسل توضع في غرفة مسدودة الأبواب والمنافذ فيها ثقوب صغار تروح منها النحلة وتغدو، ويكون أمام الغرفة أشجار، وفي بعض الأحايين تغضب على أصحابها وتطير وتجعل الشجر الذي أمام غرفتها وكراً لها فتقف على غصن منها مجتمعة فيأتي صاحبها متخفياً ويقطع ذلك الغصن بمنشاره ويأخذ الغصن ويدخله بسرعة في مشوارة كان أعدها لمثل ذلك الوقت فيحبس النحل فيها، وربما عمل غير ذلك، وهو أن يأتي بعميرة طلى ظاهرها وباطنها بالدبس ثم يلقيها على الأرض فيتهافت عليها النحل لأنه يميل إلى الحلوى فيدخلها من باب مفتوح وللحال يسده صاحبها.
وقيل إذا غضبت النحل ولم تر أمام غرفتها شجرة تأوي إليها حلقت في الجو فلا تنزل في وكرها ومأواها إلا بعد أن يدق لها صاحبها بالطاسات أو بشيء يسمع له دوي في الفضاء، ومما يذكره عن النحلة إنها إذا لسعت الإنسان تورم جلده وربما هيجت فيه القيء لأن لسعها كلسع العقرب، وإذا اجتمعت النحلة على عصفور قتلته. والزنبور المعروف في العراق يقتل النحلة ويأكلها.
6 -
عسل هوزومير
هوزومير قرية تبعد عن شرقي زاخو يومين وهناك نهر يسمى (الهيزل) يدفع ماءه في الخابور بالقرب من زاخو والخابور يصب ماءه في دجلة بالقرب من قرية (بيش خابور) وهذا النهر يمر بين جبلين شامخين وفي الجانب الأيمن منه في أعلى قمة الجبل مغارة عزيزة المنال لا يمكن الوصول إليها وهي مملوءة عسلاً شهداً فيتخذ الأكراد هذه الوسيلة الآتية لاستخراج العسل منها وهي انهم يمدون