الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا ما سنحت لي الفرصة بمعرفته من أحوال هذه البقعة ولعلني قد أخطأت في بعض ما هنالك مما يستحق الذكر فالتمس من القراء عذراً.
محي الدين فيض الله الكيلاني
كتاب معارج القدس
لأبي حامد الغزالي
كتاب خط كان يظن أنه مفقود فوجد
عند أحد أدباء بغداد كتب نفيسة نادرة ومن جملتها مجموعة فيها الكتب الآتية:
1 -
مسائل في أحوال النفس. رسالة في ثلاث صفحات. (غير مطبوعة)
2 -
كتاب معارج القدس لأبي حامد الغزالي (وهو غير مطبوع)
3 -
كتاب معيار العلم للغزالي (مطبوع في مصر)
4 -
كتاب محك النظر للغزالي أيضاً. (وهو مطبوع أيضاً)
ونحن لا نصف هنا إلا الكتاب الثاني وهو في 82 صفحة. طول كل منها 17 سنتيمتراً في 9 سنتيمترات عرضاً. وطول المكتوب من الصفحة 13 سنتيمتراً في 6 سنتيمترات عرضاً. وفي كل صفحة 18 سطراً. وهو حسن الخط من نوع المعلق. اسود الحبر فاحمه. والمجموعة مجلدة بالسختيان الأحمر وفي اسفل الكتاب وأعلاه شيرازة محكمة الصنع بلونين أحمر وأخضر. وقد كتبت العناوين بحبر أحمر حسن. والمجموعة كلها بيد كاتب واحد ماهر. والكتاب الذي نحن في صدده محفور على طوله حفراً مسنناً وفيه ثلاث حفر. والكاغد حسن أصفر ترمذي، أما تاريخ المجموعة فلم يذكر إلا في آخر كتاب معيار العلم. إذ يقول ما هذا حرفه:
(. . . وكما يشتبه العلم الحقيقي بما لا حقيقة له، وافتقر بسببه إلى معيار: فكذلك يشتبه العمل الصالح النافع في الآخرة بغيره، فيفتقر إلى ميزان تدرك به حقيقته. فلنصف كتاباً في ميزان العمل كما صنفنا هذا في معيار العلم. ولنفرد ذلك الكتاب بنفسه ليتجرد له من لا رغبة له في هذا الكتاب. ولله تعالى يوفق متأمل الكتابين للنظر إليهما بعين العقل لا بعين التقليد. إنه ولي التسديد والتأييد. - والحمد الله رب العالمين، حمد الشاكرين. وصلوته على
نبيه محمد وآله الطاهرين وأصحابه الهادين المهدين. ووقع الفراغ منه يوم الثلاثاء وهو يوم عيد الفطر سنة سبع وثمانين وثمانمائة (- يوم الثلاثاء 12 من شهر ت 2 سنة 1482م). - ودونك الآن فاتحة المؤلف:
عونك يا لطيف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مبدع الأرواح وخالق الجسد. وفاتح الإغلاق والعقد. ومانح الاعلاق والعدد. ومن أعطا الهدى والرشد. حمداً بعدد ما يتكرر من لحظات العيون ويتعدد. ويتجدد من أنفاس الصدور ويتردد. والصلوة والسلام على اكرم والدِ وولد. محمدِ وآله صلوة تبقى وتتأيد. اعلم أن الله فتح بصائر أوليائه بالحكم والعبر. واستخلص هممهم لمشاهدة عجائب صنعه في البدو والحضر. فكلما لا حظوا شيئاً لا حظوا فيه عبرة لأن جميع الموجودات مرآة للوجود الحق المحض. فالظاهر بذاته هو الله سبحانه. وما سواه غايات ظهوره ودلائل نوره، شعر:
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد
فكلما سنح لهم شيء في مسارح النظر. ومجاري الفكر. عاجوا منه إلى جناب القدس. حتى يتصلوا بمن هو شديد القوى. ذو مرة فاستوى. لم تغيره الأحوال بل علا. وكمالاته حاصلة بالفعل وهو بالأفق الأعلى. وإذا سنح لهم هذا العروج فلا يزالون في دنوِ وقربٍ حتى يبلغوا الغاية القصوى. فيفيض عليهم حقائق العلوم. وأسرار المعارف. وغرائب الآيات. في ملكوت الأرض والسموات. وإذا بلغوا هذا المنتهى. فهو السدرة المنتهى. فلا يلتفتون إلى شيء من عالم الزور وعبر التنزيل عن هذه الجملة بقوله علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى. إلى قوله من آيات ربه الكبرى. فينبغي لكل عاقل أن يكون الله سبحانه وتعالى أول كل فكرِ له وآخره. وباطن كل اعتبار وظاهره. فتكون عين نفسه مكحولة بالنظر إليه. وقدمه موقوفة على المثول بين يديه، مسافراً بعقله في الملكوت الأعلى، وما فيها من آيات ربه الكبرى. فإذا انحط إلى قراره فليره في آثاره. فانه باطن ظاهر. تجلى لكل شيء
واظهر الآثار التي يرى فيها جلال الحق وكمال صفاته. إنما هو معرفة النفس. كما قال تعالى: سنريهم آياتنا في الأفق. وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون. وقال عليه السلام: من عرف نفسه. فقد عرف ربه. وقال عليه السلام: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه. ونحن نعرج في هذا الكتاب من تدرج معرفة النفس إلى معرفة الحق جل جلاله. ونذكر مخ ما يؤدي إليه البراهين من حال النفس
الإنسانية. ولباب ما وقف عليه البحث الشافي من أمرها. وكونها منزهة عن صفات الأجسام. ومعرفة قواها وجنودها. ومعرفة حدوثها وبقائها وسعادتها وشقاوتها. بعد المفارقة على وجه يكشف الغطاء. ويرفع الحجاب ويدل على الأسرار المخزونة. والعلوم المكنونة. المضنون بها على غير أهلها. ثم إذا ختمنا فصول معرفة النفس، فحينئذ ننعطف على معرفة الحق جل وعلا. إذ جميع العلوم مقدمات ووسائل لمعرفة الأول الحق جل وعلا، وكل ما يراد لشيء فدون حصول مقصوده يكون ضائعاً. فمن عرف نفسه. عرف ربه. وعرف صفاته. وأفعاله. وعرف مراتب العالم مبدعاته. ومكنوناته وعرف ملائكته. ومراتبهم. وعرف لمة الملك. ولمة الشيطان. والتوفيق والخذلان. وعرف الرسالة والنبوة. وكيفية الوحي وكيفية المعجزات. والأخبار عن المغيبات، وعرف الدار الآخرة. وسعادته وشقاوته. وأقسامها ولذة البهجة فيها. وعرف غاية السعادة والتي هي لقاء الله تعالى. فمن يسر له هذا السفر. لم يزل في سيره متنزهاً في جنة عرضها السموات والأرض وهو ساكن بالبدن. مستقر في الوطن. وهو السفر الذي يسفر فيه عن وجه المعرفة. وتنحل أزرار الأنوار في هذه الأسفار. وهو السفر الذي لا تضيق فيه المناهل والموارد. ولا يضر فيه التزاحم والتوارد. بل يزيد بكثرة المسافرين غنائمه، وتتضاعف ثمراته وفوائده. فغنائمه غير ممنوعة، وثمراته متزايدة غير مقطوعة، ومن لم يؤهل للجولان. في هذا الميدان. والتطواف في منتزهات هذا البستان، فليس بيده إلا القشر. يأكل كما تأكل الأنعام. ويرتع كما ترتع البهائم. وشرح هذا السفر. وبيان هذا العلم العظيم القدر، لا يمكن (كذا أي لا يكون) في أوراق. وأطباق.
ويقصر عن شرح عجائبه العبارات والأقلام. ونحن بعون الله وتوفيقه، نشير إلى كل واحد من هذه الجمل على وجه يستقل به المتفطن. وأما الجامد البليد، الذي يأخذ العلم بالتقليد. فهو عن معرفة مثل هذه العلوم بعيد. إذ كل ميسر لما خلق له. فمن رشح للسعادة. وشارف نيل الإرادة. أعطى أولاً كمال الدرك من وفور العقل وصفاء الذهن. وصحة الغريزة. واتقاد القريحة. وحدة الخاطر. وجودة الذكاء والفطنة. وجزالة الرأي. وحسن الفهم. وهذه تحفة من الله تعالى، وهدية لا تنال بيد الاكتساب. وتنير دونها وسائل الأسباب. ومن وهبت له هذه الفطنة فحينئذ عليه استكداد الفهم. والاقتراح على القريحة. واستعمال الفكر، واستثمار العقل. بتحديق بصيرته إلى صوب الغوامض؛
وحل المشكلات بطول التأمل. وإمعان النظر. والاستعانة بالخلوة وفراغ البال. والاعتزال عن مزدحم الأشغال. والقيام بوظائف الطاعات، حتى يصل إلى كمال العلوم. وسمينا الكتاب معارج القدس، في مدارج معرفة النفس، وفقنا الله لإتمامه.) اهـ.
ومن بعد هذه المقدمة الطويلة ذكر محتويات الكتاب وهي هذه:
فهرست الكتاب
1.
مقدمة الكتاب 2. بيان إثبات النفس 3. بيان أن النفس جوهر 4. بيان أنه جوهر ليس له مقدار وكمية 5. بيان قوى الحيوانية وتقسيمها إلى محركة ومدركة 6. بيان القوى الخاصة بالنفس الإنسانية من العقل النظري والعملي 7. بيان مراتب العقل واختلاف الناس في العقل الهيولاني وبيان العقل القدسي 8. بيان أمثلة درجات العقل من الكتب الإلهي 9. بيان تظاهر العقل والشرع وافتقار أحدهما إلى الآخر 10. بيان حقيقة الإدراك ومراتبه في التجريد.) اهـ
وألان نذكر فصلاً من فصول هذا السفر الجليل وهو الذي عنوانه:
بيان أن النفس قد تحتاج إلى البدن وقد لا تحتاج إليه
إن القوى الحيوانية قد تعين النفس الناطقة في أشياء، منها: أن يورد الحس عليه الجزيئات فيحدث له من الجزيئات أمور أربعة.
أحدها، انتزاع النفس الكليات المفردة عن الجزيئات على سبيل تجريد معانيها عن المادة وعن علائق المادة ولواحقها ومراعاة المشترك فيه. والمباين به، والذاتي وجوده، والعرضي وجوده، فيحدث للنفس عن ذلك مبادئ التصور عن استعمال الخيال والوهم مثل الجنس والفصل والعرض العام والعرض الخاص.
والثاني، إيقاع النفس مناسبات بين هذه الكليات المقودة على مثال سلب وإيجاب فما كان التأليف فيه ذاتياً بيناً بنفسه أخذه وما كان ليس كذلك تركه إلى مصادفة الواسطة.
الثالث، تحصيل المقدمات التجريبية وهو أن يوجد بالحس محمول لازم الحكم لموضوع ما كان حكمه بالايجاب، أو السلب، أو نال موجب الاتصال أو مسلوبه، أو موجب القياد، أو مسلوبه، وليس ذلك في بعض الأحايين دون بعض، ولا على المساواة، بل دائماً متى تسكن
النفس. على أن طبيعة هذا المحمول أن يكون فيه هذه النسبة إلى هذا الموضوع، والتالي أن يلزم هذا المقدم، أو بنافيه لذاته، لا باتفاق، فيكون ذلك اعتقاداً حاصلاً من حسٍ وقياس. أما الحس فلأجل مشاهدة ذلك؛ وأما القياس فلأنه لو كان اتفاقاً لما وجد دائماً، أو في الأكثر؛ وهذا كالحكم بان السقمونيا يسهل للصفراء بطبعة، لإحساسنا ذلك، وبقياسنا أنه لو كان لاعن الطبع بل بالاتفاق لوجد في بعض الأحايين.
الرابع، الأخبار التي يقع بها التصديق لشدة التواتر. فالنفس الإنسانية تستعين بالبدن لتحصيل هذه المبادئ للتصور والتصديق ثم إذا حصلته رجع إلى ذاته؛ فإن تعرض لها من القوى التي دونها، بأن تشغله، شغلته عن فعله، واضرب بفعله، إلا في أمور تحتاج فيها النفس خاصة، بأن تعاود القوة الخيالية مرة أخرى لاقتناص مبدأ غير الذي حصل أو معاونة بإحضار خيال. وهذا يقع في الابتداء كثيراً ولا يقع بعده إلا قليلاً. وأما إذا استكملت النفس وقويت، فإنها تنفرد بأفاعيلها على الإطلاق وتكون القوة الخيالية والحسية وسائر القوى البدنية غير صارفة لها من فعلها؛ بل شاغلة لها. ومثال ذلك أن الإنسان قد يحتاج إلى أدلةٍ وآلات ليتوصل بها إلى المقصد؛