الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص 221 س 16 الاسكندية صحيحه الإسكندرية
ص221 س21 المملكة لإسلامية صحيحه المملكة الإسلامية
ص 223 س 8 الذي نحن شانه صحيحه الذي نحن في شانه
ص 10 ووزارء تصحيحه ووزراء
ص 18 من الجيلان صحيحه من جيلان
ص 233 س 7 فضلاً الثالث. فضلاً عن الثالث
ص 18 والمرضوع. والموضوع
ص 238 س 23 والاذويسة. والاوذيسة بتقديم الواو على الذال المعجمة
ص 240 س 27 وجاء بعده ابن ارفع راس شاعر المامون صحيحه راس شعراء المامون
ص 242 س 27 وجعل كل قديم حديثاً في عصره، وكل شرف خارجية (كذا) في أوله. والأصح. . . وكل شريف خارجياً في أوله. والخارجي من يسود بنفسه من غير أن يكون له قديم.
ص244 س 1 ومعائب والأصح ومعايب
ص 247 س 23 التعالبي. . . تيمة الدهر والأصح الثعالبي. . . يتيمة الدهر
ص 249 س 25 بالقصائد والأصح بالقصائد
ص 255 س 5 من مشائخ الشعراء والأصح مشايخ
ص 16 باصفان والأصح باصفهان
ونقف عند هذا الحد من أغلاط الطبع لئلا يطول بنا الكلام إلى الملل والسآمة
لباس الحيوانات وتنكر أزيائها
أن من نظر إلى الطبيعة نظرة مدقق، ووقف بين يديها وقفة محقق، يأخذه الدهش، ويعتريه الدله، مما يتثبته من وجود الوفاق والوئام في أجزائها،
وارتباط بعضها ببعض ارتباطاً محكم العرى، مجدول القوى. انظر إلى هذه النباتات على أنواعها، ترها قد خلقت صالحة للبيئة التي تحيا وتموت فيها صلاحاً ليس وراءه شيء. وإذا أمعنت في النظر، فجاوزت فيه تخوم النبات، فبلغت مملكة الحيوانات، ترى هناك من الوئام والوفاق بين الحي وبين الوسط الذي ينشأ ويعيش ويقضي أيامه فيه، ما لم يمكنك إلا أن تقضي منه العجب العجاب.
أن الطبيعة تحن على كائناتها ولا حنو الأمهات على أولادهن، فأنها قد هيأت لها جميع الوسائط، وذرعتها بكل الوسائل، لتعيش وتدافع عن كيانها مدافعة امهر القواد في ساحة الوغى، ولولا غريزة التنكر والدهاء، التي خصتها الطبيعة بالحيوانات، لما قدرت أن تهرب من الأخطار العديدة التي تتهددها في كل آونة، وتفلت من قبضة أعدائها القاعدين لها بالمرصاد. فبهذه الغريزة نتمكن من تغيير الوانها، وتبديل أزيائها تغييراً يجعلها تختلط بوسطها اختلاط الماء بالخمر، حتى لا تكاد تتميز عما يحيط بها، وقد تأخذ بعضها صورة نبات أو جماد احسن اخذٍ حتى تقلدها أبدع تقليد أو تتشبه بحيوانٍ فتظنه هو بعينه، ومع ذلك ليس هناك من رابطة قرابة.
1 -
ألوان الحيوانات
أن ألوان الحيوانات تتضارب بتضارب مناخ موطنها؛ واختلاف إقليم بيئاتها فهي توجد في الفلوات الواسعة الرملية، والسهول التي يكسوها الجليد، والإحراج الظليلة، والجبال، والمروج، والمستنقعات، والأنهر. فتتعدد ألوانها بتعدد مواطنها، وتتردى برداء يناسب محيطها.
فالحيوانات التي مسكنها فلوات أفريقيا الواسعة الأطراف، الممتدة الأكتاف، تمتاز بوحدة لونها الآدم؛ ويخال الناظر إليها أن الشمس قد لوحتها، كما تصهر حرارتها رمل صحرائها التي تتوغل فيها هذه الحيوانات مثل الأسد والجمل والغزال.
فلنقف هنا قليلاً ونسأل: هل يمكن أن يرجع هذا الأمر إلى العرض والاتفاق؟ لا لعمري، فأنه محتوم، بل لا مندوحة عنه، تتطلبه مصلحة تنازع البقاء. فلنفرض أسداً أخضر اللون، أو سماويه، أو مرقطاً كالحية، أم
لامع الجلد لمعان ريش الببغاء ففي أي بقعةٍ من القفر يختفي هذا الأسد، إن لم يكن له ملجأ إلا الصخر الاجرد، أو الرمل القاحل؟ أفلا تستوقف ألوانه الزاهية الصيادين الذين يمرون به؟ أو لا يضحى لهم غنيمةً باردة؟ هذا من جهة دفع الخطر عن ذاته وأما إذا طلب الرزق لنفسه، فمهاجمته لفريسته تكون صعبة جدا، لأنها تراه حينئذٍ فتهرب منه لكونه عدوها.
فبوحدة اللون يتيسر للأسد أن يباغت الغزالة أو البقرة، ويهجم عليها على حين غرة منها، وبهذه الوسيلة نفسها تختفي كل منهما عن عيني عدوها وراء صخرة من الصخور، ويختلط لونهما اختلاطاً تاماً، فيمر على مقربةٍ منها ولا يشعر بها.
لننتقل من هاجرة دائرة الانقلاب، إلى شتاء الأقطاب القارس، تر أن المنظر يخلف اختلافاً بيناً عما سبق، فلا تشاهد ثم، إلا سهولاً بعيدة الأكناف، مغطاة بالثلوج، قد تراكم عليها الجليد، واشتد فيها البرد، وساد عليها السكوت؛ لا بل تبقى أرضها وبحارها مدفونة مدة أشهر مسجاة بكفن ابيض. فحيوانات هذه الأرجاء تتزمل برداء يقيها شر الثلوج، ولون ذاك الرداء ابيض ناصع كالثلج فتذهب وتؤوب راخية البال لا تخشى طارقاً في تلك البيئة التي يشبها أدنى لونٍ، ويهتك سر وجود سكانها للعيان.
لنتوغل الآن في الغابات، وندخل احراج أميركا، وأزوار الهند المشتبكة الأشجار. فماذا نرى؟ نرى جماعات من الشجر فيها الكبيرة والصغيرة، القديمة والحديثة، فيها النباتات المتشبثة بأخواتها تلتف حول الأغصان كأنها الأفعوان وكثيراً من الخنشار المتشجر. فجميع تلك البقاع هي عبارة عن قطعةٍ واحدة من النباتات الخضراء الناضرة، والأزهار البديعة، لكنها وعرة المسلك، لا يمكن أن يمر بها الإنسان إلا بكل عناء أو بشق النفس، لأنه لا يوجد فيها مخرف. فياله من منظرٍ بديع يخلب الألباب! ومما يزيده حسناً على حسنٍ، نفوذ أشعة الشمس بين الأوراق، فتبين تلك الأمكنة كأنها منورة بنورٍ صنعى، تقاطعها الاظلال والأشعة. فهناك تختفي حيوانات رائعة لها في ذلك التواري غاية، تعود عليها بالنفع، لحفظ كيانها وقيام وجودها.
هناك يكون شعر الحيوانات الموجودة فيها، ارقش أو منقش بألوانٍ
مختلفة، كالنمر، والفهد، فكأن المحيط قد اثر عليها تأثيراً ظاهراً، وصبغها بألوانٍ مرقطة، تشبه جذوع الأشجار؛ والأوراق التي ترى تارة تخرتها الأنوار وطوراً تبقى في الظل.
أن ما قلناه عن لون الحيوانات التي تعيش في الأراضي الرملية، وعلى الثلوج، وفي الغابات، يصدق أيضاً على لون الحيوانات التي تعيش في المروج فأنها تمتاز بخضرة لونها، مثل الضفادع، وبعض الحيات، والحيوانات الصغيرة بالعموم، من نوع الزحافات، والضفدعيات، التي تزحف أو تعوم أو تختفي في الكلا والبطائح.
2 -
التلون الظاهر
هل تريد برهاناً حسياً يؤيد صحة مذهبنا، ويدعم صدق مقالنا، أي أن لون الحيوان تعينه طبيعة البقعة التي يسكنها ثم إذا طرأ على الأرض طارىء، وتغير لونها. تسوقه حالاً غريزته إلى تغيير لونه؟ - خذ قرة (ضفدعة صغيرة) وضعها على ورقة خضراء يخضر لونها؛ ارفعها من هناك ودعها على جذع شجرة مرقط قاتم اللون، فلا تبطئ أن تبدل لونها، ويضحى لباسها ارمد، مائلاً إلى القتمة؛ ثم اجعلها على مقربة من شيء معدني، فتتلون باللون الذهبي. ولكن أين هذا التغير من تلون الحرباء الذي يضرب المثل بتقلبه؛ فأنه ينتقل من حالة إلى حالة أخرى خاضعاً لبيئته؛ فيظهر تارة دويبة دميمة الخلقة؛ وطوراً حسناء، ومرة يتلون بأي لون شاء من ألوان قوس قزح الجميلة؛ وأحياناً يستقر على أرض جرداء فتراه حينئذٍ ادكن اللون؛ وهو يخضر إذا وقف على الأعشاب والأوراق، وقصارى الكلام أن المتفرج عليه يظن أن الألوان تنعكس فيه، وذلك لشدة الائتلاف الموجود بينه وبين محيطه، وهذا التبدل يجري مجريين في المسألة: أولاً، يقي الحرباء من حملات أعدائه عليه، ثانياً؛ يواريه عن أعين الدويبات الصغيرة التي يصطادها قوتاً له. فالحرباء يقعد لفريسته بالمرصاد ساعات طوالاً صابراً متشبثاً بالاغصان، حتى يتمكن من اصطيادها، فيمد إليها لسانه الطويل الدبق ويسترطها هنيئاً مريئاً.
3 -
تضاد الليل والنهار
كما أن ألوان الحيوانات تختلف باختلاف الاقليم؛ فلاختلاف المناخ والنور والظلام اليد الطولى في منظر الحيوانات. كيف لا والتضاد الدائم الموجود بين النور والظلام ظاهر في
كل الموجودات من حي وجامد. فللطبيعة لوحان: الواحد، لامع مبهج تظهر عليه سيماء السرور والابهة، وهو لحيوانات النهار المزدانة بألوان زاهية. واللوح الثاني، مصمت محزن يقبض القلب ويكرب النفس وهو لحيوانات الليل والغسق.
أن ألون حيوانات النهار لامعة لمعان نور الشمس، كالفراش التي يتبعها الأولاد في المروج، وكطيور المناطق الحارة البديعة المزينة تزييناً عجيباً فتاناً، تبهج ألوانها الناظر، وتسر الخاطر؛ ويصدق أن يقال فيها أنها حلي الطبيعة. أما حيوانات الليل فهي متردية بلباسٍ حزين يوافق ظروفها، ويناسب أخلاقها، ورداؤها رداء الظلام والسكون لونه ارمد أو أطلس. تراها ساكنة حزينة كئيبة قاتمة اللون. ويكفينا أن نذكر الضبع التي جلدها اطلس، وشعرها خشن، ومنظرها خداع، كل ذلك دلائل باهرة على أخلاق المكر والغش الموجودة فيها.
ومن حيوانات الغسق الخفاش ولونه اصحم. وما لنا وهذا الإسهاب الممل فأن طيور الليل اجمعها تظهر لنا مشؤومة الطالع، كالبوم، والخبل، والهام، ومثلها أبو الهول. أننا نكره هذه الحيوانات لما في لونها من لون الحداد ولكن ما الحيلة، وهي لها احسن واقٍ تمكنها من أن تطلب رزقها راخية البال لاختلاط لونها بلون السماء وتصطاد وترتزق بدون أن يداهمها خطر أو يهاجمها عدو؟
4 -
في أعماق البحار - بين السراب والماء
أن هذا الوفاق المدهش بين الكائن ومحيطه يشاهد حتى في أعماق المياه، وإن قلنا أنه يبلغ اشده هناك لما أخطأنا المرمى، لأن شفوف الماء الأزرق، واختلاف تركيب قعور البحار والأنهار، التي تكون تارة رملية، وطوراً حجرية، والتغيرات الفجائية الحاصلة بين الظل والنور، وانعكاسات الأشعة
في المياه وتموجها فيها تؤثر في الحيوانات البحرية تأثيراً عظيما. ولهذا نراه في حركة دائمة يتبدل لونها ويتغير شكلها تغيراً فجائيا ومضطرباً كالوسط الذي تسبح فيه. مثال ذلك أن القريدس وذا المنشار لا يتميزان عن المياه الراكدة إلا بكل جهد، لأن لونهما شفاف كالزجاج الشديد النقاوة، وليس فيهما لون أو بقعة تخالف ما يجاورهما فيظهر وجودهما للعيان. أما السرطان البحري الذي يعيش في السواحل، فهو على خلاف ذلك، فأنه يتلون بألوان مختلفة يتوارى بها عن الأبصار فيختلط ببيئته ويفوز
بالأمان. والبقع الموجودة على قشرته تكون سمراء أو غبراء أو حمراء بموجب لون حبوب الرمل المختلفة التي تحيط به. ومن الغريب أنه إذا وجد في غدير ماؤه ضحل أسرع وانحدر إلى قعره وأثار الرمل حواليه حتى يتغطى به فيتوارى حينئذٍ عن الأبصار بتاتا. وإذا انحدرت الأسماك المفلطحة، كسمك موسى والكنعد وغيرهما إلى قعر الماء، لا تبطئ أن تحرك زعانفها بكل لطافة، وتلقي عنها الرمل وتبقى هناك، كأنها مدفونة بجملتها، ولا يظهر منها إلا أرؤسها وأعينها. ويمكننا أن نقف على مثل هذا المشهد الغريب أن أنعمنا النظر في إحدى محافظ الأسماك التي تحبس فيها للفرجة وللاطلاع على أخلاقها وعوائدها. هذا وكل ما ذكرناه عن مهارة الأسماك ولباقتها في التواري عن الأبصار لا يعد شيئاً بازاء الغريزة التي فطرتها عليها الطبيعة، أي أنها إذا عامت على وجه الماء كان لونها أقتم أو أزرق أو اربد؛ وإذا بلغت القعر أصفر فجأةً. وهي تساق إلى هذا التلون وإلى مطابقتها للون الرمل الذي تستقر فيه بفعل غريزتها. وإذا تغيرت ألوانها صعب تمييزها عما يجاورها إلا على من لا تفوته حيلة أو تطور أياً كان.
وما قلناه عن الوسائل التي تتذرع بها الحيوانات المائية تشبهاً بالجوار لتختفي عن أعين المراقبين، يصدق أيضاً في الأخطبوط فأنه إذا قام على صخرة دكناء أزرق لونه وقلص ذراعيه وأحنى ظهره فأشبه بخدعته هذه، صخرة قديمة الأيام قد أكل الدهر عليها وشرب. ولا يطيش سهمنا إن لقبناه بحرباء البحر إذ أنه يبدل لونه الأزرق الكمد بسمرةٍ شديدةٍ ويحاكي لون المياه الكدرة على حد ما يتلون الحرباء في البر.
يوسف رزق الله غنيمة