الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصر الاخيضر
ورأي العلامة الآلوسي فيه.
1 -
ما هو قصر الاخيضر
على بعد نيف وخمسين كيلو متراً من غربي كربلاء، أو على بعد 100 كيلو مترا من غربي الفرات، قصر فخم ضخم، قائم احسن قيام على أسسه المتينة المكينة، يسميه العراقيون:(الاخيضر)، مصغر الأخضر، وهو ذو طبقتين يبلغ طوله 200 متر.
وأول إفرنجي زار هذا القصر زيارة تذكر هو الرحالة نيبهر ثم زراه بعض سياح الإنكليز إلا انهم لم يكتبوا عنه شيئاً يستحق التنويه به، وفي سنة 1908، تعهده الشاب الذكي، والمستشرق اللوذعي، صديقنا لويس ماسنيون، فكتب عنه في عدة مواطن من المجلات، من جملتها في (نشرة مشارفة مجالس ندوة العلماء للرقم وعلوم الأدب، وفي (المذكرات التي ينشرها أعضاء دار العلوم الفرنسوية للآثار الشرقية، المقامة في مصر القاهرة، تحت إدارة المسيو أ. شاسينا؛ ثم زارته، بعد بضعة أشهر من تلك السنة، الآنسة الإنكليزية ج. ل. بل ووصفته وصفا مدققاً في كتابها (مراد إلى مراد) وبالإنكليزية ثم زاره الأديب الفرنسوي فيوله في شهر آب من سنة 1910، وكتب عنه مقالاً نفيساً قدمه إلى الأديب ديولافوا.
2 -
عصر بناء القصر وبانيه
اختلف العلماء كل الاختلاف في اسم هذا القصر، وفي بانيه الأول، وفي القرن الذي بني فيه. فالمهندس الأثري الأديب ديولافوا يذهب إلى أن هذا القصر يرتقي إلى الربع الأخير من القرن السادس للميلاد، أي قبيل العصر الإسلامي. والذي يحدوه إلى هذا الرأي هو قوله:(أن الريازة (فن البناء) وفن تزويق الأبنية كانا قد بلغا أوج الكمال، منذ عصر سامراء، ومن ثم يتضح أن كل بناء عظيم لا ترى فيه الريازة إلا في نيتها أو في نشوئها، فهو على الأرجح سابق للإسلام كقصر الاخيضر في العراق.
أما الآنسة (بل) فإنها لا ترى هذا الرأي، بل تذهب إلى أن هذا القصر أقيم في الصدر
الأول للإسلام.
ووافقها على هذا الفكر الأديب فيوله المذكور، وهو اليوم رأس مهندسي الولاية، قال:(لقد تحققت كل التحقق أن هذا القصر إسلامي كل الإسلام، وهذا ما يظهر من الأساليب والذرائع المتخذة لتشييده. وقد زاد يقيني هذا كل الزيادة، لما نبشت في الأرض نبشاً زهيداً بواسطة المعول؛ وللحال وقعت على محراب في وسط الحائط الجنوبي وهو حائط بهو عظيم، سمته الآنسة (بل)(وقد صدقت تسميتها) بالمسجد. ولو فرضنا أننا لم نعثر على هذا المحراب، فأن استقراءات الأديب ديولافوا، لا تقضي إلى نتيجة تؤيد أن قصر الاخيضر هو غير إسلامي، ولو أنه تفرغ كل التفرغ لإنعام النظر في البحث الذي أنشأنه في هذا الصدد. لأن الريازة وفن تزويق البناء عند المسلمين، لم يبلغا طور الكمال في سامراء؛ بل كانا في حال التكون بامتزاج امشاج اطراز الأبنية المختلفة التي تآصرت فيما بينهما وتآخت. وهذا الأمر من اثبت الأمور، لأن التشابك لم يكن له بعد وجود عندهم. ولو فرضنا أن طرز البناء الإسلامي بلغ قراره في سامراء، فهذا لا يدل على ما يبين لي، أن الأخيضر يسند إلى العصر السابق للإسلام، لأن تزاويقه البنائية هي في غاية النشوء، وهي فيه بعد كالجنين في رحم أمه. نعم قد يحتمل أن غاشية الجص التي كانت تغشى دواخل الحيطان تزيينا لها، قد سقطت عنها على تراخي أستار الأيام على هذا القصر
السيئ البناء، لكن قد يحتمل أيضاً أنها لم تكن، لسبب أن هذا القصر قد بني، على ما يظهر، بناءً حثيثاً ليكون مصيفاً لصاحبه، لأن مواد بنائه رديئة (وهي أحجار وحصى أو جنادل مغرقة في ملاطٍ) فيكون هذا البناء من الجنس المعروف باسم حشو الاشكنج ولا يحتمل أن يكون مقاماً مزيناً بتزاويق البناء، كما هو الأمر في قصور الخلفاء. من قصور سامراء أو بغداد كلام الأديب فيوله.
وأما الأديب لويس ماسنيون، فأنه لم يبت أمراً في ما يتعلق ببانيه، وعهد بنائه بل يميل إلى القول بأن هذا القصر إن لم يكن الخورنق أو السدير، فلا يبعد من أن يكون القصر، ذا الشرفات من سنداد، الذي يقول فيه الأسود بن يعفر:
ماذا اومل بعد آل محرقٍ
…
تركوا منازلهم وبعد أياد
أهل الخورنق والسدير وبارقٍ
…
والقصر ذي الشرفات من سنداد
وأما أستاذنا، حضرة الشيخ العلامة السيد محمود شكري أفندي الآلوسي، فأنه يذهب إلى أن هذا البناء شيد في صدر الإسلام، في عهد عمر بن الخطاب في نحو سنة 635 للمسيح، أي في السنة الثانية من خلافة عمر وقد بناه اكيدر الملك السكوني الكندي، فسمي باسمه، ثم صحفه العوام هذه الكلمة بأن جعلوا الكاف، خاء والدال ضادا كما هو معروف في لسانهم فقالوا فيه:(قصر الاخيضر) وإنما هو (قصر الاكيدر).
ومما يثبت هذا الرأي ما ذكره ياقوت في معجمه، قال في مادة دومة الجندل:
إن النبي صلى الله عليه وسلم صالح اكيدر على دومة، وأمنه، وقرر عليه، وعلى أهله الجزية، وكان نصرانياً، فاسلم أخوه حريث فاقره النبي صلى الله عليه وسلم على ما في يده، ونقض اكيدر الصلح بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأجلاه عمر (رضه) من دومة، في من أجلى من مخالفي دين الإسلام إلى الحيرة، فنزل في موضع منها قرب عين تمر، وبنى به منازل وسماها:(دومة). وقيل (دوماء) باسم حصنه بوادي القرى، فهو قائم يعرف، إلا أنه خراب.
فقصر الاكيدر إذاً هو بناء نصراني بناه صاحبه على عجلة بعد أن أجلى عن حصنه بوادي القرى. وهو قريب من عين التمر وليس حصن هناك قريباً من هذه المدينة قرب قصر الاكيدر منها.
وأما وجود المحراب في حائط الجنوب، فيعلل بأن المسلمين الذين احتلوا القصر بعد صاحبه، أقاموا فيه محراباً، قياماً بشعائر الدين، كما هي عاداتهم في قصورهم وحصونهم الكبيرة ولا سيما إذا بنيت بعيدةً عم جامع أو مسجد، كما هو الأمر في بادية مثل هذه البادية التي شيد فيها قصر الاخيضر أو الاكيدر.
3 -
سبب تسمية هذا القصر بالاخيضر
قد مر بك أن الاخيضر سمي كذلك من تصحيف العوام للفظة الاكيدر ليس إلا. وأما الذين لم يقفوا على هذه الحقيقة المقررة، فقد ذهبوا في هذه اللفظة ومناسبتها لهذا الحصن مذاهب شتى، منها:
1: إنما سمي كذلك، لأن الاخيضر تصغير الأخضر، وقد أتته الخضرة من عين هناك يبض منها الماء بضاً، فينبت حول القصر عشب، يحسن منظر القصر في عين الزائر، أو تنمو في فصل الأمطار خضرة على حيطانه القديمة، فيظهر كأنه البس ثوباً من سندس أو
إستبرق. وقيل: لأن أرض الحصن خصبة والخصب ينعت بالأخضر، لأن الخضرة هي من أسباب الخصب. ومنه قول العرب:(هم خضر المناكب) أي في خصب عظيم. ومثله: هم خضر المرابع. ومنه قول الشيخ صفي الدين الحلي:
أنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً
…
أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بيض صنائعنا سود وقائعنا
…
خضر مرابعنا حمر مواضينا
وقيل: إنه سمي بالاخيضر لأن هناك ذباباً يعرف بهذا الاسم وهو يكثر فيه في أبان الربيع وهو بقدر الذباب الأسود المتوسط الكبير، وقد يؤذي الدواب والناس.
2: ذهب بعضهم إلى أن اصل هذه التسمية، (تسمية الاخيضر)، ترتقي إلى سنة 310. وذلك أن ابن سيرين ذكر في تاريخه قال: وفيها (أي في سنة 310هـ - 2922م) انتقل أهل قران من اليمامة إلى البصرة لحيف لحقهم من ابن الاخيضر في مقاسماتهم وجدب ارضهم، فلما انتهى أمرهم إلى أهل البصرة سمي أبو الحسن احمد بن الحسين بن المثنى في مال جمعه لهم فقووا به على الشخوص إلى البصرة، فدخلوا على حال سيئة، فأمر لهم سبك، أمير البصرة بكسوة ونزلوا بالمسامعة محلة بها.
وقال المسعودي في كتابه التنبيه والأشراف ص 381 بخصوص الاخيضر ما هذا نصه:
. . . ثم مسيرة (مسير أبي طاهر سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي، صاحب البحرين، في سنة 313هـ - 925م) عن الكوفة إلى الاحساء بالذرية والثقلة وتسليمه البلد إلى إسماعيل بن يوسف بن محمد بن يوسف المعروف بالاخيضر، صاحب اليمامة، ابن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ومسير أبي القاسم يوسف بن أبي الساج عن واسط في عساكره للقائه؛ وكان السلطان أشخصه عما كان يليه من الأعمال من بلاد أذربيجان، وأرمينية، واران، والبيلقان، وغيرها، ليستعد من واسط، وينفذ إلى بلاد البحرين؛ وكان مقيماً بواسط مستعداً، إلى أن جاءه الخبر بمسير صاحب البحرين إلى الكوفة، فخرج مبادراً له فسبقه أبو طاهر إليها، ونزل الموضع المعروف بالخورنق وجازها؛ ونزل ابن أبي الساج في اليوم الثاني بالقرب منه في الموضع المعروف ببين النهرين، مما يلي القرية المعروفة (بحر وراء)، واليها أضيفت (الحرورية)، من الخوارج، وأبو طاهر بينه وبين الكوفة: فكانت الواقعة بينهم يوم السبت لتسع خلون من شوال سنة
315هـ (أي في 9 ك1 من سنة 927م). المقصود من إيراده.
وعليه فالمراد بالاخيضر، الخورنق. وسمي الخورنق بالاخيضر لأنه نزل
فيه فأضيف إليه منذ ذاك اليوم، وحمل اسم الخورنق الفارسي الاصل، الثقيل على لسان العربي.
3: وقال المستشرق الأديب لويس ماسنيون: وهناك رجم آخر وهو غير محتمل لما بين اللفظين من البعد أن الاخيضر مأخوذ من (الاكيدر)، صاحب دومة الجندل الكندي الذي ارتد إلى النصرانية. بعد وفاة النبي، وكان لهذا الملك حصنان: الواحد في دومة الحيرة (وهو في الواقع قريب من عين التمر)، والآخر في دومة الجندل، وقد ذكره ياقوت (في 2: 626) في قوله: (وفي داخل السور حصن منيع يقال له مارد وهو حصن (اكيدر) إلا أن هذا الرأي هو رجم محض، وموقع دومة الجندل على بعد أربع ليال من تيماء بين المدينة والشام؟ يجعل هذا الرأي بعيد التمسك به لا سيما القول بأنه قصر دومة الجندل. كلامه.
قلنا: نعم، أن القول بأن حصن الاكيدر هو الذي كان له في دومة الجندل من وادي القرى بعيد الاحتمال؛ لكن القول بأنه الحصن الذي كان له في دومة الحيرة قريب، ولا قرب حبل الوريد. كيف لا وقد قال عنه ياقوت أنه قرب عين التمر وهو قائم يعرف إلا أنه خراب، وهو كلام يصدق على الاخيضر إلى يومنا هذا.
4: ذهب بعض الأدباء إلى أن الاخيضر هو ترجمة لفظة السدير القديمة لأن هذه الكلمة تعني العشب وكذلك الاخيضر، وربما كان هذان الحرفان متعاورين منذ البدء، ثم قتل الواحد الآخر لسهولة حفظه، وقرب معناه من الافهام، ولا شك أن معنى السدير للقصر النعماني المشهور هو بالفارسية ذو البيوت الثلاثة (سه د ير)، إلا أن العرب تركوا المعنى الأجنبي، وتمسكوا بالمعنى العربي حياً
بلغتهم، ومعانيها وكرهاً للأعاجم. ونحن نرى أن هذا الرأي فطير، بل في منتهى الفطر.
وهناك غير هذه الآراء وكلها قائلة؛ وقد اجتزأنا بما ذكرنا، لشهرتها، ولعرضها على القراء الكرام.
4 -
موقع قصر الاكيدر الحربي والسياسي
قال صديقنا الفاضل لويس ماسنيون في كتابه: (بعثة في العراق) ص 2 ما هذا تعريبه: إن موقع الاخيضر من احسن المواقع، واجلها لبناء حصن هناك.
وذلك لأنه في وسط نوع من الحلقة عظيمة القطر، يخطها الفرات خطاً بديعاً، على أبعاد متناسبة متساوية، أو تكاد تكون كذلك، من هيت، والانبار، وبابل، والحيرة؛ فموقعه إذاً من اجل المواقع الحربية؛ فهو يحافظ احسن المحافظة على صقع واقع على ثغر البادية، وكان مسقياً احسن السقي، لأن الأقدمين كانوا قد حفروا في أرضه انهراً، تأليها من الفرات، وتخرقها خرقاً كما يشق اليوم نهر الحسينية جوار كربلاء منذ القرن العاشر قريباً من رزازة. وهناك كان أيضاً بطائح تأتي مياهها من الفرات وتدفع فيها وفي البادية بعد أن تسقى الأراضي المزروعة؛ ولهذا كان يطوف بها الأدغال والآجام الكثيرة الطير والصيد (وهذه أيضاً أحدوثة ما يروى عن الخورنق وكان ملتقى الصيادين وموعدهم).
(والى اليوم ترى آثار الزراعة وبقايا عقيق النهر القديم الجامع بين هيت والابلة، وهي ظاهرة كل الظهور بين كربلاء والاخيضر.
وما عدا ذلك كان يمكن لأصحاب ذلك القصر أو الحصن المنيع أن يقبضوا على الذعار وقطاع الطرق الذين يأتون من ديار نجد أو من أنحاء بلاد الشام، قبل أن يتوغلوا في الارضين المزروعة أو العامرة ويعيثوا فيها. كلام صديقنا.
5 -
موقعه السياسي الحالي.
الاخيضر هو منتهى قيم مقامية رزازة، الراجع أمرها إلى فهد بك، من العنزة؛ وآخر حدود مديرية شفاتا (التي يسميها البعض شتاتة والبعض الأخر من الترك أو من المتتركين شفاتية والأصح ما أوردناه كما وردت في ياقوت في مادة