الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عين التمر 3: 759). ويزعم فهد بك أن هذا القصر له. ومدير شفاتا؛ قد استخص عين الماء المجاورة له، وهي العين الوحيدة الموجودة في تلك الأنحاء والتي يخلو ماؤها من مادة كبريتية. (عن المذكور ص 2)
نقد كتاب تاريخ آداب اللغة العربية
لجرجي أفندي زيدان صاحب مجلة الهلال.
3 -
أوهامه في الآراء
في تأليف جرجي أفندي زيدان، من المزايا الخاصة به، ما لا تكاد تراه في غيرها. ومن جملة المحاسن أنه يهيئ لك موضوع الفصل التالي للفصل الذي تطالعه؛ حتى انك لتقول في نفسك: هذا لابد منه. وعلى هذا الوجه تتصل الفصول وتأخذ بعضها برقاب بعض حتى نقضي العجب من هذا التداخل العجيب والالتحام البديع. وكثيراً ما اتفق لي أني بدأت بتصفح كتاب من كتبه، فلم اقدر أن القيه من يدي إلى أن أتيت على آخره. كأن الكتاب اصبح شيئاً من ضرائر حياتي في ذلك النهار ولم يمكنني أن استغني عنه.
ومهما يكن من إعجابي بالمؤلف وشغفي بمطالعة أسفاره، فأني أرى فيها بعض الأمور التي كنت أود أن تكون منزهة عنها. ومن جملة هذه الشوائب انتقاله من وهم إلى حقيقة، ومن حقيقة إلى وهم، بعد إدماج عبارة يوهم هذا الانتقال أتم الإيهام، مثال ذلك: إنه قال في الصفحة الأولى من مقدمته (وهي ص 3 من الكتاب) ما هذا نصه بحرفه:
(أما العرب فالمشهور انهم لم يؤلفوا في تاريخ آداب لسانهم. والحقيقة انهم اسبق الأمم إلى التأليف في هذا الموضوع مثل سبقهم في غيره من المواضيع (كذا). ثم أراد أن يؤيد هذا الرأي بدليل تاريخي نقلي صريحٍ، فقال:(فأن في تراجم الرجال كثيراً من هذا التاريخ لأنهم يشفعون الترجمة بما خلفه المترجم من الكتب ويبينون مواضيعها وقد يصفونها. . .) اهـ
قلنا. إن المؤلف خرج من الحقيقة إلى ما يشبهها فأن ما أراده بقوله: (تاريخ آداب اللغة العربية) لم يصدق على ما أراد أن يبينه بعد ذلك، بقوله:(أن العرب اسبق الأمم إلى هذا الموضوع) فأين كتابه مثلاً في (آداب اللغة) من كتاب الفهرست لابن النديم فهل يقال أن هذا الكتاب الأخير هو تاريخ الآداب للغة العربية. واحسن تفنيد لهذا الزعم أن ابن النديم سمى كتابه (الفهرست) ولم يسمه باسم آخر يحقق بعض ما أراد أن يطلق عليه حضرة
كاتبنا الفاضل ولو انصف لقال: إن العرب ألفوا في تاريخ آداب لسانهم، ما يسهل للباحث أن يؤلف كتاباً يفي بمثل هذا الموضوع. ثم أن كان حضرته قد اقر للعرب بهذا الفضل، فلماذا أنكره على أهل الغرب! وهو يعلم أن لليونان والرومان تأليف تفضل كتاب الفهرست من جهة الموضوع الذي يدور قطب الكلام عليه. ونحن لا نفند قوله من كلام نأخذه من المؤلفين الاغراب، بل يكفينا شاهداً ما قاله هو في كتابه ص 15 وهذا نقله:(واقدم الأمم التي دونت تاريخ آدابها وعلومها على نحو ما نحن فاعلون في هذا الكتاب اليونان فقد ألفوا في تاريخ آداب لغتهم غير كتاب وقسموها وبوبوها وانتقدوها.؟ وألف آخرون في آداب اللغة اللاتينية، ثم آداب كل لغة من اللغات الأوربية الحية. . .) إذا لم يكن العرب اسبق الأمم إلى التأليف في هذا الموضوع.
على أن جرجي أفندي زيدان ما أبطأ أن أنكر على العرب أنفسهم هذه المزية التي كان قد أثبتها لهم في أول مقدمته. فلقد قال في الصفحة التالية لمقاله الأول (أي في ص 4) ما هذا حرفه: (على أن هذه الكتب وأمثالها (أي كتب العرب كالفهرست ونحوه) تعد من المآخذ الأساسية لدرس آداب اللغة، ولكنها لا يصح أن تسمى تاريخاً لها بالمعنى المراد بالتاريخ اليوم.) وهذا هو الحق عينه. ومن كان الأجدر به أن لا يقول ما قال في الصفحة السابقة مما يشم منه رائحة التضاد والتناقض.
كثيراً ما ينتقل حضرة المؤلف من الترجيح إلى اليقين، ويتفق له ذلك على
هذه الصورة وهي: يبدأ أولاً بعرض فكره أو رأيه في معرض الارتياب أو الترجيح، ثم يكرره مراراً وعلى كل مرة يعيده يقرض شيئاً من الألفاظ، وينحى عنها بعض الأدوات التي تدل على الأرجحية؛ ثم لا يزال يفعل ذلك حتى لا تمر بضع صفحات إلا وقد تحول الأرجح يقيناً لا يشوبه أدنى ريب. وما كنا نود أن نرى هذا الخلل في حضرة كاتبنا الفاضل. إذ هذا لا يجدر بالمؤرخ، وبالأخص في الأمور التي فيها شأن خطير، كما هي مسئلة دولة حمورابي. فانك ترى الكاتب مثلا رجح في كتابه (العرب قبل الإسلام) (1: 49) أنها عربية؛ وقد ذهب فيها إلى ما ذهب إليه جماعة من كبار المؤرخين والأثريين أي أنها كانت عربية الأصل ثم انتقل في كتابه هذا إلى أنها عربية اللسان، بل وعدها أول دولة عربية ظهرت في العصر القديم، لا بل جعلها في صدر دول الجاهلية الأولى. فلا جرم أن في ذلك تسرعاً
في الحكم وتهوراً في الرأي.
ثم أن طائفة من الباحثين ذهبوا إلى أن حمورابي، عربي النجار، كما أشرنا إليه، وأن دولته عربية المحتد بهذا المعنى: لكن بين أن يكون ملك قوم عربي المنبت؛ وبين أن تكون دولته، ولسان دولته عربية، وجميع رعيته وسوقته من العرب بون ظاهر. كيف لا ونحن نرى في هذا العهد ملوكاً ليسوا من اصل مملوكيهم؛ وهم مع ذلك يسوسون رعيتهم بدون أن تيجنس التابعون بجنسية متبوعهم. ألم نر ملكاً عربياً جلس على عرش رومة؛ ولم نر أيضاً ملوكا أجانب مختلفي العنصر حكموا على بلاد العرب؛ وعليه فلا نرى من المناسب أن تثبت دولة حمورابي بين الدول العربية وتدخل لغة ذلك العهد في تاريخ آداب اللغة العربية وليس هناك ما يمكن أن يبين أنها من هذه اللغة القرشية، التي وضع الكاتب كتابه من اجلها. فالأدلة التي أتى بها في كتاب (العرب قبل الإسلام) لا تقطع هذا الرأي قطعاً لأرد عليه، إذ لا يزال الحكم فيه من باب المجازفة.
وأما أنه صرح في الأخير أن تبعة حمورابي هم عرب بدون أن يستريب به، فظاهر من نص عبارته في ص 47 وهذا هو:(ومما يحسن استطراده: إن اللغات السامية القديمة على كثرتها اختص منها بالأعراب لغة بابل (الآشورية) واللغة العربية، ويؤخذ ذلك من الأدلة على وحدة اصل العرب والحمورابيين
وأن الأمتين كانتا أمة واحدة يتكلمون لساناً واحداً معرباً؛ فتحضر الحمورابيون وظل العرب بادية؛ ومنهم العمالقة فلما تمدن الحمورابيون واركنوا إلى الرخاء ذهب الإعراب من لسانهم وبقي في كتاباتهم المنقوشة. كما أصاب العرب بعد قيام دولتهم وتقييد لغتهم؛ فنشأ من بقايا البابليين أمة لغتها غير معربة هم السريان والكلدان؛ كما نشأ من العرب أقوام لا يعربون كلامهم وهم عامة الشام ومصر وغيرهما من بلاد العرب، وكان أجدادهم في البادية يعربونه.
فنحن نود للمؤلف أن يسير في ما يكتبه لأن (من سلك الجدد أمن العثار)
ومن آرائه التي ننسبها إلى التهور قوله أن اللغة العربية (هي على الأجمال أغنى آداب سائر لغات العالم) فقوله هذا يحملنا على أن نظن في أنه أراد بالآداب غير ما اصطلح عليه في صدر كتابه. لكن تلو كلامه ينفي عن ذهن القارئ معنى آخر؛ لأنه يقول بعد ذلك: (لأن الذين وضعوا آدابها في أثناء التمدن الإسلامي أخلاط من أمم شتى جمعهم الإسلام أو الدولة
الإسلامية وفيهم العربي والفارسي والتركي. . . وكلهم تعربوا ونظموا الشعر العربي وألفوا الكتب العربية في الأدب والنحو. . . فاحتوت آداب اللغة العربية بسبب ذلك على احاسن القرائح وشتات الأخلاق والآداب والصنائع؛ وادخلوا فيها كثيراً من أساليب ألسنتهم الأصلية بدون قصد أو تعمل.)
والذي نراه انهم ادخلوا بعض الألفاظ وبعض الاصطلاحات التي لا تند كثيراً عن مناحي العرب وأصولهم، ولهذا لا نجسر أن نقول: إن العربية على وجه الأجمال أغنى آداب سائر لغات العالم. فاللغات السنسكريتية واليونانية والرومانية من اللغات التي اتسعت أكنافها، وجمعت في أحضانها من الأبناء ما لا ينكر عددهم واختلاف منشآهم ومنبتهم وعنصرهم. وأبقت من الآثار الأدبية شيء كثار لا يخطر على بال العربية أن تعارض نفسها بهن. ولا افهم كيف خفي هذا الأمر على حضرة الكاتب العلامة.
ومن أوهامه أنه جعل الكهانة والعرافة والقيافة والفراسة وتعبير الرؤيا
وزجر الطير وخط الرمل وغيرها (ص 187 - 190) من العلوم التي اصطلح عليها العلماء باسم (ما وراء الطبيعة)، وليس الأمر كذلك. لأن هذه العلوم التي عدها، تعرف باسم العلوم الخفية أو السرية وأما علوم ما وراء الطبيعة فأنها تشمل عالم النفس وعلم سنن العالم وضوابطه وعلم اللاهوت أو علم الكلام؛ وعليه فخروجه عن مصطلح القوم ليس مما يمدح عليه.
ومن أوهامه أن الأعشى أعشى قيس كان نصرانياً (ص 32). وقد أثبتنا في السنة الأولى (ص 354 - 356) من هذه المجلة أن الشاعر المذكور لم يكن نصرانياً البتة، وإنما كان في آرائه شيء من النصرانية، أخذه من نصارى الحيرة لتردده اليهم، لكنه لم يتنصر، بل بقي على دين دهماء العرب أي الوثنية، فاخذ بعض آراء دين من الأديان شيء، والتدين بدين شيء آخر.
ومما يعد في هذا الباب كلامه عن النساء في الجاهلية، فأنه ذكر بعض من اشتهرن بخصال ومناقب ومحامد. ثم أطلق تلك المحاسن على جميع نساء الجاهلية فلا نرى ذلك من الأنصاف. فكان يحسن بالمؤلف أن يقيد كلامه لا أن يطلقه؛ أي أنه لو كان يقول مثلاً أن كثيراً من نساء الجاهلية كن يخيرن قبيل الزواج. لكان التعبير خالياً من كل غبار. لكن قوله:(على أن الغالب في نساء الجاهلية أن يخيرن قبيل الزواج) من الكلام الذي يخالف
حقيقة الحال.
ومن غريب ما ذكره قوله (ص 34): وكان في الجاهلية خطيبات اشتهرت منهن هند بنت الخس وهي الزرقاء (كذا) وجمعه بنت حابس. ولا ندري عمن نقل هذا الكلام والأصح أن بنت الخس هي غير الزرقاء قال في تاج العروس في مادة خ س س: (الخس) بالضم (وهو) الخس بن حابس: رجل من أياد معروف وهو أبو هند بنت الخس الايادية التي جاءت عنها الأمثال وكانت معروفة بالفصاحة، نقله ابن دريد. وفي نوادر ابن الأعرابي يقال فيه خسس وخص، بالسين والصاد، وهو خس بن حابس بن قريط الأيادي. وقال أبو محمد الأسود:
لا يجوز فيه الخس بالسين. أو هي (أي ابنة الخس) من العماليق. نقله ابن الأعرابي. والايادية هي جمعة بنت حابس الأيادي، وكلتاهما من الفصاح؛ والصواب أن ابنة الخس المشهورة بالفصاحة واحدة، وهي من بني أياد. واختلف في اسمها. فقيل هند. وقيل: جمعة. ومن قال: أنها بنت حابس، فقد نسبها إلى جدها، كما حققه غير واحد. ونقل شيخنا عن ابن السيد في الفرق: إنه يقال لامرأة من العرب، حكيمة بنت الخص، وابنة الخس. فهذا يدلك على أنها امرأة واحدة. والاختلاف في اسمها. فتأمل
وقال عن الزرقاء في مادة زرق: (زرقاء اليمامة: امرأة من جديس، وكانت تبصر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام. قاله ابن حبيب. وذكر الجاحظ أنها من بنات لقمان بن عاد وأن اسمها عنز وكانت هي زرقاء، وكانت الزباء زرقاء.
ومن أوهامه، ذكره أول من وصل إلينا خبره من الشعراء، فرجح أنه أبو دؤاد الأيادي ولقيط الأيادي. والواقف على تاريخ العرب لا يجسر على ذكر اسم الشاعر الأول الذي وصل إلينا شعره، لما في وضع العرب من الأشعار المفتعلة، المنسوبة إلى رجال من الأقدمين، لا يوافق شعرهم عصرهم. وأني أرى أن التصريح بجهل اسم الشاعر الأول، أولى من التعريض لهذا البحث، الذي لا تحل عقده على الوجه الذي انتهى إلينا من كلامهم.
ومما ينطوي على هذا الغر، قوله:(ص 68) وفيها (أي في ديار نجد) جبل عكاد (كذا) الذي لم تثبت العربية الفصيحة بعد تمادي الأجيال إلا بين أهله. قلنا: أول وهم في هذا الكلام أنه جعل جبل عكاد في نجد. والأصح أنه باليمن. وهو أشهر من أن يذكر، وليس في ديار نجد جبل بهذا الاسم. هذا فضلاً عن أن العرب إذا أرادوا ذكر حفظ الفصاحة في بلد
من بلادهم، ذكروا جبل عكاد، وقالوا عنه أنه في بلاد اليمن، والوهم الثاني أنه جعل أصحاب هذا الجبل وحدهم ممن بقيت فيهم الفصاحة، بعد زوالها من سائر سكان جزيرة العرب؛ والصواب أن هناك أناساً آخرين، منهم: بنو صاهلة أو الكاهليون. قال صاحب التاج في مادة ك هـ ل: بنو صاهلة بن كاهل بن
الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل: قبيلة، ويقال، لهم الكاهليون بكسر الهاء، وقيده الوقشى هكذا: كاهل بفتح الهاء، الهاء، كأنه سمي بالفعل من كاهل يكاهل. كذا في الروض؛ وفي المقدمة لابن الجواني. وهم افصح العرب. قال: وبلغني أن بطناً منهم مقيمون إلى الآن على اللغة البسالمة من اللحن والتغير والفساد.
ومن العرب الفصحاء الذين نسيهم قعين نصر أو نصر قعين. قال في التاج في مادة ق ع ن: قعين كزبير: بطن من أسد، وهو قعين بن الحرث بن ثعلبة بن دودان ابن أسد. وسئل بعض العلماء: أي العرب افصح؟ فقال: نصر قعين أو قعين نصر.
ثم إن حضرة الكاتب نسب إلى أهل نجد افصح العرب، ودعماً لرأيه ذكر أولاً عكاد. وقد رأيت خطأ هذا الرأي. ثم ذكر أهل السروات كأن السروات (وهي ثلاثة اجبل) من نجد، والحال أنها اجبل مطلَة على تهامة، مما يلي اليمن، فهي اقرب إلى هذه منها إلى ديار نجد. وعليه فقد سقط رأيه في أن أهل نجد افصح العرب في العهد السابق. نعم، أن هذا الرأي صحيح بعض الصحة في هذا العهد، إلا أن ما ينسب في هذا العصر، لا يجوز نسبته إلى ذلك، وبالعكس.
واحسن فصل جاء في تقسيم فصاحة اللغة العربية، هو ما ذكره الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب) ص 134، فأنه أجاد كل الإجادة في هذا الباب فليراجع.
ومن غريب استدلال واستقراء كاتبنا ما كتبه في ص 178 قال: (ويؤخذ مما حوته اللغة العربية قبل الإسلام من أسماء العلل والأمراض والعقاقير، أن العرب عرفوا كثيراً من الأمراض ومعالجتها، فلو قال (إنهم عرفوا كثيراً من الأمراض) بدون أن يزيد (ومعالجتها) لما كان على كلامه غبار، لكن زاد هذه الكلمة فافسد الاستدلال، إذ نحن جميعنا نعرف اغلب أسماء الأمراض بدون أن نعرف كيف نعالجها. وكذلك نعرف أسماء عدة أشياء أخرى ولا نعرف حقيقتها كما يعرفها الغير.
وفي بعض الأحيان يهمل علل الحقائق الاصلية، ويتمسك بعلل دونها قوة وإقناعاً. من ذلك
ما قال في أسباب كثرة المترادفات وهذا كلامه: (وأسباب كثرة المترادفات في العربية عديدة منها: إن كثيراً من أسماء الحيوان اصلها نعوت ثم صارت أسماءً، وبعضها مأخوذ عن لغة أخرى. . . وقد يكون السبب في زيادة المترادفات استعارة أسماء حيوانات أخرى للدلالة على هذا الحيوان يتكنون بها عن بعض طبائعه.) - قلنا: وقد أهمل ذكر السبب الأصلي لهذه المترادفات وهو اختلاف القبائل، فأن الشيء الفلاني إذا عرف باسم عند قوم فهو يعرف باسم آخر عند قبيلة تجاورها. فلما جمع العرب في صدر الإسلام مفردات اللغة اثبتوا تلك الألفاظ على كثرتها بدون أن ينسبوها إلى القبيلة التي تتكلم بها فكثرت المترادفات.
وكذلك القول في الأضداد في العربية. فإن هذه الألفاظ لا توجد بالمعاني المتضادة في لغة القبيلة الواحدة وإنما هي بمعنى في لغة جماعة منهم، وبمعنى آخر في لغة طائفة أخرى. أي أن القبيلة التي تستعمل مثلاً حرف (قعد) بمعنى جلس لا تستعمله أيضاً بمعنى قام. وألا امتنع التفاهم. وإنما هي بمعنى دون آخر عند قبيلة أخرى، كما أثبته القوم في كتبهم ودواوينهم. - ونقول مثل ذلك في الألفاظ الكثيرة المعاني، اللهم إلا أن تكون تلك المعاني متجاورة الوضع، أو مجازية، أو فيها بعض المناسبة اللغوية، أو الاشتقاقية؛ فالأمر كما ذكر.
ومن الأقوال التي لا نوافقه عليها: زعمه في ص 59 أن: (ليس في الدنيا أمة تضاهي العرب في كثرة الشعر والشعراء.) فنظن أن حضرته لم يقف أتم الوقوف على شعراء اليونان والرومان وعددهم وعدد دواوينهم. فليطالع في هذا الموضوع ما كتبه العلماء في هذا العصر.
ومما يدخل تحت هذا الباب قوله (ص 199): أما الأسلوب الإنشائي فلا يمكننا تعيين مقدار التغيير الذي أصابه، لأن ما وصلنا من إنشاء الجاهليين لا يخلو من صبغة إسلامية إلا سجع الكهان، فالغالب أنه بقي على حاله. والفرق بينه وبين أسلوب القرآن كالفرق بين الثريا والثرى.)
وقبل أن ننتقد رأيه في هذه المسألة نقول: إنه ختم تعبيره بخلاف ما يريد، لأنه أراد أن يبين الفرق بين سجع وسجع، وأراد أن يشبه سجع الكهان بالثرى وسجع القرآن بالثريا،
فعكس التشبيه وقال كالفرق بين الثريا والثرى. فكان يجب أن يعكس ويقول (بين الثرى والثريا.) لأن الثريا في كلامه راجعة إلى المشبه الأول وهو سجع الكهان، والثرى راجعة إلى المشبه الأخير وهو القرآن فجاء كلامه بخلاف مرامه.
وإذ قد بينا ذلك نقول: إن التغيير وقع في كلام الكهان اكثر مما وقع في غيره لأسباب: 1 - لأن كلام الكهان ليس من الأحاديث ولا من الأقوال الجارية مجرى الأمثال، حتى يحرص عليها وعلى الصورة التي جاءت بها. 2 - لأن كلامهم غير موزون. فكيف بهذا السجع، سجع الكهان وكيف تظن أنه لم تحل به الغبر، وقد غير الرواة من نظم الشعراء شيئاً لا يقدر. 3 - لأن سجع الكهان دون في القرن الثالث من الهجرة، بخلاف الأحاديث وأشعار الجاهلية فأنها دونت قبله. 4 - لأن لرواة العرب وكتابهم في صدر الإسلام غاية في تحقير سجع الكهان، ونسبته إلى الركاكة، وإبرازه بحلة زرية. 5 - لأن طول بعض هذه المسجعات يحول دون حفظها بحروفها. إلى غير ذلك من العلل والأسباب التي يضيق المقام دون استيعابها.
وذكر في (ص 210 إلى 213) حالة الشرق العلمية عند الفتح الإسلامي فذكر آداب الروم في مصر والشام، ثم آداب مملكة الفرس ومدارس جميع هذه البلاد، ولم يتعرض لذكر مدارس الرها ونصيبين، وقد زل هنا الكاتب زلة لا تغتفر، إلا بعد أن يتعرض لها في طبعة كتابه الثانية، وقد وضع لهذا البحث رسائل وكتب عديدة، ومن جملتها تأليف السيد أدي شير، رئيس أساقفة سعرد على الكلدان، واسمه:(مدرسة نصيبين الشهيرة) طبع في المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت سنة 1905 وهو كتاب في 63 صفحة في غاية النفاسة.
وقال في صفحة 213: (ولم يبلغ العرب من العز والسؤدد ما بلغوا إليه في أيام هذه الدولة (الأموية)، ونحن نقضي كل العجب من هذا القول ومن
قائله. فما يريد بهذا العز وهذا السؤدد، وأي عصر يشمل كلامه هذا. فهل ترى يشمل عهد الحميريين، وحضارتهم، وعزهم، وسؤددهم، وإيغالهم في التمدن والحضارة؟ أو يشمل عهد العباسيين؟ فكنا نحب أن نعلم هل كلامه هذا يرجع إلى ما قبل عصر الأمويين، أم إلى بعده. ليجوز الحكم بعد ذلك.
ومن آرائه القائلة التي توافق آراء كثيرين من الكتاب قوله ص 225 (أن الفتوح دعت إلى
الاختلاط بالاعاجم، والاختلاط دعا إلى فساد اللغة؛ فاصبح الناس يهملون الإعراب. وكان العرب عند ظهور الإسلام يعربون كلامهم على نحو ما في القرآن. إلا من خالطهم من الموالي والمتعربين، فأن هؤلاء كانوا حتى في أيام النبي يخطئون الإعراب.) قلنا: ولنا أدلة على أن العرب خالطوا الأعاجم قبل الإسلام بأعصر متطاولة، لمجاورة جزيرتهم بلاد الفرس، والهند، والاشوريين، والكلدانيين، والفنيقيين، والمصريين، وغيرهم. والتاريخ خير شاهد على ذلك.
ثم أن إهمال الإعراب كان معروفاً عند بعض قبائل العرب، كما كان معروفا استعماله وفي عهد واحد. ولنا أدلة نقلية وعقلية نأتي بها يوماً وليس هنا محل ذكرها.
وذهب في ص 227 (إلى أن الحركات عند العبرانيين 11، وعند السريان الشرقيين 7، وعند السريان الغربيين 5، أما في العربية فهي ثلاث فقط.)
قلنا: إن أراد بالحركات هنا حركات الإعراب فهي ثلاث كما قال. لكن يؤخذ من سياق الكلام أن المراد بها غير حركات الإعراب. فإذا كان كذلك فهي 7، بالعربية: ثلاث منها لها صور موضوعة، والأربع الأخرى لا صورة لها، ولا بد أن نتعرض لذكرها يوماً. اللهم إلا أن يريد الكاتب ذكر الحركات المعروفة صورها، فما قاله هو الصواب. ونظن أن الأمر كذلك؛ لأنه يقول في ص 228: والحركات العربية لا تقل عدداً عن الحركات السريانية، وربما زادت عليها؛ ولكن الأحرف الصوتية في العربية ثلاث (كذا أي ثلاثة) فقط (الواو والألف والياء) فاستعاروها للدلالة على الضم والفتح والكسر، وهي الحركات الرئيسية، وتركوا سائر الحركات المختلسة كالإشمام والروم والإمالة لفطنة القارئ.