الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرائف
1 -
توطئة
جاءت لفظة العرائف بمعانٍ شتى في لغة أهل نجد الحاليين. فنحن نذكر هنا أهمها ثم نذكر في الآخر المعنى الذي عقدنا له هذا البحث فنقول:
العرائف جمع عرافة بكسر الأول ويراد بها أولاً: ما يعرف به الشيء أي يعلم به بعد ضياعه أو فقده فيشمل الضالة والذاهبة والضائعة والمسروقة والمبطوحة والعبد الآبق والبعير الشارد وغيرها. وإذا عرف الرجل ماله الضائع فوجده عند رجل آخر أو عند قوم غير قومه أطلق على ذلك المال اسم (العرافة) باسم المصدر فيقول صاحبه والمطالب به (عرافتي كذا (أي مالي المفقود الذي وجد الآن هو) عند فلان. ومنهم من لا يطلق على الأشياء المفقودة اسم العرافة إلا بعد المطالبة بها أو حين الشروع بالمطالبة. ومنهم من يطلقها عليها حين العرف بها (أي حين العلم بها). فإذا قيل مثلاً: الشيء الفلاني عرافة فهم السامعون أن
الشيء الفلاني الضائع قد صار إلى غير صاحبه أو قد وجد عنده وهو لغيره.
وسواء كان حافظ المفقود رجلاً واحداً أو قوماً. لأن المشروط في العرافة أن يكون الشيء منتقلاً إلى آخر بغير طريق مشروعة عندهم لأن المشروعات عندهم هي البيع والشراء والمبادلة والكسب وغارة الضحى وما شاكل ذلك في الغزوات من أخذ وسلب وغيرها.
والعرافة عندنا هي غير العارفة؛ لأنك رأيت ما تريد بالأولى فأما العارفة فهو عندنا وعند أهل البادية جميعاً بمنزلة القاضي عند المتحضرة. وسمي بالعارفة على وزن فاعل مع تاء في الآخر وهي تاء المبالغة كالراوية لا تاء التأنيث لأنه يعرف المتحاكمين إليه بالحق ويحكم به أو لأنهم يعرفهم بحق كل واحدٍ منهم حينما ارتضوه حكماً لهم. وكان الأقدمون من العرب يسمونه الحاكم. وهو مشتق من الحكم لا من الحكمة كما يتوهمه قوم من الكتاب ومنهم أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة والأقرع بن حابس وعامر بن الظرب وهاشم بن عبد مناف وعبد المطلب بن هاشم وغيرهم.
وإذا علمت ما هي العرافة فاعلم الآن أنه يجوز عليها القرع. أما القرع عندنا فهو عبارة عن التنبيه والإخطار أو بعبارة أخرى هو أن ينبه صاحب الضائعة لمن عنده حينما عرفها
أنها له فيقول: إن عرافتي الفلانية هي عند فلان بن فلان أو عند العرب الفلانيين أو في المحل الفلاني وهي (مقروعة أو مقروع عليها أو مقروعة عليه). وله وجه فصيح في اللغة من قرع السهم القرطاس إذا أصابه؛ لأن الإنسان إذا أصاب شيئاً مطلق الحرية بسهم من سهامه أخذه له فكيف لا يأخذه وهو له في الأصل. ولهذا لا يجوز للرجل أن يبيع العرافة أو المقروعة
كما لا يجوز لأحد أن يشتريها إلى أن تنتهي المحاكمة. فإن باعها خسر ثمنها أو ما يقابلها ودفعه إلى صاحبها الأول.
ويجوز لصاحبها بعد القرع أي بعد التنبيه أن يأخذها أن وجدها عند آخر وهو الذي وجدت عنده أخيراً. أما هذا صاحبها الأخير فله حق استرجاع ثمنها من صاحبها الغير الشرعي وهو الذي وصلت منه إليه (وعلى تعبيرهم: الذي درجت منه إليه). وأما إذا انتهت المحاكمة بعد القرع فأن أثبت المدعي إنها له أخذها منه ودفع صاحبها إلى أن يتتبع الذي وجدت عنده أن كانت درجت إليه من أحد. فإن لم يثبت أنها له سقط القرع وجاز لذاك التصرف فيها. ولهذا البحث فروع كثيرة يطول ذكرها وليس هذا محلها. ولكن هناك شيئاً وهو هل يجوز القرع على من وجدت عنده العرافة (الضائعة أو نحوها) إذا كان من أعراب أو من قبيلة معادية لقبيلة القارع أم لا؟ - قلنا: إن بعضهم لا يجوز القرع في مثل هذا المقام وسببه أن القرع لا يتمشى حكمه على العدو؛ لكن إذا تم الصلح بين القبيلتين وكان قد أشترط رد العرائف أرجعت في أبان الصلح. هذا إذا لم تكن قد انتقلت (وبتعبيرهم إذا لم تكن قد درجت) من عند من
علمت أنها عنده ببيع أو شراء أو مبادلة أو ضياع قبل الصلح. أما إذا كانت قد درجت إلى آخر في حين عداوتهم فالقرع يسقط عن ذلك الرجل. فإذا صار الصلح فما لم يكن قد وقع عليه شرط رد العرائف لا يعاد. والعكس بالعكس، أي إذا درجت إلى آخر وهم في حين المحاربة لا يشملها شرط إرجاع العرائف في أبان الصلح كما تقدم بيانه ويجوز القرع بعد الصلح أن لم يعلم بالعرافة إلا بعد الصلح فقط.
وقد جوز البعض الآخر القرع في حين العداوة وذلك أن كانت العرافة قد درجت إلى من وجدت عنده قبل حدوث العداوة (أي في زمن الصلح) ثم نشأت بعد ذلك فنشبت المحاربة جاز لصاحبها أن يقرعها ويشهد على ذلك شهوداً. فإذا تم الصلح طالب بها أن أراد وخاصم مناوئه عليها إذ تجرى عليها الشروط المتقدم ذكرها بتمامها بدون أن يثلم منها حرف واحد.
أما المحاكمة فتجرى عند القاضي أن كان المتخاصمون في المدن، أو عند الأمير إن كان حولهم أمير، أو عند العارفة أن كان هناك عارفة. وإن أصدر أحد هؤلاء المحكمين أمراً فلا يجوز لأحد تغييره أو الجري بخلاف ما قضى.
بقي علينا هنا أن نذكر أمر المغصوبة وهل تعد عرافة وهي يقدر صاحبها أن يسترجعها أم لا؟ قلنا: إن بعضهم ينفي ذلك لأن حكم المغصوبة داخل في حكم الغنيمة ولهذا تسمى باسم المغصوبة حين المطالبة بها أو حين المحاكمة. وبعضهم يعد الاغتصاب كاللصوصية داخلاً في الطرق الغير المشروعة عندهم ولهذا يطلق عليها اسم (عرافة) والقائلون بهذا القول أقرب إلى الحق منه إلى خلافه. وهذا ما يظهر لك صدقه من سرد حادثة العرائف الذين نعقد لهم هذا الباب. وقد ضربنا صفحاً عن أشياء كثيرة يطول ذكرها كمنفعة العرافة في عهد من عرفت عنده كما لو كانت مثلاً جواداً أو هجيناً فغزا به وغنم فهل يرجع الغنم إلى صاحبه الأصلي أم إلى من غزا به؟ أم هل يكون لصاحبه الأصيل الربع أم لا؟ وما حقوق العارفة وكيف تجرى على من حفظها وعلى أي وجه
تجرى المحاكمة وكيف تكون الإيمان والشهود والاستشهاد وغيرها من الاصطلاحات المعروفة عندهم من سابق العهد وهي كلها غير مدونة في الكتب والمؤلفات أن قديمة وأن حديثة وإنما تناقلوها خلفاً عن سلفٍ منذ العهد العهيد.
أما العرائف الذين قد أرصدنا لهم هذه الأسطر فهم رجال يعرفون لهذا الاسم من أمراء نجد ويعرف واحدهم باسم (عرافة). وإنما سموا بهذا الاسم للحروب التي حدثت بين أمراء نجد في القرن الأخير. وقد استطار هذا الاسم في جزيرة العرب كلها حتى إنك إذا حللت قوماً أو نزلت داراً أو دخلت عمرة (ندوة) وسمعت لفظة العرائف فأعلم أنه لا يراد بها إلا هؤلاء الأمراء الآتي ذكرهم. فإذا حفظت كل ذلك نقول:
2 -
العرائف بمعنى جماعة من أمراء نجد
لما تضعضعت أركان دولة آل سعود في نجد وأفضت بعد وفاة الإمام فيصل سنة 1282. (1865م) إلى أولاده الثلاثة: عبد الله وسعود (وقد توفيا) وعبد الرحمن الفيصل (وهو حي يرزق إلى اليوم) حدث بينهم شقاق أنتج حروباً كثيرة متتالية أضرت الجميع. وفي أثناء تلك المعارك كان الأمير محمد ابن الرشيد يغتنم الفرص كلما سنحت له ليوسع أملاكه
فساعده الحظ والجد على أن تعنو له نجد كلها وذلك بين سنة 1297 وسنة 1308. (بين سنة 1879 وسنة 1890م) وكان قبل هذا العهد قد وقع بين سعود الفيصل وقائع جمة توفي في أثنائها سعود فقام أحفاده محمد وعبد العزيز وسعدون وخرجوا على عمهم عبد الله الفيصل وأذاقوه الأمرين فأستنجد بالأمير محمد ابن الرشيد فسار بجيش لهام وزحف به عليهم وأخرجهم من الرياض وبعد أن مات البعض ألقى القبض على الباقين وعلى أولادهم وسجنهم في (حائل) مقر إمارته إلى أن توفي سنة 1315 فخلفه الأمير ابن أخيه وهو عبد العزيز به متعب الرشيد. وفي أيامه وقعت تلك الفتن فأطلق سراح الباقين مع أولادهم. ومن ذلك العهد لقبوا بالعرائف لأن قضيتهم والفصل فيها يشبهان قضية وفصل العرافة التي مر بنا ذكرها. ولما أطلق سراحهم أستقبلهم عبد العزيز باشا السعود بالسرور والأكارم ورحب بهم كل الترحيب فلم يقيموا عنده سوى عامين ثم قاموا بما قاموا به فهاجوا