الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمرة عند العراقيين
تمهيد
إذا جاور قوم قوماً آخر يختلف عنه في لبسه وأكله وشربه ونومه وقعوده وقيامه وأمور معيشته ولسانه ونحو ذلك لا يبطأ أن يدخل شيئاً من أحوال جاره في شؤونه، وكلما اعتقد فيه السيادة عليه كثر اقتباسه منه. وهكذا الأمر في أهل العراق. فإنهم لما خالطوا الفرس والترك وسائر الأعاجم أخذوا منهم شيئاً كثيراً مما يتعلق بشؤون ألفتهم ومجتمعهم ولاسيما بما يتعلق بلباسهم. وهانحن نذكر هنا ما يتعلق بعمرة الرجل أي بما يلبسه على رأسه وهي لفظة عربية فصيحة يقابلها عند الإفرنج كلمة فنقول:
1 -
العرقجين
بفتح العين والراء المهملتين وإسكان القاف وكسر الجيم المثلثة الفارسية وإسكان المثناة التحتية وفي الآخر نون، لفظة تركية فارسية الأصل مركبة من كلمتين وهما:(عرق) بالمعنى المشهور العربي وهو رشح الجلد. و (جين) الفارسية بمعنى جامع أو لام. ومحصل معناهما: (جامع العرق أو لامه. وبعضهم يزيد على آخره هآء فيقول (عرقجينة) وهو قليل. والمشهور الأول. ويراد بها سكبة أي خرقة تقور للرأس تكون في أغلب الأحايين من نسيج القطن تلبس تحت الطربوش أو الفينة (اسم الطربوش عند العراقيين). وقد تلبس وحدها في المنزل أيام الحر الشديد، أو قد تلبس ويلف عليها العمامة أو توضع عليها الكوفية المعروفة عند العراقيين باسم الكفية: - ولكون هذه العمرة تتخذ لكي تمتص العرق عرفت أيضاً باسم العرقية بفتح الحرفين الأولين. قال صاحب التاج في مستدرك ع ر ق: (العرقية محركة: ما يلبس تحت العمامة والقلنسوة مولدة.) أهـ. وكان أهل العراق أول من اقتبسها عن الفرس لمجاورتهم إياهم
ولشدة حر صعقهم. ثم انتقل بها قوم إلى ديار الشام فتعلم الشاميون منهم اتخاذها ولهذا سموها (عراقية) نسبة إلى العراق. قال في محيط المحيط: العراقية من ملابس الرأس تلبس غالباً تحت الطربوش.) ثم زاد على ذلك قائلاً: والمشهور عند العامة العرقية) وضبطها بإسكان
الراء.
وقد جاءت العرقية في بعض نسخ كتاب ألف ليلة وليلة (راجع طبعة برسلو 260: 9 و329: 4) وقد وردت مرة بصورة عرقية وأخرى بصورة عراقية. على أن (العرقية) أقدم ذكراً في كتب المولدين من (العراقية) فقد جاءت العرقيات في كتاب اللطائف للثعالبي (ص 112 س 10) وقال عنها أنها تصنع في طبرستان.
وكان أهل الشام يريدون سابقاً بالعرقية غير ما يريدون بها اليوم. فقد ذكر روجه في كتابه (الأرض المقدسة) ما تعريبه: تلبس المرأة على رأسها نوعاً من التاج يكون من فضة ويسمونه عرقية (بإسكان الراء) ويكون بهيئة مخروط. وقال في ص 204: (على رؤوس نساء أمراء البادية تاج من فضة مخروط الشكل يلففن عليه لفافة من الحرير الأسود مطرزة باللآلئ والحجارة الكريمة.) أهـ. فيؤخذ من هذا الوصف أن ما كان يسمى عرقية سابقاً هو المسمى عند اللبنانيين بالطرطور الذي حظر استعماله الكهنة بعد حادثة 1841 و1845. وقد جاءت العرقية بهذا المعنى في كتاب ألف ليلة وليلة قال: وعلى رأسها خوذة بالذهب مطلية، وعرقية فولاذ وزردية. وفي بعض النسخ وردت كلمة بيضة بدلاً من عرقية.
فالعرقية بإسكان الراء لغة أهل الشام. وبفتحها لغة أهل مصر والمغرب وبعض أهل العراق.
وأهل مصر يسمونها أيضاً (طاقية) وقد وردت في كتب المولدين وذكرها ابن بطوطة في رحلته والمقريزي في كتابه الخطط والآثار. ومن أسمائها المعرقة (وزان مدرسة) وكان يعرفها بهذا الاسم بدو ديار الشام قبل نحو قرن. أما اليوم فاللفظة بهذه الصورة مماتة عندهم. ومن أسمائها الحالية
(الحدرية)(بكسر الأول) ويعرفها بهذا اللفظ أهل بادية العراق وبعض سكان مدن العراق كأهالي الشطرة والحي والناصرية أو المركز وسوق الشيوخ والكلمة مشتقة من حدر الجلد العرق: إذا سأل به. فهي والعرقية من معنى واحد وإن اختلف المبنى. وأما لفظة العرقجين فيعرفها أهل مدن العراق الكبيرة كبغداد والبصرة والنجف وكربلاء وبعض أهالي البادية الذي يختلفون إلى المدن.
وتختلف هيئة العرقجين باختلاف أهل المدن وأعمارهم. فمن العرقجينات ما هو طويل محرب كثير النقش والتطريز والتزويق. وهذا تتخذه غالباً الفرس والهنود الموجودون في
العراق. - ومنه ما هو على هيئة نصف كرة. وهذا يلبسه العرب العراقيون وبعض الفرس الموجودين بين ظهرانينا. - ومنه ما هو على شكل مثلث تسميه النساء العراقيات (كاوورية) بكاف فارسية مثلثة يليها ألف بعدها واوان: الأولى مضمومة والثانية ساكنة يعقبهما راء مهملة ثم ياء مشددة ثم هاء نسبة إلى الكاوور وهو عند العراقيين المسلمين اسم النصارى والكفار والمجوس. وقد نسبت إليهم كأنهم هم الذين أول من استعملها على هذه الهيئة. والمسلمون يتخذون هذا النوع من السكبة لأطفالهم خاصة.
2 -
الفينة والطربوش والفيس والفس والشاشية والغفارة
العراقيون يسمون الطربوش (فينة) بفاء مكسورة وياء مثناة تحتية ساكنة ونون مفتوحة وهاء في الآخر. والطربوش هو الاسم الشائع في سائر البلاد العربية اللسان. والفينة تصحيف فينة بفاء مثلثة وهي اسم حاضرة بلاد النمسة لأن أهل هذه الديار كانوا يجلبونها في السابق من تلك العاصمة فأضيفت إليها ثم حذف المضاف على ما هو مستفاض في لغة العرب. أما الطربوش فهو تصحيف سربوش أي غطاء الرأس بالفارسية. قلبت فيها السين تاء على لغة شائعة عندهم (لغة العرب 1: 253 و2: 176) ثم فخمت التاء فصارت طاءً فقالوا طربوش كما في القتر والقطر وهرت الثوب وهرطه. والمتلئب والمطلئب وغيرها كثير. وأما الفيس فهو كلمة فاس بالأمثلة وفاس قاعدة مراكش. وكان يجلب منها أيضاً هذا النوع من العمرة، فأضيفت إليها. ثم حذف المضاف كما جرى الأمر
في فينة. وبعضهم يقول فس وزان تل. ولم يرد من هذه الألفاظ في كتب المولدين إلا كلمة طربوش. من ذلك في بعض نسخ كتاب ألف ليلة وليلة في قوله وكان عليه كما ذكرنا الطربوش والشاش. - ونظن أن لفظة الفينة قديمة أيضاً في العراق لأن الرحالة الإفرنسي أوليفية المتوفى سنة 1814 يقول في رحلته في كلامه عن نساء بغداد: وفي زينتهن المألوفة يكون على رؤوسهن فينة سوداء من القطيفة (المخمل) تتدلى إلى الوراء لها عثكولة (بسكولة أو شرابة) من الإبريسم أو من الكلبدون (خيوط الذهب) فإن كانت العثكولة من خيوط الذهب (الكلبدون) فظاهر الفينة يكون مغشى بالقصب (بشريط الذهب) وتثبت هذه الفينة على الرأس بلفافة من شال قشمير.)
وأما لفظة فيس أو الأصح فس فمأخوذة من التركية لأن الترك يلفظون مدينة فاس التي
كانت تصنع فيها هذه العمرة (فس أو فيس) وعوام بغداد يقولون إلى يومنا هذا (فيس رنكى) أي (لون الطربوش) إذا أرادوا أن يعرفوا لوناً من الألوان الحمراء يكون بلون الطربوش.
وفي سابق العهد كان أهل مصر يسمون هذه العمرة (شاشية) كما يعرفها بهذا الاسم أهل المغرب إلى يومنا هذا. وهم يعرفون أيضاً من مراد فاتها الطربوش. - وأما عرب الأندلس فكانوا يسمونها غفارة بكسر الغين وهو أفصح ما جاء في هذا المعنى. قال في تاج العروس: (المغفر كمنبر والمغفرة بهاء أو الغفارة ككتابة: زرد من الدرع ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة. ويقال: هو رفرف البيضة. . . قال ابن شميل: وربما كان المغفر مثل القلنسوة غير أنها أوسع يلقيها الرجل على رأسه فتبلغ الدرع ثم تلبس البيضة فوقها